"منذ أن بدأنا ترحالنا، لم نحظَ بالترحيب كثيراً في العالم"، يقول أحد السوريين. منذ ثلاثة أعوام تقريباً، أصبحت الهجرة الجماعية السورية تشغل العالم. فالأعداد المتدفقة إلى دول الجوار والدول الأوروبية عبر تركيا، تشكل أزمةً حقيقية لدى الكثير من شعوب العالم، التي وجدت نفسها منخرطة فجأة في هذه القضية.
لكن دولة جديدة تطرح نفسها اليوم كمضيفة، إذ استقبلت كندا في 11 ديسمبر الطائرة الأولى المحملة بالسوريين في مدينة تورنتو. وأثارت الفيديوهات الصادرة عن وسائل الإعلام الكندية والأجنبية ضجةً كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لرئيس الوزراء الكندي يرحب شخصياً بالوافدين الجدد، واعداً إياهم بالوطن الجديد. وتأتي هذه الخطوات نادرةً على الصعيد الدولي في ظلّ التدابير المتشددة على الوفود السورية، حتى في الدول التي اعتادها السوريون مضيافةً، كألمانيا والسويد وبعض الدول الأوروبية الأخرى. فهل تتحول كندا إلى الحلم السوري الجديد؟Justin Trudeau welcomes Syrian refugees in TorontoCanadian Prime Minister Justin Trudeau arrives at Pearson International Airport to cheers from the crowd as he speaks about the first government sponsored Syrian refugees to arrive in Canada.Posted by Global News on Thursday, December 10, 2015
شعورٌ جديد
بعد انتخاب رئيس الوزراء الحالي، رئيس الحزب الكندي الليبرالي، جاستن ترودو، في أكتوبر الماضي، بدأت الحكومة الكندية بتسريع أعمالها في مجال برامج إعادة توطين السوريين في كندا. فتغير الرقم المتوقع للوافدين بداية عام 2016، من 10 آلاف سوري إلى 25 ألفاً، وهذا ما حرّك ملفات العائلات السورية التي كانت موجودة مسبقاً بيد القائمين على القرار، فتتالت المقابلات التي يقوم بها موظفو السفارة الكندية في كلّ من لبنان والأردن وتركيا، لتسريع نقلهم قدر المستطاع إلى كندا. وقام فريق من الجيش الكندي، يقارب عدده 500 شخص، بالفحوص الطبية المطلوبة للسفر لأكثر من ألفي لاجئ في بيروت دفعةً واحدة في 8 ديسمبر الجاري.
، في أكتوبر الماضي، بدأت الحكومة الكندية بتسريع أعمالها في مجال برامج إعادة توطين السوريين في كندا. فتغير الرقم المتوقع للوافدين بداية عام 2016، من 10 آلاف سوري إلى 25 ألفاً، وهذا ما حرّك ملفات العائلات السورية التي كانت موجودة مسبقاً بيد القائمين على القرار، فتتالت المقابلات التي يقوم بها موظفو السفارة الكندية في كلّ من لبنان والأردن وتركيا، لتسريع نقلهم قدر المستطاع إلى كندا. وقام فريق من الجيش الكندي، يقارب عدده 500 شخص، بالفحوص الطبية المطلوبة للسفر لأكثر من ألفي لاجئ في بيروت دفعةً واحدة في 8 ديسمبر الجاري.
وكانت الصحف الكندية قد بدأت حديثاً باستقبال اللاجئين منذ نوفمبر الماضي، فبين "أهلاً وسهلاً" المرحبة بالسوريين باللغة العربية، والتي تداولتها أكثر من صحيفة وطنية ومحلية كندية في الأيام الماضية، وبين مقالات التوعية عن ضرورة الاحتفاء بالوافدين والاهتمام بهم، يطرح الإعلام الكندي ترحيباً رسمياً عاماً، وانتهاءً بالاستقبال الرسمي الذي قام به رئيس الوزراء للدفعة الأولى، وخطابه الذي يقول فيه للجموع المستقبلة للاجئين بدايةً: "اليوم كانوا على الطائرة لاجئين، لكنهم يدخلون المطار مقيمين دائمين في كندا، مع تأمين صحي، وضمان اجتماعي شامل". وأخيراً صوره يلبّس بعض الطفلات الواصلات لعائلات سورية، معاطف شتوية تناسب الطقس الكندي البارد. كل هذا، يشيع شعوراً جديداً عند السوريين، مريحاً إنما يحمل قليلاً من الاستغراب العام، خصوصاً بعد القلقلة الحاصلة في شعور الأمان تجاه الدول الأوروبية المضيفة. فكثرت التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي حتى من غير المترقبين للسفر إلى كندا قريباً، كأن يكتب شاب سوري ما زال في سوريا: "أنا بدي روح. كيف فيني روح عكندا".
في البدء كانت تركيا
خمسة أعوام من الحرب، كانت كفيلةً بوصول مليون و800 ألف سوري إلى تركيا، التي جعلتها الحدود المشتركة مع سوريا، منخرطةً في الشأن السوري على جميع الأصعدة. وعلى الرغم من أنها ليست الأفضل لبقاء السوريين لاعتبارات عدة، فهي الأفضل قطعاً بين دول الجوار، فلم تغلق تركيا أبوابها في وجه اللجوء السوري طوال أعوام الحرب، وما زال ممكناً لأي سوري الدخول إليها من دون كفيل كلبنان، الذي يفرض بضعة إجراءات معقدة على دخول السوريين، أو الأردن التي تمنع السوري من دخول أراضيها بشكل شرعي إلا في حالات نادرة جداً. فيحصل أي سوري في تركيا على تأشيرة دخول مباشرةً في المطار أو على الحدود، وتعتبر من أكبر مناطق التدفق السوري، إذ يصل إليها نحو 500 سوري يومياً. لكن تركيا أصبحت معبراً أكثر منها مكاناً للاستقرار، وعلى الرغم من أن الكثير من السوريين يعبّرون عن امتنانهم لتركيا التي كانت منفذاً مباشراً للهروب من الحرب، وعن رغبتهم في البقاء، فإن الأمور تغيرت. فحين دخلوا إليها عام 2011، منحوا صفة "ضيوف الحكومة التركية"، التي تحولت في ما بعد إلى "حق الحماية المؤقتة"، الذي يمنحهم العناية الصحية والتعليم فقط، ولا يمنحهم إذن العمل. لكن الحكومة التركية تغض النظر، في جميع الأحوال، عن العاملين السوريين في الشركات التركية، إلا أن تلك القوانين تدفعهم إلى إيجاد مكان أكثر استقراراً، إذ يبدو أن الحب التركي قد لا يدوم.
ألمانيا هي الحلم السوري الأول
في أعوام الحرب الأولى كانت السويد حلماً سورياً عاماً، فهي تستقبل اللاجئين وتعيد توطينهم، ثمّ تصدّرت ألمانيا الدول الأوروبية المضيفة للاجئين، لما قدمته من تسهيلات ومساعدات للاجئين. فقد عنيت ألمانيا بتقديم المساعدات لجميع السوريين للقدوم بطرق شرعية إلى البلاد، ففتحت جامعاتها للطلاب، وأبوابها للوافدين غير الشرعيين، من هنغاريا مثلاً الصيف الماضي، بعد أن حوصروا في محطة قطار بودابست بضعة أيام، وقامت بالكثير من الخطوات المساعدة الأخرى. لكنّ ذلك عرَض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى انتقادات من قبل الأحزاب الأخرى في الائتلاف الحاكم بشأن سياسة "الأبواب المفتوحة" للاجئين. فوقع الكثير من الجدل، وعادت ألمانيا إلى العمل باتفاقية دبلن بعد أن ألغتها، وطرحت مسودة قرار بإيقاف لمّ شمل العائلات السورية للأقرباء المقيمين في ألمانيا، وتحويل الإقامة المعطاة للسوريين من ثلاثة سنوات إلى إقامة مؤقتة للحماية لمدة سنة، مع احتمال إعادة الكثير من السوريين حتى بعد وصولهم إلى ألمانيا، إلى أوطانهم أو دول اللجوء المجاورة، ممن ليسوا بحاجة إلى حماية حقيقية.
الصيف الماضي، كانت السفارة الألمانية في بيروت تزدحم يومياً بالسوريين المنتظرين مقابلاتهم، أو تأشيرات الدخول، أو الموافقة على ملفات لمّ شملهم، وفي جولة على معظم الشباب السوريين، سيسمع المراقب الكثير من العبارات بين الساخرة والمحقة مثل : "ألمانيا الوطن"، "ميركل كبيرتنا"، وغيرهما من العبارات الممتنة بشكل أو بآخر لما قدمته الحكومة الألمانية من فرص للسوريين، لكنّ التغييرات الأخيرة تقلقهم أيضاً.
في الوسط الشبابي السوري نفسه، بات الحديث عن كندا أكثر انتشاراً، وفي الحديث السوري الدائم عن الهروب والهجرة، تبرز كندا اليوم بين الوجهات الهدف. في النهاية، الرقم ما زال 25 ألفاً، لا يقارن بـ800 ألف استقبلتهم ألمانيا عام 2015 فقط. علماً أن الوافدين إلى كندا لا يمكن فرضهم على الحكومة الكندية، إذ لا طريق للتهريب إلى كندا، فهي تختارهم، على أساسين هما الحماية من الخطر، والقدرة على الاندماج مع المجتمع الكندي، وفي الوقت الذي تقاطع فيه 26 ولاية أمريكية جارة لكندا استقبال السوريين، تفتح كندا أذرعها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...