قال الديوان الملكي المغربي، في بيان رسمي الاثنين 18 تموز/ يوليو 2023، إن العاهل المغربي الملك محمد السادس تلقّى رسالةً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلمه فيها باعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها.
ويُصر المغرب على أن إقليم الصحراء الغربية جزء من ترابه الوطني، ويسعى إلى حشد اعتراف الدول الصديقة له، في مواجهة رفض الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الاعتراف بسيادته على الصحراء التي حارب سكانها أكثر من أربعة عقود تحت راية "جبهة البوليساريو" الانفصالية من أجل حق "تقرير المصير" و"الاستقلال".
وفي البيان الملكي الذي نشرته "وكالة المغرب العربي للأنباء"، وكالة الأنباء الرسمية في المغرب، أُشير إلى أن القرار الإسرائيلي سينعكس على "كافة أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة"، وأن تل أبيب ستقوم بـ"إخبار الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية التي تعتبر إسرائيل عضواً فيها، وكذا جميع البلدان التي تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية" بالقرار.
وختم البيان: "في رسالته إلى جلالة الملك، أفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إسرائيل تدرس، إيجابياً، فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، وذلك في إطار تكريس قرار الدولة هذا".
بوادر القرار
ولا يعد القرار الإسرائيلي مفاجئاً عدا ربما في توقيته، إذ أنه منذ تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل تحت رعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في ما يُعرف بـ"اتفاقيات أبراهام"، أشارت تحليلات عديدة إلى أن هدف المغرب الرئيسي من الاتفاق انتزاع اعتراف بسيادته على الصحراء الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية أولاً ومن إسرائيل أيضاً.
قرار إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، يفتح الباب للتساؤل عن المصالح المشتركة لكلا البلدين… فهل أخذ المغرب ثمن التطبيع؟ وهل صار طريق إسرائيل معبداً للتمدد أكثر في أفريقيا؟
وطالما كانت الصحراء المغربية محوراً وعنصر ارتكاز في السياسة الخارجية المغربية وعلاقات المملكة المغربية بالدول الأخرى. وقد افتتحت أكثر من 20 دولة، غالبيتها أفريقية وعربية، قنصليات لها في الصحراء الغربية كشكل من أشكال الاعتراف الفعلي بالسيادة المغربية، وفق وكالة رويترز.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2020، اعترف ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في إطار اتفاق تناول تعزيز العلاقات الدبلوماسية المغربية مع إسرائيل.
إلى ذلك، أثار تأخر إسرائيل في إعلان اعترافها بالسيادة المغربية على الإقليم المتنازع عليه تساؤلات. وشهدت العلاقة بين المغرب وإسرائيل توترات عديدة في الأسابيع الماضية حتّى أن المغرب أجّل عقد جولة أخرى من قمة النقب، واجتماعات وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر والمغرب والولايات المتحدة، احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
لعل هذا ما دفع عدة مسؤولين إسرائيليين لدعوة حكومتهم للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. من هؤلاء، رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا، الذي حث حكومة نتنياهو دعا على الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، خلال زيارته الرسمية للعاصمة الرباط في التاسع من حزيران/ يونيو 2023.
ومطلع الشهر الجاري، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بأن إسرائيل ستتخذ قرارها بشأن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء أثناء استضافة الرباط لمنتدى النقب الذي تأجّل أكثر من مرة.
منافع متبادلة
في غضون ذلك، لا تقتصر أوجه استفادة الطرفين، المغربي والإسرائيلي، من هذا القرار على تحسّن العلاقات الثنائية على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والأمني والاقتصادي. علماً أنه قبيل إعلان القرار الإسرائيلي بقليل، زفّ الإعلام الإسرائيلي خبر تعيين قائد لواء حيفا في الجبهة الداخلية العميد شارون ايتاح، ذي الأصول المغربية، كـ"أول ملحق عسكري إسرائيلي في المغرب"، لافتاً إلى أن هذه الخطوة تعكس "تطور العلاقات الأمنية بين البلدين".
وأشادت الصحافة المغربية بالقرار الإسرائيلي، قائلةً إنه سيشكل "منعطفاً في تاريخ ملف الصحراء المغربية"، متوقعةً أن "يشجع" القوى الغربية على الحذو حذوها.
ونقلت صحيفة "هسبريس" المحلية عن الخبير المغربي في العلاقات الدولية، هشام معتضد، قوله إن "الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء يترجم المسار الطبيعي في تطور استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل".
ورجح معتضد أن التحرك الإسرائيلي "سيعزز بدون شك مسار مسلسل التسوية السياسي للملف، خاصة أن الحضور الإسرائيلي في العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية، بالإضافة إلى قوة اللوبي اليهودي في المنصات السياسية الدولية، أمر سيكون مهما بالنسبة للتحركات الدبلوماسية المغربية في ملف هذا النزاع الإقليمي".
أما رئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب (إحدى الجهات الإدراية المغربية)، ينجا الخطاط، فاعتبر القرار بمثابة "حدث ذي أهمية قصوى وله أبعاد سياسية كبيرة وآثار اقتصادية مهمة، يعزز بشكل كبير موقف المغرب على المستوى الدولي"، مردفاً بأنه يأتي في إطار مساعي الرباط لإيجاد حل نهائي لقضية الصحراء.
ووصف المحامي المغربي والباحث في ملف الصحراء، نوفل البعمري القرارالإسرائيلي بأنه "مهم" و"سيكون له انعكاس على الثقة بين البلدين ووقع اقتصادي كبير على الجانبين، سيعزز فرص الاستثمارات الاقتصادية، خاصة وأن الأقاليم الجنوبية، التي تزخر بمؤهلات طبيعية وبشرية تجذب رجال الأعمال للاستثمار، تم تأهيلها من خلال تطوير البنى التحتية للمنطقة".
يبدو أن الجزائر أيضاً حاضرة في الحسبان المغربي للفوائد من هذ القرار حيث نقل موقع "آي24" الإسرائيلي عن مسؤول مغربي بارز - لم يسمه - أن "هذه الخطوة أكثر بكثير من الدبلوماسية ولكنه جانب أكثر إستراتيجية وأمنية بين البلدين بما في ذلك رسالة إلى جيران المغرب"، في إشارة واضحة للجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو الانفصالية.
على الجانب الآخر، يبدو أن تل أبيب تسعى لأن يساعدها توطيد علاقتها بالمغرب بهذا القرار، في تحقيق أطماعها بأن تمنحها الرباط بُعداً أعمق في المنطقة العربية من جهة، وفي قارة أفريقيا. بل وعنصر تأمين إقليمي إضافي ضد الوجود الإيراني في المنطقة.
تعقيباً على القرار، قال الوزير إيلي كوهين، عبر حسابه في تويتر، إن "هذه الخطوة ستعزّز العلاقات بين الدولتين وبين الشعبين، وستساهم في الجهود المبذولة لتوسيع التعاون وتعميق السلام والاستقرار في منطقتنا".
يحاول المغرب في السنوات الأخيرة أن تكون قضية الصحراء الغربية أولوية في دبلوماسيته الخارجية، وكُل ما يكسبه إلى جانبها، يحاول استثماره في تمتين موقفه، فهل ينعكس هذا القرار على علاقاته المتوترة مع الجزائر التي أصلاً تدعم جبهة البوليساريو؟ وكيف يمكن أن يكون رد فعله؟
وصرّح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً، مئير بن شبات، بأن القرار "كان ضرورياً لتعزيز العلاقات بين الدول"، مردفاً بأنه "كان مهماً لإسرائيل أن تعترف بأن سيادة المغرب على الصحراء ستوقف نفوذ إيران وحلفائها في المنطقة وستدفع العلاقات الإستراتيجية بين البلدين إلى الأمام".
إستراتيجية إسرائيل في أفريقيا
وفي السادس من حزيران/ يونيو 2023، شارك 12 جندياً من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي لأول مرة في مناورات "الأسد الأفريقي" العسكرية الكبرى التي استضافها المغرب. سبق ذلك الزيارة غير المسبوقة للمفتش العام للقوات المسلحة المغربية، بلخير الفاروق، لإسرائيل للمشاركة في مؤتمر عسكري دولي في أيلول/ سبتمبر 2022.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية بدأت في خمسينيات القرن الماضي، وتطورت منذ ذلك الحين بين التقارب تارة، وقطع العلاقات تارة، ثم الانفراج والتقارب الشديد تارة أخرى. لكن الآونة الأخيرة، تحديداً منذ عام 2019، تشهد مساعي إسرائيلية حثيثة لتوطيد وجودها في القارة الأفريقية بإقامة علاقات وراوبط قوية مع الدولة ذات الأغلبية المسلمة على نحو خاص.
وتُشير دراسة بحثية لـ"المركز العربي الديمقراطي"، وهو مؤسسة بحثية مصرية خاصة، نُشرت في منتصف آب/ أغسطس 2020، إلى أن أهداف تل أبيب من فرض وجودها في أفريقيا تنوعت بين أهداف سياسية وأمنية بينها "الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، وكسر العزلة وكسب الشرعية الدولية، وتطويق الأمن القومي العربي" وأهداف اقتصادية متمثلة في "العمل على فك الحصار الاقتصادي العربي من خلال توسيع شبكة العلاقات مع الدول الأفريقية، وتوسيع الأسواق الأفريقية لإسرائيل وفتح المزيد منها، والحصول على الموارد الأولية والمواد الخام اللازمة للصناعة في إسرائيل، والسيطرة شبه الكاملة على تجارة الألماس في أفريقيا".
كما أكدت على وجود هدف أيديولوجي يتمثل في "العمل على إحياء الحضارة اليهودية" من خلال "الربط الأيديولوجي والحركي بين الصهيونية وحركة الجامعة الأفريقية، والزنوجية عبر الإدعاء بأن اليهود والأفارقة قد تعرضوا لعملية اضطهاد مشترك، وتمييز عنصري، وأن تجربتهما التاريخية والنفسية متشابهة".
وبينما لم تكن هناك سوى دولة أفريقية واحدة ضمن سبع دول سارعت للاعتراف بإسرائيل كدولة بحلول عام 1957، هي غانا، إلا أنه بحلول أواخر الستينيات كانت إسرائيل ترتبط بعلاقات دبلوماسية كاملة مع 33 دولة أفريقية.
وتراجعت العلاقات الأفريقية الإسرائيلية عقب حرب 1967 بفضل التحرك الدبلوماسي العربي ووصلت إلى "قطيعة شبه كاملة" في عام 1973. لكن توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل كان إيذاناً بعودة هذه العلاقات مرة أخرى. وامتلكت إسرائيل علاقات رسمية مع 39 دولة أفريقية بحلول نهاية التسعينيات.
ومع تطوير إسرائيل آلياتها للتدخل والعمل، نجحت في تحقيق "اختراق واسع لأفريقيا" وفق دراسة "المركز الديمقراطي"، وذلك من خلال تبادل الزيارات على مستوى رؤساء الدول والوزراء وتوطيد الروابط الاقتصادية والتجارية والثقافية والأكاديمية، والمساعدات الطبية والإنسانية.
أخيراً، شهد عام 2019 "فصلاً جديداً" من توطيد العلاقات الإسرائيلية الأفريقية بزيارة نتنياهو عدة دول أفريقية في مقدمتها تشاد ذات الأغلبية المسلمة في أول زيارة من نوعها لمسؤول إسرائيلي في منصبه. من تشاد، صرّح نتنياهو علناً أن الزيارة تهدف للتمهيد لاستعادة العلاقات مع مالي، والنيجر ذات الأغلبية المسلمة، فضلاً من استفادة إسرائيل من موقع تشاد الإسراتيجي بجوار السودان وليبيا.
قال نتنياهو آنذاك: "إسرائيل تعود إلى أفريقيا وأفريقيا تعود إلى إسرائيل". ويبدو أن المغرب سيكون بوابةً جديدةً تُفتَح لإسرائيل على أفريقيا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه