شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أمريكي اختلقه الإخوان ونسبوا إليه كتاباً عن حسن البنا... روبير جاكسون

أمريكي اختلقه الإخوان ونسبوا إليه كتاباً عن حسن البنا... روبير جاكسون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 28 يوليو 202211:29 ص

أتجنب الكتابة عن تنظيم الإخوان، منذ تموز/يوليو 2013؛ فلا يليق التعرض لسجين قليل الحيلة، محروم من الدفاع عن نفسه. وألتزم بمناقشة الأفكار، التربة الأيديولوجية الجاهزة لاستنبات سلالات من القتلة، بعد تنشئتهم على أنهم شعب الله المختار، في مواجهة من ينقصهم إيمان ليكتمل إسلامهم، ويصيروا مؤهلين لعضوية التنظيم، ليكونوا مسلمين، أو "المسلمين".

أتجنب ذلك، كما تجنبت سيرة أنور الجندي الذي يمنحونه صفة "المفكر الإسلامي". وفي مقدمة كتابي "سنة أولى إخوان" (2014) سجلت طرفاً من مقابلاتي معه، في الثمانينيات وأنا طالب. وظننت أنني طويت الصفحة، لولا أن صادفني برنامج تلفزيوني لمدرس جامعي يردد أكذوبة اختلقها أنور الجندي، ودخلت في نسيج الأساطير الإخوانية.


في صعود اليمين الديني، بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011 في خلع حسني مبارك، نشط الدكتور حسام عقل في الدعوة التلفزيونية، مبشراً بعالم بلا إلحاد. لا أناقشه الآن، ولا أناقش غيره، في ما يمكن أن يمس الله، أو يسيء إلى الأديان، مع وجود ملحدين، "ولو شاء الله لجمعهم على الهدى". أشتري دماغي، فلا أهتم بإقناع أحد بأي شيء. أقرأ لنادمين على المشاركة في ثورة 25 يناير، مؤكدين أنها مؤامرة، ومن يرون وقائع 30 يونيو 2013 انقلاباً. أسمع هذا وأقرأ ذاك، فأستعيد خلو البال، وأشاهد ما أحب من أفلام، وأقرأ ما أجـلت قراءته، وألهو مع الأطفال؛ فالحياة قصيرة، ويصعب تفادي مصادفاتها.

في كتاب حسن البنا الرجل القرآني، المنسوب إلى أمريكي اسمه روبير جاكسون، تختفي المسافة بين الترجمة والتأليف. لا أعرف متى ينتهي كلام المؤلف، ومتى يبدأ كلام المترجم الذي يفترض أن مكانه الهامش

في آب/أغسطس 2012 أذاعت قناة "مصر 25" الفضائية الإخوانية برنامجاً عنوانه "حسن البنا... مشروع نهضة"، أعاد تأسيس أسطورة للبنا، كنبي أخرج مصر من الظلمات إلى النور، إذ بعث في قوم "لا يعرفون الصلاة"، والمثقفون يتبنون "الثقافة الغربية المنحرفة"، ويدعون إلى "تحرير المرأة من ثيابها"، وكانت المدن "بيوت دعارة". هذه الاقتباسات بعض ما تضمنه البرنامج الذي كان من ضيوفه المرشد السابق مهدي عاكف وطارق البشري وعبد المنعم أبو الفتوح. وبعد عشر سنوات، في تموز/يوليو 2022، ألقت مصادفة فيسبوكية في طريقي بحلقة عنوانها "حسن البنا بين الحقائق والأوهام"، من برنامج "الدرع"، ترجع إلى نيسان/أبريل 2012 بقناة "الناس" الفضائية اليمينية، تقديم حسام عقل.


أنور الجندي

البنا لا يعنيني. هنا قطيع يؤمن بأنه ولي، ولا يذكرون اسمه إلا مقترناً بلقبيْ الأستاذ الإمام، تشبيهاً بالأستاذ الإمام محمد عبده رحمه الله.

من نشأ على دين الإخوان يتساوى عنده الخروج من الجماعة والردة عن الإسلام. لا أمل فيه تقريباً. تعنيني الحقيقة. لا جديد في ثرثرات تربط بين سقوط الخلافة في تركيا وظهور "موجة من التحلل، حتى تحولت القاهرة إلى ماخور كبير... وكان المصريون، والعرب معهم، يحتاجون إلى وتد يثبتهم" فظهر البنا، كما قال حسام عقل الذي فاجأني استشهاده بالمدعو روبير جاكسون، متجاهلاً اسم أنور الجندي: "ظهر حسن البنا كالطيف العابر، لكنه أحدث أثراً قوياً في التاريخ في العالم العربي".

من هو روبير جاكسون؟

رأيت اسمه، للمرة الأولى، في بيت الأستاذ أنور الجندي، في شارع عثمان محرم في منطقة الطالبية بالهرم. كنت محملاً بثقافة تغذيها مجلة "الدعوة"، لسان الإخوان، وقد واظبت عليها منذ عام 1979. في المرحلة الثانوية قرأت كتاب الجندي "رجال اختلف فيهم الرأي"، فعزز يقيني الإخواني بكفر عبد الناصر، وفسوق سعد زغلول، وضلال المثقفين. دخلت جامعة القاهرة، وأعطاني الدكتور محمد أبو الأنوار رقم هاتف الجندي. واستعددت للقاء بقراءة كتابه "إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام"، الذي يجعل قراءه يشعرون بأن الله أعدّ جهنم لكي يعذب فيها المثقفين "المتآمرين". وأهداني كتباً أحدها "حسن البنا الرجل القرآني" بقلم الكاتب الأمريكي روبير جاكسون.

من هيبة اللقاء الأول، لم أسأله عن الاختلاف بين عنوان كتابه "رجال اختلف فيهم الرأي"، والعنوان الداخلي "شخصيات اختلف فيها الرأي". فتح كتابه "الطريق إلى الأصالة والخروج من التبعية"، وكتب إهداء "إلى الأخ الكريم الأستاذ سعد علي القرش. مع أخلص عبارات التقدير والإعزاز. أنور الجندي. جمادى الأولى 1406". وأهداني أيضاً كتابه "محاكمة فكر طه حسين"، وقال إنه ارتد عن الإسلام، واعتنق المسيحية في كنيسة بفرنسا. واستأذنته في قراءة أبيات من قصيدة لهاشم الرفاعي، واستحسن الإلقاء، وقال: "عليك ضبط الروي". وخجلت أن أسأله: ما الروي؟ ثم قلت إنني أحب القصة القصيرة وأكتبها، فذكر شروطاً ومعايير يجب الالتزام بها، ليكون الأدب إسلامياً.

وقال إن إحسان عبد القدوس يكتب أدباً مكشوفاً، "ويغلف أفكاره ودعاواه وإباحياته بأن يديرها في إطار قصة سياسية أو وطنية ليخدع بها الشباب". وأحببت مجموعة "همزات الشياطين" لعبد الحميد جودة السحار، مؤلف موسوعة "السيرة النبوي"»، في عشرين جزءاً. وقصص همزات الشياطين وعظية مباشرة، وقلت إن في القصص دائماً عبرة، واستشهدت بقصص السحار. فقال الجندي: "لا أقرأ القصص، ولا الروايات". سألته: "ولا قصص السحار؟". أجاب: "ولا قصص السحار". فاجأتني جرأته على انتقاد من وما لا يعرف؟ لدى معظم رموز اليمين الديني يقين مضاد للقلق والشكوك، وسيقول الشيخ محمد الشعراوي، لطارق حبيب في حوار تلفزيوني، إنه لم يقرأ كتاباً منذ 40 سنة.

من نشأ على دين الإخوان يتساوى عنده الخروج من الجماعة والردة عن الإسلام. لا أمل فيه تقريباً 

للجندي (1917 ـ 2002) مرحلتان، ورأيان في طه حسين، وربما في غيره. ونُسي، ولا تشفع له مؤلفات قد تبلغ المئة، ويشبه بعضها بعضاً، وفيها الشيء وضده. ينتقد "الابتذال" في أفلام مصرية فيستشهد برأي لصلاح عبد الصبور. وفي موضع آخر، يقول: "لقد سقطت مؤامرة الشعر الحر بموت صلاح عبد الصبور". ولا يكاد كاتب يفلت من مقصلته. الطهطاوي أخطأ بقوله: "حب الوطن من الإيمان... الوطن في مفهوم الإسلام هو الوطن الإسلامي كله وليس مصر وحدها... طريق رفاعة هو طريق سعد زغلول أو طريق لطفي السيد ولكنه ليس طريق الأصالة". الطهطاوي يتزعم طابوراً رموزه جبران خليل جبران وجرجي زيدان، وينتهي بأحمد بهاء الدين.

من الذين استهدفهم الجندي مثقفون أسهموا في الدراسات الإسلامية: علي عبد الرازق، أمين الخولي، أحمد أمين، عباس العقاد، محمد حسين هيكل، خالد محمد خالد، عبد الرحمن بدوي، عبد الرحمن الشرقاوي، حسن حنفي، محمد عمارة الذي فسر التاريخ "بأهواء القوميات والماركسيات المعاصرة... ويجري مع ذلك التيار الخطير الذي يحاول احتواء الفكر الإسلامي والذي يديره أعداء الإسلام". ولعل أنور الجندي رضي عن عمارة، بتراجعه عن "النهج العلماني"، وإبراء ذمته بمؤلفات منها "سقوط الغلو العلماني" (1995)، و"التفسير الماركسي للإسلام" (1996)، في نقد نصر حامد أبو زيد. غالي عمارة في انتقاد أي توجه أو اجتهاد "خارج إطار الإسلام"، متسلحاً ببقايا منهج ماركسي يفتقده الجندي.

فمن يكون روبير جاكسون؟

في كتاب "حسن البنا الرجل القرآني"، المنسوب إلى أمريكي اسمه روبير جاكسون، تختفي المسافة بين الترجمة والتأليف. لا أعرف متى ينتهي كلام المؤلف، ومتى يبدأ كلام المترجم الذي يفترض أن مكانه الهامش. أرجح أن الكتاب والمؤلف معاً من تأليف أنور الجندي. وكان على الناشر، أن يعهد بالكتاب إلى محرر محترف يضبط الصياغة، ويزيل الالتباس بين الهامش العربي وما يفترض أنه النص الإنكليزي. يبدأ الكتاب هكذا: "في فبراير سنة 1946، كنت في زيارة للقاهرة... وقد رأيت أن أقابل الرجل الذي يتبعه نصف مليون شخص، وكتبَ في النيويوركر كرونيكل بالنص: زرت هذا الأسبوع رجلاً قد يصبح من أبرز الرجال في التاريخ المعاصر".

يبدأ السطر الأول من الكتاب بضمير المتكلم: "كنت"، وفي السطر الثاني يتحول إلى ضمير الغائب: "كتب"، ثم يعود إلى ضمير المتكلم المتسق مع وجود مؤلف. وفي الصفحة التاسعة ينسى "المؤلف" فيكتب: "ثم يتحدث جاكسون عن نشأة حسن البنا وأفكاره". بهذه المراوحة، والنسيان الفاضح، وفقر المهارة، يمضي الكتاب، حتى يبدو المؤلف الأمريكي الوهمي درويشاً إخوانياً مطلعاً على مقاتل الطالبيين. أما المؤلف الحقيقي، الذي وضع اسمه كمترجم، فاستهدف تأسيس أسطورة للجماعة ومؤسسها، مستثمراً مصرع حسن البنا: "إن مقتله شبيه بمقتل الحسين، إنها العوامل المختلفة التي تجمعت لوضع حد للفكرة الحية التي كانت تندفع إلى الأمام كالإعصار. وحين عجز القضاء أنفذ القدر حكمه".

في كتاب "الأسرار الحقيقية لاغتيال حسن البنا" (1984) يرفع مؤلفه جابر رزق منزلة البنا بين المجددين، إذ "أفاد الأستاذ البنا من تجارب هؤلاء الذين سبقوه على الطريق وأخذ خير ما عندهم وأمكنه أن يتفادى ما وقعوا فيه من أخطاء.. ودليل ذلك أنه جمع بين وسليتين كانتا تبدوان متعارضتين جرى على إحداهما جمال الدين الأفغاني وارتضى الأخرى الإمام محمد عبده... كان الأفغاني يرى الإصلاح عن طريق الحكم، ويراه محمد عبده عن طريق التربية، وقد استطاع حسن البنا أن يدمج الوسيلتين معاً، وأن يأخذ بهما جميعاً وأن يضيف إليهما". هذا الكلام موجود حرفياً في الصفحتين السادسة والسابعة من الكتاب المنسوب إلى جاكسون.

ويكيبيديا الإخوان المسلمين تضع صورة رجل مع البنا، تحت عنوان "أحداث في صور... الأستاذ حسن البنا وروبير جاكسون"، وفي التفاصيل مذكور بأن الصورة "تجمع بين الإمام الشهيد حسن البنا والكاتب الأمريكي روبير جاكسون وقتما كان الأخير في زيارة إلى القاهرة عام 1946" 

بالبحث وجدت أن صحيفة نيويوركر كرونيكل توقف صدورها عام 1926، ولم أجد كاتباً أمريكياً اسمه روبير جاكسون. ولا أظن الكاتب المزعوم اكتفى بحسن البنا، ولم يستهوه شخص آخر. لكن ويكيبيديا الإخوان المسلمين تضع صورة رجل مع البنا، تحت عنوان "أحداث في صور... الأستاذ حسن البنا وروبير جاكسون"، وفي التفاصيل مذكور بأن الصورة "تجمع بين الإمام الشهيد حسن البنا والكاتب الأمريكي روبير جاكسون وقتما كان الأخير في زيارة إلى القاهرة عام 1946 وأراد أن يتعرف على جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الذي يتبعه النصف مليون. وقد كتب في صحيفة النيويورك كرونيكل بالنص: "زرت هذا الأسبوع رجلاً قد يصبح من أبرز الرجال في التاريخ المعاصر".

موقع الإخوان ينقل من أنور الجندي الذي اخترع مؤلفاً لتأسيس أسطورة تضاف إلى أكاذيب الإخوان عن المعتقلات. في السبعينيات أغرقت سوق النشر بكتب ومذكرات يكفي البعض منها لشيطنة عبد الناصر الذي خرج من رمادها أكثر قوة. والنموذج الأكثر تمثيلاً هو كتاب "أيام من حياتي" المنسوب إلى زينب الغزالي. واعترف يوسف ندا مفوض العلاقات الدولية في تنظيم الإخوان بأنه المؤلف. ففي 11 نيسان/أبريل 2014 نشر الدكتور محمد السعيد إدريس مقالاَ بصحيفة الخليج الإماراتية على لسان أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط أنه لام ندا على تأليف كتاب زينب الغزالي: "أليس هذا تلفيقاً وكذباً وتضليلاً"، فأجاب ندا: "اللي تغلب به، العب به". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard