بدا فرح يشوبه بعض القلق واضحاً على وجه "إنريكو دي انجيليس" الباحث الإيطالي المتخصص بالإعلام العربي، أحد مؤسسي منصة "سيريا أنتولد/ حكاية ما انحكت" والفنانة "زينة العبدالله" وهما يستقبلان زوار حفل ولادة منصتهما الجديدة "مينا" في نادي الجاز "كوازيمودو" في برلين في 16 حزيران/ يونيو، بعد مخاض عسير دام أكثر من عام توجب عليهما خلاله تجاوز الكثير من العقوبات البيروقراطية والتنظيمية، كان آخرها إيجاد صالة لعرض الافتتاح، وهو ما حصل بالتعاون مع مهرجان صوت.
الصحفي أنريكو دي أنجيليس، والفنانة زينة العبدلله، مؤسسا منصة مينا. تصوير سيمون ديتيل
وتقدم منظمة "سيريا أنتولد/حكاية ما انحكت" الصحفية، منصة "مينا"،المستوحاة من كلمة ميناء، على أنه مشروع هادف إلى دعم الفنانين/ات ومنتجي الأعمال الثقافية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عبر الترويج لأعمالهم وعرضها افتراضياً على موقعها الإلكتروني ومن خلال معارض دورية في برلين ومدن أخرى، على أن يقدم المشروع بحد ذاته دعماً للإنتاج الصحفي ل “حكاية ما انحكت".
لاحظ الصحفي "إنريكو دي أنجيليس" خلال متابعته لنشاط الفنانين/ات من الشرق الأوسط أنهم يتساءلون عن مكان يبيعون فيه أعمالهم الفنية، وعند إجرائه بحثاً لم يجد مشاريع مشابهة، فواتته الفكرة وبعدها التقى شريكته في المشروع الفنانة زينة العبدالله، التي اعتبرته المشروع الحلم
وتضم قائمة الفنانين/ات تسعة عاملين في مجال الفنون البصرية، وفي لقاء مع رصيف22 بعد أيام من الافتتاح، تحدث إنريكو عمّا ألهمه للبدء بالعمل على المشروع، موضحاً أنهم ركزوا في "سيريا أنتولد" منذ البداية على تسليط الضوء على المنتجين الثقافين الذين ظهروا خلال الثورة السورية، ولاحظ قبل عامين خلال متابعته لنشاط الفنانين/ات أنهم يتساءلون عن مكان يستطيعون من خلاله بيع أعمالهم الفنية، وصادف أيضاً أناساً يريدون اقتناء أعمال لفنانين/ات من الشرق الأوسط، وعند إجرائه بحثاً لم يجد مشاريع متخصصة بذلك، فواتته الفكرة واستطاع الحصول على ميزانية صغيرة من ممول ليبدأ المشروع فحسب، وبعد بحث طويل عن شركاء مناسبين للمشروع التقى شريكته الحالية في المشروع زينة العبدالله، التي رحبت بالفكرة، معتبرة إياه المشروع الحلم.
افتتاح "مينا آرت غاليري" في برلين، تصوير سيمون ديتيل
وأكد إنريكو على استقلالية مشروع "مينا"، وحرصهم على أن يستطيع تمويل نفسه بنفسه، متأملاً أن يحققوا ربحاً يدعم أعمال منصة "سيريا أنتولد" ويطور منصة "مينا"، فالمشروع ليس ربحياً وسيبقى كذلك، وهو لم يؤسس لكي يدعم "سيريا أنتولد" فقط.
فيما لفتت زينة إلى أن الفكرة تقوم على تأسيس منصة تتعامل فيها كفنانة مع فنانين/ات، تعرف مسبقاً معاناتهم في التعامل مع صالات العرض، من نواح متعددة، لعل أبرزها اقتطاع نسبة أرباح كبيرة تصل إلى 60٪، فيما ستكون نسبتهم 35٪، مشيرة إلى أن تواجدها مسبقاً في الوسط الفني ساعدها في التواصل مع الفنانين/ات القادمين من الشرق الأوسط، ودفعهم للإقبال بحماس على المشاركة في المشروع.
تؤكد الفنانة زينة العبدلله على أن الفكرة تقوم على تأسيس منصة تتعامل فيها "كفنانة" مع فنانين/ات، تعرف مسبقاً معاناتهم في التعامل مع صالات العرض.
وفيما إذا كانت لديهم معايير لضم الفنانين/ات للمشروع، تؤكد حرصهما على رفع القيود التي تضعها صالات العرض الكبيرة أمام الفنانين/ات، باشتراط أن يكونوا من الأسماء الراسخة في السوق، وأن يكونوا من خريجي كليات الفنون، فيما يتخذان في "مينا"، نوعية الأعمال الفنية كمعيار لا الخبرة في القطاع، ويستعينان بمستشار فني ليقيم الأعمال ويضع لها ثمناً وفقاً لمعايير عدة. ويأمل إنريكو أن يحافظوا على المزيج الحالي بين فنانين راسخين في السوق وآخرين صاعدين.
ويؤكد المؤسسان على أنهما يتعاملان مع الفنانين/ات كعائلة، ويحرصان على التعامل بشفافية معهم فيما يخص وضع المشروع، لذا لديهما ذاك الصبر المطلوب و والاستعداد والصبر لانتظار أن يكبر المشروع شيئاً فشيئاً، فهو المشروع الذي يدركان أن له إمكانية كامنة، خاصة وأن العقود لا تنص على أنهما أصحاب الحق الحصري في تسويق الأعمال، بل بعض الأعمال يستطيع الفنانون/ات بيعها بشكل مستقل أيضاً.
ورغم أن نجاح المشروع من عدمه وارد كشأن أي مشروع آخر، يبدو إنريكو متفائلاً ومؤمناً بإمكانية نجاحه، وتقديمه دعماً مادياً إجمالياً للفنانين/ات، وإن كان صغيراً في البداية، مؤكداً أن الفنانين/ات لن يخسروا شيئاً من المشاركة في المشروع.
افتتاح "مينا آرت غاليري" في برلين، تصوير سيمون ديتيل
وهو ما أكد عليه فنانان حضرا حفل افتتاح المنصة في برلين، حيث تحدثت الفنانة السورية البصرية "ديمة نشاوي"، المقيمة في بيروت، لرصيف22 عن كونها تجربة ليس فيها خسارات، بل على العكس، ستعرف المنصة الإلكترونية الناس خارج دائرتها الاجتماعية في المنطقة العربية، على أعمالها، مشيرة إلى علاقة عمل واحترام متبادل مع مؤسسي المشروع وتعاون مسبق دفعها للمشاركة.
تعتبر الفنانة السورية "ديمة نشاوي"، التي شاركت في معارض جماعية في عدة دول، أنها كفنانة مضطرة للقيام بمهام مختلفة كالرسم والترويج للأعمال على وسائل التواصل الاجتماعي والبيع أيضاً، معتبرة ما سيقوم به "مينا" تخفيفاً للأعباء الملقاة على عاتق الفنانين
وأوضحت ديمة، التي شاركت في معارض جماعية في عدة دول، أن الفنان/ة مضطرة لتجريب الكسب في كل المجالات، والقيام بمهام مختلفة كالرسم والترويج للأعمال على وسائل التواصل الاجتماعي والبيع عبرها، معتبرة ما سيقوم به "مينا" تخفيفاً للأعباء الملقاة على عاتقها فيما يخص إحدى الأعمال التي تقوم بها كفنانة.
وأكد الفنان عبدالرزاق شبلوط، المقيم في برلين، في لقاء مع رصيف22 على هامش الافتتاح أيضاً، على أنها تجربة لا يتوجب عليه أن يخشى الخسارة بخوضها، فلوحاته ستبقى عنده، مرجعاً انضمامه للمشروع إلى معرفته السابقة بمؤسسيه وإعجابه بكتابات الصحفي عمار المأمون، الذي يشارك في كتابة سكريبت اللوحات بطريقة جميلة ومنصفة، حسب توصيفه.
افتتاح "مينا آرت غاليري" في برلين، تصوير سيمون ديتيل
واعتبر نفسه من الفنانين الذين لا يجيدون الترويج لأنفسهم وأعمالهم، وهي مهمة تعهد القائمون على هذا المشروع بالقيام بها الآن، مشيراً إلى أنه لم يستطع سابقاً كفنانين آخرين التواصل مع معارض في ألمانيا، "تتبنى" عادة الفنان وتروج له ولأعماله، وهذه هي المرة الأولى التي يوقع فيها عقداً مع معرض.
وتمنى عبدالرزاق أن يمضي المشروع بأسرع مما كان عليه في التحضيرات، الأمر الذي فسره المؤسسان بقلة الموارد البشرية وتعقيدات بيروقراطية وأخرى متعلقة بإنشاء متجر إلكتروني.
ويعد مؤسسا المشروع الفنانين/ات بتوسعة نطاق الوصول للجمهور بوسائل متعددة، منها تسويق نسخ (مع أو بدون توقيع) من الأعمال الأصلية التي تباع عادة بثمن مرتفع، لا يستطيع الجميع دفعه، وكذلك ببيع منتجات يطبعون عليها أعمالهم، كالحقائب أو التي شيرت، بسعر معقول. كذلك عبر التواصل مع مساحات ثقافية بغرض عرض الأعمال على أرض الواقع أيضاً.
ويذكر انريكو بأن المشروع قد بدأ بتمويل صغير، وبأن لديهم استراتيجيات للعمل، وهي بحاجة إلى تمويل أكثر لتنفيذها، كتنظيم معارض والوصول إلى مقاه ثقافية، ومن يقتنون الأعمال الفنية الباهظة الثمن، وأمور أخرى لها علاقة بالتسويق والإعلان، موضحاً أنهم يريدون الحصول على تمويلات صغيرة ومن بعدها المتابعة خطوة فخطوة.
ويؤكد على أن زميلته زينة، التي حصلت على منحة فنية لمدة عام من حكومة ولاية برلين، تقف وراء انجاز غالبية المهام في المشروع، من تصميم الموقع ووضع هوية بصرية، والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى التواصل مع الإعلام، فيما يتولى هو جزءاً يسيراً من العمل، كما يتلقون مساهمات من الفنان خالد بركة، كمستشار فني، ومن الصحفي عمار المأمون كمحرر.
ويعلم المؤسسان أن أمامهما تحديات كثيرة، ليس أقلها التجاوب مع طلبات الشراء والشحن من بلد إلى آخر، في ظل الإمكانيات المتواضعة المتوافرة حالياً، الأمر الذي يدفعهما إلى الحرص على عدم الإقدام على خطوات ليسا جاهزين للتعامل مع تبعاتها، كالإعلان على نطاق واسع ثم عدم القدرة على التجاوب مع الطلبات وشحنها لعدم كفاية الموارد البشرية المتوافرة حالياً، ما قد يخلق إحباطاً عند الراغبين/ات في اقتناء الأعمال الفنية أو المنتجات.
افتتاح "مينا آرت غاليري" في برلين، تصوير سيمون ديتيل
وعن حاجة هكذا مشروع إلى امتلاك علاقات واسعة في السوق وخبرة في التسويق، يرى إنريكو أن المشروع صغير للغاية، وهو نمط شائع في أوروبا، مذكراً بأنهم كانوا ليعينوا خبير تسويق لو توفرت ميزانية كبيرة تبلغ مئات الآلاف من اليوروهات، مستدركاً بأنهم ليسوا بحاجة إلى ذلك الآن، بل أكثر من ذلك إلى الوقت والتشبيك في الوسط الفني.
وتتفق زينة مع زميلها على أنهم واعون في منصة"مينا" لافتقارهم لخبرات معينة في التسويق، لا يمكنهم تغطيتها مهما بذلوا من جهد، معبرة عن أملها في الوصول بالمشروع لمكان يستطيعون فيه توظيف مختص ينقل المشروع إلى مستوى آخر.
وترى زينة في تحقيق هدفهم المرجو حالياً، وهو ضمان استدامة "مينا" بحلول نهاية العام واستغنائهم عن الدعم الحكومي، نقطة انطلاقة نحو تطوير المشروع وتوسعة الفريق ليصبح متكاملاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...