إذا ذهبت في نزهة إلى إحدى مزارع الخيول في العطلات الصيفية، وامتطيت جواداً كي تمارس رياضتك المفضلة، قد تشعر بأن الجواد عاجز نوعاً ما عن الوثب والقفز بسلاسة وحرية على الرمال شديدة السخونة، وقد تلاحظ أيضاً هزالة أجسادها وشحوب وجوهها. هل توقعت بأن هذا الشعور قد يكون ناجماً عن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري وتأثيرهما على كل ما حولنا؟
يصف أحمد محمود راضي وهو مالك أكاديمية "خيّال" للفروسية في مصر، حالة الخيول لديه لرصيف22: "تحول درجات الحرارة المفرطة دون اختيار نمط غذائي مناسب وثابت للخيول لدي، فأضطر إلى تقليل كميات الغذاء مع بداية فصل الصيف، فمثلاً إذا كان الحصان الواحد يأكل بمعدل عشرة كيلوغرامات من الأعلاف يومياً، أُقلل هذه الكمية إلى النصف تقريباً".
ويوضح السبب بأن كميات الأكل الكبيرة تسبب مشكلات جسمانية كثيرة للخيول، منها الحساسية الجلدية المفرطة، وسخونة الجسم الشديدة، وفي النهاية تُصاب الخيول بما يعرف باسم "حمى الحافر" وهي تسبب شللاً كاملاً للحصان مثل الإنسان، مما يؤدي إلى ملازمة الفراش حتى التعافي.
ساهم الاحتباس الحراري في حدوث أمراض واضطرابات جسدية للخيول في السنوات الأخيرة.
ويشير إلى وجود اختلاف بين الخيول العربية والأجنبية، فالأولى أشد تحملاً للتغيرات المناخية، ويضيف: "تعرضت سلالة الخيول الأجنبية لدي للكثير من المشكلات الصحية مثل حساسية الجهاز التنفسي والصدري، بشكل يفوق الخيول العربية".
وفق نتائج بحثية نشرتها مجلة "The chronicle of the horse" الأمريكية الأسبوعية المتخصصة بالفروسية، فقد ساهم الاحتباس الحراري في حدوث أمراض واضطرابات جسدية للخيول في السنوات الأخيرة، ومنها إصابة الخيول الإفريقية بالجفاف وقلة الخصوبة والإجهاد الحراري وقلة الأداء الحركي، وكذلك حساسية الجهاز التنفسي.
وتلفت أبحاث علمية إلى أن الاحتباس الحراري هو المسبب الرئيسي لحدوث حمى الحافر أو التهاب الصفائح الدموية عند الخيول، فكلما ازدادت نسبة الكربون في الهواء، تزايدت معدلات البناء الضوئي لدى النباتات، ويسبب ذلك تنوعاً أكبر في نوعية النشاء والسكر داخل هذه النباتات التي تتناولها الخيول بصفة دائمة، مما يؤدي إلى ترسب الكثير منها داخل أمعاء الخيول، لعدم اعتيادها على هضم هذه العناصر في آن واحد، وتالياً تترسب هذه المواد في دم الخيول بمعدل كبير، فتغلق الشعيرات الدموية مسببة حمى الحافر.
وإلى جانب مخاطرها الصحية، يمكن أن تؤدي الإصابة بهذا النوع من الحمى إلى زيادة وزن الخيول بشكل ملحوظ نتيجة ملازمة الفراش لمدة طويلة، وهو أمر قد يصبح سمة مميزة لها خلال الأعوام والعقود المقبلة كما يتوقع العلماء.
جفاف وخمول
مالك أكاديمية "هابي هورس" في الجيزة معتز سعيد يفسر لنا أن درجات الحرارة المفرطة تؤثر تأثيراً سلبياً على الخيول، إذ تصيبها باضطرابات جسدية عدة ومنها التقلصات المعوية ومرض حمى الحافر الذي يعيقها عن الوثب والجري والحركة بحرية وسلاسة.
من الضروري المحافظة على مواعيد ثابتة لتغذية الخيول، والامتناع عن نوعية الأطعمة التي تحتوي على مواد كربوهيدراتية بمعدل كبير وخاصة في فصل الصيف، والاهتمام بالتدريب اليومي للخيول لتفريغ طاقتها بصورة مستمرة، حتى لا تتعرض إلى زيادة وزن
وعن ملاحظاته للأداء الحركي للخيول مقارنة بالأعوام الفائتة، يقول سعيد لرصيف22: "المجهود والأداء الحركي للخيول عامة والخيول الرياضية خاصة اختلفت بصورة كبيرة. فمع بداية فصل الصيف، باتت الخيول تصاب بإجهادٍ حراري وخمول جسماني يمنعها من أداء التمرينات الرياضية بحيوية وسلاسة، وقد تراجع الأداء الحركي لخيول أجنبية عدة لدي أثناء سباقات الخيول بسبب الحرارة المرتفعة، لكن حالتها تستقر في فصل الشتاء".
كما يوضح بعضاً من الخطوات التي يتبعها للمحافظة على صحة الخيول الجسمانية أثناء الحرارة المفرطة، ومنها استبدال المواد النشوية بالبرسيم المُجفف (الهاي)، فهو يحتوي على العديد من الفيتامينات والأملاح المعدنية اللازمة لصحة الخيول البدنية، كما أنه سهل الهضم ولا يسبب تقلصات مزعجة، ولكن عيبه الرئيسي هو زيادة تكلفته مقارنةً بالبرسيم الطبيعي غير المُجفف، إذ يصل سعر الطن منه إلى ما يقارب 300 دولار أمريكي، وهذا عبء اقتصادي كبير على مربي الخيول.
بدوره يتحدث إيهاب شيحة وهو مالك أكاديمية "أورالندو هورس" للخيول، عن مخاطر فصل الصيف على صحة الخيول، ويقول لرصيف22: "الصيف هو العدو الأشد للخيول، فمع التعرق الزائد وفقدانها الكثير من الماء بسبب درجات الحرارة المفرطة، من السهل إصابتها بالجفاف. ويستدعي الأمر غالباً استخدام محاليل لتعويض ما فقده جسد الخيول من الأملاح المعدنية الضرورية".
الاحتباس الحراري هو المسبب الرئيسي لحدوث حمى الحافر أو التهاب الصفائح الدموية عند الخيول.
ويتابع: "الخيول كائنات حساسة جداً، تشعر بتأثير التغيرات المناخية بصورةٍ كبيرة. ومن الممكن إصابتها بالإنفلونزا طوال العام، نتيجة العادات السيئة لمربي الخيول، مثل تعريض الخيول للهواء القارس مباشرةً في فصل الشتاء دون أخذ الاحتياطات اللازمة".
تأثيرات "خطيرة"
وعن تأثير التغيرات المناخية على الخيول، يوضح الدكتور عباس شراقي خبير البيئة والموارد المائية لرصيف22: "يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى مشكلات صحيةٍ كبيرة للحيوانات بصفة عامة والخيول بصفة خاصة، ومنها الإجهاد الحراري والجفاف وتالياً الحد من نشاطها".
وضمن نفس السياق، يقول عوض الجنيدي وهو طبيب بيطري يعمل في محطة الزهراء للخيول العربية لرصيف22: "تُصاب الخيول خاصة في فصل الصيف بحمى أو حمرة الحافر، نتيجة استمرارية التغذية الخاطئة لها بالكثير من المواد النشوية مع دخول فصل الصيف، وكذلك الحرارة المفرطة. كما أن وزن الخيول يقل تدريجياً في فصل الصيف عن الشتاء بسبب درجات الحرارة المرتفعة وخاصة في شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، مسبباً ما يُعرف بالتوتر أو الضغط الحراري، والذي بدوره يعمل على تقليل الأداء الحركي للخيول وكذلك خصوبتها".
وحول حمى الحافر يوضح الجنيدي : "يحدث هذا المرض بسبب خروج اللاكتيك أسيد أو حمض اللبن نتيجة تراكم المواد النشوية في جسم الخيول، وبدورها تطلق مادة الإندوتوكسين التي تتغلغل إلى الشعيرات والخلايا الدموية للحوافر، فتغلقها وتقتل الصفائح الدموية الحساسة في أطراف قدم الخيول مسببة حمى الحافر".
وتزداد الإصابة بهذه الحمى وفق المتحدث في فصل الصيف، ومن الممكن حدوثها أيضاً بسبب عدوى بكتيرية في الجسم وكذلك المجهود الزائد. وهي تصيب الخيول بالشلل الكامل أو العرج، فلا تستطيع المشي البسيط أو أداء التمرينات الرياضية سواء في ساحة التدريب أو سباق الخيل. والخيول التي تصاب بحمى الحافر تصبح خارج إطار البرنامج الرياضي حتى التعافي التام.
مع بداية فصل الصيف، باتت الخيول تصاب بإجهادٍ حراري وخمول جسماني يمنعها من أداء التمرينات الرياضية بحيوية وسلاسة، وقد تراجع الأداء الحركي لخيول أجنبية عدة لدي أثناء سباقات الخيول بسبب الحرارة المرتفعة، لكن حالتها تستقر في فصل الشتاء
وتكمن مشكلة هذا المرض أنه يرافق الخيول لفترة طويلة قد تصل لعام أو عامين، وبعد التماثل التام للشفاء، تصبح قادرةً على العودة مرةً أخرى لنشاطها وأدائها ضمن الفرق الرياضية.
ويتحدث الجنيدي أيضاً عن حساسية تحدث في فصليْ الربيع والخريف بسبب نشاط الرياح التي تنقل حبوب اللقاح من مكان إلى آخر، وعندما تتمكن من الدخول إلى الجهاز التنفسي عبر الأنف، تعمل على استثارته مسببة للخيول التهابات مزمنة.
الوقاية خير من العلاج
يوضح الجنيدي بعضاً من الممارسات التي تساعد على حماية الخيول من التأثيرات والأمراض المذكورة، ومنها:
تكمن مشكلة مرض حمى الحافر أنه يرافق الخيول لفترة طويلة قد تصل لعام أو عامين.
- الامتناع عن نوعية الأطعمة التي تحتوي على مواد كربوهيدراتية بمعدل كبير وخاصة في فصل الصيف، أو تقليلها وفق الاحتياج الغذائي للخيول فقط، بحيث تكون سعراتها محسوبة بدقة.
- تقليم حوافر الخيول بصفة دائمةٍ كل 45 يوماً، والاهتمام بالتدريب اليومي للخيول لتفريغ طاقتها بصورة مستمرة، حتى لا تتعرض إلى زيادة وزن.
- المحافظة على مواعيد ثابتة لتغذية الخيول.
- الملاحظة الدقيقة من قِبَل مربي الخيول للقدم، فإذا لاحظ المربي عرج قدم الحصان عند المشي، فمن الضروري استشارة الطبيب البيطري، لأنها قد تكون أولى علامات الإصابة بحمى الحافر.
- إذا لاحظ مربو الخيول بداية أعراض حساسية الجهاز التنفسي لدى الخيول، من الضروري إعطاء الأدوية الضرورية لتقليلها.
ويضيف بأن كل الممارسات المذكورة بسيطة، وإذا طبقها مربو الخيول بتوازنٍ وتخطيط جيدين، ستستقر حالة الخيول، ويتجنب مربوها الخسائر الفادحة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...