في 12 يونيو/ حزيران الجاري، بدأت امتحانات الثانوية العامة -الشهادة الأهم المؤهلة للالتحاق بالجامعات في مصر- للعام الدراسي 2022/2023، وكعادة كل عام، مع امتحان اليوم الأول، نشرت مواقع الأخبار والصحف المحلية أنباءً عن تداول أسئلة الامتحانات عبر مجموعات "واتس آب" و"تليغرام"، إذ تبدأ تلك المجموعات نشر إجزاء من "بوكليت" الأسئلة بعد بدء زمن الإجابة بنحو نصف الساعة، وبعدها تنشر ذات المجموعات إجابات الامتحانات، في إشارة إلى أن هناك من يمتلك هاتفاً وإنترنت داخل اللجان يصور به ويرسل إلى صفحات الغش الإلكتروني، وهناك من يتلق الإجابات.
عملية الغش الإلكتروني هذه، تتم رغم الإجراءات التي قد ترقى لحد وصفها "بالأمنية أو العسكرية" التي تتخذها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع العديد من الجهات السيادية في الدولة، والتي تشددها عام بعد عام مجاراة لما يستحدثه الطلاب من وسائل وآليات للغش، بتكلفة تفوق المليار جنيه سنوياً، في محاولة لضبط الامتحانات وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب.
كرست الدولة المصرية هذا العام أيضاً مليارات الجنيهات لتأمين اللجان ومراقبة طلاب الثانوية العامة وضمان عدم تسريب الامتحانات، على الرغم من أن نداء إصلاح نظام التعليم بأكمله منذ سنوات للخروج ببدائل لا تفتقر للعدالة لا تزال تمضي من دون اهتمام، فما الذي تغيره الكاميرات؟
هذا العام، واصلت وزارة التربية والتعليم مساعيها التي بدأتها في 2021، لنشر تقنية الـVAR داخل لجان الثانوية العامة، وهي عبارة عن كاميرات مراقبة مثبتة داخل اللجان الامتحانية ومتصلة بشاشات داخل غرف لمراقبة سلوك كل من الطالب والمراقب، بحيث يمكن ضبط حالة الغش فور وقوعها والتعامل معها وفق ما يقرره القانون، ولم تعلن الوزارة رسمياً إلى الآن عن تكلفة منظومة المراقبة الموسعة.
"قط وفأر"... سنوات من ملاحقة الغش الإلكتروني
كان عام 2016 هو عام التسريب العظيم لامتحانات الثانوية العامة في مصر، وظهور الغش الإلكتروني بشكل واسع وعلني على يد مجموعات "شاومينج"، ففي ذلك العام كانت وزارة التربية والتعليم تُفاجأ بحصول الطلاب على أسئلة الامتحان وإجاباته من خلال وسائل التواصل الاجتماعي قبل موعد الامتحان الرسمي بساعات، حتى أنها اضطرت في بعض المواد للاستعانة بالامتحان البديل بعد تسريب الامتحان الأصلي، وإلغاء امتحان مواد أخرى بعدما أداها الطلاب، وإعادتها في وقت لاحق.
لجأت وزارة التربية والتعليم لشراء "عصيّ إلكترونية" وصل عددها هذا العام الدراسي 2022/2023، إلى 13 ألف عصا، لتفتيش الطلاب بحثاً عن الأجهزة الإلكترونية بحوزتهم، وتم طباعة كراسات الأسئلة بطريقة لا تسمح بحصول طالبين متتاليين على نفس النموذج الامتحاني
كان ذاك العام بداية لاتخاذ إجراءات سيطرة يتم تشديدها عام تلو الآخر، نجحت أخيراً في وقف التسريب لكنها لم تقض بعد على عمليات تداول الامتحان عبر صفحات التواصل الاجتماعي بعد بدء وقت الإجابة، فبدأ الأمر بتحويل ورقة أسئلة الامتحان إلى "بوكليت" مكون من عدة صفحات ويتضمن الأسئلة ومساحات للإجابة، بشكل يصعّب أمر التصوير على الطلاب الذين يحاولون الغش، فقبل ذلك كان يكفي لقطة أو لقطتين ليكون الامتحان متداول على صفحات التواصل الاجتماعي، لكن ماذا إذا كانت كراسة الأسئلة مكونة من 10 صفحات على الأقل؟ إلا أن هذا الأمر كان من شأنه زيادة تكلفة الامتحانات.
إلى جانب ذلك، تولت جهة سيادية بالدولة طباعة كراسات الأسئلة بدلاً من مطابع وزارة التعليم، وتأمين توصيلها لمراكز التوزيع، وهنا تتشارك وزارتا الداخلية والدفاع في عملية توصيل الأسئلة للجان سير الامتحانات -تتولى وزارة الدفاع التوصيل للمناطق النائية والحدودية كمحافظة شمال سيناء- ثم إعادتها مرة أخرى إلى مراكز التصحيح.
ليس هذا وحسب، بل لجأت وزارة التربية والتعليم لشراء "عصيّ إلكترونية" وصل عددها هذا العام الدراسي 2022/2023، إلى 13 ألف عصا؛ لتفتيش الطلاب بحثاً عن الأجهزة الإلكترونية بحوزتهم، هذا إلى جانب العديد من الإجراءات الأخرى منها: طباعة كراسات الأسئلة في 4 نماذج امتحانية تتفق من حيث الأسئلة وتختلف من حيث ترتيبها، وتوزيعها على الطلاب بطريقة خاصة لا تسمح بحصول طالبين متتاليين على نفس النموذج الامتحاني، ووضع العديد من الأكواد على كراسات الأسئلة بواسطتها يمكن الوصول إلى الطالب الذي يقوم بتصوير أجزاء من الامتحان.
وفي عام 2018 أصدرت وزارة التربية والتعليم، قراراً وزارياً بشأن تنظيم أحوال إلغاء الامتحان أو الحرمان منه، وعممته على جميع المراحل الدراسية، لكن الهدف منه كان تشديد عقوبات طلاب الثانوية العامة الذين يخلون بنظام الامتحان، ووصلت العقوبات بهذا القانون لإلغاء الامتحان في مادة أو جميع المواد لدور أو دورين متتاليين، عقاباً على محاولات الغش.
في العام الدراسي 2022/2023، بدأت شكاوى تصل لوزارة التربية والتعليم حول علاقة عمال حراسة اللجان الامتحانية بالغش، إذ يتعرف عليهم الطلاب ويتركون لديهم أجهزتهم الإلكترونية ليلاً، ليتسلموها منهم نهاراً داخل اللجان الامتحانية بعد المرور من اختبار العصا الإلكترونية
أما في عام 2020، أصدر مجلس النواب المصري القانون رقم 205 بشأن مكافحة الغش والإخلال بأعمال الامتحانات، والذي تناول في مواده جميع أطراف العملية الامتحانية الذين قد يساهمون في عمليات الغش سواء داخل اللجان أو خارجها، ووصلت عقوبات هذا القانون للحبس مدد تصل إلى 7 سنوات، وغرامات تصل إلى 200 ألف جنيه، حسب الحالة (تمكن من الغش- شروع دون تمكن- حيازة أدوات تساعد على الغش).
وبعد تطبيق نظام الثانوية المعدل القائم على قياس مستويات الفهم لدى الطلاب، ويعقد بنظام الـOpen book، في ثانوية عام 2020/2021، سمحت وزارة التربية والتعليم للطلاب بدخول اللجان بالكتب المدرسية للاستعانة بها في الإجابة على الأسئلة، لكنها فوجئت بالطلاب يدونون ملاحظات داخل الكتب، ويضعون مذكرات داخل غلاف الكتاب المدرسي، فقررت في العام التالي، طباعة كتيب للمفاهيم، يضم أبرز المفاهيم والقوانين والخرائط التي قد يحتاجها الطلاب في الامتحان، تسلمها لهم وتعيد تجميعها في كل امتحان.
هذا العام الدراسي 2022/2023، بدأت شكاوى تصل لوزارة التربية والتعليم حول علاقة عمال حراسة اللجان الامتحانية بالغش، إذ يتعرف عليهم الطلاب ويتركون لديهم أجهزتهم الإلكترونية ليلاً، ليتسلموها منهم نهاراً داخل اللجان الامتحانية بعد المرور من اختبار العصا الإلكترونية، ما دفع وزير التربية والتعليم، الدكتور رضا حجازي، للتوجيه بإعادة تدوير عمال اللجان داخل الإدارات التعليمية، وتفتيش الطلاب بالعصا الإلكترونية ثلاثة مرات، إحداهما قبل دخول لجنة سير الامتحان، والثانية داخل الفصل الامتحاني وقبل بدء زمن الإجابة والثالثة بعد مرور نصف ساعة على بدء الامتحان.
كما أقر الوزير تقنية الـVAR، رغم أن الوزارة كانت تستعين بكاميرات المراقبة من قبل، إلا أن هذه التقنية تضمن توثيق عمليات الغش واتخاذ الإجراءات ضدها فور وقوعها ودون انتظار نقل الأخبار بين القنوات المسؤولة بالوزارة.
إلى جانب هذا يتم الاستعلام عن المشاركين في أعمال امتحانات الثانوية العامة، واستبعاد من لهم صلة قرابة بطلاب في الصف الثالث الثانوي حتى الدرجتين الثالثة والرابعة.
كل هذا يطبق على لجان عامة الشعب، أما لجان "أولاد الأكابر" في بعض مراكز بعض المحافظات فكان لها إجراءات خاصة، إذ يمكن تعريف هذا المصطلح بأنها تلك اللجان التي تتواجد في أماكن لتجمع العائلات، ويتعمد الطلاب التحويل بالصف الثالث الثانوي إلى مدارس بعينها في تلك المراكز، لعمل تجمعات في اللجان الامتحانية، تسهل لهم إحداث أعمال الشغب والغش الجماعي بمساعدة الأهالي، حتى إنه في بعض الأعوام حصل أعداد من الطلاب من عائلات شهيرة على درجات متقاربة ومرتفعة للغاية.
وفي كل عام تتخذ وزارة التربية والتعليم إجراءات تحول دون تواجد تلك اللجان، فتارة تمنع التحويل للصف الثالث الثانوي من خارج المحافظة، وتارة تشكل لجنة مركزية داخل الوزارة لفحص طلبات التحويل، وتارة ثالثة تشتت أرقام جلوس الطلاب أصحاب طلبات التحويل بين اللجان بالإدارات المختلفة، ورابعة تمنع عقد لجان امتحانية في أي لجنة شهدت شغب أو غش جماعي في أعوام سابقة، لكن دائما يكون للطلاب حيلة جديدة للغش.
تحول الغش في بعض الأماكن -خاصة خارج القاهرة- لثقافة متراكمة ليس لدى الطالب وحسب بل لولي أمره الذي يساعده على الغش سواء كما يحدث بلجان أولاد الأكابر، أو بدفع الرشاوى لعديمي الضمير لتسهيل دخول أدوات الغش الإلكتروني إلى داخل اللجان
لماذا يستمر الغش في الثانوية العامة؟
تتحفظ وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني هذا العام، عند الإدلاء ببيانات تخص حالات الغش المضبوطة على مستوى الجمهورية، وتلتزم التصريح بأن "لجان أولاد الأكابر" لم يعد لها وجود في امتحانات الثانوية العامة، وتكتفي بإصدار تقرير غرفة العمليات المركزية بعد كل امتحان تكشف فيه عن حالات الغش التي تم ضبطها خلال الامتحان، والتي وصلت في أقصاها إلى 5 حالات بامتحان مادة اللغة العربية، إلا أن هذا التقرير يصدر فور انتهاء زمن الامتحان وقبل تجميع أعداد حالات الغش التي رصدتها غرف العمليات بالإدارات والمديريات التعليمية خارج العاصمة.
لكن في ذات الوقت، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً، وشهادات تشير إلى أن الأعداد الحقيقية أعلى مما تعلنه الوزارة بعد انتهاء كل امتحان، ولهذا تواصل رصيف22، مع مسؤول سابق- رفض ذكر اسمه- بامتحانات الثانوية العامة لشرح ماذا يحدث بالامتحانات.
رغم أن وزارة التربية والتعليم لم تفصح عن تكلفة امتحانات الثانوية العامة هذا العام، إلا أنها خلال العام الماضي 2022، وصلت إلى 2 مليار جنيه
يرجع المسؤول سبب استمرار الغش بالامتحانات رغم كل الإجراءات التي تتخذها الجهات المختلفة في الدولة إلى عدة أسباب، أولها أن الغش تحول في بعض الأماكن -خاصة خارج القاهرة- لثقافة متراكمة ليس لدى الطالب وحسب بل لولي أمره الذي يساعده على الغش سواء كما يحدث بلجان أولاد الأكابر، أو بدفع الرشاوى لعديمي الضمير لتسهيل دخول أدوات الغش الإلكتروني إلى داخل اللجان: "الطالب بيعتبر إن ده حقه، وولي أمره مش عنده الوازع اللي يخليه يدرك إنه بالغش بيحط ابنه في مكانة مايستاهلهاش".
وأضاف أن الغش بالثانوية العامة، هو نتاج للغش بالسنوات السابقة عليها، فالغش موجود مع بداية الامتحانات في الصف الرابع الابتدائي: "إزاي تيجي لطالب بينجح كل سنة بأسهل طريقة وبيغش من رابعة ابتدائي وبتقوله ماتغشش في أهم سنة؟"، لكنه أشار إلى أن تكلفة تأمين الامتحانات كبيرة للغاية إذا ما حاولت الوزارة تطبيقها على مختلف مراحل التعليم.
ورغم أن وزارة التربية والتعليم لم تفصح عن تكلفة امتحانات الثانوية العامة هذا العام، إلا أنها خلال العام الماضي 2022، وصلت إلى 2 مليار جنيه، حيث وجهت آمال عبد الحميد، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، سؤالاً برلمانياً، إلى وزير التريبة والتعليم آنذاك طارق شوقي، بشأن تخصيص 2 ميار جنيه تكلفة إجراء امتحانات الثانوية العامة التي تستمر لمدة 20 يوماً فقط!
وما يؤكد على وجود الغش في السنوات السابقة للثانوية العامة، ما شهدته امتحانات الشهادة الإعدادية هذا العام من تسريب للامتحانات، حتى أصدر الدكتور رضا حجازي، وزير التربية والتعليم قراراً بتحويل امتحاناتها إلى نظام "البوكليت" - دمج الأسئلة ومساحات الإجابة في كراسة امتحانية متعددة الصفحات- لتصعيب تصويرها، اعتباراً من العام المقبل.
تحويل نظام امتحانات الثانوية العامة لأسئلة اختيار من متعدد في معظمها يجاب عنها بطريقة "البابل شيت"، سهل أمر الغش، إذ بات من الممكن لطالب الحصول على الإجابات في نهاية زمن الامتحان والنجاح
"ولاد الأكابر" يجدون حلولاً
أما السبب الثاني لاستمرار الغش، هو أن "الطالب دائماً يسبق الوزارة بخطوة"، فما تفعله الوزارة في كل عام مجرد سد للثغرات التي يحدثها الطلاب في نظام تأمين الامتحانات، لكنها لا تتخذ حلولاً استباقية، فيقول المسؤول: "عملنا البوكليت بعد التسريب، السنة اللي بعدها الطلبة بقوا يدخلوا بأجهزة غريبة علينا، لدرجة إننا كنا أول مرة نكتشف جهاز إلكتروني على شكل الفيزا بيساعد على الغش، وبعدين ظهرت تطبيقات التليجرام والطلبة بالتأكيد أشطر من الوزارة بمراحل في استخدامها".
كذلك في لجان أولاد الأكابر، قال المسؤول إنه بعدما منعت الوزارة عقد امتحانات في لجان شهدت شغب خلال الأعوام الماضية، وأوقفت التحويلات للصف الثالث الثانوي، ابتكر الطلاب هذا العام حيلة جديدة، إذ باتوا يحولون داخل الإدارة التعليمية في ذات المحافظة، وعلى غير المألوف، كان التحويل من مدارس حكومية لخاصة، لضمان التكتل في لجان جديدة، خلاف المعروفة مسبقاً لدى الوزارة، تقع تحت سيطرة الأهالي، ولا يمكن لأفراد تأمين أو ملاحظين ردع أعمال الشغب والغش الجماعي: "الوازرة بالفعل بذلت مجهود كبير لكن دايما لسد الثغرات مش القضاء على السبب".
وأشار المصدر المسؤول إلى أن تحويل نظام امتحانات الثانوية العامة لأسئلة اختيار من متعدد في معظمها يجاب عنها بطريقة "البابل شيت"، سهل أمر الغش، إذ بات من الممكن لطالب الحصول على الإجابات في نهاية زمن الامتحان والنجاح: "لما كانت غالبية الأسئلة مقالية كان الطالب أصلاً محتاج وقت للكتابة لكن دلوقتي تظليل الإجابات مش بياخد ثواني".
من أبرز أسباب الغش في مصر، المزاحمة على الفرص بالجامعات، فالدراسات تشير إلى أنه يجب بناء جامعة لكل مليون مواطن، وبالتالي يجب أن يصل عدد الجامعات في مصر إلى 105 جامعات، لكن في الواقع أن لدينا فقط 60 أو 62 جامعة ومركزي بحثي
ويرى المسؤول أنه من الضروري تكاتف وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والجهات المعنية، للبحث عن سبل تربوية لإنهاء "بعبع الثانوية العامة" كما يسميها المصريون، كإعادة نظام التحسين، لإزالة رهبة امتحان الفرصة الواحدة عن الطلاب ما قد يقودهم للغش، أو البحث عن آليات حقيقية وعادلة لنظام القبول بالجامعات بدلاً من التنسيق المعتمد فقط على الدرجات، تجعل الطلاب جميعاً سواسية دون وساطة أو محسوبية أو تدخل للعنصر البشري.
هذا العام الأمور تحت السيطرة
في مقابل الآراء التي تؤكد استمرار الغش رغم الإجراءات الأمنية المكثفة، يؤكد رئيس المركز المصري للحق في التعليم، عبد الحفيظ طايل، إن المركز يشكل مرصد للثانوية العامة هذا العام الدراسي 2022/2023، ولم يتضح له أن الغش تحول إلى ظاهرة، وإنما هو موجود في حدود طبيعية كما هو الحال في جميع البلدان: "كل البلدان فيها حالات غش، لكن في مصر ماتحولش لظاهرة تخلينا نتهم المجتمع بإنه غشاش، وممكن يكون تهويل الناس من حالات الغش المضبوطة نتيجة الخوف على الطلاب والرغبة في امتحانات منضبطة بنسبة 100%".
وأشار في تصريحات لرصيف22، إلى أن من أبرز أسباب الغش في مصر، المزاحمة على الفرص بالجامعات، فالدراسات تشير إلى أنه يجب بناء جامعة لكل مليون مواطن، وبالتالي يجب أن يصل عدد الجامعات في مصر إلى 105 جامعات، لكن في الواقع أن لدينا فقط 60 أو 62 جامعة ومركزي بحثي، أي نصف العدد المطلوب تقريبا: "والثانوية العامة اللي بيدخلها أكثر من 700 ألف طالب سنوياً، هي البوابة الوحيدة لأبناء مصر من الفقراء للالتحاق بالجامعة، والزحام على الفرص المحدودة بالمقاعد الجامعية خاصة المجانية، سبب انتشار أخلاقيات الغش".
أما الظاهرة الثانية المتسببة في تواجد الغش، هي ظاهرة كليات القمة، إذ يصنف المصريون التخصصات العلمية لكليات قمة وقاع، وفق التمييز الذي يخلقه نظام تنسيق القبول بالجامعات بين الكليات المختلفة بناءً على الدرجات: "علشان كدا الناس عايزة الدرجات العالية".
تتفق نائب رئيس جامعة المنصورة الأسبق وعضو لجنة التعليم بمجلس النواب سابقاً، ماجدة نصر، مع طائل، إذ تؤكد أن وزارة التربية والتعليم نجحت هذا العام في تحجيم حالات الغش، وحتى الآن الأعداد المعلنة في الإطار الطبيعي الموجود في كل مكان يف العالم: "صعب جداً نقضي على الغش بنسبة 100%، صحيح إن المعدلات المعلنة ليست نهائية ولا يزال هناك تقريراً شاملاً تعلنه وزارة التعليم بعد انتهاء الامتحانات، لكن المعلن لا يزال في الحدود الطبيعية، وذلك بفضل الإجراءات التي اتخذتها وزارة التعليم وأهمها الاستعانة بتقنية الـvar باللجان".
وترى نصر أن ما ينقص امتحانات الثانوية العامة هذا العام، هو تطبيق القانون والقرار الوزاري المنظمان للإخلال بنظام الامتحانات بشكل حاسم على كل من الطلاب والمراقبين والأطراف الأخرى خارج اللجنة الامتحانية، تحقيقاً لتكافؤ الفرص بين الطلاب.
هناك الكثير من الأسباب التي تجعل من الصعب مواجهة الغش بشكل كامل، أهمها وجود فجوة عمرية كبيرة بين الطلاب والمعلمين، فالطالب صاحب الـ17 سنة يعلمه ويراقب عليه معلم عمره يقارب الـ50، لا يعرف عن التكنولوجيا بقدر علم الطالب
حان وقت الحلول التربوية
بدوره أكد أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، تامر شوقي، أن الحلول الأمنية لمكافحة الغش لم تؤت ثمارها بشكل كافٍ كما أنها عالية التكلفة، وحان الوقت للبحث عن حلول تربوية، أهمها الاهتمام بمنهج القيم والأخلاق لخلق وازع أخلاقي لدى الطلاب يمنعهم من الغش حتى إذا كان متاحاً أمامهم، والبحث عن بدائل لفكرة امتحان الفرصة الواحدة الموحد على مستوى الجمهورية: "الوزارة بتطبع الامتحان في نماذج تختلف في ترتيب الأسئلة، لكن الأصح إنها تعمل امتحانات مختلفة في نوعية الأسئلة، ويضمن تساويها في درجة الصعوبة، بنك الأسئلة القادر على سحب امتحانات مختلفة ذات مستوى صعوبة واحد، لإن الطالب في امتحان الفرصة الواحدة بيكون قتيل الفرصة دي لو حس إن الامتحان صعب بيصدر عنه سلوكيات سلبية علشان يحصل أكبر قدر من الدرجات".
وقبل أعوام، اقترح الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم السابق، تحويل الثانوية العامة من نظام السنة الواحدة لنظام السنوات الثلاث (تراكمي) يؤدي خلالها الطلاب 12 امتحاناً تحتسب لهم درجات أعلى 6 امتحانات منها، لكن أولياء الأمور عارضوا هذا المقترح، مشيرين إلى أن نظام التراكمي يزيد الضغط المادي الذي تنفقه الأسر على الدروس الخصوصية من عام واحد إلى ثلاثة أعوام، ولن يحل أزمة "بعبع الثانوية العامة".
وأرجع تامر شوقي سبب استمرار الغش إلى اهتمام الأسر بحصول أبنائهم على أعلى الدرجات سواء بطريقة مشروعة أو غير مشروعة، سواء للحصول على لقب "متفوق" أو حجز مقعد في إحدى الكليات المعروفة بـ"القمة" والهروب من الجامعات الخاصة عالية التكلفة.
وأشار إلى أن هناك الكثير من الأسباب التي تجعل من الصعب مواجهة الغش بشكل كامل، أهمها وجود فجوة عمرية كبيرة بين الطلاب والمعلمين: "وزارة التربية والتعليم توقفت عن تكليف المعلمين منذ عام 1999، ومن يخرج على المعاش لا يدخل مكانه أحد خاصة في المرحلة الثانوية، وبالتالي فإن الطالب صاحب الـ17 سنة يعلمه ويراقب عليه معلم عمره يقارب الـ50، لا يعرف عن التكنولوجيا بقدر علم الطالب، كما أن الظروف التي يعمل بها المعلمين شاقة، والمقابل المادي لمراقبة الامتحانات غير مرضٍ، إضافة لتهالك المدارس وغياب الأجهزة التكنولوجية القادرة على التشويش على اللجان خلال فترة الامتحان وبمقدور وزارة الاتصالات توفيرها".
ورغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كلف خلال العام الماضي، بإجراء مسابقة لتعيين 150 ألف معلم خلال 5 سنوات، بواقع 30 ألف معلم كل عام، ولا تزال إجراءات تعيين الدفعة الأولى منهم قيد التنفيذ، إلا أن عجز المعلمين لا يزال يدور حول 500 ألف معلم.
وكان طارق شوقي، وزير التربية والتعليم السابق أكد أن الغش آفة مجتمعية مؤسفة ويحتاج علاجها الحقيقي لما هو أهم وأبقى من كاميرات المراقبة والجنود المدججين بالسلاح، إذ يحتاج إلى وعي مجتمعي عميق بمساعدة أولياء الأمور وتوعية إعلامية وصحوة أخلاقية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...