شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
انعدام أمان وسوء معاملة وتحرّش جنسي... العاملات المنزليات في الكويت

انعدام أمان وسوء معاملة وتحرّش جنسي... العاملات المنزليات في الكويت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Kuwait needs to urgently deal with domestic workers’ welfare

قبل أيام، تم القبض على مُراهق اغتصب عاملة فلبينية وقتلها ثم حرقها ورماها في طريق السالمي، وتبين أنها حامل منه وتعمل لدى عائلته.

آلمني هذا الخبر، وجعلني ناقمة على البشرية بأسرها، إذ لا أستوعب كمية الشر هذه في مراهق لم يتجاوز الـسادسة عشر من عمره. كيف غفلت عائلته عن ظلم هذه العاملة، وكيف تطور ظلم عاملات المنازل حتى من المراهقين لينتهي بها الحال محروقة في طريق السالمي، بدلاً من العودة إلى عائلتها بعد سنين من الغربة، ليصل لهم الخبر مغلفاً بالظلم والبكاء؟

نظام مجحف

تعاني عاملات المنازل من انعدام الأمان والاستقرار، تحت عقد لا يوفر لهن سبل الأمان، لذلك نجد الكثيرات منهن يهربن إذا انتهت الحلول وصار المنزل مقبرة، ولنكن أكثر وضوحاً: العاملات تحت نظام الكفالة تعانين من العبودية، وهذا النظام وُجد لتأمين استقدام العمالة الوافدة من الخارج، وبموجبه تقيّد حرية تنقل المكفول خارج البلد، وحريته في العمل لدى أي جهة أخرى، إلا بموافقة الكفيل،  فهو يتيح للكفيل التحكم في حياة من يكفلهم، فيقرّر أجورهم وأماكن عملهم وساعات العمل ومحلات السكن، ويستطيع أيضاً إبعاد أي منهم عن البلاد من دون إبداء الأسباب، كما يستطيع الكفيل منع المكفول من السفر بحجز جواز سفره، وإنهاء عقد العمل ومنع العامل من البحث عن عمل آخر، ما يدفع البعض للهروب من كافليهم، والالتحاق بما تعرف بالعمالة السائبة التي لا كفلاء لها، والتي تشكل أزمة في البلاد.

تعاني عاملات المنازل من انعدام الأمان والاستقرار، تحت عقد لا يوفر لهن سبل الأمان، لذلك نجد الكثيرات منهن يهربن إذا انتهت الحلول وصار المنزل مقبرة

فكيف يستطيع "العبد التفاهم مع سيده"، وأعتذر عن سوء الوصف، لكن حتى تتضح صورة العاملات أكثر، ولأني عديمة الجنسية، وأعني من "بدون الكويت"، أعرف قيمة الأوراق جيداً ومدى صعوبة أن تكون أقدامك مربوطة.

يحرم نظام الكفالة العاملة من حقها في الرحيل متى شاءت، لذلك تكون العاملة دوماً خائفة ومظلومة ولا تملك قرارها، وردودها محدودة بحدود قدراتها، وبعض العائلات تعامل العاملات كأنهن آلات لا تتعب ولا تُرهق، فمن الطبيعي رؤية عاملة تحمل طفلاً في يد وأكياساً في اليد الأخرى في السوق، على مدار الوقت، وقد نرى عائلة تأكل والعاملة لا تأكل معها، وأيضاً نرى عاملة تجلس في أسفل مكان في السيارة، متناسين أن هذه روح تشعر وتتألم وتجوع.

لا يخفى على أحد أن بعض العاملات ينمن في غرف ضيقة مع "الكراكيب"، وأحياناً بلا تكييف أو سرير مريح، وقد تُجبر بعضهن على لباس معين.

لا يخفى على أحد أن بعض العاملات ينمن في غرف ضيقة مع "الكراكيب"، وأحياناً بلا تكييف أو سرير مريح، وقد تُجبر بعضهن على لباس معين.

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان في تقرير لها، إن العاملات المنزليات يواجهن طائفة واسعة من الإساءات الجسيمة والاستغلال في العمل، بما في ذلك التعدي الجسدي والجنسي، والحبس القسري في مكان العمل، وعدم دفع أجورهن ومنع الطعام والرعاية الصحية عنهن والعمل ساعات طويلة بلا حدود بدون أيام راحة.  

عادة ما تستبعد الحكومات العاملات المنزليات من الوسائل المقرّرة نظاماً لحماية العمالة، ولا تراقب الطرق المتبعة في التوظيف التي تثقل كاهل العاملات بأعباء الديون وتضللهن فيما يتعلق بوظائفهن.  

قالت نيشا فاريا، كبيرة الباحثة لدى قسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: "إن الحكومات لا تضمن للعاملات المنزليات إمكانية العمل بكرامة ودون تعرّض للعنف، بل دأبت على حرمانهن من الوسائل الأساسية لحماية العمالة التي توفرها لعمال آخرين"، وأضافت بقولها: "إن العمالة الوافدة المهاجرة والأطفال بصفة خاصة يتعرضون لاحتمال التعدي".  

العاملات لسن عاهرات

جوليا (اسم مستعار) عاملة فلبينية تعمل في منزل صديقة لي، تقول: "أنا متعلقة بالأطفال بشدة. أشعر لو أنني رحلت كأني قد تخليتُ عن أطفالي. منذ طفولتهم وأنا من توليتُ رعايتهم، أترك أطفالي خلفي، فأشعر بالغربة مرتين؛ لكن الأمر يسوء جداً، رب العمل يأمرني بارتداء الحجاب طوال اليوم وأنا لستُ بمسلمة، رب العمل يحرمني حتى من الطعام المتواجد، لا بد من شراء طعام خاص لي كل شهر، ويمنعني من استخدام الغسالة، يطلب مني الغسل بيدي وأنا مللتُ، وأشعر بوجع في جسدي من شدة العمل. يمنعني من الخروج من المنزل في حال خروج العائلة، ويقفل الباب خوفاً من هربي. أشعر كأني لستُ إنسانة، أنا متعبة من كوني مجبرة؛ لكي أصرف على عائلتي بالخارج وأقتل من سوء المعاملة هنا، ولا يكف صراخه عني".

إلكس (اسم مستعار) عاملة فلبينية في ناد صحي،  تقول لي: "تعرضتُ للتحرش الجنسي من رب الأسرة، ودوماً يعرض علي ممارسة الجنس. كل العاملات الفلبينيات من حولي يُعرض عليهن ممارسة الجنس مقابل المال. من قال إن النساء الفلبينيات عاهرات؟!".

تعاني العاملات من التحرّش الجنسي المستمر، إذ يظن بعض الرجال أن العاملة عليها تقديم خدمات عالية لتوفير الراحة له، حتى وإن كانت جنسية، فينتهك حق جسدها بأبشع الطرق، مستغلاً حاجتها وضعفها وخوفها! 

"تعرضتُ للتحرش الجنسي من رب الأسرة، ودوماً يعرض علي ممارسة الجنس. كل العاملات الفلبينيات من حولي يُعرض عليهن ممارسة الجنس مقابل المال. من قال إن النساء الفلبينيات عاهرات؟!"

كما تتعرض العاملات لسوء المعاملة في مكاتب التوظيف، حيث قالت فاريا: "العاملات المنزليات غالباً ما يكنّ رهائن مكاتب توظيف العمالة وأرباب العمل. ينبغي للحكومات أن تنظم ظروف العمل بصورة أفضل وأن ترصد الانتهاكات وأن توقع عقوبات مدنية وجنائية رادعة".

وفي شهادة احدى العاملة في تقرير هيومن قالت: "حُبست داخل مكتب التوظيف لمدة خمسة وأربعين يوماً. كنا أندونيسيات وفلبينيات، عددنا خمس وعشرون. كنا نحصل على الطعام مرة يومياً. لم نتمكن من الخروج مطلقاً. قال المكتب إننا ندين له بمبلغ 1500 درهم، أي أجر ثلاثة أشهر. هربت خمس منا، واستخدمنا بطانية للهروب من الطابق الثاني. أصيب أربع منا بجروح": كريستينا سواريز، عاملة منزلية فلبينية، في السادسة والعشرين من العمر، دبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، 27 فبراير/شباط، 2006.

تتعرّض بعض العاملات للاغتصاب، وقد يعانين من الحمل، وفي وضع مماثل لا تملك العاملات رفاهية الإجهاض، وفي شهادة إحدى العاملات في تقرير منظمة هيومن عن إساءة المعاملة، تقول: "عندما ذهبت السيدة لتصطحب أطفالها إلى منزل الجدة، بقي الرجل في المنزل. اغتصبني مرات كثيرة متعددة. مرة يومياً على مدى ثلاثة أشهر. كان كثيراً ما يضربني لأني لم أكن أرغب بممارسة الجنس. لا أعرف ما هو الواقي الجنسي ولكنه كان يستخدم بعض المناديل الورقية بعد أن يغتصبني. وبعد أن سددت ديني البالغ أجر ثلاثة أشهر، أمسكت بسكين وقلت له: لا تقترب مني. أخبرت السيدة، وغضبت مني غضباً شديداً. وفي اليوم التالي، أخذتني إلى الميناء، وقالت إنها اشترت لي تذكرة للذهاب إلى بونتياناك. لم يكن معي نقود لأذهب من بونتياناك إلى منزلي. لم أذهب إلى طبيب": زكية، عاملة منزلية عائدة، وطنها ماليزيا، في العشرين من العمر، لومبوك، أندونيسيا، 24 يناير/كانون الثاني، 2004. 

أكتب الآن وأنا  غاضبة، لأني أعلم أن الكلمات لا تسعف العاملات ولا تعطيهن عمراً آخر للنيل من الظالمين، ولعل لا حل للعاملات إلا بقوانين صارمة وانتهاء نظام الكفالة

أستذكر حال العاملات بوجع، لا أقول إن الجميع لا يرحم، لكن لا ينبغي جعل وضع العاملات تحت الرحمة، فالعالم يغفر لهم أي خطيئة متناسياً كل الخطايا بحقهم. بالإضافة لوجع الغربة وفراق الأهل والأحباب والأصدقاء، يتحملن مختلف الإهانات.

أكتب الآن وأنا  غاضبة، لأني أعلم أن الكلمات لا تسعف العاملات ولا تعطيهن عمراً آخر للنيل من الظالمين، ولعل لا حل للعاملات إلا بقوانين صارمة وانتهاء نظام الكفالة.

لم ينته زمن العبودية، مازال العالم أسود.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image