خلقت تصريحات نائب رئيس الوزراء الأردني السابق الدكتور ممدوح العبادي، المطالِبة باتخاذ خطوات جريئة باستقبال السياح الشيعة وجذبهم، جدلاً واسعاً في الأوساط الأردنية، خصوصاً أنّ مثل هذه المطالبات تُعدّ من الخطوط الحمراء التي يصفها البعض بأنّها تضرّ بالأمن القومي الأردني.
فهل سيفتح الأردن الأبواب أمام الشيعة للسياحة الدينية، بعد مطالبة نائب رئيس الوزراء السابق العبادي بذلك، وينشئ كازينوهات في منطقتَي البحر الميت والعقبة لغير الأردنيين، وهو الأمر الذي خلق جدلاً كبيراً وواسعاً في الأوساط الأردنية بين مؤيد ومعارض؟
هذه الدعوة تُعدّ الأولى من نوعها من شخصية مقربة من السلطات الأردنية، ومن دوائر صنع القرار السياسي في المملكة، إذ لم يسبق لمسؤول أردني أن أدلى بمثل هذه التصريحات لأنّ السياحة الشيعية عموماً والإيرانية خصوصاً تُعدّ من الخطوط الحمراء في البلاد.
فما هي مؤشرات التصريحات التي أدلى بها العبادي مؤخراً؟ وهل تعكس رغبةً أردنيةً في فتح الأبواب للسياحة الدينية، أمّ أنّ الأمر يُعدّ بمثابة بالون اختبار لقياس ردة فعل الشارع الأردني؟
وهل سيلتحق الأردن بالسعودية عبر فتح الباب أمام السياحة الدينية كما فعل ولي العهد السعودي الذي سمح للشيعة هو الآخر بزيارة المزارات الشيعية في البقيع وفي مناطق أخرى مختلفة لممارسة شعائرهم الدينية؟
في إجابته عن هذه التساؤلات، يرى السفير الأردني الأسبق في إيران، بسام العموش في حديث إلى رصيف22، أنّ دعوة العبادي إلى فتح السياحة الدينية في الأردن والسماح للشيعة بالدخول إليه تحت مسمى السياحة الدينية تُعدّ غير مقبولة. فعلى الأردن أن يأخذ الدرس ويعيه جيداً من الدول العربية الأربعة التي دخلتها إيران (العراق، اليمن، سوريا، ولبنان)، تحت مسميات مختلفة، نظراً إلى ما آلت إليه أوضاعها الاقتصادية والسياسية.
ففي حال قبول هذه الفكرة، سيتحتم علينا تجهيز عشرات الآلاف من عناصر الأمن لتأمين الأماكن والمواقع التاريخية والدينية، وعلى رأسها مقام الصحابي جعفر الطيّار، الذي يعدّ الشيعة ضريحه من الأضرحة المهمة بالنسبة لهم، وهو ما قد تكون منفعته الاقتصادية كبيرةً، لكنّها ستؤدي إلى أن يدفع الأردن فاتورةً أمنيةً باهظة الثمن.
دعوة "الإمام الخميني" الشعوب العربية والإسلامية للثورة على حكامها، ما زالت ماثلةً في الأذهان
دعوة الخميني إلى الثورة على الحكام العرب
منذ وصول المرشد الأعلى للثورة الإسلامية "الإمام الخميني" إلى سدة الحكم في إيران وحتى وفاته، كان على الدوام يوجّه خطابه إلى الشعوب العربية والإسلامية داعياً إياها للثورة على حكامها، الذين اتهمهم بالعمالة للنفوذ الأجنبي وهو ما يمنع عشرات الملايين من العرب من إنقاذ فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت جميلة علم الهدى، زوجة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد وصفت في وقت سابق الدول العربية بالعدوّة، وأشارت إلى تاريخ طويل من الحروب والهجمات، ما شكّل عداوةً مستمرةً بين إيران وبينها، وذلك تزامناً مع استعادة العلاقات الإيرانية مع السعودية.
وأضافت زوجة الرئيس الإيراني في تصريحات أدلت بها خلال لقاء مع قناة فنزويلية: "شُنّت على بلدنا دائماً العديد من الغزوات والحروب والهجمات عَبْر العديد من الأعداء التاريخيين... هم العرب والمغول والأتراك".
ولذلك يتحفظ الأردن على المطالبات بفتح المجال أمام الشيعة والإيرانيين لزيارة مقامات الصحابة، وعلى رأسها مقام الصَّحابي جعفر بن أبي طالب الملقّب بـ"الطيار"، والذي يقع في بلدة المزار الجنوبي في محافظة الكرك.
لماذا لا يستفيد الأردن من السائحين الشيعة؟
على الجانب الآخر، فإن بعض وزراء السياحة في الأردن كانوا دائماً يتساءلون: لماذا لا نستفيد من السياحة الدينية في البلاد في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي نمر بها؟
وهو ما يراه العموش خطراً على الأردن في ظل جاهزية إيران لشراء الفقر والبطالة (على حد تعبيره)، لإحداث اختراق إيراني في الساحة الأردنية.
انقسام في الشارع الأردني
تصريحات نائب رئيس الوزراء السابق ممدوح العبادي، تعبّر عن وجهة نظر معتبرة داخل الدولة الأردنية، إلا أنّ الكفة الراجحة هي من نصيب التيار المناهض لهذه الفكرة، وهذا ما يؤكدّ عليه خبير الأمن الإستراتيجي عمر الرداد، الذي يرى بأنّ طرح العبادي يعبّر عن وجهة نظر في الدولة الأردنية ترى ضرورة فتح المجال أمام السياحة الدينية عموماً لا الشيعية فحسب، بل المسيحية أيضاً على سبيل المثال في ما يُعرف بـ"الحج المسيحي" من جبل نيبو وصولاً إلى المغطس في الأغوار.
ويضيف الرداد في معرض حديثه عن قضية السياحة الدينية في تصريحات لرصيف22: "لا شك في أنّ وجهة النظر هذه التي تستند إلى أسباب اقتصادية لما توفره زيارات الإخوة الشيعة للأضرحة في الكرك من فرص اقتصادية متنوعة، تقابَل بوجهة نظر أخرى تستند إلى مخاوف وهواجس مرتبطة بعدم الثقة بالقيادة الإيرانية خوفاً من استغلال تلك الزيارات من قبل الحرس الثوري الإيراني وميليشيات إيرانية للتأثير على الأمن الوطني الأردني".
ويعتقد الرداد أنّ الشارع الأردني هو الآخر بدوره منقسم بين وجهتي النظر، إذ يتردد وعلى نطاق واسع في الأردن أنّه مع المصالحات التي تشهدها المنطقة، بما فيها المصالحة السعودية الإيرانية والكلام حول إعادة العلاقات بين الأردن وإيران، فإنّ إعادة السماح للزوار الشيعة بزيارة الأضرحة في الكرك في إطار السياحة الدينية تبدو منطقيةً لما تحققه من مكاسب للاقتصاد الأردني.
خوف مناوئي المشروع الإيراني من فكرة "التشيّع السياسي"، يقف عقبةً في مسار السياحة الدينية الشيعية
خطورة التشيّع السياسي
في خضم هذه الدعوات، لطالما حذّر الكثير من المراقبين والمناوئين للمشروع الإيراني من فكرة "التشيّع السياسي"، بدقّ ناقوس الخطر بين الفينة والأخرى وإطلاق دعوات التحذير والوعيد لدى سماعهم بمثل هذه المطالبات في المنطقة.
وبناءً على ذلك، يحذّر رئيس مؤسسة المستقبل انتفاض قنبر، في حديثه إلى رصيف22، من أنّ هناك مسألةً خطيرةً في التشيّع لا يدركها كثر، وهي أنّ التشيع كان متنوعاً وكان هناك عدد كبير من المرجعيات وكل شيعي كان له الحق في أن يتبع مرجعيةً معيّنةً هنا وهناك، وهذا ما كان يعطي نوعاً من المطاطية أو طريقة التفكير المختلفة عن الطوائف الأخرى، ويعطي نوعاً من الحرية في التفكير والاختيار بالنسبة للشخص المنتمي إلى الطائفة الشيعية.
لكن بعد قدوم الخميني وثورة عام 1979 في إيران وفكرة "ولاية الفقيه" التي تُعدّ فكرةً دخيلةً على التشيّع (حاولت أن تمزج بين الحكم والتشيّع، كما يقول قنبر الذي يشير إلى أنّ التشيّع لا يتناول الحكم وهي فكرة مأخوذة إلى حد كبير من فكرة "الإخوان المسلمين" في الهيمنة والسيطرة على الدولة)، أصبح الآن شيعة العالم أسرى فكرة "ولاية الفقيه"، لأنّ خامنئي يمتلك القوة والجيش وأموال النفط، وربما في المستقبل القنبلة الذرية، في حين أنّ المرجعيات الأخرى في النجف التي هي مهد التشيّع أصبحت بلا سلاح ولا قوة.
لذلك مسألة السماح بدخول الشيعة لزيارة الأردن حتى من دول أخرى غير إيران، تشكل خطورةً كبيرةً على الأمن القومي الأردني والعربي، بعد أن أصبحت الفكرة "الخامنئية" لولاية الفقيه مسيطرةً، كما أنّ إيران عبر التجربة المريرة في العراق تستغل الزيارات للتغلغل الاستخباراتي للحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإيرانية "الاطلاعات" حتى تصدّر السلاح والإرهاب.
ولذلك يطالب قنبر الأردن بعدم الاستجابة لمثل هذه الدعوات المطالِبة بدخول الشيعة إلى الأردن تحت مسمى "السياحة الدينية"، وبألا يسمح المسؤولون بهذه الزيارات، لأنّ الفائدة التي قد تأتي منها قد تكون أقل بكثير من الضرر الذي قد يلحق بالأمن القومي الذي لا يقدَّر بثمن أو مال.
بين مصالحات سنّية شيعية حثيثة تمتد من الرياض إلى طهران، وأزمة اقتصادية خانقة تحيط بالأردن، يقف الأردنيون حائرين في عمان أمام السؤال الصعب: هل نفتح الباب للسائحين الشيعة، أم نتركه مغلقاً درءاً لما قد لا تُحمد عقباه؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين