شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
إنجازات لن نستطيع كتابتها بالـ C.V

إنجازات لن نستطيع كتابتها بالـ C.V

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والتنوّع

الخميس 20 يوليو 202311:00 ص


تاريخ ولادتنا الكامل، اسمنا الثّلاثي، جنسيتنا، الشّهادة الجامعية التي حصلنا عليها، شهادات حضور دورات تدريبية اتبعناها، أماكن عمل عملنا فيها، جوائز حصلنا عليها بعد مسابقة ما، مكافآت مُسجّلة باسمنا خلال مسيرة عملنا على اختلاف أنواعها، هذا ما نكتبه في خانة إنجازاتنا عندما نُعِد ملخّصاً عن سيرتنا (C.V).

لكن ماذا لو أُتيحت لنا فرصة استبدال كلّ تلك البيانات بمعلومات حقيقية تصفنا وتحكي حقيقتنا، لأنّها ببساطة وحدها التي صنعتنا؟ هل كنا سنجرؤ حقاً على ذلك؟

عندما تركنا البيت القديم

ماذا لو كان بإمكاننا أن نكتب بكلّ شجاعة في خانة إنجازاتنا، كيف تركنا البيت القديم؟ عندما خطونا أول خطوة خارج العتبة وكنّا أضعف من أن نلتفت للوراء، فتبقى بسبب التفاتةٍ واحدةٍ خطوتنا واقفة. عندما مسحنا بطراف الكمّ دمعة قلبنا قبل عينينا كيلا يلمحها أحد، ومضينا بعدما تخلّينا عن صباح الخير اليومية لوالدينا؛ بعدما تخلّينا عن سريرنا، خزانتنا، ضجرنا المُعلّق على جدران المنزل، وآمالنا المرسومة على نوافذه، عن مراياه التي عرفت ملامحنا الفرِحة والحزينة والحيادية.

بعدما تخلينا عن ركن المطبخ الذي كان مُهملاً مَنسياً في وعينا اليومي آنذاك، وغدا حاضراً بشراسةٍ في ذاكرتنا، بما حملَهُ من روائح شهيّة لم نستطع فيما بعد إدراكها حتى لو قُدِّمت لنا أشهى الأصناف وأغلاها.

ماذا لو أُتيحت لنا فرصة استبدال كلّ البيانات في C.V بمعلومات حقيقية تصفنا وتحكي حقيقتنا، لأنّها ببساطة وحدها التي صنعتنا؟ هل كنا سنجرؤ حقاً على ذلك؟

ماذا لو كان بإمكاننا أن نكتب بكلّ شجاعة في خانة إنجازاتنا، كم مرّةً بعد ذلك نجحنا في إخفاء انكساراتنا عن قلوب أمهاتنا؟ عندما أخبرتنا الحياة أنّها لن تمنحنا دلالاً وحناناً كما عوّدتنا الأمهات، وأنّنا لن نجد من يركض بلا غاية، بل فقط بلهفةٍ وبيدٍ ممدودةٍ وعينين مليئتين بالخوف والحبّ إن تعثرنا، عندما أصبح التّعثر حدثاً مجازياً أشدّ ألماً من ذاك الذي سبَّبَ في طفولتنا جُرحاً طفيفاً في الركبة، وصار علينا التحمّل بمفردنا، والنّهوض بمفردنا، والمتابعة بمفردنا، بابتسامة مشروخة ويقين مكسور بأنّنا بخير.

من تَرَكَ مَلَكَ

ماذا لو كان بإمكاننا أن نكتب بكلّ شجاعة في خانة إنجازاتنا كيف علّمتنا الحياة ثقافة التّخلي، عندما علّمتنا أنّ التّخلي بكلّ ما فيه من قسوة وألم ضرورة جوهرية لينمو عودنا ويصلب ويخضّر؛ وأن نكتب كم استلزم الأمر وقتاً وجهداً وتعباً ودمعاً للقيام بفعل التّخلي.

التّخلي عن علاقة اعتقدنا أنّ فيها نعيمنا لكنّ كان فيها تعبنا وفتورنا وضعفنا وركودنا. التّخلي عن عملٍ اعتقدنا أنّه مصدر رزقنا، وحَلِمنا به ليالي قبل حصولنا عليه، لكنّه خذلنا وسرق طاقتنا وجهدنا وأحلامنا وأيامنا مقابل ما يساوي لا شيء. التّخلي عن فكرة دافعنا عنها باستماته في جلسات الأصدقاء، وخلقت شرخاً في بعض صداقاتنا، ثمّ اكتشفنا فعلاً أنّها لا تُشبهنا. التّخلي عن مُعتقد ورثناه من بيئتنا الأولى فأصبح من مسلماتنا، لكنّه كثيراً ما كان حاجزاً في طريق رحلتنا دون أن نُدرك.

التّخلي عن حزن قديم مزروع في نقطة مخفية عن الآخر في عمق ذاتنا، ومع تراكم الخيبات، نما وكَبُر حتى صار شجرة من السّهل أن يراها الجميع، شجرة غيّرت هيأتنا وأسلوب تعاملنا ونوع رغباتنا؛ ثمّ بشقِّ الأنفس استطعنا اقتلاعها عندما اكتشفنا أنّه بإمكاننا تغيير طينة أحلامنا، وأنّه من حقنا الرّحيل عن مكان لا أمان لنا فيه ولا أحلام.

خانة أول مرة

"أوّل مرّة"، هذه العبارة التي تحمل وقعاً نفسياً هائلاً في تشكيل عالمنا الدّاخلي الذي يعكس يوماً بعد يوم ردود أفعالنا ويُفسّرها، وبالتّالي يكوّن شخصيتنا، أي أفكارنا وأسلوب تعاملنا وأفعالنا. إذن ماذا لو كان هناك خانة اسمها "أوّل مرّة" وصار باستطاعتنا أن نكتب فيها عن أوّل مرّة كذبنا فيها أمام الأصدقاء خجلاً لأنّ حقيبتنا خالية من النّقود.

ماذا لو كان هناك خانة اسمها "أوّل مرّة" وصار باستطاعتنا أن نكتب فيها عن أوّل مرّة كذبنا فيها أمام الأصدقاء خجلاً لأنّ حقيبتنا خالية من النّقود. عن أوّل كلمة عزاء نطقنا بها وخلقت هاجس الفقد فينا، عن أوّل مرّة حضنّا فيها حزن صديق ثمّ أصبح هو نفسه حزننا

عن أوّل كلمة عزاء نطقنا بها وخلقت هاجس الفقد فينا، عن أوّل مرّة حضنا فيها حزن صديق ثمّ أصبح هو نفسه حزننا، عن أوّل معركة خرجنا منها مهزومين ومنهكين رغم كلّ ما بذلنا، عن أوّل فعل مسامحة قُمنا به محبّةً ثمّ خُذلنا، عن أوّل غفران قدّمناه للحياة على ألّا تُعيد معنا مزاحها الثّقيل، فسخرت من بلاهتنا وضاعفت من حدّة مُزاحِها الأسود، عن أوّل مرة تجرّأنا فيها على الانتقام مِن مَنْ آذانا، عن أوّل مرّة استلمنا فيها نقوداً من عملنا، واعتقدنا أنّها على قلّتها ستسمح لنا بشراء الكون لنا ولأحبابنا، عن أوّل مبلغ مالي أقرضناه لأحدهم ولم يُرجعه، عن أوّل يوم عشناه بعد ما تركنا عملٍ استنزفنا ونحن لا نملك عملاً آخر، عن أوّل مرة مشينا شوارع بحالها عودةً للمنزل لأنّنا لا نملك ثمن ركوب حافلة.

عن أوّل مرة قلنا "أحبّك" وسمعناها، عن أول هجر عاطفي عشناه، عن أوّل اكتئاب شعرنا به وأوّل لحظة قوة أخرجتنا منه، عن أوّل مرة استيقظنا بعد ليل شاق ظنّنا أنّه لن ينتهي، التحفتنا خلاله فكرة الموت، ثمّ انتهى وتابعنا الحياة ونحن نردّد عبارة سعد الله ونوس: "محكومون بالأمل".

تلك المواقف هي التي صنعتنا

على الرّغم من أنّه لن يحدث يوماً أن يتحول مدير الموارد البشرية (الـ (HR لاختصاصي اجتماعي ونفسي، ولن يحدث يوماً أن تتوفّر خانة مهارات نكتب فيها أنّنا نمتلك مهارة الصّبر والسّماح والثّبات والقوة برغم الألم والخيبة والتّعثر واليأس، مهارة النّهوض والعزيمة والرّغبة بالاستمرار والتّحدي؛ ولن يحدث أن نحظى بخانة "أوّل مرّة" لنشرح عن أثرها النّفسي في عوالمنا؛ ورغم أنّه سيبقى يُطلب منّا مجرّد بيانات وأرقام وشهادات تُثبت شخصيتنا وتخصّصنا، ستبقى الشّهادات والأوراق أقرب إلى الحائط من ذاتنا، نضعها في برواز أنيق ونقدّم صورة عنها لوظائفنا، وستبقى تلك المواقف وغيرها، مما لم تُذكر هنا، حقيقتنا وأنانا المخفية، وستبقى وحدها من صنعتنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard