شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الناجون من النار"... سيرة سريعة لأخطر التنظيمات المتطرفة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف نحن والتاريخ

السبت 15 يوليو 202302:27 م

في ثمانينيات القرن الماضي، ظهر في مصر تنظيم مسلّح أطلق على نفسه اسم جماعة "الناجون من النار"، عُدّ من أخطر الجماعات التي ظهرت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (1981-2011)، ونفّذ 3 عمليات ضد شخصيات كبيرة في الدولة، وكان يتبنّى فكراً يُسمّى "التوقّف والتبيّن"، تحت قيادة طبيب شاب يُدعى مجدي الصفتي.

بعد حادثة اغتيال وزير الأوقاف الشيخ محمد حسين الذهبي، عام 1977، على يد جماعة التكفير والهجرة، بقيادة زعيمها شكري مصطفى، جرى اعتقال الأخير، برفقة عدد كبير من أعضاء جماعته، وصدر الحكم بإعدامه، ونُفّذ بالفعل، ما شكل ضربةً قاصمةً للجماعة.

يتحدث محمد مورو، في مؤلفه "جماعات العنف"، عن أن الجماعة، بعد إعدام شكري مصطفى، دخلت في طور من الانشقاقات، ثم كفّرت بعضها بعضاً، وبدأت تنحسر فكرياً وتنظيمياً، إلى أن أعادت مجموعة من الشباب، من بينهم الدكتور مجدي الصفتي وآخرون، تشكيل امتداد لجماعة التكفير والهجرة، باسم "الناجون من النار".

في ثمانينيات القرن الماضي، ظهر في مصر تنظيم مسلّح أطلق على نفسه اسم جماعة "الناجون من النار"

ويرى مورو أن جماعة "الناجون من النار"، آخر الامتدادات المهمة لجماعة التكفير والهجرة، بينما تذكر آمال الخزامي في كتابها المعنون بـ"سيد قطب: في ظلال صاحب الظلال"، أنها امتداد لتنظيم الفنية العسكرية (صالح سرية ورفاقه)، ويعدّ أعضاء التنظيم أنفسهم المؤسسين، مشيرةً إلى أنه "ظلت فكرة تكفير المجتمع مسيطرةً على التنظيم، واتّبع أسلوب الانقلابات العسكرية كأداة للتغيير، فضلاً عن تلقين أعضاء التنظيم الدروس التي تحثّ على الجهاد والمقاومة ضد النظام".

تبنّي فكر "التوقّف والتبيّن"

على أي حال، تخلى الصفتي عن انتمائه إلى فكر تنظيم الجهاد، وتبنّى فكر "التوقّف والتبيّن"، وعندما كوّن جماعة "الناجون من النار"، مزج فيها بين فكر الجهاد في العمل المسلح، وعقيدة جماعات "التوقّف والتبيّن" المنتشرة.

وقرر مجدي الصفتي، بحسب ما ذكر محمد الورواري في مؤلفه "سلفيو مصر"، أن الطريق الأكثر نجاعةً لنشر فكر "التوقّف والتبيّن" بين الحركات الإسلامية، هو إثبات أن معتنقي هذا الفكر هم أهل جهاد وعمل، وليس كلاماً فقط، كما كان يتهمهم خصومهم، خاصةً من تنظيم الجهاد المصري، الذي كان يضمّ جماعات التوقّف، بأن لا همّ لهم سوى تكفير الناس من دون القيام بأي عمل إسلامي فعلي.

ووافقت مجموعة من الأشخاص من معتنقي فكر "التوقّف والتبيّن"، على فكرة الصفتي في وجوب القيام بتحرك مسلح، لإثبات أن فكرهم ليس كلاماً فقط، وإنما عمل وجهاد أيضاً، وكان من بين الذين انضموا إليه في منظمته الجديدة متعاطفون سابقون مع تنظيم الجهاد.

وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه: ما هو فكر "التوقّف والتبيّن"؟ يقول سامح فايز في كتابه "شجرة الجهاد"، مُجيباً: "هو مدرسة فكرية تنتسب للشيخ عبد المجيد الشاذلي، أحد خواص تلامذة سيد قطب، الذي سُجن بصحبته في قضية تنظيم 1965، وتبنّى الفكر أيضاً ابن عبد الفتاح إسماعيل (رفيق سيد قطب)، نجيب، وروّج له في المعتقل، ليقتنع بذلك الفكر الطبيب الشاب مجدي الصفتي".

ويؤكد مؤلف كتاب "شجرة الجهاد": "يقوم فكر التوقّف والتبيّن على تكفير المجتمع بعمومه، والتوقف عن تكفير الآحاد إلا بعد التبيّن، فهم يرون كفر عموم المجتمع؛ لأنهم ساكتون عن كفر الحكام، وهو الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وبالتالي فهم مشاركون لهم في الكفر علموا أم لم يعلموا، رضوا بذلك أم سخطوا، لذا فهم يعتقدون أن راية المجتمع راية جاهلية، ولكنهم لا يخلعون وصف الكفر على كل فرد فيه (تورّعاً) من أن يكون مسلماً بالشروط المعروفة لديهم، وبالتالي فهم يتوقفون في أمره حتى يعقدوا له الاختبار الذي يفصل في شأنه".

3 عمليات مسلحة فاشلة

ساعدت العوامل السابقة مجدي الصفتي، على السير في الطريق الذي رسمه لنفسه، والذي تأثر فيه بانتمائه السابق إلى تنظيم الجهاد، ونفّذ تنظيم "الناجون من النار"، 3 عمليات مسلحة، جميعها في صيف عام 1987، حاولوا في أولها اغتيال مدير جهاز مباحث أمن الدولة، ثم وزير الداخلية (1982-1984)، حسن أبو باشا، بتاريخ 5 أيار/ مايو من العام المذكور، عندما أطلقوا عليه الرصاص في أثناء مغادرته مسكنه في العجوزة (تتبع محافظة الجيزة)، في إحدى ليالي شهر رمضان، لكنه نجا بأعجوبة فلم يمُت، وأصيب بجراح خطيرة.

حاول مجدي الصفتي، السير في الطريق الذي رسمه لنفسه، والذي تأثر فيه بانتمائه السابق إلى تنظيم الجهاد، فنفّذ تنظيم "الناجون من النار"، 3 عمليات مسلحة، لماذا وضد من؟

وكانت الأخرى محاولة اغتيال رئيس تحرير جريدة "المصوّر" آنذاك، الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد، المقرّب من الحكومة، ثم محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق (1977-1982)، محمد النبوي إسماعيل.

وكتب القدر أن ينجو مكرم محمد أحمد والنبوي إسماعيل، دون جراح من هاتين المحاولتين، لكن يبدو أن هناك دوافع محددةً وراء اختيار جماعة "الناجون من النار"، لهذه الأسماء الثلاثة، منها ما أشار إليه محمود الورواري، قائلاً: "كان مجدي الصفتي يحمل بين جنبيه ثأراً سابقاً خاصاً بمرارات التعذيب الذي تعرض له العديد من قادة وأعضاء تنظيم الجهاد، عندما كان يقود وزارة الداخلية كلّ من اللواء النبوي إسماعيل كوزير للداخلية، واللواء حسن أبو باشا، كمدير لجهاز مباحث أمن الدولة ثم كوزير للداخلية".

ويرى مختار نوح، في الجزء الأول من كتابه "موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة"، أن اللواء حسن أبو باشا كان موضوعاً لأكبر عملية اغتيال تمت في العصر الحديث، مشيراً إلى أنه "لعلّ ما قام به هذا التنظيم (الناجون من النار)، في هذا الوقت، كان ثمناً لإشاعة كانت تتردد بين الناس وقتئذ، مضمونها أن أبو باشا قد وطئ المصحف بقدمه، ما دفع هذا التنظيم إلى إطلاق النار عليه، مع التركيز على قدمه التي قيل إنها وطئت المصحف".

سبب محاولة اغتيال أحمد

أما عن محاولة اغتيال الكاتب الصحافي الراحل مكرم محمد أحمد، فتحدث عنها ساخراً في كتابه المعنون بـ"مؤامرة أم مراجعة: حوار مع قادة التطرف في سجن العقرب"، قائلاً: "إحياء الإسلام يتطلب قتل شخصي الضعيف مع الوزيرين السابقين حسن أبو باشا ونبوي إسماعيل، ولست أعرف لماذا نحن الثلاثة!... وفي میدان باب اللوق في القاهرة، أمطرني زعيم الجماعة مجدي الصفتى وابلاً من الرصاص".

ويروي نضال العضايلة، ما حدث آنذاك، في مؤلفه المعنون بـ"تاريخ الاغتيال السياسي في الشرق الأوسط"، قائلاً: "مساء يوم 3 حزيران/ يونيو 1987، حينما كان عائداً (مكرم) من فندق شيراتون الجيزة، بعد تناوله طعام العشاء مع صديقه الصحافي محمد عبد المنعم، وعندما وصلت سيارته إلى شارع التحرير بالقرب من عابدين، مرت بجواره سيارة صغيرة (من طراز فيات 128)، وأمطرت سيارته بوابل من الرصاص فرّ بعدها الجناة تاركين مكرم محمد أحمد وقد أصيب في يده، وأصيب في الحادث ذاته حوالي 10 أشخاص آخرين جراء إطلاق الرصاص وتناثر الزجاج".

بعد محاولة اغتيال الصحافي مكرم محمد أحمد، جاء الدور على وزير الداخلية الأسبق

أما عن سبب الاعتداء على الكاتب الصحافي، فيكشف "العضايلة"، أن ذلك كان إثر تصدّيه بشجاعة الرأي للّذين هاجموا وحاولوا اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن أبو باشا، فبعد أن نفذوا محاولتهم وأصابوا الوزير إصابات خطيرةً، تصدى لهم مكرم محمد أحمد في مجلة المصوّر التي يرأسها، وكتب قائلاً: "إن مصر فيها فريق، كبر حجمه أو صغر لكنه يخاصم حياتنا الديمقراطية، ويخاصم واقعنا الراهن، لكي يقوم في مصر واقع جديد، لا نرى شبيهاً له الآن إلا ما جرى في إيران، حكومة من آيات الله المعتصمين، تحكم زوراً باسم الرحمن، تملي على الخلائق والبشر أحكامها المستبدة باسم الدين وتقضي على النقد، وتُقصي الشورى لأن من يخاصمها إنما يخاصم الله، ومن ينتقدها ينتقد الله، وتأخذ الوطن إلى مجهول الكارثة كما حدث في طهران".

محاولة اغتيال إسماعيل

بعد محاولة اغتيال مكرم محمد أحمد، جاء الدور على وزير الداخلية الأسبق، اللواء محمد النبوي إسماعيل، وما حدث أنه في مساء 13 آب/ أغسطس عام 1978، أطلق عدد من الأفراد يركبون سيارةً صغيرةً الأعيرة النارية على شرفة مسكنه المطلّ على شارع جامعة الدول العربية في منطقة المهندسين، لكنه كان تحت حراسة قوات من الشرطة.

وجاءت هذه المحاولة لتكون الضربة القاصمة لجماعة "الناجون من النار"، خاصةً أنهم أطلقوا النار مباشرةً على شرفة وزير الداخلية الأسبق، وبدا ذلك وكأنه تحدٍ صارخ لأجهزة الأمن، التي كانت في الوقت ذاته تبحث عن الجناة الذين نفذوا محاولتَي اغتيال اللواء حسن أبو باشا والكاتب مكرم محمد أحمد.

وعلى أي حال، فإن هذه المحاولة باءت بالفشل، ولم يُصَب اللواء النبوي، وتمكّن الجناة من الفرار بسياراتهم، ولم يستطع الحراس الإمساك بهم.

ومثل جميع الجماعات، تبنّت "الناجون من النار"، معتقدات عدة، أهمها تكفير المجتمع حاكماً ومحكومين، إلى جانب استبعادها صفة أهل الكتاب عن المسيحيين، وتحريم العمل في أجهزة الدولة الكافرة، وتحريم الصلاة في المساجد الحكومية؛ لأنها مساجد كفار، وعدم الأكل من الذبائح المحلية، لأن البلد نفسه كافر، وتكفير رجال الشرطة والجيش والقضاء، باعتبارهم مساندين للحكام والكفار، بحسب ضحى الخطيب في مؤلفها "ضوابط التكفير بين الأمس واليوم".

بداية النهاية

لم يدُم أمر الجماعة طويلاً، لكن بعد تنفيذ هذه العمليات الفاشلة، تساقط أعضاؤها، ويذكر مؤلف كتاب "تاريخ الاغتيال السياسي في الشرق الأوسط"، أنه في الأسبوع الأول من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1987، تمكنت قوات الأمن من الوصول إلى رؤوس التنظيم الديني المسلح، الذي نفّذ محاولات الاغتيال المذكورة.

وتابعت الشرطة أعضاء التنظيم، واستطاعت محاصرة أهم عناصره، وجرى تبادل إطلاق النار بين الطرفين، وفقاً للعضايلة، الذي يؤكد أن "محمد كاظم الذي كان عضواً مهماً في التنظيم قُتل، وألقي القبض على يسري عبد المنعم، وقد أوضح اللواء محمد عبد الحليم موسى، مدير الأمن العام في ذلك الوقت، أن أجهزة الأمن تلقت سيلاً من المعلومات التي تتسم بالدقة من المواطنين، ما ساعد قوات الأمن في تحقيق النجاح، خاصةً القبض على يسري عبد المنعم، الذي أدلى بعدد من الاعترافات أوضح فيها أن كاظم هو الذي أطلق النار على شرفة النبوي، وكان كاظم هو الذي يقود السيارة، واعترف بأنهم دفعوا عادل موسى لكي يقوم بعملية إطلاق النار على مكرم أحمد لكي يزيدوا تورطه في التنظيم، وأن مجدي كان يقود السيارة وإلى جواره شخص آخر هو خامسهم، الذي كانت الشرطة عند تسجيل تلك الاعترافات ما زالت تبحث عنه".

تبنّت "الناجون من النار"، معتقدات عدة، أهمها تكفير المجتمع حاكماً ومحكومين، إلى جانب استبعادها صفة أهل الكتاب عن المسيحيين، وتحريم العمل في أجهزة الدولة الكافرة

واتضح آنذاك أن المتهمين جميعاً كانوا من الوجوه الجديدة في العمل المتطرف، إلا أنهم يؤمنون بفكر جماعة التكفير والهجرة، التي أسسها شكري مصطفى، وقد بلغ عدد المتهمين في ذلك التنظيم 33 متهماً، قُدّموا جميعهم إلى المحاكمة.

الحكم على الصفتي

يتفق المؤلف عبد العظيم رمضان، في كتابه "جماعات التكفير في مصر: الأصول التاريخية والفكرية"، مع هذا الطرح؛ إذ يؤكد أنهم كانوا 33 متهماً، منهم اثنان هاربان، هما مؤسس التنظيم مجدي الصفتي، ومسؤول الاتصالات عبد الله أبو العلا.

واستمر النظر في قضية "الناجون من النار"، قرابة 17 شهراً، ابتداءً من يوم 2 نيسان/ أبريل 1988، واستغرقت 96 جلسةً، وترافع عن المتهمين 47 محامياً، وصدر الحكم يوم 2 أيلول/ سبتمبر عام 1989، وقضى بالأشغال المؤبدة على البعض منهم، وكان أولهم مجدي زينهم الصفتي (غيابياً).

ونتيجة سجن قادة الجماعة، تفككت وانتهى أمرها ولم يعد لها وجود، برغم استمرار هروب مجدي الصفتي لـ6 سنوات متصلة، قبل أن يُلقى القبض عليه عام 1993، ويُسجن مع رفاقه الذين تحوّل أغلبهم عن فكر التوقّف إلى "السلفية الحركية".

وظل مجدي الصفتي في السجن إلى أن جاءت أحداث ثورة كانون الثاني/ يناير عام 2011، وحينها كان يقطن في مستشفى المنيل الجامعي، لتلقّي العلاج، فاستغلّ ذلك وهرب، وعاش حرّاً طليقاً لمدة 4 أعوام، حتى أعلنت وزارة الداخلية المصرية، في 29 أيار/ مايو عام 2015، القبض عليه خلال اختبائه في أحد العقارات السكنية في دائرة محافظة القليوبية، وأودِع سجن طرة إلى أن وافته المنية فيه في 25 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2020.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard