"كنت أنتظر المطر ليكون الربيع جميلاً والصيف أقل عناءً، أتابع معدلات المطر والثلوج المتراكمة على سفوح جبل الشيخ. الماء الذي منه خلق كل شيء حي هو حلم الصحراء وأشجار زيتون الوادي والجبل، نراه سراباً نجري خلفه، كنت أغتسل في أول المطر مع ترديد أغاني الغيث. أما هنا في بلاد الشمال، وخاصة هولندا، الماء فائض وخطير، هو الغول الذي يهدد بالتهام البلد. تراجع بالنسبة لي معنى المطر وأهميته منذ انتقلت إلى أوروبا. بقدر ما كنت أحب المطر أصبحت أنتظر بفرح الشمس الصافية الساطعة". هكذا بدأ سعيد، 68 عاماً، حديثه حين سألته كيف أثر على حياته اختلاف المناخ منذ انتقل إلى أوروبا من سوريا.
ويضيف: "مللت من طول الزمن الذي أرتدي فيه المعطف، نفرح بأيام الصيف الطويلة ونحزن لأيام الشتاء القصيرة، الحنين إلى الشمس يأخذني إلى مساءات صيفية يوم كانت البيوت حنونة، فيها دفء للروح، يوم كنا ننام على سطوح بيوت الطين نعد النجوم. هنا السماء ضيقة وقريبة، ولكن أفق الحياة واسع في بلاد تتوفر فيها الحرية والقانون والضمان الاجتماعي".
"في اليوم نفسه يكون الطقس مشمساً ودافئاً ثم غائماً مع بعض الرياح الباردة وفجأة يبدأ مطر غزير. لذا أكون في حيرة هل أرتدي ملابس خفيفة أم دافئة؟ ". لينا، سورية مقيمة في ألمانيا
أما بالنسبة إلى لينا، 36 عاماً، التي انتقلت إلى ألمانيا من سوريا في العام 2015 فتأثير الطقس البارد والغائم في أوروبا على روتينها اليوم مزعج إلى حد ما، على حد وصفها لرصيف22، خاصة في فصل الربيع والخريف، بالرغم من جمال الطبيعة.
توضح: "في اليوم نفسه يكون الطقس مشمساً ودافئاً ثم غائماً مع بعض الرياح الباردة وفجأة يبدأ مطر غزير. لذا أكون في حيرة هل أرتدي ملابس خفيفة أم دافئة؟ وفي معظم الأوقات لا نستطيع التخلي عن معطف دافئ بسبب تقلب الجو". وتبيّن بأن تبدل المناخ المستمر هذا يسبب الكثير من الأمراض كالسعال والزكام.
وتضيف أن فصل الثلوج والأمطار يعتبر أطول الفصول في ألمانيا، ويصبح من الصعب عليها الخروج للتنزه كل يوم مع أطفالها بسبب الأمطار والثلوج والجو البارد، لذا تقتصر معظم نشاطاتهم داخل المنزل، وقد سببت لها قلة التعرض للشمس بنقص حاد في فيتامين "دال".
وتشير الدراسات إلى أن ما يقارب مليار شخص في العالم يعانون من نقص هذا الفيتامين. ويسبب نقص فيتامين دال الكثير من المشاكل المتعلقة بصحة العضلات والعظام، وزيادة خطر الوفاة من أمراض القلب والأوعية الدموية وضعف الإدراك لدى كبار السن ومن يعانون من الربو الشديد وعند الأطفال ومرضى السرطان.
ومن أعراض نقص فيتامين دال، التعب والإرهاق، وآلام العظام والعضلات، والاكتئاب والحالة المزاجية السيئة، وفقدان الشعر وغيرها. وأحد أهم أسباب نقص هذا الفيتامين هو عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس.
من أعراض نقص فيتامين دال، التعب والإرهاق، وآلام العظام والعضلات، والاكتئاب، وفقدان الشعر. وأحد أهم أسباب نقص هذا الفيتامين هو عدم التعرض الكافي لأشعة الشمس.
تكمل لينا: "كان من العسير التأقلم في السنوات الأولى لقدومي إلى هنا مع الطقس الغائم والبارد في معظم العام. كانت تسألني ابنتي كلما أوصلتها إلى الروضة صباحاً، لماذا نخرج من المنزل والسماء لا تزال مظلمة والجو ماطراً، يا ماما؟ لأن الشمس تتأخر في الشروق إلى ما يقارب الساعة الثامنة والنصف في فصل الشتاء".
وتردف: "كنت أشعر بسبب الطقس هنا بالحزن تارة والضحك أحياناً، كانت مشاعري في فوضى عارمة لفترة طويلة، لم أكن أستطيع السيطرة على مزاجي أو التأقلم مع الحياة في هذا الطقس. كنت في بادئ الأمر أجد صعوبة في الذهاب إلى الطبيب أو المدرسة أو إلى أي مكان أو أي موعد عليّ حضوره خاصة عندما تتراكم الثلوج ويصبح التنقل أصعب. لكنني بعدها حاولت الاعتياد على ممارسة الحياة في هذا الطقس حتى لا ينهشني الاكتئاب، صرت أنظر إلى الجانب الإيجابي للحياة هنا وعملت جاهدة حتى يتأقلم أطفالي مع هذا المناخ كي نكون أكثر سعادة في أية حالة من أحوال الطقس".
من جهتها، تحب ملك، 26 عاماً، الجو الغائم والماطر، لكنها تكره الشعور بالبرد لأنها تضطر لارتداء الكثير من الملابس فتصبح "كالبطريق" على حد وصفها بسبب عدم طول قامتها. هذا يجعل ملك تفضل عدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى أثناء تساقط الثلوج والانخفاض الشديد لدرجات الحرارة، خاصة أن الشمس تغيب باكراً في الشتاء في ألمانيا.
وتوضح ملك أن الشعور بالبرد وفصل الشتاء بشكل عام يزيدان من آلام الصداع النصفي الذي تعاني منه.
هناك، بحسب الدراسات الطبية، العديد من الأسباب لتزايد نوبات الصداع النصفي (الشقيقة)، في فصل الشتاء، من بينها: الاختلاف في درجات الحرارة ما بين البرد الشديد والتدفئة الذي يسبب اختلالاً في توازن المواد الكيميائية في الدماغ، وإهمال تدفئة الرأس الذي يسبب تقلص الأوعية الدموية الدماغية، والحالة النفسية السيئة والاكتئاب المصاحب لفصل الشتاء، كل هذه الأشياء تحرض نوبات الشقيقة وتزيد من حدتها.
انتقل ايمانويل، 26 عاماً، من مصر إلى ميونخ منذ ما يزيد عن سنتين. يوضح أن تبدل الطقس يؤثر كثيراً على المزاج وطاقة الإنسان، فأحياناً يشعر الشخص بأنه لا يستطيع النهوض من السرير في فصل الشتاء
تردف ملك: "قبل أن أنتقل من فلسطين إلى أوروبا في العام 2015، كنت لا أبحث عن الشمس، بل عن الفيء، لكنني هنا صرت أبحث عن الشمس ودفئها، لذلك أصبحت أحب السفر إلى المناطق الجنوبية كلما أتيحت لي الفرصة، فأسافر إلى إسبانيا أو اليونان أو الشرق الأوسط. وحين تسطع الشمس في السماء في ولاية بايرن، حيث أقيم، أذهب للتمشية والاستمتاع بوقتي، أو أجلس على شرفة شقتي في الطابق السابع طوال اليوم لأتنعم بدفء الشمس، وأتأمل السماء الصافية، وأغذي عيني بالمنظر الخلاب لجبال الألب البعيدة في الأفق".
انتقل ايمانويل، 26 عاماً، من مصر إلى مدينة ميونخ الألمانية منذ ما يزيد عن سنتين. يوضح أن تبدل الطقس يؤثر كثيراً على المزاج وطاقة الإنسان، فأحياناً يشعر الشخص بأنه لا يستطيع النهوض من السرير في فصل الشتاء.
ويقول إن بعض الناس الذي يعملون في المكاتب يشترون أباجورات ومصابيح تشبه إضاءتها نور الشمس الطبيعي ليستطيعوا العمل والإنجاز والبعض يلجؤون للمكملات الغذائية وتناول أقراص فيتامين دال لتعويض غياب الشمس.
البعض لا يلتفتون لتأثير المناخ على الحالة الصحية والمزاجية، لكن من يعيشون في الأماكن التي تغيب عنها الشمس لفترات طويلة هم أكثر من يدركون حجم هذا الأثر
البعض لا يلتفتون لتأثير المناخ على الحالة الصحية والمزاجية، لكن من يعيشون في الأماكن التي تغيب عنها الشمس لفترات طويلة هم أكثر من يدركون حجم هذا التأثير. ولأن لكل مكان مميزاته وعيوبه، لعل المناخ في دول الشمال هو أحد منغصات العيش هناك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 16 ساعةوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 17 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت