99 عاماً تقريباً مرّت على مبايعة أهل القدس وفلسطين للشريف الحسين بن علي، في 11 آذار/ مارس من العام 1924. منذ ذلك الحين، بقيت القدس تحت الوصاية الهاشمية، وشهد دور الأردن اعترافاً دولياً موسعاً، حتى أن إسرائيل نفسها لم تنكر الوصاية الهاشمية، إذ تعترف المادة التاسعة من اتفاقية وادي عربة (اتفاق السلام بين عمّان وتل أبيب) بالدور الأردني والوصاية الهاشمية على القدس.
ومنذ إعلان دافيد بن غوريون تأسيس إسرائيل في أيار/ مايو 1948، استقبل الأردن مئات الآلاف من النازحين واللاجئين من الأرض المحتلة، أكثر من أي دولة أخرى، وباتت القضية الفلسطينية على رأس أولويات الدبلوماسية الأردنية. ولكن رغم اعتراف إسرائيل بالدور الأردني التاريخي في الحفاظ على المقدسات والوضع الراهن في القدس، إلا أن ما تتضمنه المعاهدات والأوراق شيء، وما يدور على الأرض شيء آخر: الأحلام الاستيطانية الإسرائيلية لا تتوقف، والخطط لمزيد من التهويد الزماني والمكاني للقدس تشكّل عائقاً ونقطة صدام دائمة بين الأردن وإسرائيل. ومع عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم على رأس حكومة متطرفة تسعى لمزيد من الاستيطان وتغيير الوضع، بات الوضع أكثر تأزماً.
هل سيكون عهد نتنياهو الحالي أكثر قتامة مما سبقه فيزيد الطين بلة بين الجانبين؟ وكيف ينظر المحللون في إسرائيل إلى العلاقات الأردنية الإسرائيلية؟ وما الذي يخشاه الأردن وملكه بالضبط، بحسب تقديرات إسرائيلية؟
هل يخشى الأردن من نتنياهو؟
شهدت فترات نتنياهو المتعاقبة على حكم إسرائيل محطات عدّة من الجفاء والمواجهة، سواء العلنية أو الخفية، مع الأردن.
في مقالة سابقة، يصف المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل تصرفات نتنياهو تجاه الأردن بأنها عداء ومواجهة شخصية مع الملك عبد الله الثاني. يستعرض بعض المشاهد الصدامية بين نتنياهو وملك الأردن، منها رفض الأول طلباً أردنياً بتزويده بثمانية ملايين متر مكعب من المياه، ورفض عمّان أن تمر طائرة نتنياهو عبر أجوائها إلى الإمارات ما أدى وقتها إلى إلغاء نتنياهو زيارته إلى أبوظبي وتوجيهه بغلق المجال الجوي الإسرائيلي أمام الرحلات القادمة من الأردن، خلافاً لاتفاق السلام بين الدولتين.
ورغم أن نتنياهو تراجع ووافق على تزويد الأردن بالمياه، وبعدها فتح المجال الجوي أيضاً، لكن هرئيل يرى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يتعمد تعريض استقرار اتفاقات السلام للخطر بسبب العداء الشخصي بينه وبين العائلة الملكية الأردنية، ويتجاهل الفائدة الاستراتيجية الكبيرة لإسرائيل من العلاقات مع عمان، ويتجاهل الدور الأردني في تأمين الحدود المشتركة مع إسرائيل بالتالي منع مزيد من التسلل أو محاولات تهريب الأسلحة.
ويقول هرئيل: "العلاقة بين نتنياهو وعبد الله موضع شك منذ سنوات، على الرغم من اللقاءات والمكالمات الهاتفية التي تجري بين الطرفين"، مستشهداً بمقولة نتنياهو، بحسب مصادر مقربة منه، أن "الأردنيين يحتاجون إلينا أكثر بكثير مما نحتاج إليهم". وبحسب الكاتب الإسرائيلي، يسخر الصحافيون المقربون من نتنياهو من الملك عبد الله والأردن ويقدّمونهم كدولة ضعيفة، وكل هذه الأمور من وجهة نظره تعقّد العلاقة دائماً بين الرَجُليْن.
مع عودة نتنياهو إلى السلطة من جديد، عادت مشاهد الصدام السابقة وغيرها إلى الساحة، حتى أن الإعلام الموالي لنتنياهو يروّج لفكرة أن لإسرائيل يد عليا على الأردن خاصة في قضايا مصيرية مثل اتفاق المياه الموقع بين عمان وتل أبيب، وهو ما تحدث عنه يوني بن مناحم في مقالة سابقة بعنوان "أزمة جديدة في علاقات إسرائيل بالأردن"، أكد فيها أن "إسرائيل أقوى بكثير من الأردن من جميع النواحي، فهي التي تتحكم في مصادر المياه". وزاد الكاتب من حدته في مقالته حينما أشار إلى أن الملك عبد الله الثاني يظل "تحت رحمة إسرائيل في ما يتعلق بقضية المياه".
يرى بعض الإسرائيليين أن هناك مخاوف أردنية من نتنياهو. في مقالة بعنوان "نتنياهو ضد الملك عبد الله"، يقول الكاتب الإسرائيلي فنحاس عنبري إن هناك تقييماً في الأردن بأن نتنياهو يسعى إلى الإطاحة بالملك عبد الله الثاني، وبأن إسرائيل ترغب في تغيير النظام الأردني لإحداث نكبة جديدة وطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية.
وفي تعقيبه على لقاء جمع نتنياهو بالملك الأردني، في 24 كانون الثاني/ يناير 2023، تحدث السياسي الإسرائيلي يوسي بيلين، في مقالة بعنوان "العلاقات مع الأردن مثل تانغو القنافذ"، عن مخاوف الملك عبد الله من نشوب أزمة كبيرة مع إسرائيل تؤدي إلى هجرة لاجئين جدد إلى بلاده. ويصوّر بيلين الجانب الأردني على أنه خائف من نتنياهو وحكومته ويحث الأخير على ضرورة الحفاظ على العلاقات مع الأردن.
كابوس الملك عبد الله يتحقق
يصف الكاتب الإسرائيلي إيتمار إيشنر عودة نتنياهو إلى الحكم بأنها بمثابة "الكابوس" بالنسبة إلى الملك عبد الله، ويرى في مقالة بعنوان "كابوس عبد الله يتحقق: القلق الأردني من الحكومة الجديدة"، أن هناك خوفاً حقيقياً داخل عمّان من حكومة نتنياهو ويقول: "ربما تكون الدولة الأكثر خوفاً من تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل هي المملكة الأردنية، وفي الحديث مع مسؤولين أردنيين من الصعب ألا تشعر بوجود قلق عميق مما هو قادم، ورغم أنهم قالوا إنهم سيحكمون على حكومة نتنياهو بالأفعال لكنهم قلقون للغاية".
"هناك تقييم في الأردن بأن نتنياهو يسعى إلى الإطاحة بالملك عبد الله الثاني، وبأن إسرائيل ترغب في تغيير النظام الأردني لإحداث نكبة جديدة وطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية"
من جهته، تحدّث الكاتب الإسرائيلي رونين يتسحاق، في مقالة بعنوان "العلاقات الإسرائيلية الأردنية في مسار تصادمي"، عن المخاوف الأردنية من تغيير الوضع الراهن في القدس، مما قد ينذر بوقوع صدامات مع حكومة نتنياهو التي تسعى إلى توقيع اتفاق سلام مع السعودية، وهو أمر يتحفظ عليه الأردن، إذ هناك اعتقاد أردني على حد زعم الكاتب الإسرائيلي بأن نتنياهو سيعمل على أن تحل السعودية بدلاً من الأردن في الولاية على الأماكن المقدسة داخل القدس والحرم. ولم تخلُ المقالة من استخدام كلمات تعكس للقارئ أن هناك خوفاً وقلقاً أردنييْن من الحكومة الحالية.
وبعد تعليقه على أحداث داخلية في الأردن في نهاية العام الماضي، يرى عاموس هرئيل أن العلاقات بين الأردن وإسرائيل ستتعرض لمزيد من التدهور بسبب العداء بين نتنياهو والملك عبد الله. وعبّرت مقالة الكاتب المنشورة في كانون الأول/ ديسمبر 2022 عن المخاوف الأردنية من الحكومة اليمينية الحالية، وقدّرت أنه من الصعب أن يتخلى الأردنيون عن فكرة أن نتنياهو ينظر إلى بلدهم على أنه فلسطين، والمقصود هنا هو أن هناك أفكاراً متطرفة تدعو إلى طرد مزيد من الفلسطينيين نحو الأردن وتفريغ الضفة الغربية من الفلسطينيين نحو الضفة الشرقية.
في السياق نفسه، أسهب الكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحيم في سرد ما يقلق الحكومة الأردنية والملك عبد الله من حكومة نتنياهو الحالية في مقالة بعنوان "متاعب الملك عبد الله ملك الأردن" نُشرت في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وتحدث فيها عن القلق الأردني من الحكومة الحالية.
بين الوئام والخصام
شهد العام 1994 توقيع اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، وأقيمت بموجبه علاقات دبلوماسية بين البلدين، ظلت جيدة حتى العام 1996 تقريباً، في ظل وجود إسحاق رابين المعروف بميله إلى السلام والتهدئة، والذي كان على علاقة جيدة مع الملك حسين.
ومع صعود حزب الليكود إلى الحكم، في العام 1996، بزعامة بنيامين نتنياهو، كانت هناك خطط للتوسع الاستيطاني، وبالفعل بنت حكومته عشرات المستوطنات بشكل غير قانوني ووصل عددها إلى حوالي مئة مستوطنة بحسب تقرير موسع نشره موقع حركة "السلام الآن" الإسرائيلية. وهنا كان الصدام الأول مع الأردن والطريق نحو بداية تدهور العلاقات.
"ربما تكون الدولة الأكثر خوفاً من تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل هي المملكة الأردنية، وفي الحديث مع مسؤولين أردنيين من الصعب ألا تشعر بوجود قلق عميق مما هو قادم"
ومع اقتحام أرييل شارون للمسجد الأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى، وأوقف الأردن بعدها تعيين سفير جديد له لدى إسرائيل التي قلصت بدورها عدد دبلوماسييها.
ومع تجاهل إسرائيل لمبادرة السلام العربية لعام 2002 وعدم استجابتها لها، زاد التوتر بين البلدين. وتمر السنين وتتواصل الاجتياحات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية، وتزيد الانتهاكات لمنطقة الحرم القدسي، وتتجاهل إسرائيل الدور الأردني في حماية الأماكن المقدسة بموجب اتفاقات معترف بها دولياً، من ضمنها الاتفاق الموقع في العام 2013 بين عمان والسلطة الفلسطينية والذي يصف الملك عبد الله بأنه "صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس".
ومع وصول بنيامين نتنياهو إلى سُدة الحكم عدة مرات في السنوات العشر الأخيرة، ليصبح أكثر مَن حكم إسرائيل، ساءت العلاقات مع الأردن بسبب عدم التزام تل أبيب بتعهدات الوضع الراهن داخل القدس، وتجاهلها للدور الأردني.
الآن، بعد مرور 29 عاماً على توقيع اتفاق السلام مع الأردن، تقلص الدور الأردني الفعلي في المناطق المقدسة، وتسعى إسرائيل إلى جعل الوصاية الهاشمية مجرد صورة، وهو ما رفضه الملك عبد الله الثاني بشكل قاطع.
في مقال نشره في 28 نيسان/ أبريل 2022، أي قبل وصول نتنياهو إلى الحكم للمرة السادسة، وصف الكاتب الأردني نضال منصور العلاقات مع إسرائيل بأنها "على حافة الهاوية"، واعتبر أن أي محاولات لتقزيم الدور الأردني والوصاية الهاشمية لا يمكن القبول به.
الملك عبد الله الثاني نفسه أكد مراراً أن الطريق إلى توقيع أي اتفاق سلام يمر من القدس. وبشكل عام، أدت التوترات في الأقصى والأماكن المقدسة إلى صراع مفتوح بين الأردن وإسرائيل على حد وصف الكاتب الإسرائيلي دورين لايزر، في مقالة بعنوان "العلاقات الإسرائيلية الأردنية: هل نواجه صراعاً؟"، نشره في أيلول/ سبتمبر الماضي.
أحلام الصهيونية الدينية تزيدها اشتعالاً
إبان تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نشرت شبكة "سي أن أن" مقابلة أجرتها مع الملك الأردني حذر فيها إسرائيل من تجاوز الخطوط الحمراء في القدس وتغيير الوضع الراهن، مبدياً استعداده للدخول في صراع من أجل ذلك، ولافتاً إلى أن هناك أشخاصاً يحاولون المساس بالوصاية الهاشمية وهو أمر مرفوض.
تصريحات الملك عبد الله تؤكد الدور التاريخي للأردن في القدس، والذي يصطدم بالطبع بتوجهات الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية في تاريخ دولة إسرائيل، والتي تضم بين أفرادها أشخاصاً حالمين بتوسيع الاستيطان ومزيد من الضم للأراضي الفلسطينية مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يرى أن اتفاق السلام مع الأردن يؤمن العائلة الحاكمة ويستفيد منه الأردن أكثر من إسرائيل، والذي وصف، قبل توليه منصبه الوزاري، اتفاقاً سابقاً يقضي بزيادة حصة المياه الواصلة إلى الأردن من إسرائيل بأنه خطأ استراتيجي وهدية مجانية لا يجب أن تدفعها إسرائيل. والآن، صار سموتريتش زعيم الصهيونية الدينية وزيراً في حكومة نتنياهو ويجاهر صراحة برغبته بمزيد من الضم للأراضي الفلسطينية.
وبعد أيام من تولي المتطرف إيتمار بن غفير حقيبة وزارة الأمن القومي اقتحم المسجد الأقصى. أدان الأردن بأشد العبارات عملية الاقتحام، خاصة أنها تمت بعد أيام من تصريحات الملك عبد الله بالتحذير من تجاوز الخطوط الحمراء في القدس.
وبحسب الكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحم، كان تعيين بن غفير وزيراً للأمن القومي بمثابة تحدٍّ للأردن، لأنه يهدد الوضع الراهن في القدس، وله مواقف عدائية كثيرة ضد الأردن، إذ وجّه رسالة في آذار/ مارس 2022 إلى الملك عبد الله اتهمه فيها بأنه يجلب الاستفزاز للقدس، مهدداً بأن منعه من دخول الحرم القدسي سيكون استفزازاً سيجلب النار والحرق للمدينة. قال بن غفير للملك عبد الله حينها: "لن نخضع للتهديدات"، في رد على تحذيرات الملك عبد الله من أي إجراءات استفزازية تزيد من حدة المواجهات.
وفي ولاية نفتالي بينيت في رئاسة وزراء إسرائيل، دعاه بن غفير إلى تعليق اتفاق تصدير المياه للأردن، كما طالب في أيار/ مايو 2022 بطرد السفير الأردني من إسرائيل على خلفية صدور بيان أردني يدين اقتحام المستوطنين المتكرر للمسجد الأقصى.
الآن، صار بن غفير وزيراً للأمن القومي، وتعهد بتغيير الوضع الراهن مراراً، ومنح مزيد من الحرية للمستوطنين، بل اقتحم المسجد الأقصى، ما ينذر بمزيد من التدهور في العلاقات بين الأردن وإسرائيل في ظل الحكومة الحالية، وهو ما حدا بالضابط الإسرائيلي المتقاعد تومر باراك إلى أن يطرح في عنوان مقالة نشرها في مجلة "نيوزويك" الأمريكية في كانون الأول/ ديسمبر 2022 السؤال التالي: "هل تستطيع حكومة نتنياهو الجديدة الحفاظ على السلام مع الأردن؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 16 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت