شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عن سؤال الجزء الثالث من مسلسل ليه لأ؟... النساء يُجبنَ

عن سؤال الجزء الثالث من مسلسل ليه لأ؟... النساء يُجبنَ "لأ وألف لأ"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء نحن والتنوّع

الأربعاء 19 يوليو 202303:45 م

يُعرض على شاشة "شاهد" حالياً الجزء الثالث من المسلسل المصري "ليه لأ؟" الذي يشتبك في كل جزء فيه مع واحدة من قضايا المرأة العربية، ويلقي الضوء على زاوية معتمة بسبب الأعراف الاجتماعية السائدة.
في الجزء الأول تابعنا قصة الفتاة التي تستقل عن عائلتها، وتتخلى عن امتيازاتها الطبقية في سبيل شق طريقها وحدها في الحياة، وفي الجزء الثاني تقوم البطلة بأخذ قرار غير مألوف باحتضان طفل صغير كابن لها، على الرغم من عدم زواجها. أما في الجزء الثالث فتدافع البطلة "نيللي كريم" عما يفترض أن يكفله لها المجتمع والدين والقانون، وهو إعادة الارتباط بعد طلاقها، ولكن تصبح العقبة في هذه الحالة أمومتها، المسلسل بجزئه الجديد يطرح على المشاهدين سؤالًا عما إذا كان على الأم أن تنسى أنها امرأة؟

أم مقابل امرأة في كفتي الميزان

يمأسس المسلسل منذ اللقطة الأولى للعلاقة القوية التي تجمع بين البطلة شيري وابنها ياسين، فهي تهرع من منزل صديقتها مبكراً لتحضير طعام بسيط له مثل البيض المقلي، لأنه لا يستطيع القيام بهذه المهمة على الرغم من أنه طالب جامعي، واللقطات التالية مباشرة تعرفنا أن نفس المرأة واقعة في حب رجل في منتصف العمر مثلها، ويبادلها نفس الشعور، ولكنها علاقة خفية، على الأقل عن أولادها، حتى أنها سجلته باسم امرأة على هاتفها المحمول، وتقوم بمسح رسائلها ورسائله من الواتساب أولاً بأول.
في الجزء الثالث من المسلسل تدافع البطلة عما يفترض أن يكفله لها المجتمع والدين والقانون، وهو إعادة الارتباط بعد طلاقها، ولكن تصبح العقبة في هذه الحالة أمومتها وتحديداً للولد لا للبنت 

تعيش البطلة حياة مزدوجة، في المنزل هي أم كرست نفسها لابنها، مهملة على الجانب الآخر ابنتها، وخارجه هي امرأة جميلة، واثقة من نفسها، وتبني علاقة قوية مع شريك اختارته بشروطها.
هذه الحياة تنقلب رأساً على عقب عندما يشك ابنها في أنها على علاقة برجل، ويكتشف الحقيقة ليعاقبها بالغضب ثم التجاهل، ويكون عليها الاختيار بين نصفي شخصيتها، الأم والمرأة.

لماذا عليها أن تختار؟

ولكن لماذا يجب أن تختار؟ هذا سؤال يطرحه المسلسل، ويجيب عليه بأن الأزمة التي تقع فيها البطلة سببها أنها أم الشاب لا الفتاة، إذ يصعب عليه تقبل حب أمه لرجل آخر، خصوصاً أنه متعلق بها بصورة كبيرة.
ذلك لا يضع معضلة الشخصية في إطار الخاص، بل كمدخل من الخاص إلى العام، فبشكل عام، إعادة زواج المرأة المطلقة أو الأرملة ليس من الأمور التي تمر مرور الكرام في المجتمع المصري.
فبداية يجب عليها تجاوز عقبة القانون في حال كانت تحتفظ بحضانة أبنائها، فعند إعادة زواجها تسقط هذه الحضانة تلقائياً، إلا إذا كان الزوج القديم متعاوناً وقبل بقاء أولادها معها. 
كل امرأة تفكر بالزواج ثانية بعد طلاقها تخسر حضانتها بشكل تلقائي، وهو ما يمنع كثيراً من المطلقات من استئناف حيواتهن
ومن الناحية المجتمعية أو الدينية تظهر عراقيل أنها أم لإبنة لا يصح اختلاطها برجل غريب حتى لو كان زوج أمها. أما الابن فهو رجل بدم حامٍ، لا يقبل أن تقيم أمه علاقة جنسية مع رجل آخر وبالأخص إن كانت مكتفية من الناحية المادية، ولا تحتاج لزوج يكفلها، لأن ذلك يحيل بشكل بديهي إلى أن الزواج بسبب الاحتياجات العاطفية والجنسية للمرأة.
يحاول المسلسل عبر حلقاته الخمس عشرة فك هذا الاشتباك، بين الأمومة والاحتياجات العاطفية والجنسية للمرأة أياً كان وضعها الاجتماعي، ومدى القبول العام لفكرة إعادة زواج المرأة سواء المطلقة أو الأرملة.

أمومة فرويدية

تجمع بين ياسين ووالدته علاقة أقوى من المعتاد، ولكن بشكل لا يضعها في إطار الشاذ، ويتكرر في المجتمع هذا النمط من العلاقات التي تتعلق فيه الأم بابنها الذكر بشكل كبير خاصة عندما تفتقد وجود صورة الرجل الإيجابية في حياتها مثل حالات الطلاق، أو حتى بوجود زوج مسيء، فتنتقل مشاعرها إلى الابن بصورة غير واعية، والابن من جانبه يرفض التخلي عن هذا الاهتمام عند ظهور رجل في حياة الأم، لأن ذلك لا يهدد مكانته كابن فحسب، ولكن كذكر وحيد في حياة أمه.
تقول المعالجة النفسية شيماء العيسوي لرصيف22: "يحيل هذا الوضع في المسلسل إلى عقدة أوديب التي لم يتم حلها في الطفولة بشكل سوي، وظلت مستمرة، فالولد في هذه الحالة يفكر بشكل غير واع بالأم على أنها حبيبته، وبالتالي فدخول رجل جديد في حياتها يعني منافسة لن تمر بسلام، خاصة في مرحلة المراهقة، ولكن الأمر يمكن أن يستمر بعد ذلك، فهناك ضغط الأقران، والصورة المنبوذة للأم التي تقيم علاقة جنسية مع رجل غير الأب، وهي إهانة له بين زملائه".
وتضيف: "لكن على الجانب الآخر الأم التي تربي أطفال غير أسوياء هي بشكل أساسي غير سوية مثلهم، فهي تُعجب بتحكم ابنها الرجل بها، وسعيدة أن الابن الذكر، أو القضيب الذي أخرجته منها يغار عليها".
اختصاصية علم نفس: "يحيل المسلسل إلى عقدة أوديب التي لم يتم حلها في الطفولة، وبالتالي فدخول رجل جديد في حياة الأم يعني منافسة لن تمر بسلام"

بتطبيق وجهة النظر الفرويدية على المسلسل، نجد أن ياسين الابن المدلل لوالدته يستحوذ بالفعل على جل اهتمامها، بينما يتم إخراج الابنة من هذه المعادلة، فهي تمثل تبعاً لنفس التفسير منافسة للأم، أو على الأقل شخصاً غير مرغوب فيه، وعلى الرغم من تعامل الابن المهين مع شيري عندما يعرف بعلاقتها بحبيها، ودعم الابنة لها إلا أن ذلك لم يقرّب بينهما، بل وضعت قلبها جانباً، وأهملت الابنة عن عمد وحاولت بكل الطرق استرضاء ياسين الابن، الذي لا زال حتى هذه النقطة الذكر الأهم في حياتها".

قصة أمل وابنها

أمل وهو اسم مستعار مرت بنفس ظروف البطلة، فبعد انفصالها عن والد ابنها بعدة سنوات قامت بالارتباط مرة أخرى بشريكها الجديد، ولاحظت منذ البداية أن ابنها لم ينزعج من شريكة والدته الجديدة، ولكنه أحبط للغاية من دخول رجل جديد إلى حياتها.
تقول لرصيف22: "بعد ارتباطي ركزت على زيادة اهتمامي بابني، حتى لا يشعر أنه مستبعد أو منبوذ، ولكن مع انتقالنا إلى منزل جديد، بدأ يعبر عن إحباطه من هذا الوضع، وأنه لا يمتلك في هذا البيت إلا غرفته فقط، وكل ما هو خارجها لا يمت له بصلة، على الرغم من تأكيداتي أن ذلك غير صحيح، ولكن لم أتوقع أن ذلك له علاقة بعلاقتي، ثم تحدثت معه بشكل واضح عن فكرة زوج الأم، وإنه ليس بالضرورة رجل شرير كما يظهر في الأفلام، وأعطيته مثلاً أن جده الذي يعرفه هو ليس جده البيولوجي مثلاً".
وتكمل أن ابنها بعد سنوات من بدء العلاقة أخبرها كم كان غاضباً في أول عامين منها وخائفاً من فقدانه لمكانته لديها، وأن الوضع تغير بعدما نضج واكتشف أن العكس هو ما حدث، وأن تلك المخاوف لم تكن حقيقية. 
بعد عامين من زواجها الثاني أخبر ابن أمل أمه كم كان غاضباً في أول عامين منها وخائفاً من فقدانه لمكانته لديها 

انتقلت أمل للحديث عن المسلسل، الذي شاهدت أجزاء منه مصادفة مع ابنها ونقلت لنا جزءاً من مناقشتها معه، تقول: "ألقيت اللوم على الأم لأنها لم تعرّف أبناءها بعلاقتها، والتي يجب أن تكون أمراً طبيعياً في حياة كل امرأة، لأن ذلك يجعل الأم شخصية مجردة في وظيفتها البيولوجية، فهي إنسانة لديها مشاعر واحتياجات ونفسية، لكن ابني رد علي بأن ما يحدث داخل عائلتنا لا يشبه ما يجري في المجتمع، فهو مقتنع بحياتنا وأنها صحيحة، ولكن لديه وعي مؤلم بأن العالم من حولنا لا يرانا أشخاصاً طبيعين على الرغم من ذلك".

قصة ريتال

ريتال وهو اسم مستعار لامرأة ثلاثينية مرت بتجربة الطلاق منذ فترة قصيرة، تقول: "ابني يرفض فكرة الارتباط مجدداً تماماً، حتى بالنسبة لوالده، ولكن ذلك من منطلق إنه لا يرغب في دخول شخص جديد يحتل مكانة الأب، سواء من حيث السلطة أو المحبة، ويأتي هذا الرفض بدون تفكير، لأنه يعلم أن التفكير المنطقي سيقوده للموافقة".
وتضيف: "مع المزيد من النقاش وجدته يوافق على علاقة عاطفية بشرط أن تكون بعيدة عن الإطار العائلي، أي بحيث لا تضمنه هو وألا يأخذ الشخص الجديد مكان والده".
بعد نقاشات طويلة بين ريتال وابنها وافق على أن تدخل والدته في علاقة عاطفية بشرط أن تكون بعيدة عن الإطار العائلي، وأن لا تتضمنه هو وأن لا يأخذ الشخص الجديد مكان والده

ريتال ترى أن السبب وراء هذا الرفض بالأساس هو صغر عمر ابنها، وعدم تعافيه بشكل تام من تجربة الانفصال بينها وبين والده، وبسؤالها عن انفتاحها أمام العلاقات أجابت: "لا أتعامل مع نفسي على أنني امرأة ناقصة، لم أدخل في أي علاقة جدية، ولكن أولوياتي نفسها أصبحت مختلفة في الارتباط، فالاستقرار والأمان والاحترام هي الأهم الآن، والسبب وراء هذا الاختلاف هو سني ونضجي وتجربتي في الحياة، ولكن ليس لاختلاف حالتي الاجتماعية، أما فكرة الزواج في الفترة الحالية غير مطروحة خوفاً على حضانة ابني".
مسلسل ليه لأ في جزئه الثالث يحاول فتح طاقة نور أمام النساء اللواتي مررن بتجربة زواج فاشل، ويعطيهن القوة لاختبار علاقات جديدة قد تكون ناجحة هذه المرة، الخبرة التي يعيقها الرفض المجتمعي، وفي نفس الوقت يحلل علاقات البنوة والأمومة التي قد يسودها الكثير من الخلل كما شاهدنا في علاقة شيري بكل من ابنها وابنتها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard