شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
الحكم بسجن ديما صادق... السياسة فوق القضاء وقبل الحريات

الحكم بسجن ديما صادق... السياسة فوق القضاء وقبل الحريات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الأربعاء 12 يوليو 202303:02 م
Read in English:

Sentencing Lebanese journalist Dima Sadek to prison: A warning to those who question

حكمٌ بالسّجن لمدّة سنة، وتجريد من الحقوق المدنية، وفرض غرامة مالية قدرها 110 ملايين ليرة لبنانية؛ الحكم السابق لم يصدر في حقّ مواطن لبنانيّ ارتكب جرماً ما، أو حتى في حقّ مسؤول أو وزير في إحدى قضايا الفساد الكثيرة، إنّما صدر في حق الإعلامية ومقدّمة البرامج ديما صادق، على خلفية دعوى مقامة ضدها من قبل التيار الوطني الحر منذ العام 2020.

في تفاصيل ما حدث، أنه حين كان البلد يشهد احتجاجات مطلبيةً في إثر ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، في مختلف المناطق، تجمّع عددٌ من الشبّان في جونية حول شاب من مدينة طرابلس ينتظر "الفان" للعودة إلى منزله، فشتموه، وضربوه، ورموه في مجاري مياه الصرف، وقالوا له: "عون تاج راسك وراس طرابلس".

تفاعلت القضية لاحقاً، وكانت صادق من بين المعلّقين عليها بتغريدة قالت فيها: "صباح حزب لبنان النازي... اعتداء جديد من قبل التيار النازي على الشاب زكريا المصري من طرابلس في جونية، بضربه على رأسه ورميه في المجارير. وقالوا له: عون تاج راسك وراس طرابلس".

حكمٌ بالسّجن لمدّة سنة، وتجريد من الحقوق المدنية، وفرض غرامة مالية قدرها 110 ملايين ليرة لبنانية

صدر الحكم في 10 تموز/ يوليو 2023، لكن ليس في حق المعتدين على المصري، برغم اتّخاذه صفة الادّعاء الشخصي عليهم، ولكن في حق ديما صادق، من قبل القاضي المنفرد الجزائي في بيروت روزين حجيلي، بعد اتّهامها من قِبل التيار الوطني الحر، ممثّلاً بمحاميه ماجد بويز، بإثارة النعرات الطائفية بين منطقة جونية وطرابلس، وبالقدح والذم. بويز الذي ينفي تماماً أن يكون عناصر التيار قد اعتدوا على المصري، يقول: "وقع المصري داخل فتحة الصرف الصحي ولم يتم الاعتداء عليه من قبل عناصر التيار الوطني الحرّ نهائياً".

محضر التحقيق وتقرير الطبيب الشرعي، يكشفان أنّ الشاب كان مصاباً بخدوش في وجهه وحالته الصحية غير مستقرة، وقد ردد أكثر من مرة حيثيات تعرّضه للضرب من قبل مجموعة تابعة للتيار الوطني الحر، ومما جاء في إفادته أنه تعرّض للضرب تحت جسر فؤاد شهاب. ووفقاً لأقواله، فقد اعتدوا عليه بالضرب الشديد فارتطم رأسه بالحائط، وقالوا له: "ميشال عون هو ربّك وربّ طرابلس"، و"ميشال عون هو تاج راسك وراس طرابلس".

كيف انقلبت تهم العنصرية على منتقديها؟

تُعبّر الوكيلة القانونية لصادق، المحامية ديما شحادة، لرصيف22، عن دهشة كبيرة من هذا القرار بحقّ موكّلتها، وتقول: "الحكم غير قانوني وغير عادل وسنتّخذ مسار الاستئناف بالطبع، الأكثر غرابةً هي كيفية قلب المعايير، إذ كيف لشخص انتقد فعلاً عنصرياً موصوفاً وموثّقاً، أن تُلصق به هو صفة العنصرية ويصبح قيد المحاكمة؟". وتضيف أنّ في ذلك رسالةً واضحةً إلى جميع اللبنانيين بأنّ أي محاولة انتقاد لأفعال عنصرية لأشخاص نافذين أو محسوبين على الأحزاب، ستنقلب عليكم.

تلفت شحادة إلى ضرورة مطالبة اللبنانيين بالاستقلال التام للقضاء، وتستطرد: "القضية كانت لدى النيابة العامة في بيروت التي ردّتها وتبنّت الادّعاء بجرمَي القدح والذمّ فقط دون التحريض على العنصرية وإثارة النعرات، لكن بعد إصرار شديد من قبل الوكيل القانوني للوزير جبران باسيل، وتشديده على النظر في جرم إثارة النعرات، تمّت إعادة النظر فيها وتعديل توصيف الفعل، وهي صلاحية جائزة للقضاة. ولو كانت الإدانة بجرمَي القدح والذم، ما كنا لنستغرب إلى هذه الدرجة، برغم أن توصيف ديما ليس فيه قدح وذم لأنّ التيار يفاخر بعنصريته، لكن أن يصل الأمر إلى تهمة العنصرية، فهو أمر غير مفهوم على الإطلاق".

صادق أيضاً تبدي استغرابها الكبير ممّا حصل معها وتصفه بالـ"جنون" (في تصريح لقناة الحرة)، كما تُدرجه في سياق "التخويف"، بهدف "قمع أي محاولة للاعتراض والسخط والثورة، وإسكات أي صوت في هذا الإطار. فهم يرون أنهم حين يخوّفون شخصاً بهذه الطريقة، يمنعون غيره أيضاً من الكلام".

ليست قضية صادق الأولى من نوعها أو الأولى والوحيدة في عام 2023، في حقّ صحافيين وإعلاميين وغيرهم، فقد وثّقت "منظّمة العفو الدولية" أكثر من 10 حالات استدعاء للتحقيق في مكاتب المراكز الأمنية والعسكرية فقط خلال 2023.

المنظّمة، وفي بيان رسمي، تستنكر "بشدّة التصعيد القضائي في تجريم حرية التعبير في لبنان، وإذ اعتاد الناشطون التعامل مع شكاوى ضدّهم من مسؤولين في السلطة، فإنّ الحكم بالسجن على خلفية منشور تحميه حرية التعبير يُعدّ تصعيداً شديد الخطورة"، مذكّرةً بالتزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير، ومشيرةً إلى أنّه "ينبغي على البرلمان إلغاء أحكام القدح والذم في قانون العقوبات واستبدالها بأحكام مدنية".

اللغة المستخدمة في قانون العقوبات فضفاضة وليست واضحةً وهي قابلة للتأويل بما يتماشى مع مصالح الحكام، والنظام الحاكم يستخدم القانون كيفما يحلو له

في هذا السياق، يلفت المحامي فاروق المغربي، إلى أنّ بعض الحالات القضائية في لبنان تتذرّع بأنّ "حرية التعبير ليست مطلقةً ويستندون في ذلك إلى المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما حصل في قضية المحامين قبل مدّة، دون التنبّه إلى التعليق العام الذي شرح هذه العبارة وفنّدها في نحو 20 صفحةً، وبذلك يصبح الأمر رهناً لتفسيرات القاضي وتحديده لحيّز حرية التعبير".

وبينما يؤكّد المغربي أنّ لكل فرد الحق الكامل في انتقاد الشخصيات العامّة، يشير إلى أنّ القاضية حجيلي ربما اعتبرت في حكمها أنّ الركن المعنوي في جرم صادق هو نشر التغريدة خلال أجواء مشحونة في البلد، واعتبار ذلك "نيّةً إجراميةً لإثارة النعرات الطائفية"، أمّا في ما يتعلّق بمواد القدح والذم، فيذكّر المغربي بالتوصية الصادرة عام 2018 من لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بضرورة إلغاء هاتين المادتين من قانون العقوبات وعدم ملاحقة الصحافيين والناشطين على أساسهما.

حملة ممنهجة على كل من يقول "لا"

ترى منسّقة تجمّع الصحافة البديلة إلسي مفرج، أنّ الحكم في حق صادق يندرج ضمن حملة ممنهجة ومتواصلة بحقّ كل من يعبّر عن رأي وببساطة يقول "لا"، وتذكّر بمشاهد اقتياد الصحافيين إلى المراكز الأمنية ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية للترهيب والتحقيق، وآخرها ما حصل مع الصحافي في منصّة "ميغافون" جان قصير، وملاحقته قضائياً.

تفنّد مفرّج القرار بأنّه ليس اعتداءً على الصحافة أو حرية الإعلام، بل هو "فعل يطال الحريات كاملةً وموضوع حرية التعبير عن الرأي بشكل مباشر، فمقابل تعبير عن رأي في تغريدة في أحد مواقع التواصل الاجتماعي تصدر عقوبة بالسّجن"، وتؤكد أنّ قضايا الحريات يجب أن تبقى لدى القضاء المدني وليس الجزائي، ولا تكون عقوبة السجن واردةً فيها أبداً.

وتشير مفرّج إلى أنّ "النقابة ستتصدّى لمحاولات التضييق على الحريات كما فعلت سابقاً، إن من خلال تحرّك في الشارع أو من خلال التنسيق مع المنظمات الحقوقية الدولية مثل 'العفو الدولية' و'هيومن رايتس ووتش' وإرسال رسالة إلى المقررة الخاصة للحريات في مجلس حقوق الإنسان".

الحكم في حق صادق يندرج ضمن حملة ممنهجة ومتواصلة بحقّ كل من يعبّر عن رأي وببساطة يقول "لا"

المسؤول الإعلامي في "مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية" (سكايز)، جاد شحرور، يتشارك مع صادق ومحاميتها الدهشة الكبيرة من أن تكون في الحكم عقوبتا السّجن والغرامة المالية، بالإضافة إلى التجريد من الحقوق المدنية، ويذكّر بأنّها "ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها أشخاص نافذون أو جهات سياسية صحافيين وناشطين، تحديداً في عهد ميشال عون، إذ جرت ملاحقة العديد من الإعلاميين ورُفعت بحقهم دعاوى وصدرت قرارات بالسّجن دفعت البعض منهم إلى مغادرة البلد، والصحافي فداء عيتاني خير مثال على ذلك". 

ينفي شحرور أن يكون في تغريدة ديما قدح وذمّ حتى، بل هو "توصيف سياسيّ"، ويُرجع أساس المشكلة إلى قانون العقوبات فـ"اللغة المستخدمة فيه فضفاضة وليست واضحةً وهي قابلة للتأويل بما يتماشى مع مصالح الحكام، والنظام الحاكم يستخدم القانون كيفما يحلو له وبما يتناسب مع مصالحه". 

ويشدّد على أنّ معركة الحريات ليست معركةً إعلاميةً أو معركةً للناشطين فحسب، بل هي معركة حقوقية عامّة "وهذا ما يجب أن يدركه الناس، لكنّ المشكلة الثانية تكمن في ذهنية العقاب السائدة في البلد تحديداً لدى الجماعات المحزّبة، والتي يلوّحون بها في وجه كل من يعبّر عن رأيه". 

وسجّلت مؤسسة سمير قصير الحادثة، كانتهاك ضد صحافية، وهي من مهامها كمؤسسة حقوقية، مع انتظار وترقّب لما سينتج عن الاستئناف، وبعدها "يتحول التوثيق إلى دعوة المؤسسات الحقوقية للتحرك بشكل قانوني، أو لإصدار بيانات تتدخل فيها مؤسسات حقوقية دولية"، وفق شحرور.

حكم السّجن ولمدّة سنة، أحدث إرباكاً كبيراً في صفوف الإعلاميين والناشطين والمدافعين عن الحريات، فبرغم أنّها ليست المرة الأولى لكنّها المرّة الأفصح ربما في محاولات قمع الحريات. في الجهة الأخرى، عمّت الاحتفالات صفوف الجيش الإلكتروني "الوطني الحرّ"، الذي شخصن القضية وذهب فيها إلى مكان يرى فيه أنّ القضاء أنصفه من "افتراء ديما صادق"، وهو ما جاء في تغريدة المحامي ماجد بويز التي ذيّلها بلغة التهديد والوعيد: "انشالله تكوني اتعلّمتي". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image