تعاني المياه كمصدر طبيعي في العالم كله من محدودية الكمية، فقرابة 97٪ من الكمية الإجمالية للمياه على كوكب الأرض غير صالحة للاستهلاك البشري، بينما 3٪ المتبقية تعتبر مياهاً عذبة.
ومع ذلك، فإن توافر المياه العذبة غير متاح دائماً لأسباب مختلفة، مثل أن تكون المياه محتجزة في طبقات مياه جوفية عميقة، أو محتجزة في طبقات جليدية عميقة، أو أن تكون المياه ملوثة. وبالتالي، يمكن الوصول إلى حوالي 13٪ فقط من هذه الـ 3٪ من المياه العذبة.
التوزيع الجغرافي لموارد المياه في العالم غير متساوٍ ومتفاوت أيضاً. في نهاية المطاف، هذه الكميات الشحيحة من المياه وعدم عدالة توزيعها يؤثر على الوضع العالمي ويخلق نزاعات حول المياه كنتيجة منطقية.
تعاني المياه كمصدر طبيعي في العالم كله من محدودية الكمية.
مياه النيل
عاش البشر على ضفاف نهر النيل لأكثر من 5000 عام. تأسست الحضارة المصرية القديمة على طول النهر قبل آلاف السنين. وقد صدق المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت، في القرن الرابع قبل الميلاد، حين قال إن "مصر هبة النيل" وإن "مصر هي النيل والنيل هو مصر". إن بقاء مصر معتمد بشكل أساسي على جريان مياه النهر، ما جعل منه إلهاً في الحضارة المصرية القديمة، فأطلقوا عليه "حابي" وقدسه المصريون.
يعد نهر النيل من أطول الأنهار في العالم، ويتدفق على مسافة 6650 كم من منابعه في الجنوب، إثيوبيا وأوغندا، إلى البحر الأبيض المتوسط في الشمال. ويشمل حوض نهر النيل إحدى عشرة دولة وهي بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإريتريا وإثيوبيا وكينيا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا وأوغندا، ويغطي الحوض مساحة 10٪ من إجمالي مساحة إفريقيا.
للنيل رافدان أساسيان هما النيل الأبيض، والنيل الأزرق. يتدفق الأول من البحيرات الاستوائية في شرق ووسط إفريقيا، وأهمها بحيرة فيكتوريا، التي تتغذى على هطول الأمطار المباشر وآلاف الجداول الصغيرة في تنزانيا وأوغندا وكينيا. الرافد الآخر، النيل الأزرق، يتدفق من بحيرة تانا في إثيوبيا. يتحد النيل الأزرق والنيل الأبيض في العاصمة السودانية الخرطوم، لتشكيل المجري الرئيسي لنهر النيل بأكمله، والذي يتدفق بعد ذلك مباشرة عبر مصر ليصب في البحر الأبيض المتوسط.
مصدر الصورة: بيانات البنك الدولي
مصر والنيل
تعتمد مصر بشكل كبير على نهر النيل لتأمين ما لا يقل عن 80٪ من مياهها للاستخدامات في الأغراض المختلفة، وهذا يجعل مصر المستهلك الرئيسي لمياه النيل.
ونحو 96٪ من المياه التي تصل مصر تأتي من خارج أراضيها. فما نسبته 86٪ من مياه النيل التي تصل إلى أسوان على الحدود الجنوبية لمصر تنبع من الهضبة الإثيوبية، والتي تشكل 62٪ من النيل الأزرق والباقي من نهري تيكيزه/عطبرة، وبارو-أكوبو-سوباط، ويتم توفير نسبة 14٪ المتبقية من النيل الأبيض. ويمكن لمساهمة إثيوبيا في تدفق النيل أن تصل إلى 95٪ خلال موسم الأمطار الصيفي الغزير من تموز/ يوليو إلى أيلول/ سبتمبر.
ويؤدي النمو الهائل في عدد سكان حوض النيل إلى تفاقم مشكلة شح المياه، إذ بلغ عدد سكان دول الحوض الإحدى عشرة أكثر من 370 مليون نسمة عام 2018، بينما من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 500 مليون بحلول عام 2030.
تعاني مصر في العموم من مشكلة ندرة مائية سواء بوجود سد النهضة الأثيوبي أو بعدم وجوده، بينما ستؤدي سنوات ملء خزان السد إلى تفاقم المشاكل والأعباء المائية على المصريين
وقد بلغ نصيب الفرد السنوي من المياه في مصر 570 متراً مكعباً/سنة، وهو أقل بكثير من المعيار الدولي الموصى به البالغ 1000 متر مكعب/سنة، ويشكل هذا حالة من ندرة المياه المزمنة. ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة في عام 2025 لتصل إلى أقل من 500 متر مكعب/ سنة بسبب النمو السكاني المتزايد في مصر، وهو ما ينذر بحالة ندرة مياه شديدة. وبالتالي فإن مصر تعاني في العموم من مشكلة ندرة مائية في وجود سد النهضة الأثيوبي أو في عدم وجوده، بينما ستؤدي سنوات ملء خزان السد إلى تفاقم المشاكل والأعباء المائية على المصريين.
السدود المائية على نهر النيل
من المهم معرفة أن سد النهضة الأثيوبي ليس أول سد يتم إنشائه على مجرى النهر العتيد. لقد سبقته الكثير من السدود، وكان أولها سد أسوان والذي بدأ بناؤه من قبل الحكومة البريطانية في عام 1894 وانتهى عام 1902، وكان أكبر سد في العالم في وقتها. وتمت زيادة ارتفاعه مرتين لمضاعفة سعته التخزينية، في عامي 1908 و1933. وفي وقت لاحق بنت مصر سلسلة من القناطر في إسنا ونجا حماد وأسيوط وإدفينا للتحكم في المياه وتعظيم فوائد استخداماتها في الري.
قرابة 86٪ من مياه النيل التي تصل إلى أسوان على الحدود الجنوبية لمصر تنبع من الهضبة الإثيوبية.
قررت الحكومة المصرية عام 1956 إنشاء السد العالي في أسوان، والذي بدأ العمل فيه في عام 1960 واكتمل في تموز/ يوليو 1970، وبدأ تشغيل السد رسمياً في كانون الثاني/ يناير 1971. وتبلغ سعة خزان السد الإجمالية 162 مليار متر مكعب، توزع على النحو التالي: 90 مليار متر مكعب سعة تخزين حية، و31 مليار متر مكعب سعة تخزين ميتة، بينما 41 مليار متر مكعب هي سعة التخزين لمياه الفيضانات العالية. وسعة التخزين الميتة هي كمية المياه التي لا يمكن نقلها من خلال فتحات السد، إذ تقع هذه الكمية أسفل منسوب فتحات جسم السد، ولا يمكن إطلاقها ما لم ينفجر جدار السد نفسه.
كما شيد السودان أول سد على النيل الأزرق، سد سنار، عام 1919، والذي اكتمل في عام 1925، وذلك لري منطقة الجزيرة. ووفقاً لاتفاقيات قانون المياه في ذلك الوقت، كان السودان بحاجة إلى موافقة مصرية لبناء هذا السد. وفي ذلك الوقت كان كلا البلدين يقعان تحت حكم الاحتلال البريطاني، وقد وافقت الإدارة الأنجلو-مصرية في السودان على بناء هذا السد في مقابل بناء خزان جبل أولياء على النيل الأبيض في السودان لصالح مصر حصرياً، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها بناء سد بالكامل في بلد ما لصالح دولة أخرى.
احتفظ هذا الخزان بـ3.5 مليار متر مكعب من مياه النيل الأبيض خلال موسم تدفق النيل الأزرق، مع تحرير هذه المياه للاستخدام المصري عندما تقل كمية المياه الواردة من النيل الأزرق. بدأ بناء خزان جبل أولياء عام 1933 وانتهى عام 1937، وكان أول سد على النيل الأبيض. بعد بناء السد العالي، لم تعد مصر بحاجة إلى هذا الخزان، وأعيد إلى السودان في عام 1977. الجدير بالذكر أن هذا الخزان أدير بالكامل لخدمة مصلحة الاحتلال البريطاني وليس لخدمة المصريين أنفسهم.
شيدت إثيوبيا الكثير من السدود على مجرى النهر، متحدية معاهدات النيل. في حين أن مصر لم تبد أي اعتراض على سدود إثيوبيا السابقة، إلا أن الوضع مختلف تماماً مع سد النهضة
بموجب المعاهدة المصرية السودانية لعام 1959، سمحت مصر للسودان ببناء سد الروصيرص على النيل الأزرق لري منطقة امتداد المناقل، مقابل موافقة سودانية لمصر على بناء السد العالي وقتذاك. بعدها شيد السودان سد خشم القربة، الذي تم الانتهاء منه عام 1964. ثم سد مروي الذي اكتمل عام 2009 على نهر النيل الرئيسي لتوليد الطاقة الكهرومائية.
بعد عدة جولات من المفاوضات التي أدت إلى اتفاقيات عدة بين مصر وبريطانيا، ممثلة أوغندا، بدأت الأخيرة ببناء أول سد لها، سد شلالات أوين، عام 1940. أنشئ هذا السد على النيل الأبيض بالقرب من منبعه في بحيرة فيكتوريا، واكتمل عام 1953 لغرض رئيسي هو توليد الطاقة الكهرومائية. بُني سد آخر، بوجاجالي، لنفس الغرض، وتم الانتهاء منه عام 2012. تعمل أوغندا حالياً على العديد من الدراسات لبناء سدود أخرى على النيل الأبيض.
كانت إثيوبيا آخر دولة في حوض النيل في بناء السدود. سد فينشا والذي اكتمل بناؤه عام 1973 شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق لتوليد الطاقة الكهرومائية. تبعته ثلاثة سدود صغيرة لنفس الغرض، وكان آخرها سد تيكيزي. حفز بناء هذه السدود إثيوبيا على تحدي معاهدات النيل، والذي أسفر عن إعلان إثيوبيا في آذار/ مارس 2011 عزمها على بناء سد جديد، وهو سد النهضة الإثيوبي الكبير، على النيل الأزرق.
في حين أن مصر لم تبد أي اعتراض على سدود إثيوبيا السابقة، إلا أن الوضع مختلف تماماً مع سد النهضة، وهذا ما سنعرفه في المقالة المقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين