وافق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، المعروف بالكابينت، على اقتراح رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المقدّم في اجتماع الحكومة الأحد الماضي، في التاسع من تموز/ يوليو الجاري، لتبنّي قرار من شأنه "منع السلطة الفلسطينية من الانهيار"، ووافق عليه ثمانية وزراء، بينما عارضه وزير الأمن القومي، المتطرف إيتمار بن غفير، وامتنع وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، عن التصويت.
ونشر موقع i24news، مسودة القرار الذي جاء فيه: "في ظل عدم وجود تغيير في التقييم القومي، ستعمل إسرائيل على منع انهيار السلطة الفلسطينية، مع الدفع بمطالبتها بوقف أنشطتها ضد إسرائيل في المحافل القضائية والسياسية الدولية، ووقف التحريض في وسائل الإعلام ومناهج التعليم ووقف دفع المخصصات لعائلات الإرهابيين والقتلة، ووقف البناء غير القانوني في المنطقة".
ستعمل إسرائيل على منع انهيار السلطة الفلسطينية، مع مطالبتها بوقف أنشطتها ضدها في المحافل القضائية والسياسية
وكان الرد الفلسطيني الرسمي على لسان رئيس الوزراء، محمد اشتية، بأن "البيان الإسرائيلي هو ابتزاز لحقوق الشعب الفلسطيني، وعليه فإن فلسطين ترفض شروط الاحتلال للإفراج عن أموال الضرائب الفلسطينية". وحول هذا قال اشتية في مستهل الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء في مدينة رام الله: "المطلوب من إسرائيل هو وقف العدوان على الشعب الفلسطيني، ووقف القتل والاستيطان، ووقف قرصنة أموالنا، والعودة إلى مسار عنوانه إنهاء الاحتلال استناداً إلى الشرعية الدولية. الحديث عن إعادة مشروطة لأموال الضرائب الفلسطينية بوقف إجراءاتنا في المنظمات الدولية أو وقف صرف مخصصات عائلات الشهداء والأسرى، أمر لن يتم، ونحن ماضون في ذلك".
حديث اشتية لم يتطرق إلى جزء مهم من البيان الإسرائيلي بخصوص المساعي الإسرائيلية لمنع انهيار السلطة الفلسطينية، وهو ما فتح باب الحديث عن محاولة نتنياهو إعادة تعويم دور السلطة الفلسطينية ومحاولة التقارب الأمني معها لتحقيق مصالح إسرائيلية، ثم الحديث عن مآلات تلك المحاولات الإسرائيلية، وهل ستجد السلطة نفسها أمام خيار الموافقة دون اعتراض؟ وما انعكاسات ذلك على المقاومة ومستقبلها؟
ليس مجرد تعويم
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والخبير في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني الدكتور طارق فهمي، أن "نتنياهو لا يريد فقط تعويم دور السلطة الفلسطينية، لكن المساعي تدور حول إعادة بناء السلطة الفلسطينية من جديد، وتقديم قائمة من التسهيلات المباشرة في هذا الإطار، على شكل مزايا اقتصادية كإنشاء منطقة صناعية جنوب الضفة الغربية، ووضع خطط مالية تشمل ضمانات قروض وتسوية ديون وحسماً على الوقود ومدفوعات ضرائبية أخرى وتمديد ساعات العمل على جسر اللمبي".
ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن "مشروع تعويم السلطة وتنشيطها قائم، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في أنه لا يوجد اتفاق جمعي داخل الحكومة على هذه الإجراءات، فالجهاز الأمني 'الشاباك' هو الذي يفرض هذه الرؤية وهذا التصور في هذا التوقيت، في مقابل رفض شديد داخل أجهزة أمنية إسرائيلية أخرى مثل 'أمان' وقيادة الأركان".
وفق رأي فهمي، إسرائيل ستستمر في تقديم حوافز للسلطة والتعاون معها، خاصةً في ملف التنسيق الأمني، ويعتقد أن "التعاون الأمني سوف يستمر بصورة أو بأخرى، حيث ستخسر الحكومة الإسرائيلية الكثير لو أوقفت التعاون في ملف التنسيق الأمني مع السلطة، ومن الممكن أن يتكرر نموذج جنين في القدس وبعض المناطق، وهو ما لا ترغب فيه إسرائيل، فوقف التنسيق الأمني يعني الفوضى".
التطورات السياسية والأمنية في الآونة الأخيرة جعلت إسرائيل تروّج لنفسها على أنها المنقذ للسلطة، برغم أنها كانت السبب المباشر في إضعافها، كيف؟
ويتحدث الباحث أيضاً عن رهان نتنياهو على "أبو مازن"، بأنه سيقوم بهذا الدور برغم الاعتراضات داخل الأجهزة، سواء في دولة الاحتلال أو بعض أفراد السلطة نفسها، فيما "تُدرك إسرائيل أن تقويض السلطة الفلسطينية يعني انهيار الاستقرار في إسرائيل، التي تدرس سيناريو يُسمى 'جهنم'، بعد وفاة محمود عباس 'أبو مازن'، حيث من الممكن أن تتحول الفوضى المباشرة إلى خطط مدروسة".
أكذوبة يروّج لها الاحتلال
في الأيام الماضية، كثر الحديث في الأوساط الإسرائيلية وفي الإعلام الإسرائيلي، عن أن حكومة نتنياهو تريد عودة التنسيق الأمني بينها وبين السلطة بشكل أكبر، لمنع حدوث الفوضى، وهي نقطة ليست بجديدة، إذ كانت أحد بنود اتفاق أوسلو، وأن التداخل بين مناطق الضفة (أ، ب، ج)، حتّم على الاحتلال والسلطة ضرورة التنسيق في ما بينهما، حتى وإن تآكل الدور الفلسطيني مع الوقت، برغم الاتفاق، فالاتهامات كلها توجَّه إلى السلطة من الجانب الإسرائيلي في حال حدوث طارئ أمني، لذا طالبت السلطة وتطالب بين الحين والآخر بإعطائها حق السيطرة الأمنية والمدنية على مناطق الضفة.
ومع زيادة المواجهات بين الاحتلال وبعض فصائل المقاومة، "يبدو أن الوضع دفع بحكومة نتنياهو إلى التفكير من جديد في حماية نفسها، وربما إنقاذ ما يمكن إنقاذه، تحت مسمى تقوية السلطة الفلسطينية ومنع انهيارها"، وفق ما يقول أستاذ القانون والنظم السياسية والخبير في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني الدكتور جهاد الحرازين.
ويرى في حديثه إلى رصيف22، أن "التطورات السياسية والأمنية في الآونة الأخيرة جعلت إسرائيل تروّج لنفسها على أنها المنقذ للسلطة، برغم أنها كانت السبب المباشر في إضعافها، من خلال حجم أموال السلطة الفلسطينية المحتجزة لديها وقرصنتها، ما أدخلها في أزمات مالية كبرى عصفت بها، كذلك منع المشاريع الاستثمارية، والمقاصّة وسرقتها وحسم تعويضات منها لإسرائيليين، وحسم رواتب أسر الشهداء والأسرى، مما أدخل السلطة في أزمة مالية كبرى خانقة، بالإضافة إلى منع المشاريع الاستثمارية وتطوير المرافق الخدماتية، وتقطيع أواصر المدن والقرى والمخيمات واعتقال أبناء الأجهزة الأمنية وإقامة الحواجز وإطلاق يد المستوطنين للتخريب والتدمير والحرق وتحريض الوزراء، من أمثال بن غفير وسموتريتش، المستمر على السلطة وأجهزتها وحركة فتح".
يريد نتنياهو وبعد الإدانات الدولية حتى من أقرب حلفائه نتيجة ممارساته، تجميل صورة حكومته
ويشير إلى أن "نتنياهو وبعد الإدانات الدولية حتى من أقرب حلفائه، يريد تجميل صورة حكومته الفاشية من خلال ما أعلن عنه من محاولات منع السلطة من الانهيار، فهذا الأمر بمثابة ذرّ للرماد في العيون، من خلال طلب إعادة التنسيق الأمني والحرص على استمرار السلطة في أداء مهامها".
لكن السؤال الحقيقي، بحسب الحرازين، هو هل يسمح نتنياهو للسلطة بالعمل وأخذ دورها؟ ويضيف: "الاعتقالات والاقتحامات الليلية والنهارية وعمليات القتل والإعدام بدم بارد والتنكر للتاريخ والحقيقة الثابتة والحصار المستمر والحواجز والمنع من التنقل وقرصنة أموال الضرائب الفلسطينية، هي ممارسات تناساها نتنياهو، وتذكّر فقط أنه يريد إنقاذ السلطة من الانهيار، حيث كان يجب عليه أن يوقف كل تلك المظاهر والممارسات بدلاً من الخروج بمحاولة تسويق عارية لسياسة عنصرية فاشية".
كذلك يتساءل أستاذ القانون حول ما "إذا كان نتنياهو يدرك أي تعاون أمني يريد في ظل ممارسات الوزير المتطرف بن غفير الذي يحارب الأسرى ويسلّح المستوطنين ويقود اقتحامات المسجد الأقصى ويحاول تدنيسه، أم المتطرف الآخر الوزير سومتريتش الذي يريد الاستيطان ويعمل على زيادته ويمنح تصاريح البناء في المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم منازل الفلسطينيين؟".
ويخلص الحرازين إلى أن "محاولات نتنياهو لن تنطلي على أحد، لإدراك الجميع، بمن فيهم قادة دول عالمية كبرى، بأنه لا يرغب في السلام وإنهاء الاحتلال، ويحاول العمل على إنهاء فكرة ومبدأ حل الدولتين، ويسعى إلى تأمين نفسه والحفاظ على ائتلافه مهما كان الثمن، حتى لا يعود إلى قفص الاتهام، ولذلك فإن التنسيق الأمني بمفهومه الحقيقي تخطاه نتنياهو وقفز عنه، ويحاول أن يجد تمثيليةً جديدةً لامتصاص حالة الغضب العالمي على جرائمه التي ارتكبها ويرتكبها في حق الشعب الفلسطيني".
تخاذل السلطة الفلسطينية
يُعرّج عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، ديمتري دلياني، في حديثه إلى رصيف22، على تاريخ العلاقة بين الجانب الإسرائيلي والفلسطيني من الناحية الأمنية وإدارة أمور الضفة، وكيف كان الهدف أيام الرئيس الراحل، ياسر عرفات؟ وكيف أصبح في فترة "أبو مازن"؟ ويقول إن الجانب الأمني في زمن عرفات كان تحت مظلة الملف السياسي، أي أن الأمن كان جزءاً من السياسة، لكن المعادلة تغيرت في زمن "أبو مازن"، وأدرك الاحتلال أن الجانب الأمني أهم من فكرة الإنجازات والملف السياسي مع الجانب الفلسطيني، وأصبح التنسيق الأمني بلا ضوابط".
برأيه، "فضّل أبو مازن الملف الأمني على السياسي، والدليل لقاءاته المتعددة مع قيادات أمنية إسرائيلية، وتراجع الملف السياسي الذي كان من المفترض أن يكون الهدف الأساسي من فكرة التنسيق الأمني ذاتها. والدليل على أن علاقة دولة الاحتلال بالسلطة أصبحت أمنيةً فقط، هو عدم قبول نتنياهو لفكرة ملاقاة 'أبو مازن' والتفاوض معه ورفض الحديث عن أي جانب سياسي".
ويرى دلياني أنه "لا يصح أن نقول أو نصف العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية بأنها علاقة تنسيق أمني، فهي تخدم الطرف الإسرائيلي فقط، بدليل أنه لم يتمّ حتى الآن تسليم ولو حتى سارق سيارات أو قاتل في دولة الاحتلال إلى السلطة الفلسطينية، بينما عمليات الاقتحام والتسليم غير المباشر تتم بشكل يومي ومنظّم من طرف السلطة".
ويعتقد أن "هذه العلاقة الأمنية وفقدان أي تقدّم على الجانب السياسي واستبدال الجانب السياسي بالجانب الأمني، كانت لها فائدة فقط لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وكانت مصيبةً على الشعب الفلسطيني الذي شهد تراجعاً كبيراً في جميع مناحي الحياة السياسية، ووجدنا استفراداً غير مسبوق في الحكم من قبل الرئيس محمود عباس".
خطة عمرها عشر سنوات
"نتنياهو حاول تهميش دور السلطة الفلسطينية منذ عام 2014، وهو عام توقّف المفاوضات، وكان هدفه إبقاء السلطة الفلسطينية بلا قيمة أو تأثير، وروّج نتنياهو في أكثر من مرة في مؤتمرات هرتسليا لفكرة زئيف جابوتنسكي، القائمة على أنه لا يمكن تنفيذ سلام مع السكان الأصليين، وهم هنا الفلسطينيون، وتالياً سعت إسرائيل إلى توقيع اتفاق سلام مع الدول المحيطة بفلسطين، حتى تُحبَط السلطة وتتقبل أي أمر واقع تفرضه إسرائيل، وهي فلسفة نتنياهو التي تستند على إحباط الجانب الفلسطيني وإضعافه"، بحسب أستاذ العلوم السياسية والقيادي في حركة فتح والخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أيمن الرقب.
الجانب الأمني زمن عرفات كان تحت مظلة الملف السياسي، لكن المعادلة تغيرت في زمن "أبو مازن"، وأدرك الاحتلال أن الجانب الأمني أهم من فكرة الإنجازات والملف السياسي، فما هو دور عباس؟
ويشير الرقب لرصيف22، إلى أنه "خلال السنوات العشر الأخيرة التي سيطر فيها نتنياهو، كانت خطته كسر هيبة السلطة الفلسطينية، وهو ما استطاع فعله، سواء سياسياً أو مالياً عبر إدخال السلطة في ضائقة مالية، وتغذية الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني بين الضفة وغزة، كما تعمّد تقديم بعض الامتيازات الطفيفة لإغراء العمال الفلسطينيين للعمل برواتب ضخمة، وعمل على تغيير عقيدة الشارع الفلسطيني ومزاجه، فلم يعد الأخير يهتم بالأحداث الوطنية بقدر الاهتمام بمتطلبات الحياة، حتى مع وجود تحركات للمقاومة في الضفة تحدث بين فترة وأخرى، ولو حدث تظاهر فيكون بأعداد صغيرة، ما يعني تراجع الاهتمام بالقضية الأساسية والوطنية لدى الشارع الفلسطيني، وهذا يعني أن السلطة ساعدت في تغيير مزاج الشارع بشكل أو بآخر، لذا يمكن القول إن المقاومة تراجعت ونجحت خطة نتنياهو، ولم تقدّم السلطة الدور الأمثل لمجابهة هذا الفكر".
برأي الرقب، "مواصلة التنسيق الأمني والامتناع عنه لا تملك السلطة الفلسطينية قرارهما، برغم إعلانها ذلك مراراً، ولو بالفعل أوقفت السلطة التنسيق الأمني فسيؤدي ذلك إلى انهيارها، لأن أبا مازن غير مستعد وغير جاهز لأي انفكاك عن الاحتلال ودوره الأمني في مناطق الضفة، لذا لا يمكن القول إن التنسيق الأمني توقّف في أي مرة من المرات، وإسرائيل حريصة بشكل كبير على بقاء السلطة في الضفة، لكن شرط أن تكون ضعيفةً غير قادرة على مجابهة الجانب الإسرائيلي، وفي النهاية فإن فكرة تعويم السلطة الفلسطينية تخدم بشكل أو بآخر الجانب الإسرائيلي، ومسألة دعم السلطة ومنع انهيارها ما هي سوى مخطط يخدم توجهات الاحتلال".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين