شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بينما يهرسني الشوق كثومةٍ في صحن

بينما يهرسني الشوق كثومةٍ في صحن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز نحن والتنوّع

السبت 22 يوليو 202310:56 ص



إذن، عرفتُ أن سيمون دي بوفوار قالت مرةً: "أكثر ما يرعبني في فكرة الزواج، هو وجود شخصٍ بجواري ليلاً حين تنتابني رغبة البكاء وحيدة"، ومن هنا خطرت لي فكرة أني أحبّك.

أعتبر نفسي امرأة قوية رغمَ كل شيء، غير أني نادراً ما أسمح لنفسي بالبكاء -وإن فعلت- أبكي وحيدةً في الليل بصمتٍ وهدوءٍ يكاد حتى الملاكان على كتفي لا يشعران به، ومع هذا فإن فكرة الجلوس في حضنك والبكاء تبدو مريحة.

الشعر والنقض

انتبه صديقي لكثرة استخدامي النقض في الشعر، ثم أشار لكونه موطن ضعف، ما تركني أسأل: لماذا؟

لا يوجد جواب كافٍ، لكني توصلت إلى أني لا أعرف أن أقول ما أريد، فأقول ما لا أريده، ثم أنقضه. مثلاً أقول: كنت شمساً لكني غرقت عند الغروب، بدل أن أقول: انطفأتُ كأني شمعة.

وهذا دفعني لأن أصبح أكثر تحديداً، إذا أردت الحصول على ما أريد، عليّ معرفته بوضوح قبل اللحاق به، لذا بدأت بتقرير ما أحب وما أكره، ولأني أحب أشياء أقلّ مما أكره، كان أسهل توصيف الأشياء المزعجة لمعرفة المحبّبة، فوصلت إلى هذا:

"وجه العالم حليب

ووجهك بندق

أكره الحليب

أحب وجهك"

غير أن هذا لم يكن كافياً، لماذا على الحب والحزن أن يكونا جزءاً من أي شيءٍ أكتبه؟

لست بارعةً في كتابة النهايات، ولا أكره شيئاً مثل الوداعات، غير أنها أكثر ضرورية من الموت أحياناً، لهذا أقول الآن وداعاً وأنتظر،  بينما يهرسني الشوق كثومةٍ في الصحن... مجاز

ربّما لأني لم أعش بدونهما أي لحظة، فعلى الرغم من تعدّد مبرّرات الشعر لطالما كان ينطوي على إجاباتٍ تستطيع الحديث عني، ربما أقدر أن أكتب ألف مقالٍ دون أن أقحم نفسي بأي جانبٍ فيه، أما الشعر فلا، القصيدة إما صاحبها أو لا شيء، ولأجيب نفسي: لم أحاول التفكير، بل العودة إلى الوراء لمعرفة ماذا قلتُ عني، وهذا جوابٌ حاولت كثيراً عدم الاقتناع فيه، غير أنّه يصعب على المرء خداع نفسه بعد معرفة الحقيقة:

"من أنا؟

تعريفٌ بسيطٌ عن الحب

وآخر بلا نهاية، عن الحزن"

"حاضناً سنبلة الوقت"

أدونيس ورأسه الذي "برج نار" أكثر من استطاع إشعال غيرتي الأدبية، الرمز غيمة الرب، كيف استطاع تحويلها إلى قطن يحيكه على قياس الجرح مرةً ويجفّف فيه دمي كأني قطرة نبيذٍ على شفته؟

عندما أحترق غضباً لأني أملك كل هذه المخيلة القادرة على شطر الذرة ولا أستطيع كتابة نصٍ كالذي أقرأه، أو عندما أشعر بأني أكاد أنتشي من جمال ما أقرأ، إذ أتخيل الموقف وشخصياته كأني جزء منهم، فأتوتر وأنفصل عن العالم تماماً، حينها فقط أقول إني أحببت ما أقرأ، وعلى سبيل الغيرة فإني أعيش عمري كلّه وأنا أحاول أن أقول لك شيئاً أبسط وأدق من قصيدةٍ لا أعرف قائلها، وأشارك أبياتاً غير متتالية منها خجلةً من قلة حيلتي:

"من أنا؟
تعريفٌ بسيطٌ عن الحب
وآخر بلا نهاية، عن الحزن"

"أصابعي منك في أطرافها قبل

قبلتهن فهن الشمع يشتعل

قد أقبل الليل وحدي أنت لست معي

ليلان ليلي فقل لي، كيف أحتمل؟

أذاكرٌ أنت وجهي إنه زمنٌ

 عليه مرسومةٌ أيامنا الأوّل

عيناي إن ضاقتا بالدمع لي جسدٌ

وأنت عني بعيدٌ كلّه مقلُ

أمشي إليك فعمري كله سفر

أمشي إليك على جفني ولا أصل"

أستطيع إخفاء البركان داخلي عبر وصف بجعةٍ بيضاء تسبح في إحدى بحيرات فنلندا... مجاز

عن الكتابة

هذا النص كاملاً هو محاولةٌ بسيطةٌ لأصف تجربتي مع الكتابة، ما الذي يؤثر فيّ لأكتب وكيف يفعل ذلك، ومع أن طرح الأسئلة في النصوص السردية ليست طريقتي في الإجابة عادةً، لكنّي تعمّدت أن أخاطب العالم اليوم كما أخاطب نفسي عندما أحاول بناء محادثةٍ بنّاءةً أنتظر في نهايتها شيئاً مهماً، ومثلما أفعل مع نفسي فعلتُ معكم، قلت الكثير... أكثر من 500 كلمة حتى الآن ولم أقل الشيء الوحيد الذي أريده، كأن كل نصوصي تكون مقدمةً لجملةٍ واحدةٍ أخاف قولها بصوتٍ عالٍ أو أخبئها بين السطور.

لكني ربما أفشل حتى هنا، لأني لم أقل بعد أن الكتابة لم تكن يوماً خياراً بل حكّ فكرةٍ مستمر لعقلي حتى أكتبه، ولأن الحكّ لا يوقف الزمن بل ينهشه ليؤلم، فالكتابة لا تهدّئ أفكاري بل تحوّلها إلى ندوبٍ لا تصلحها الوشوم.

يعتقد كثيرون أنه على الكتابة عكس مشاعر كاتبها دائماً، غير أنني أراها قدرة الكاتب على انتحال الشخصيات. لا أستطيع وصف من فقد ذراعه في الحرب، لذا أنتحل شخصية أحدهم، أغرق نفسي في تفاصيل هذه الجزئية لدرجة ألا استخدم يدي إطلاقاً، وأن أشعر بينما أمشي في الشارع بأن الجميع يحدّق في يدي، ويشفق علي، بل إلى حد أنه إذا كلّفني أحدهم بعملٍ إضافي ظننتُ أنه يعرف أني بلا يد، ويعاملني بلا اكتراث بشكلٍ مقصودٍ وتافه؛ هكذا إذن أستطيع إخفاء البركان داخلي عبر وصف بجعةٍ بيضاء تسبح في إحدى بحيرات فنلندا.

نقطة

عندما كنت أودع حبيبي سألني: من قال لكِ أننا لن نلتقي مجدداً؟

- من قال لك أننا سنفعل؟

- أنا أقول.

لست بارعةً في كتابة النهايات، ولا أكره شيئاً مثل الوداعات، غير أنها أكثر ضرورية من الموت أحياناً، لهذا أقول الآن وداعاً وأنتظر، بينما يهرسني الشوق كثومةٍ في الصحن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نرفض أن نكون نسخاً مكررةً ومتشابهة. مجتمعاتنا فسيفسائية وتحتضن جماعات كثيرةً متنوّعةً إثنياً ولغوياً ودينياً، ناهيك عن التنوّعات الكثيرة داخل كل واحدة من هذه الجماعات، ولذلك لا سبيل إلى الاستقرار من دون الانطلاق من احترام كل الثقافات والخصوصيات وتقبّل الآخر كما هو! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فكل تجربة جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image