شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل ما زال وائل غنيم يشبهنا؟

هل ما زال وائل غنيم يشبهنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الأربعاء 12 يوليو 202310:44 ص

يصف وائل غنيم سبب نجاح دعوته لـ "يناير" في كتاب عن نفسه وعن الثورة، هو أنها كانت بعيدة عن السياسة، أما تصوراته عمّا بعد، فلا شيء أكثر من كلام حالم، لم يكن يتجاوز شعار أوباما نفسه في حملته الانتخابية: "نعم نحن نستطيع"، عن مصر الجميلة الحرة، التي لا يشوبها انقسام أو اختلاف.

كلام يتميز بالتبسيط الشديد، تأتي قوته من آليات التسويق لمنتج عالمي يصل للجميع، أو، بحسب وصف الباحث علاء بيومي، "كأنما تسوق لكوكاكولا"، لكنه يعكس أيضاً شخصاً غير مؤهل سياسياً، غير قادر على تطوير الشعار إلى خطة على الأرض، وصناعة تحويل جذري في السلطة.

وعقب سقوط الرئيس حسني مبارك بشهر، زارت هيلاري كلينتون ميدان التحرير، والتقت عددا من الطلاب والنشطاء اللذين لعبوا دوراً قيادياً في المظاهرات، ومن بينهم وائل غنيم، تقول عن انطباعها بعد اللقاء والذي نشرته في مذكراتها:

"كان لدي شغف لسماع خططهم للتحول من التظاهر للسياسة، وكيف يخططون للتأثير على كتابة الدستور، والتحوّل إلى قوة فاعلة والمنافسة على الانتخابات المقبلة، وجدت مجموعة غير منظمة، غير مستعدة للمنافسة، أو التأثير على أي شيء، لم يكن لديهم أي خبرة في السياسة، أو فهم كيف تنظم الأحزاب، أو كيف ينافس المرشحون، أو كيف تُنظم الحملات الانتخابية. لم يكن لديهم منابر، أو اهتمام يذكر بتنظيمها. في المقابل كانوا يجادلون فيما بينهم. لاموا أمريكا على عدد متنوع من الخطايا، ورفضوا السياسات الانتخابية إلى حد كبير، فسألتهم: هل فكروا في تشكيل تحالف سياسي؟ أو الانضمام سوياً نيابة عن مرشحين، نظروا إلي بلا تعبير. خرجت قلقة أنهم سوف سيعطون البلد للإخوان أو الجيش، وهو ما حدث بالفعل".

ينتبه الكاتب باسل رمسيس، إلى صورة وائل غنيم مع البطيخة، الصورة النمطية عن الذكر، الموظف، الذي يعود إلى بيته حاملاً بطيخة، للتعبير عن شخص "كافي خيره شره، ماشي جنب الحيط". الصورة التي حرصت السلطات، وربما غنيم نفسه، على نشرها بشكل واسع: إذا أردت العيش آمناً في مصر "شيل البطيخة"

يتساءل المفكر الإيراني، آصف بيات، في كتابه "ثورة بلا ثوار"، إذا كان ما نجم عن ثورات الربيع العربي هو ثورات فعلاً، بالمعنى الذي كان للثورات الرديفة في القرن العشرين. يلاحظ أن الثورات الأخيرة لا مثيل لها في الافتقار إلى الأيديولوجيا وميوعة التنسيق وغياب أي قيادة جامعة أو مفاهيم فكرية لديها، أمور لم يسبق لها مثيل تقريباً.

لكن الأشد إدهاشاً بالنسبة إلى بيات، هو افتقارها إلى أي نوع من النزعة الجذرية التي وسمت الثورات السابقة، وأن مُثل الديمقراطية العميقة والمساواة وعلاقات التملك المنصفة والعدالة الاجتماعية، بهتت أو كانت موضع خُطب، أكثر مما كان يحفّزها اهتمام صادق يرتكز على رؤية استراتيجية أو برامج ملموسة.

الثورة المصرية كانت شعارات بلا برامج: إسقاط النظام، الحرية، العدالة، الاجتماعية، أو شعارات لم يتم تحويلها إلى برامج، بل استشعرت أنها حققت ما أرادت، بإسقاط النظام.

يقول بيات: "افتقرت الثورات العربية إلى مرساة فكرية مشتركة، والثورات في المعتاد توحي وفي الوقت نفسه تستوحي من بعض النتاجات الفكرية، مجموعة من الأفكار والمفاهيم والفلسفات، تكون ملهمة للاوعي الفكري لدى المتمرّدين، فتؤثر في نظرتهم أو خيارهم الاستراتيجي ونمط القيادة. لم يبد أن ثمة مفكر صاحب رؤية قد رافق الربيع العربي".

لم تكن دعوة وائل غنيم في جوهرها بعيدة فقط عن السياسة، فما كشف له ولنا بأثر رجعي أنها كانت بعيدة في الأساس عن الثورة.

ما يهمنا هنا هو التحولات المتباينة التي مرت بوائل غنيم، منذ الثورة وحتى الآن، والتي كانت كلها بالغة الحدّة: حليق الشعر والظهور كمنهار، مخبول قليلاً، كتعبير عن حالة الثورة المصرية نفسها، ثم عودته الحالية إلى مصر في صورة المواطن المصري العادي حامل البطيخة.

ينتبه الكاتب المصري باسل رمسيس، إلى صورة البطيخة الخارجة في الأساس من السينما المصرية القديمة والأدب، التي خلقت في الأساس صورة نمطية عن الذكر، الموظف، الذي يعود إلى بيته حاملاً بطيخة، للتعبير عن شخص "كافي خيره شره، ماشي جنب الحيط". الصورة التي حرصت السلطات، وربما غنيم نفسه، على نشرها بشكل واسع: إذا أردت العيش آمناً في مصر، "شيل البطيخة"، أما من رفضوا أن يحملوها من جيل وائل نفسه، فمصيرهم السجون أو النفي.

لذا ما يجب أن تذكرنا إياه عودة وائل غنيم بصورة البطيخة، ليس المشي جنب الحائط، بل مئات المعتقلين، الممنوعين من السفر، المتحفّظ على أموالهم، المعارضين المصريين في الخارج، غير القادرين على العودة إلى مصر لرؤيهم أهلهم أو أبنائهم، كما يقول الكاتب أحمد فوزي، وأن يوضع ذلك الملف على رأس أولويات الحوار الوطني.

هل مازال وائل غنيم يشبهنا؟ نعم، بطريقة ما، كلّنا أجبرنا على إشاحة النظر، انهار أغلبنا في المنتصف، لذا كانت صورته وهو حليق الرأس معبّرة عن هذا الانهيار، وبطريقة ما، وجد كل منا وسيلته للعيش الآمن

للأسف، لا أظن أن هذا هو المقصود. المقصود كان أن نركز اهتمامنا على صورة البطيخة، الصورة الفارغة من كل معنى، التي شاهدناها في تحولات وائل غنيم، والذي لا يجب أيضاً أن يُلام. الملام عن حق هو السلطة التي كرسّت داخلنا كل هذا الشعور بالذنب، والتي اقتصت لهزيمتها في يناير بأكثر الطرق فجوراً في الخصومة.

بحسب الكاتب أحمد منتصر، نظرة وائل غنيم لمعنى السياسة ليست حالة فريدة، بل هي متوارثة من شخصيات تدّعي أنها تمثل القوى المدنية والليبرالية والديمقراطية والقومية، كحمدين صباحي وخالد يوسف وغيرهم، من يمثلون الطبقة المتوسطة العليا التي تختزل الأزمة في مصر على الطريقة الأمريكية، هي أزمة ديمقراطية وصندوق انتخابات وانتهاك للحريات فقط، رغم أنها نتاج لأزمة أعمق، وهي أزمة شكل السلطة نفسها، والذي يخدم مصالح المسيطرين، سواء كانوا عسكريين أو رجال أعمال، والتي ترسم سياسات الإفقار والتهميش والخصخصة والتبعية للجهات الخارجية والاقتصاد الريعي. مظاهر لن تسمح بوجود حرية للإعلام أو للرأي أو للتظاهر أو حتى للوجود الاجتماعي.

هل مازال وائل غنيم يشبهنا؟

نعم، بطريقة ما كلنا أجبرنا على إشاحة النظر، انهار أغلبنا في المنتصف، لذا كانت صورته وهو حليق الرأس معبرة عن هذا الانهيار، وبطريقة ما، وجد كل منا وسيلته للعيش الآمن.

ما نعنيه بنقد الصور النمطية، ليس نقداً لوائل غنيم نفسه، بل لأنفسنا، للنظرة لمعنى الثورة المفرغة، فكل منا كان يحمل عقلية الكوكاكولا خاصته، ونقد لهذا الاستغلال الآثم لصورة وائل غنيم إلى النهاية من قبل السلطة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لا ليل يطول، ولا خريف

بعد ربيعٍ عربي كان يزهو بفورات الأمل ونشوة الاحتجاج، ها هي نوستالجيا الحريّة تملأ قلوب كلّ واحد/ ةٍ منّا حدّ الاختناق.

نوستالجيا أفرغها الشلّل القسريّ الذي أقعدنا صامتين أمام الفساد العميم والجهل المتفشي. إذ أضحت الساحات أشبه بكرنفالاتٍ شعبية، والحقيقة رفاهيةً نسيناها في رحلتنا المضنية بحثاً عن النجاة.

هنا في رصيف22، نؤمن بالكفاح من أجل حياةٍ أفضل لشعوب منطقتنا العربية. ما زلنا نؤمن بالربيع العربي، وربيع العالم أجمع.

Website by WhiteBeard