تعتمد دول الخليج نظام الكفالة للعمالة الأجنبية التي تُستقدم للقيام في غالب الأحيان بالأعمال التي لا يقوم بها أهل البلد، والتي يعتبرونها "وظائف دنيا"، ولكنها مهمة ولا يستغني عنها أي بيت خليجي أو عائلة خليجية، ومنها بالدرجة الأولى عاملات المنازل اللاتي يتعرضن بشكل خاص للعديد من الانتهاكات كون الارتباط الذي يجمعهن بالعائلات المُشغِّلة يجردهن من حريتهن ويتركهن في بيئة مما يُعرف بـ"العبودية المعاصرة".
في البحرين، بلغ عدد العاملات المنزليات أكثر من 80 ألفًا غالبيتهن من الفلبين، والهند، وإندونيسيا، وسريلانكا، وبنغلاديش، وباكستان، والنيبال، وإثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، وإريتريا، وغانا وسيشل، وفق إحصائية صادرة عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية البحرينية في شباط/ فبراير 2022.
لكن يبدو أن هذا الوضع في طريقه للتغيير إذ أُعلن عن تأسيس النقابة العامة لعمال وعاملات المنازل في البحرين بالتزامن مع اليوم العالمي للعمالة المنزلية الذي يصادف 16 حزيران/ يونيو عام 2023، وذلك بعد تحضير دام ثماني سنوات وتعاون بين منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للعمالة المنزلية والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، لتكون هذه هي النقابة الأولى في دول الخليج المعنيّة بحقوق العمالة المنزلية، ومن بين القلائل في المنطقة العربية بوجهٍ عام.
الكفلاء يطالبون بحقوقهم
لكن ردة فعل الشارع البحريني على تأسيس النقابة كانت قاسية؛ هناك من هاجم الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ومن هاجم النقابة وفكرتها، ومن هاجم العمالة المنزلية، متهماً إياها باستغلال القوانين بما "يبخس حقوق الكفلاء/ الكفيلات". في الأثناء، كانت ردود الفعل المرحبة بالفكرة محدودة.
"ما الضير لو تم تنظيم نقابة عمالية تُنصف العمالة المنزلية إذا ظُلِمَت وتُحاسبها إذا أخطأت؟"... مواقف متباينة إزاء أول نقابة للعمالة المنزلية في البحرين والخليج. البعض يعتبرها "خطوة متقدمة جداً" و"ضرورية"، والبعض الآخر "يخشى" على "حقوق الكفيل"
وهاجم رئيس لجنة الخدمات بمجلس النواب البحريني، ممدوح الصالح، تأسيس نقابة عامة لعمال وعاملات المنازل، معتبراً أنها "لا تُمثّل ضرورة لحماية حقوق العمالة المنزلية، باعتبار البحرين من الدول الرائدة في المنطقة في مجال حمايتهم/ن"، ولافتاً في الوقت عينه إلى وجود تدابير وقوانين لحماية العمالة المنزلية تم اتخاذها بما فيها ضمان الأجور العادلة وساعات العمل المناسبة والحماية الاجتماعية والصحية.
ووصف الصالح الخطوة بـ"الخطاب غير المجدي والخطوة العديمة الفائدة" فيما "هناك العديد من القضايا العمالية المهمة العالقة التي يجدر بالاتحاد الانشغال بها"، داعياً الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين إلى "المساهمة في إيجاد تشريعات وقوانين تُنصف ‘كفيل العمالة المنزلية‘ ومن هم في حكمهم في حال وقوع حالات هروب أو سرقات أو تخريب"، قائلاً إن "ذلك أجدى وأنفع لحماية حقوق المواطنين".
كما ادّعى الصالح أن "العمالة المنزلية حالياً في وضع قانوني وحقوقي يحفظ كامل حقوقها دون نقصان" في البحرين.
اليوم بعدما أصبحت حقيقةً، تواجه النقابة - التي سبق تأسيسها تنظيم الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين العديد من المؤتمرات الخاصة بالعمالة المنزلية - الشارع الذي يرى أن "العمالة المنزلية أخذت كل حقوقها"، وأن "ما يجب التركيز عليه اليوم هو حماية الكفيل/ة منها".
ما الضير من النقابة؟
وفي حديث مع رصيف22، يوضح الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين عبدالقادر الشهابي، أن "فكرة تأسيس نقابة للعمالة المنزلية في البحرين جاءت من باب أن قطاع العمالة المنزلية يعامل كغيره من القطاعات التي بها عمالة ومن حقها تنظيم نفسها".
ويرد الشهابي على الهجوم على النقابة والاتحاد بقوله إن "حالة التنمر في المجتمع أصبحت تمثل الوضع الطبيعي راهناً، ولكن دور الاتحاد العام هو الدفاع عن العمال… جميع العمال، والعمالة المنزلية لها حقوق وعليها واجبات. إذا افترضنا أن 80% من العمالة المنزلية لا تواجهها أية مشكلات، فما المشكلة من أن يكون لها نقابة؟ هذا لا يضر أصحاب العمل".
ويضيف: "على افتراض أن 20% من العمالة المنزلية يواجهون مشكلات، فإنه على الأغلب ستكون 10% من هذه المشكلات بسبب صاحب العمل والـ10% الأخرى سببها العمالة المنزلية نفسها"، متسائلاً: "ما الضير لو تم تنظيم نقابة عمالية تُنصف العمالة المنزلية إذا ظُلِمَت وتُحاسبها إذا أخطأت؟".
"يعتقدون أن النقابة ستجعل العاملة المنزلية ‘تستأسد‘ على رب العمل"... تأسيس أول نقابة للعمالة المنزلية في البحرين والخليج يواجه بالكثير من المعارضة والقليل من الدعم
وبينما يستدرك بأن "الاتحاد العام يُعنى بجميع العمال بغض النظر عن جنسهم/ن أو انتماءاتهم/ن. وحتّى إن كانت حقوق العمالة المنزلية في البحرين محمية بنص قانون العمل، فإنها اليوم أصبحت قادرة عن التعبير عن نفسها بنفسها"، يتعهد الشهابي بأن "الاتحاد العام سيكون داعماً ومظلّة نقابية من أجل أن تمضي هذه النقابة بخطى ثابتة نحو النجاح".
"عسى أن تحدث تغييراً"
عملت إديكا ساماراسينجي، عاملة منزلية في البحرين لمدة 30 عاماً في منزل نفس العائلة البحرينية، وعادت قبل بضعة أشهر إلى بلدها الأصلي سريلانكا. وهي تقول لرصيف22: "كنت محظوظة بأن أعمل لدى عائلة كانت تعاملني كإنسانة لها احتياجاتها وطاقتها وقدرتها على العمل، بينما عاصرت عاملات منزليات كانت حياتهن صعبة للغاية… لم يكنّ محظوظات مثلي، وعشن مع عائلات تراهن كآلات. كان مطلوباً منهن العمل لساعات طويلة جداً، دون راحة، ودون أدنى حقوق".
تضيف ساماراسينجي: "بعض العاملات، يتم التحكم في ملابسهن؛ تختار العائلة التي يعشن معها حتى الملابس الداخلية التي يرتدينها، ليس مسموحاً لهن الذهاب للسوق أو للسوبر ماركت للتبضع. بعضهن كن يطلبن مني أن أشتري لهن احتياجاتهن لأني مسموح لي بالخروج".
إلى ذلك، تشك ساماراسينجي في قدرة النقابة على حل مشكلة العمالة المنزلية في البحرين والخليج برغم ترحيبها بخطوة إنشائها: "قد تكون جيدة للعاملات اللواتي يعملن بنظام الساعات، ولكنها قد لا تستطيع الوصول إلى العاملات المنزليات اللواتي يعملن بدوام كامل، ويعشن مع العائلات، بحيث لا يُسمح للنقابة بالتواصل معهن ولا يُسمح لهن بالتواصل مع النقابة"، تُردف ساماراسينجي متمنيةً أن يتغير هذا الوضع بقولها: "عسى أن تحدث تغييراً".
وعن العاملات المنزليات القادمات من بلدها، تختم بالقول: "عقدت السفارة السريلانكية مؤخراً لقاءً للعاملات المنزليات القادمات من سريلانكا، وأقل من 40 منهن حضرن الاجتماع، رغم إننا بالمئات إن لم نكن بالآلاف".
"خطوة متقدمة جداً"
من جهته، يرى النقابي السابق، كريم رضي، أن تأسيس النقابة "خطوة متقدمة جداً ليس على مستوى البحرين والخليج فقط ولكن على مستوى العالم العربي بأكمله"، مضيفاً أن الهجوم على النقابة جاء من باب "أن الناس أعداء ما يجهلون".
وهو يوضح لرصيف22: "يعتقدون أن النقابة ستجعل العاملة المنزلية ‘تستأسد‘ على رب العمل. لكنها، في الحقيقة، قد تلعب دوراً إيجابياً في توعية العائلات أيضاً بحقوق العاملات المنزليات".
يشدد رضي على أنه "لا يمكن تصور مجتمع في الخليج دون عاملات منزليات في الفترة الراهنة على الأقل لذلك يجب أن نتعامل مع هذه الحقيقة، أن هذه العاملة مثل أي عاملة أخرى، لها حقوقها، ولها إجازة سنوية وإجازة أسبوعية، وساعات عمل معينة، ويجب أن يكون هناك عقد واضح ينظم العلاقة بين الطرفين".
"الإشكالية الأساسية في علاقات العمل المنزلي أن هذا القطاع من العمل لم يتم تنظيمه قانونياً في دول منطقة الخليج إلا حديثاً، وبالتالي هناك العديد من الثغرات، وأغلبها لا تمنح العامل المنزلي الحقوق الأساسية مثل عدد ساعات العمل وأوقات وأيام الراحة وغيرها"
ويستطرد: "لحسن الحظ أن قانون العمل في البحرين يُغطي العمالة المنزلية في 50 مادة تقريباً، والنقابة ستُسهِم في استفادة العمالة المنزلية من تغطية القانون لها في قانون العمل، لتضمن عدم انتهاك حقوقها"، مذكِّراً بأن حقوق الكفلاء تضمنها قوانين أخرى. "ويفترض أن يكون العقد الموقع بين الكفيل ومكتب استيراد العمالة المنزلية يشتمل على ضمانات وعوامل تأمين من بينها ماذا إذا تركت العاملة المنزلية العمل دون إذن صاحب العمل ودون إخباره، ودون مراعاة العائلة".
وعبر حسابه في تويتر، أكد النقابي ميرزا سعيد أن "تأسيس النقابة حق أصيل للعاملات" وإن كان "غير معجب بأداء إدارة الإتحاد".
توازن في تطبيق القوانين
في الأثناء، تقول رئيسة مركز البحرين لحقوق الإنسان، نضال السلمان، إن المركز "يؤمن بتكافؤ الحقوق والواجبات بين الكفيل/ة والعامل/ة، ويدعم أي خطوة تصب في مصلحة الطرفين ويغلّب فكرة التوازن في تطبيق القوانين وتطويعها بما يكفل حصول كل طرف على حقه دون مواربة".
وتضيف السلمان لرصيف22: "تكوين نقابة لأي طرف خطوة مهمة إن كانت تضمن حصوله على حقوقه كاملة، دون إجحاف بحقوق الطرف الآخر، وإن كان طرف منها يحصل على دعم. فمن المفترض حصول الطرف الآخر على الدعم نفسه".
وترى أن النقابة الجديدة، والتي تقول إن العمالة الفلبينية تسيطر عليها بنسبة كبيرة، "ستحصل على دعم حسب الاتفاقية الدولية لحماية العمالة المهاجرة وحسب الاتفاقية المتعلقة بالعمالة المنزلية، بما قد يشكّل فجوة بين حقوقهم/ن وحقوق الكفيل/ة التي باتت ضعيفة من حيث القوانين وتطبيقها لحمايتهم/ن". وطالبت بـ"تشريعات تحمي صاحب العمل من استغلال بعض العمالة التي ‘تسيء التصرف‘".
تفكيك نظام الكفالة
ورداً على مطالبة السلمان، يقول الناشط في حقوق العمال، القانوني خليل بوهزاع لرصيف22: "إجمالاً، يهدف قانون العمل إلى تحقيق توازن بين أطراف علاقات العمل، وإن كان يفترض في كثير من الحالات أن يعزز من موقع العامل نظراً لكونه الطرف الأضعف، والإشكالية الأساسية في علاقات العمل المنزلي أن هذا القطاع من العمل لم يتم تنظيمه قانونياً في دول منطقة الخليج إلا حديثاً، وبالتالي هناك العديد من الثغرات وفي تقديري أغلبها لا تمنح العامل المنزلي الحقوق الأساسية المتمثلة في عدد ساعات العمل وأوقات وأيام الراحة وغيرها من الحقوق التي تنص عليها تشريعات العمل، هذا ناهيك بمحدودية الوعي بالحقوق الخاصة بالعامل من حيث المبدأ".
ويستشهد بوهزاع في هذا السياق بالانتهاكات التي تتعرض لها العمالة الأجنبية والمتمثلة في "ساعات العمل الطويلة، وعدم تنظيم أوقات الراحة اليومية والأسبوعية والسنوية، وتأخر دفع أو عدم دفع الأجور، فضلاً عن بعض حالات التحرش أو الاعتداء الجسدي واللفظي" وفق تعبيره.
كما يرى بوهزاع أن "أصحاب العمل لا يرون في العمل المنزلي سوى العلاقة التقليدية التي يعتقد فيها الكفيل/ة بأنه/ها استقدم/ت عامل/ة بمبلغ معين وبالتالي فلهم/ن نوع من الحقوق الدائمة عليه/ا، علماً بأن العامل لا يتلقى من تلك الأموال أي شيء وكل تلك المبالغ تذهب لمكاتب الاستقدام في دول الإرسال ودول الاستقبال".
تنظيم علاقات العمل المنزلي بحاجة إلى معالجة شاملة بما في ذلك تفكيك نظام الكفالة الذي هو أحد الأسباب الرئيسية للإشكاليات التي يقع فيها العامل وصاحب العمل.
ويضيف: "وأغلبهم يركزون على حالة تغيب العامل عن العمل أو ما يعرف مجتمعياً بـ"الهروب" وهذا تحد يعالجه العقد الثلاثي من جهة، وبوليصات التأمين من جهة أخرى، تعوّض صاحب العمل في هذه الحالة عن التكاليف التي تكبدها". يوضّح بوهزاع أن تنظيم علاقات العمل المنزلي بحاجة إلى معالجة شاملة بما في ذلك تفكيك نظام الكفالة الذي هو أحد الأسباب الرئيسية للإشكاليات التي يقع فيها العامل وصاحب العمل.
وعن حديث السلمان حول سيطرة الجالية الفلبينية على النقابة، يشرح بوهزاع: "لجميع العمال/ العاملات الحق في تشكيل نقاباتهم/ن، والعمالة الفلبينية المنزلية عمالة مُدربة وعلى وعي في أغلب الأحيان بحقوقها نظراً لبرامج التأهيل التي تنظمها الحكومة الفلبينية لعمالها قبل مغادرة بلادهم، ولذلك من غير المستغرب أن يكون لهم دور محوري في تأسيس النقابة".
تجدر الإشارة إلى أن نظام الكفالة يربط حياة العمالة بالكفيل وتجعلها تحت إمرته وطوعه، ورغم تطور القوانين والأنظمة لا تزال مطبقة على أرض الواقع بشكل كبير وفاعل. كما أن هذه العمالة الأجنبية تواجه تحديات أخرى، من بينها تشكل جماعات لجذب العمالة للعمل معها بدلاً من العمل لدى الكفيل الذي دخل عن طريقه للبلاد بساعات عمل مختلفة وفي وظائف مختلفة في بعض الأحيان، قد تتضمن العمل في الجنس، في مقابل أن من يدير هذه الجماعة يتسلم جزءاً من هذا الدخل.
وحياة العمالة المنزلية في الخليج عامة، وفي البحرين على نحو خاص، تتلخص غالباً في عملها على مدار الساعة لتلبية كل احتياجات المنزل ومن يسكنون فيه، وأحياناً من يسكنون في مساكن أخرى، دون إجازات أسبوعية أو سنوية، أو تعويضات معينة، بالإضافة إلى أن البعض يتعرض لسوء المعاملة والضرب والإهانة وقليل منهم من تصل قصصه للصحافة أو للجهات المعنية بالدفاع عن حقوق العمالة المنزلية. ويبدو أن المعارضة لوجود نقابة معنية بالعمالة المنزلية تخشى تكشّف المزيد من هذه الانتهاكات ضدهم/ن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 7 ساعاتtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...