تعتبر الشعاب المرجانية من أجمل المعالم الطبيعية حول العالم، تجذب السائحين لممارسة الرياضات البحرية، والاستمتاع بمشاهدتها لجمال ألوانها ولجذبها الأسماك الملونة، وهي فصيلة من اللافقاريات التي لها هيكل صلب.
لكن هذه الشعاب أصبحت تواجه خطر الابيضاض بفعل التغير المناخي الذي يزيد من درجة حرارة البحار والمحيطات، ما يؤدي لزيادة مادة الكالسيوم المؤدية لموت الشعاب.
بحسب تقرير أعدته الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية في الفترة ما بين عامي 2009 و2018، فقدت الشعاب في العالم نحو 14% من المرجان على نحو تدريجي، نتيجة حوادث ابيضاض متكررة وواسعة النطاق، وفقد كوكب الأرض ما يقرب من 11,700 كيلومتر مربع من المرجان الصلب، وهو ما يفوق كل المرجان الذي يعيش حالياً وسط شعاب سواحل أستراليا، وقد وصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الأمر "بأن الشعاب المرجانية على حافة هاوية الاختفاء بسبب التغير المناخي".
أصحبت الشعاب المرجانية تواجه خطر الابيضاض بفعل التغير المناخي الذي يزيد من درجة حرارة البحار والمحيطات.
كما تفيد التقارير الواردة من الأمم المتحدة بأن 70% من الشعاب المرجانية في العالم معرضة للتهديد، إذ دمر بالفعل 20% منها دون أمل في نموها من جديد، و24% معرضة لخطر الانهيار الوشيك، و26% إضافية معرضة لخطر التهديدات على المدى الأبعد.
وفي عام 2015 أعلنت الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي عن تسجيل الحدث العالمي الثالث من نوعه لابيضاض الشعاب المرجانية، والذي أثر على شعاب البحر الأحمر خاصة في الجزء الجنوبي منه.
كل ذلك يدفع بالباحثين والمختصين حول العالم للبحث عن حلول لوقف تدهور حال هذه الثروة الطبيعية، بل والعمل على استعادة عافيتها قدر الإمكان.
التكاثر الجنسي واللاجنسي
كسر جزء من الشعاب المرجانية وإعادة زرعها في مكان آخر، ما يعرف باسم "استزراع الشعاب المرجانية"، من الوسائل المعروفة لزيادة أعداد الشعاب، إلا أنها تحظى بالكثير من التحفظات، وذلك لعدم فعاليتها في كثير من الأحيان، ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة خسارة الشعاب لكن ليس بفعل تغير المناخ هذه المرة وإنما من خلال أفعال بشرية متعمدة.
الدكتور محمود حنفي أستاذ البيئة البحرية في جامعة قناة السويس، والمستشار البيئي لجمعية المحافظة على البيئة "هيبكا"، وهي جمعية أهلية مصرية تهتم بالبيئة في منطقة البحر الأحمر، عبّر عن رفضه لهذه الطريقة، موضحاً أنها ليست علمية، وقال لرصيف22: "لكي نفهم الأمر فإن فكرة الاستزراع لها أسلوبان، الأول تكاثر لا جنسي عبر تكسير المرجان وإعادة زرعه في مكان آخر، لكنه ليس الأسلوب الأمثل، إذ تنتج عنه مستعمرة ضعيفة".
عمل باحثون على تطوير بروتوكولات وأطر حول كيفية استعادة بكتيريا "الميكروبيوم المرجاني" التي تعيش على سطح الشعاب، ويمكن الاستفادة منها بشكل فعال في الحماية من التهديدات المختلفة مثل الإجهاد الحراري والأمراض وانسكاب الزيت الناتج عن ناقلات البترول
يكمل حديثه قائلاً إن الأسلوب الثاني وهو الأمثل وفق العديد من الأبحاث العلمية يعتمد على التكاثر الجنسي، حيث تتكاثر الشعاب عبر إطلاق بويضة وحيوان منوي، فيحدث التلقيح وتخرج اليرقة وتعوم في المياه، وعندما تنزل على السطح المناسب تنتج مستعمرة مرجان، ويعد الأسلوب الجنسي الأفضل لأنه يتم بشكل طبيعي، لا سيما وأن التوقيت الذي ترمي فيه الشعاب المرجانية البويضات والحيوانات المنوية يكون معروفاً، فيحدث تكاثر جماعي، ومن الممكن وضع أسطح صلبة تستقبل نتاج عملية التكاثر، ويمكن زرع النتاج في مكان آخر.
يوضح حنفي مشكلة التكاثر اللاجنسي التي تتسم في أنه يكون إما ناتجاً عن أمشاج ذكرية أو أمشاج أنثوية، بالتالي تكون ضعيفة وراثياً، ما يؤثر على قوة المستعمرة، فتكون مناعتها ضعيفة ومن السهل إصابتها بالأمراض، ويشبّه هذه الطريقة بزواج الأقارب الذي يؤدي إلى ظهور الأمراض الوراثية، ولفت إلى تجارب الدول الأخرى، ومنها تجربة الفلبين التي حاولت تعويض ثروتها من الشعاب المرجانية التي تعرضت للتدمير بسبب استخدام الصيادين للديناميت في الصيد، ما أدى لتدمير ثروتهم من المرجان وكانت النتيجة الفشل.
ومن عيوب هذا الأسلوب وفق المتحدث أنه يعطي شعوراً بأن الأمر سهل لتوليد الشعاب عبر تكسيرها وإعادة زرعها، في حين أنه يؤدي لتدمير الشعاب السليمة وليس تأسيس مستعمرات جديدة.
ورأى المتحدث أن أستراليا تعتبر أهم دولة في مجال أبحاث حماية المرجان نظراً لوجود الحاجز المرجاني الأعظم على سواحلها، والذي يضم أكثر من 350 نوعاً من المرجان فُقد أكثر من نصفها بسبب التغير المناخي، وهي اليوم تعتمد على التكاثر الجنسي لتعويض التلف في شعابها التي أوصت منظمة اليونسكو نهاية عام 2022 بإدراجها كموقع تراث عالمي معرض للخطر.
حلول قيد الاختبار
تضيف الدكتورة راكيل بيكسوتو الباحثة في قسم علم الأحياء الدقيقة في جامعة ريو دي جانيرو، بأن التكاثر الجنسي الانتقائي يعد إحدى الأدوات التي يتم اختبارها حالياً، لافتة إلى أنه يجب النظر إلى وتيرة أحداث التبييض وشدتها، فضلاً عن المراحل المختلفة لتدهور الشعاب المرجانية واحتياجات الاستعادة.
وتقول لرصيف22: "أعتقد أننا سنحتاج إلى مجموعة متنوعة من الأدوات، بما في ذلك التربية الانتقائية، وكذلك البروبيوتيك المرجانية التي تعمل على تعزيز صحة الشعاب المرجانية ومنعها من النفوق بسبب الضغوطات البيئية، علاوة على إدارة النظام البيئي ومراقبته".
الغردقة هي المدينة المصرية الوحيدة التي تحتاج إلى جهود إعادة الاستزراع، لأن الشعاب فيها تعرضت لكثير من التدمير.
وقد أعلنت السعودية مطلع العام 2022 وبمشاركة جامعة الملك عبدالله عن افتتاح أول قرية للمعززات الحيوية (البروبيوتيك) المرجانية في العالم، والبروبيوتيك هي متممات غذائية من البكتيريا الحية المفيدة للكائن المضيف وهو المرجان، وهي من الطرق الجديدة المستخدمة للحفاظ على الشعاب واستعادتها وإعادة تأهيلها.
وتضيف الباحثة أيضاً حول تقنية تنمية الشعاب المرجانية في المشاتل، وتعتبر أحد الحلول قيد الاختبار حالياً، وهو ما تراه يمكن أن يكون ضرورياً في بعض الحالات، ومن المحتمل أن يستخدم مع أدوات الاستعادة وإعادة التأهيل.
وعملت بيكسوتو مع باحثين آخرين على تطوير بروتوكولات وأطر حول كيفية استعادة بكتيريا "الميكروبيوم المرجاني" التي تعيش على سطح الشعاب، ويمكن الاستفادة منها بشكل فعال في الحماية من التهديدات المختلفة مثل الإجهاد الحراري والأمراض وانسكاب الزيت الناتج عن ناقلات البترول، وتضيف: "أعتقد أن هذا الدواء يوفر فرصة عظيمة للاحتفاظ بمجتمعات الشعاب المرجانية الطبيعية والتنوع، فيمكن أن يقلل من معدل موت الشعاب، ويعزز تسريع نمو المرجان في المشاتل، كما يعمل على توفير المزيد من الشعاب المرنة لاستخدامها في الزراعة الخارجية".
وضع مصر
بحسب التقرير الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، تضم مصر أكثر من مئتي نوع من الشعاب المرجانية، ويضم البحر الأحمر واحداً من أطول تجمعات الشعاب المرجانية الحية في العالم، تمثل نحو 5% من الغطاء المرجاني العالمي، وتمتد لمسافة تبلغ نحو 4 آلاف كيلومتر من سواحله.
ولكن السؤال: هل تحتاج الشعاب المرجانية في مصر إلى إعادة الاستزراع؟ يجيب الدكتور حنفي قائلاً إن الغردقة هي المدينة الوحيدة التي تحتاج إلى هذه الجهود، لأن الشعاب فيها تعرضت لكثير من التدمير في بداية التسعينيات وقبل وضع قانون البيئة لسنة 1994، والذي يمنع التعدي أو قطع أو بيع أو الاتجار بالكائنات البحرية والشعاب المرجانية.
ولفت إلى أن الشعاب المرجانية في مصر قد تكون آخر شعاب موجودة في العالم بهذا الطول، كما أنها موجودة داخل البحار وليس على الحواف كما هو الوضع في أستراليا.
وفيما يتعلق بوضع الشعاب المرجانية في البحر الأحمر وهل هي أكثر حظاً من بقية المناطق، تقول الدكتورة بيكسوتو إن هذه الشعاب تطورت في ظل ظروف معينة جعلتها أكثر مرونة من مناطق أخرى، ويمكن دراسة السمات المرتبطة بهذه المرونة وتوفير بيانات قيّمة لجهود الاستعادة وإعادة التأهيل في كل من البحر الأحمر وفي مناطق أخرى.
موقف مفاوضات المناخ
هل تشمل المفاوضات الحالية في المؤتمرات الدولية المعنية بمناقشة تغير المناخ موضوع ابيضاض الشعاب المرجانية؟
طرحنا هذا السؤال على واحد من مفاوضي المناخ هو الدكتور صابر عثمان، الخبير البيئي والمنسق السابق لاتفاقية تغير المناخ، وقال لرصيف22 إن المفاوضات عادة لا تشمل أي تفاصيل، وتتمحور حول كيفية تقديم دول العالم المتقدم تعويضات للدول النامية تمكنها من التكيف مع آثار تغير المناخ ومحاولة التقليل من آثارها السلبية، وكذلك لبناء قدراتها وزيادة الوعي والتعليم وغيرها من الأمور المرتبطة بمواجهة تغير المناخ.
من الأساليب المعتمدة لزيادة أعداد المرجان التكاثر الجنسي، حيث تتكاثر الشعاب عبر إطلاق بويضة وحيوان منوي، فيحدث التلقيح وتخرج اليرقة وتعوم في المياه، وعندما تنزل على السطح المناسب تنتج مستعمرة مرجان، ويعد الأسلوب الجنسي الأفضل لأنه يتم بشكل طبيعي
فيما يتعلق بالوعي تجاه ما يواجه الشعاب المرجانية من مخاطر، يرى المتحدث بأن غالبية الناس لا يملكون الوعي الكافي للربط بين تأثير تغير المناخ وتعرض البيئة البحرية للخطر لأنه يحدث بشكل غير مباشر، نتيجة ارتفاع درجة حرارة المياه وزيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يؤدي لزيادة حموضة مياه البحار والمحيطات، وتالياً تلف الشعاب نتيجة موت الكائنات الحية التي تمنحها الألوان المميزة.
يكمل: "هذه الأمور التي يحاول المجتمع المدني التوعية بها عبر الحملات، وفي مؤتمر المناخ COP27 خُصص يوم للتنوع البيولوجي، ولكن الأمر لا يشمل المفاوضين الذين يهتمون بمناقشة السياسات العامة والاستراتيجيات التي تمكن من حل هذه المشكلات، إذ تهتم المناقشات عادة بما يتعلق بالخسائر والأضرار وكيف يمكن أن تصل التعويضات إلى الدول المتضررة، لا سيما مع وجود مجموعات متعددة من المفاوضين، منهم الدول العربية المنتجة للبترول والدول الإفريقية والدول النامية والدول والجزر المهددة بالاختفاء وغيرها، لذلك يجعل تضارب المصالح بين المجموعات العملية التفاوضية صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً".
وفي نهاية المطاف يبقى العلم هو الأمل الوحيد أمام مواجهة آثار تغير المناخ والتكيف معها، بهدف حماية البيئة من حولنا، والشعاب المرجانية في بحارنا جزء هام للغاية منها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.