"ابني مصاب بالرّبو، وأصبح خوفي من انتهاء دوائه مضاعفاً، فهو قد يختنق بدون رحمة دون علاج، خاصة بعد إضراب كافة صيدليات المغرب في وقت سابق، لمُدّة 24 ساعة، عبّرت أمينة عن خوفها من ندرة الأدوية، مؤكدة أنها باتت دائمة التوفر على عُلب دواء إضافية، برغم إمكانياتها المادية المحدودة، خاصة بسبب تشبث صيادلة المغرب بالإضراب، بين الحين والآخر.
وأشارت في حديثها لرصيف22، "إن كان هناك مشكلة بين وزارة الصحة وصيادلة المغرب حول سياسة أسعار الأدوية، المرجو العمل على حلّها بالتفاوض والحوار، بعيداً عن المواطن الذي لا حول له ولا قوة، حيث لا يجب العبث بصحة المواطنين، الذين سيجدون أنفسهم غير قادرين على الحصول على أدويتهم، خاصة منها الحيوية أو المتعلقة بحالات مرضية مستعجلة".
الصيادلة المغاربة: وزارة الصحة مسؤولة
في ظل الأشهر القليلة الماضية زاد التوتر بين نقابات الصيادلة ووزارة الصحة المغربية، وفي يوم الخميس 13 نيسان/أبريل، قررت أربع مركزيات نقابية وطنية ممثلة لمهنيين ينتمون إلى كل من "الفيدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب" و"الكونفدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب"، و"الاتحاد الوطني لصيادلة المغرب" و"النقابة الوطنية لصيادلة المغرب"؛ لأول مرة في تاريخها، الخوض غمار إضراب وطني، لمدة 24 ساعة، دون تأمين "صيدليات الحراسة" (تظل مفتوحة ليلاً وفي العطل)، وشارك فيه ما يُناهز 12 ألف صيدلية، موزّعة بين المجالين الحضري والقروي. الأمر الذي لم يُنس من ذاكرة المرضى وذويهم، فبات الخوف من فقدانهم للدواء، يتبرّص بهم.
بين صراع الوزارة والصيادلة يظل المريض المغربي عرضة لأسعار باهظة لا توافق قدرته الشرائية، وتدفع كثيرين إلى الإقلاع عن رحلة العلاج
في هذا السياق، يقول محمد الحبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، إن "المهنيين اضطروا إلى التشبث بقرار خوض الإضراب الوطني، طيلة 24 ساعة، بسبب عدم توصل المركزيات النقابية للصيادلة إلى نتائج ملموسة من فتح النقاش حول وضعية المهنة والمهنيين مع مسؤولي وممثلي وزارة الصحة، والمندرجة ضمن ملف مطالب موضوع بين يدي مسؤولي الوزارة، منذ سنوات طويلة مضت"، مشيراً إلى أن "مهنة الصيدلة باتت تعيش في ظل وضعية هشّة، خصوصاً الصيادلة الذين يشتغلون في قلب القرى، وذلك بسبب قلة المداخيل".
"وجدنا مجموعة من الجمعيات تتطفّل على مهنة الصيدلي، وتغيّر في تواريخ انتهاء صلاحية الأدوية، الأمر الذي قد يُلحق ضرراً بصحة المواطنين، فضلاً عن أن هناك لائحة حصرية للأدوية الاستشفائية وعدداً من المواد المُعقمة التي ينبغي بيعها حصراً داخل الصيدليات، لكن بات الكل يبيعها مع كامل الأسف".
أشار الحبابي في حديثه لرصيف22، إلى جُملة من السلوكيات التي بات صيادلة المغرب يرفضونها، مردفاً "أغلقنا الصيدليات ليوم كامل من أجل صحة المواطن، وليس ضدّه؛ لأننا نود إرجاع كرامة الصيادلة، ونريد الحفاظ على المسلك الطبيعي لبيع الأدوية".
من جهته، كشف المجلس الأعلى للحسابات (هيئة مغربية رسمية)، على أن "الصيادلة يجنون هامش ربح من الأدوية يتراوح بين 47 و57 في المئة، بالنسبة للأدوية التي يكون سعر صنعها دون احتساب الضرائب أقل من 588 درهماً أو يساويها (ما يُقارب 58 دولاراً)، وهو هامش ربح كبير مقارنة بأسواق الأدوية في بلدان مثل تركيا.
صناعة أدوية مغربية... وأسعار مُرتفعة
بالرغم من أن الصناعة الدوائية في المغرب تُعتبر ثاني نشاط كيميائي بعد الفوسفات، إذ يحتل المغرب المرتبة الثانية على مستوى القارة الإفريقية، واستطاع تلبية غالبية احتياجاته المحليّة من الأدوية، إذ يُصنع ما يُقارب 70 في المئة من استهلاك السوق الوطنية للأدوية، من بينها أدوية الأمراض المزمنة والمكلفة، في حين يتم استيراد النسبة المتبقية من الخارج، إلّا أن أسعار الأدوية لا تزال مُرتفعة، ولا تُلائم القدرة الشرائية، وذلك بناءً على شكاوى جُملة من المواطنين. وكذلك بناء على أرقام رسمية، حيث أشار مجلس المنافسة (مؤسسة رسمية)، في تقرير له، أن معدل الاستهلاك للفرد الواحد في المغرب هو 45 دولاراً سنوياً، بينما يصل ذلك المعدل إلى 300 دولاراً في العام على المستوى الأوروبي؛ ممّا يدل على "العجز الكبير في وصول المغاربة للدواء".
يعاني صيادلة المغرب من صعوبات مالية، فمن بين 12 ألف صيدلي في المغرب، يوجد أكثر من 3 آلاف منهم على حافة الإفلاس
أمّا فيما يتعلق بتحديد ومراجعة أسعار الأدوية في المغرب لكي تلائم القدرة الشرائية للمواطنين، أكّد المجلس أن وزارة الصحة تعتمد في تحديد ثمن الدواء، على أدنى سعر من أسعار المصنع، دون احتساب الرسوم، وهو الشيء المعمول به في الدول المعيارية التي تم تحديد قائمتها (إسبانيا والبرتغال وفرنسا وبلجيكا وتركيا والمملكة العربية السعودية)؛ مشيراً إلى أن "أسعار الأدوية تتأثر بشكل سلبي بهوامش ربح المؤسسات الصيدلية الموزعة بالجملة والصيدليّات ونسبة الضريبة على القيمة المضافة التي تعتبر مرتفعة مقارنة بالدول المعيارية".
في هذا السياق، يقول بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك "إن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، الأكثر تمثيلية على الصعيد الوطني، ندّدت بالإضراب المستعمل من طرف الصيادلة لحل مشاكلهم مع وزارة الصحة، وعلمنا من خلال الصحافة أنه تم الاتفاق بين الطرفين لا نعلم محتواه"، مردفاً أن "الجامعة رفضت إقحام المستهلك في هذا الصراع الذي لا علاقة له به، إذ أن المستهلك هو الضامن لاستمرار مهنة الصيدلة، وبالتالي وجب الاعتناء به وليس تقديمه كقربان".
"هناك غياب متزايد لعدة أدوية، وغياب الصيادلة عن صيدلياتهم إذ يتركون العمّال لوحدهم، وهذا حيف في حق المستهلك المريض لأنه لا يستفيد من نصائح الصيدليّ وحمايته من الأخطاء"، يؤكد الخراطي في حديثه لرصيف22 مشيراً إلى أن "أسعار الأدوية مرتفعة، مما يفتح الباب للمستهلك للجوء إلى اقتنائه من الانترنت وهذا يمثل خطراً عليه وعلى مهنة الصيدلي، وكذلك إلى بيع الأدوية أو ما تبقى منها في الأزقة وهذا راجع لعدم بيعها في عبوات صغيرة متناسبة مع المدة الزمنية للعلاج".
هل أسعار الأدوية في المغرب مناسبة؟
في سبيل تحسين وضعية لجوء المواطنين المغاربة إلى الدواء، بسعر مُخفّض نشرت وزارة الصحة قائمتين تتعلقان بتخفيض أسعار مجموعة من الأدوية من ضمنها أدوية مُكْلفة لمعالجة أمراض خطيرة منها بعض أنواع السرطان ومضادات الاكتئاب وعلاجات التهاب المفاصل. غير أنه في المقابل، شهدت بعض الأدوية زيادات، على رأسها دواء يستخدم في علاج آلام قرحة المعدة الشديدة، وتشنج القولون العصبي، والمسالك البولية وأمراض النساء، إذ عرف زيادة قدرت بـ42 درهماً (ما يُقارب 5 دولارات).
هناك غياب متزايد لعدة أدوية، وغياب الصيادلة عن صيدلياتهم إذ يتركون العمّال لوحدهم، وهذا حيف في حق المستهلك المريض
وقال خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، في جلسة لمجلس النواب، أن "وفرة الأدوية تخضع للعرض والطلب ولأحوال السوق الدولية وتأثيراتها، وأن الوزارة تعتمد على استراتيجية واضحة المعالم لتحقيق المخزون الاستراتيجي وتأمين المخزون الاحتياطي للأدوية"، موضحاً أن ذلك "لا يعني أن المغرب سيكون في مأمن من انقطاع الأدوية، إذ أن هذا الأمر يكون خارجاً عن الإرادة، سواء بسبب ارتفاع الأسعار في السوق الدولية أو عدم توفر المواد الخام".
من جهته، أكد وليد العامري، ممثل نقابة صيادلة الدار البيضاء، خلال مؤتمر صحافي سابق، أن "صيادلة المغرب يعانون من صعوبات مالية، فمن بين 12 ألف صيدلي في المغرب، يوجد أكثر من 3 آلاف منهم على حافة الإفلاس، ويعتبر الصيادلة أنهم الحلقة الأضعف في القطاع الصحي بالمغرب، وأن القطاع يحقق إيرادات تصل إلى 1.2 مليار دولار في العام، مضيفاً أن تلك الإيرادات تمثل حوالي 100 ألف دولار لكل صيدلية، غير أنه يدعو إلى استحضار الآلاف من الصيدليات التي لا تتجاوز إيراداتها 30 أو 40 ألف دولاراً، مع تحمل مصاريف أخرى، من بينها الضرائب"، مشدداً على أن "أرباح الصيدلاني لا تصل إلى 47 في المئة، عكس ما جاء في التقرير السالف الذكر الذي أوضح أن هامش الربح يتعدى 57 في المئة". وبين صراع الوزارة والصيادلة يظل المريض المغربي عرضة لأسعار باهظة لا توافق قدرته الشرائية، وتدفع كثيرين إلى الإقلاع عن رحلة العلاج، ولو كلفهم ذلك تفاقهم أمراضهم، وسوء حالهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 23 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...