"لا أنكر أنني أحنّ في بعض الأحيان إلى ملامحي الطبيعية قبل عمليات التجميل. ترعرعت في عائلة ثرية شمال المغرب، وكانت أمي كثيرة الاهتمام بمظهرها الخارجي، وحتى الآن وهي في أواخر السبعينات من عمرها، لا تزال محافظةً على نظارة بشرتها ومواظبةً على صباغة شعرها بشكل شهري"؛ تقول سمية وتؤكد أن الوسط الذي نشأت فيه كان سبباً في ما هي عليه اليوم، من "إدمان" على عمليات التجميل والاعتناء بالبشرة والجسم. وتتابع: "في البداية، قبل زواجي الأول، كان اهتمامي ينصبّ على صباغة الشعر وطلاء الأظافر والعدسات اللاصقة والماركات التجارية الغالية للتجميل والملابس".
تضيف ابنة مدينة طنجة: "كنت أحاول دائماً خطف الأنظار من حولي، من خلال رشاقة جسدي وجمال ملامحي، لكن مع المدة أصبحت غير راضية على شكلي، خصوصاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وحب التشبّه بالفنانات العربيات (هيفاء وهبي، إليسا...)، والترهّلات التي عرفها جسمي بعد الانجاب. قررت الخضوع لأول عملية تجميل لتكبير الأرداف ونحت الجسم، والنتيجة لم تنَل استحسان الكثير من أقاربي، لكن الأهم أنها نالت استحساني، لتكون بذلك خطوتي الأولى نحو عالم عمليات التجميل".
تحكي سمية أن المغرب، بعد عودتها من هولندا إليه إثر طلاقها، عرف انتشاراً واسعاً للعيادات الطبية التجميلية والمراكز المختصة بالعناية بالبشرة والشعر، وهو ما جعلها تستغني عن السفر إلى خارج البلاد، تركيا أو لبنان أو دول أوروبا الشرقية، حيث عمليات التجميل غير مكلفة كما في باقي الدول الأوروبية.
قررت الخضوع لأول عملية تجميل لتكبير الأرداف ونحت الجسم، والنتيجة لم تنَل استحسان الكثير من أقاربي، لكن الأهم أنها نالت استحساني، لتكون بذلك خطوتي الأولى نحو عالم عمليات التجميل
"بسبب حالتي المادية، كنت حريصةً على اختيار العيادات الطبية التجميلية المعترف بها، والتي تراعي سلامة الزبون للحصول على حقن الفيلر والبوتوكس، بعكس بعض صديقاتي ومعارفي اللواتي لجأن إلى مراكز غير مختصّة، وتالياً كانت النتيجة في أغلب الحالات كارثيةً"؛ تتابع سمية وتؤكد أن ارتفاع منسوب الثقة لديها بعد عمليات الشدّ والحقن، وتهافت الرجال من حولها، دفعها إلى التفكير في المزيد من عمليات التجميل كتصغير الأنف، ناهيك عن إدمانها على حقن 'البوتوكس' و'الفيلر' كل ستة أشهر، لرفع الحاجبين ونفخ الشفاه وإبراز عظام الخد.
تضيف سمية في حديثها إلى رصيف22: "لا يمكنني تصور حياتي من دون عمليات التجميل، ولا أبالي بما يقال عني ولا بحكم المجتمع والعرف على هذه العمليات. ما يهمني هو جمالي ودوره في تعزيز ثقتي بنفسي".
وتختم: "حمداً لله، لدي المال الكافي ولست في حاجة إلى الاقتراض لدفع مصاريف هذه العمليات، وأتمنى ألا يتدخّل الناس في قراراتنا نحن النساء، سواء تعلق الأمر بالجمال أو بأي قرار شخصي آخر. نحن من ندفع ونتحمل مضاعفات هذه العمليّات، ولا حاجة لنا إلى آراء تقيّم جمالنا الطبيعي أو المصطنع".
"عمليات التجميل أنقذتني من التنمّر"
تقول هبة "عانيت من التنمر منذ صغري بسببي أنفي الأفطس. كان هناك من ينعتني بـ"المعوّقة" و"مْنْيًّفْ". لم أتعايش مع أنفي ليوم واحد. كنت أقارن نفسي دائماً بصديقاتي صاحبات الأنوف السويّة. بعد حصولي على دبلوم الإجازة وعملي في إحدى مراكز الاتصال في مدينة الرباط، ازداد الأمر سوءاً، وبدأت أتلقى تعليقات سلبيّةً من زملائي في العمل وفي بعض الأحيان من المسؤولين في الإدارة".
عملت لساعات إضافية حتى منتصف الليل وفي عطل نهاية الأسبوع، لأتمكن من سداد مصاريف حقن الفيلر عند أطباء متخصصين في التجميل
وتتابع: "كل هذه التعليقات دفعتني إلى ادّخار بعض الدراهم من راتبي الشهري، لأتمكن من الحصول على حقن الفيلر لمعالجة المشكلة. في البداية اتجهت إلى المراكز التجميلية غير المعتمدة، وكانت النتيجة مرضيةً نسبياً، لكن ليس بالشكل المطلوب كما هو الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي العيادات الطبية التجميلية".
تضيف هبة: "عملت لساعات إضافية حتى منتصف الليل وفي عطل نهاية الأسبوع، لأتمكن من سداد مصاريف حقن الفيلر عند أطباء متخصصين في التجميل، لقد كانت النتيجة أكثر من مُرضِية، وعزّزت ثقتي بنفسي لما يزيد عن ستة أشهر، قبل أن أعيد الحقن مرةً أخرى".
تكمل: "لم يقتصر الأمر على حقن الفيلر للأنف فقط، بل حقنت البعض منها في شفاهي والأخرى في خدودي. شعرت بسعادة لا مثيل لها، وصرت أبدو أجمل مما كنت عليه سابقاً، وأفكّر مستقبلاً في إجراء عملية جراحية تجميلية لأنفي".
وتختم هبة بأن "عمليات التجميل اختُرعت لتنقذ مجموعةً من النساء والرجال أيضاً الذين يعانون من عيوب خلقية، وتسمح لنا نحن النساء بالتباهي بجمالنا الذي نمَّطه المجتمع الذي يقبل التغيير لا الاختلاف".
الرجال دون الـ35 سنةً يلجؤون إلى الخدمات التجميلية
يؤكد الدكتور حبيب المهداوي، أن مجال الطب التجميلي شهد في المغرب خلال السنوات الأخيرة، تقدّماً ملحوظاً وإقبالاً كبيراً، وهذا الإقبال يسير في الاتجاه العالمي الذي يشهد هو الآخر إقبالاً متزايداً، وفق الجمعية الدولية للجراحة التجميلية (ISAPS). ففي عام 2021 فقط، سُجلت زيادة بنسبة 19.3 في المئة في العمليات التجميلية الطبية. ويضيف الأخصائي في التجميل، أن طب التجميل مثلاً في كندا والولايات المتحدة الأمريكية فقط، يمثّل ما نسبته 35 في المئة من عمليات التجميل في العالم.
في خصوص إقبال النساء أكثر على الخدمات التجميلية، يقول المهداوي: "ليس مفاجئاً أن النساء هنّ الأكثر إقبالاً، فما نسبته 63 في المئة من النساء قمن بشراء خدمة تجميلية أو علاجية، بينما يمثّل الرجال ما نسبته 28 في المئة"، وهنا يستدرك الدكتور قائلاً إن الأرقام تتعلق بسوق أمريكا الشمالية، لكونه قضى ما يزيد عن عشرين سنةً في العمل في هذا المجال في كندا، وبالنسبة إلى المغرب "لا يشكل الرجال نسبةً كبيرةً"، وفق قوله، ويفسر ذلك باختلاف السياقات الثقافية والاجتماعية.
ارتياد الرجال عيادات التجميل في تزايد مستمر أيضاً، خصوصاً في الوقت الحالي مع الانتشار المهول لوسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح الذكور يولون اهتماماً متزايداً بجمالهم
بالنسبة إلى مستهلكات الخدمات التجميلية، نجد أن صاحبات القدرة المالية في المرتبة الأولى، تليهن النساء العاملات في الثلاثينات من العمر، لكن وفق المتحدث ذاته يلاحظ أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً عند الشابات اللواتي هنّ في العشرينات من عمرهنّ، وهذا الارتفاع في تزايد مستمر من عام إلى آخر.
يرى الدكتور المهداوي، أن ارتياد الرجال عيادات التجميل في تزايد مستمر أيضاً، خصوصاً في الوقت الحالي مع الانتشار المهول لوسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح الذكور يولون اهتماماً متزايداً بجمالهم، وهذا التقدّم تقوده فئة الشباب دون الـ35 سنةً، والتي تخصص ميزانيةً خاصةً لتتمكن من الخدمات التجميلية ومنتجات العناية بالبشرة، ويتأسف على قلة الدراسات في هذا الخصوص، لكن الأمر يلاحَظ من خلال الممارسات اليومية داخل العيادات.
يشير المهداوي إلى أن معظم زبائن هذا المجال التجميلي يهتمون بشكل أساسي بإعادة تشكيل جمالهم ويرغبون في الحصول على مظهر شاب وجذاب، وعليه يتعلق الأمر بشكل صرف بما هو جمالي فقط، وبالنسبة إلى التجميل من أجل إصلاح عيوب الجسم، فهي حالات قليلة مقارنةً بتلك التي تهدف إلى الحصول على جمال جذاب.
يخلص الأخصائي في الطب الباطني وطب التجميل، إلى أن الخدمات التجميلية في المغرب كحقن التعبئة والبوتوكس، وحمض الهيالورونيك وإزالة الشعر بالليزر، تحظى بشعبية كبيرة خصوصاً في السنوات الأخيرة، لدى المغاربة عموماً، خصوصاً الشابات منهم، لكنه يؤكد على ضرورة توخّي الحذر، لأن سهولة الوصول إلى الخدمات وتحديد المواعيد لا تعني بالضرورة أنها قانونية وتحترم شروط السلامة الصحية، وفي هذا الصدد أطلق الاتحاد الوطني لجرّاحي التجميل في المغرب (SNCPM) تحذيراً من الممارسة غير القانونية لعلميات الطب التجميلي في العديد من صالونات التجميل، وصالات الرياضة.
ويشهد المغرب انتشاراً واسعاً لهذه المراكز التي تقدّم إجراءات تجميليةً، مثل الحقن والتقشير وإزالة الشعر بالليزر بشكل غير قانوني، لكن بأثمنة رخيصة مغرية وعروض كثيرة، بالرغم من أن قانون السلوك الطبي في فصله الثاني، ينص على أنه "لا يجوز لأحد أن يقوم بأي عمل من أعمال مهنة الطب، بأي صفة كانت، إلا إذا كان مدرَجاً في الجدول المهني"، أي طبيباً مرخصاً له بالعمل في المجال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...