تُعرف مجموعة التخطيط التابعة للتحالف الدولي للنفايات الصفرية مبدأ "صفر نفايات"، على أنه الحفاظ على جميع الموارد عن طريق الإنتاج والاستهلاك وإعادة الاستخدام والاستعادة المسؤولة للمنتجات والمواد دون تصريفات في الأرض أو المياه أو الهواء، والتي بإمكانها أن تشكل تهديداً على البيئة أو على صحة الإنسان.
أما الهدف من هذا المبدأ فهو بيئي وأخلاقي واقتصادي، لإرشاد الناس من أجل تغيير أنماط حياتهم وممارساتهم لمحاكاة الدورات الطبيعية المستدامة، من خلال تصميم جميع المواد المهملة لتصبح موارد يمكن أن يستخدمها الآخرون.
وتشير تقارير للأمم المتحدة إلى أن قطاع النفايات يساهم بشكل كبير في أزمة الكواكب الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث. إذ تنتج البشرية ما يقدر بنحو 2.24 مليار طن من النفايات الصلبة سنوياً، منها 55 في المائة فقط تتم إدارتها في مرافق خاضعة للرقابة. وفي كل عام، يُفقد أو يُهدر حوالى 930 مليون طن من الطعام، ويدخل ما يصل إلى 14 مليون طن من النفايات البلاستيكية إلى النظم الإيكولوجية المائية.
قطاع النفايات يساهم بشكل كبير في أزمة الكواكب المتمثلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث.
لا بد أيضاً من التذكير بالآثار الضارة الذي يتركها التخلص غير السليم من النفايات على التربة والهواء والمياه، بحسب تقرير أعدته منظمة الصحة العالمية:
- معالجة النفايات بطرق غير آمنة مثل الحرق في الهواء بشكل مباشر تضر بعمال النفايات أو الأشخاص الآخرين المشاركين والمجتمعات المجاورة.
- جمع النفايات الضعيف يساهم في التلوث البيئي ويمكن أن يسد مصارف المياه.
- مساهمة الفيضانات والمياه الراكدة الأخرى في مواد النفايات تزيد من نسب الكوليرا والأمراض المنقولة مثل الملاريا وحمى الضنك.
- التعرض للنفايات الإلكترونية التي تدار بشكل غير صحيح يساهم في العديد من الآثار السلبية على الصحة والنمو خاصةً عند الأطفال الصغار، وينتج العالم سنوياً قرابة 54 مليون طن من النفايات الإلكترونية مثل أجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر والهواتف، مع زيادة متوقعة إلى 75 مليون طن بحلول عام 2030. وفي عام 2019 وثقت ما نسبته 73٪ من النفايات الإلكترونية التي لم يتم تدويرها وتصريفها بالشكل الصحيح.
التعامل مع النفايات البلاستيكية
للمساهمة بمبدأ صفر نفايات، أطلقت دول عربية عدة مبادرات، ترتكز بشكل رئيسي على مبدأ إعادة التدوير، ومن ضمن هذه الدول: المغرب والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر والأردن.
وعن تجربة المغرب في الالتزام بمبدأ صفر نفايات والانتقال نحو اقتصاد أخضر، يتحدث الدكتور يوسف الكمري الذي التقاه رصيف22 على هامش المنتدى البيئي الذي نظمته شبكة بيئة أبو ظبي مطلع حزيران/ يونيو الحالي، عن مجموعة من الإجراءات، أهمها إصدار التشريعات التي تحظر النفايات البلاستيكية، وفرض غرامة مالية باهظة على البلاستيك بغية تشجيع إعادة التدوير، وإنشاء صندوق يقدم الدعم المادي للشركات التي تعيد تدوير البلاستيك.
إلى جانب ذلك عمل المغرب على إطلاق برامج توعوية بهدف تذكير الناس بأضرار النفايات البلاستيكية وحثهم على تغيير سلوكياتهم ودعوتهم لممارسات أكثر استدامة، تعتمد بشكل رئيسي على فرز البلاستيك لتسهيل عملية إعادة التدوير.
من المهم الاستهلاك الواعي للمواد بهدف الحد من أن تصبح نفايات، لأنها يوم ستتحول إلى نفايات فإن معالجتها ستتطلب حتماً هدراً كبيراً للطاقة والوقت. بالتالي لا بد من تقليل كميات النفايات لأن معالجتها أمر قد يكون باهظ التكلفة جداً
ويشير الكمري، وهو باحث واستشاري في التنمية المستدامة والنوع الاجتماعي، إلى التداعيات الإيجابية التي بدأ المغرب بجنيها من خلال هذا الالتزام وتحديداً على الصعيد البيئي، إذ بدأت المغرب بإطلاق مشاريع ضخمة تتركز على الاقتصاد الأزرق أي القائم على الموارد المائية، مع التخفيف الملحوظ من حدة التلوث البلاستيكي في البحار المغربية.
ومن الإمارات العربية المتحدة تتحدث رئيسة مجموعة عمل الإمارات للبيئة الدكتورة حبيبة المرعشي عن عدة إجراءات لا سيما في التعامل مع النفايات البلاستيكية، ومنها تكوين قاعدة بيانات حول مختلف المواضيع البيئية لا سيما التي تتناول البلاستيك ومشاركتها مع الجمهور والمؤسسات، وتعزيز تبادل المعلومات والخبرات وتحديداً في موضوع النفايات البلاستيكية، والتركيز على إدخال الحلول لا سيما التي تتعامل مع هذا النوع من النفايات في برامج التعليم، وخلق مشاريع لإدارة النفايات وتمويلها.
وأكدت المتحدثة بأن الإجراءات المتبعة في التعامل مع النفايات البلاستيكية لقيت صدى إيجابياً في البيئة الإماراتية، كونها ساهمت بتخفيف 2400 طن من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وبحفظ أكثر من 60 ألف متر مكعب من مساحات مكب النفايات بشكل سنوي.
تساهم المباني الخضرار في تقليل التأثير البيئي السلبي للنفايات لا سيما الخطرة منها.
المباني الخضراء
بحسب المهندس عمر سليم المتخصص في هندسة الأبنية الخضراء، فإن قطر ركزت بهدف الالتزام بمبدأ صفر نفايات على فكرة المباني الخضراء، التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية عن طريق تصميمها وبنائها وتشغيلها بطرق تقلل من تأثيرها البيئي وتحسن جودة الحياة للسكان.
ومن الإجراءات المطبقة في هذه المباني يشير سليم إلى الحد من مخلفات وملوثات البناء من خلال التصميم والتخطيط الفعال، والقيام بنظام لتنفيذ إدارة النفايات في البناء لا سيما من ناحية التشغيل والصيانة، وبث برامج لشرح آلية إعادة التدوير وتحويل النفايات.
ويشير لأهمية هذا النوع من التصميم الذي سيساهم حتماً في تقليل التأثير البيئي السلبي للنفايات في قطر لا سيما الخطرة منها، كونه سيحسن جودة الهواء داخل المباني، وسيوفر في التكاليف من خلال تقليل التخلص من مدافن النفايات، وسيعزز حتماً الاستدامة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
تغيير العادات الاستهلاكية
ومن تركيا التي أطلقت مشروع "صفر نفايات" عام 2017، بهدف مكافحة تأثير النفايات والمخلفات على البيئة وتغيير العادات الاستهلاكية للناس والتعامل مع النفايات من خلال إعادة تدويرها والاستفادة منها بعد فصلها حسب أصنافها من المنبع، تحدث رصيف22 مع الدكتورة والخبيرة البيئية دعاء سليم، والتي أشارت إلى مجموعة إجراءات اتخذتها الحكومة التركية، ومنها قرارات بفرض غرامات مالية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، ولمنع رمي القمامة بشكل عشوائي، والتركيز على تقليل كميات النفايات.
وتلفت إلى أن مبادرة "صفر نفايات" تركز أيضاً على التبغ وتأثيره البيئي في مراحل مختلفة، من الزراعة إلى التخلص من منتجاته، كون كل مرحلة لها عواقب سلبية على البيئة. بالإضافة لذلك، تشكل نفايات منتجات التبغ مساهماً رئيسياً في القمامة العالمية.
وتوضح المتحدثة بأن المبادرة كان لها وقع ممتاز على البيئة التركية، فمثلاً مع حظر البرلمان التركي عام 2019 تداول الأكياس البلاستيكية المجانية، انخفض استخدامها بحدود 70 في المئة، وبالتالي لوحظ في أواخر عام 2019 انخفاض بقرابة 150 ألف طن من البلاستيك ومنع انبعاث 6 آلاف طن من الغازات الدفيئة وفقا للبيانات الحديثة الصادرة عن وزارة البيئة التركية.
الاستهلاك الواعي هو الحل
برأي مغاير قليلاً، تعتبر الدكتورة البيئية نجاة صليبا من الجامعة الأمريكية في بيروت، بأن مبدأ صفر نفايات مبدأ فضفاض وليس شمولياً، فهو يعتمد على إعادة التدوير بالدرجة الأولى، لكن هناك مواد غير قابلة للتدوير، وهناك بعض الدول التي تلجأ لحرق المواد بعد استخدامها، لكن الأمر له آثاره البيئية بسبب الرماد الناتج عن الحرق وكيفية التخلص منه.
الإجراءات المتبعة في التعامل مع النفايات البلاستيكية لقيت صدى إيجابياً في البيئة الإماراتية، كونها ساهمت بتخفيف 2400 طن من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون وبحفظ أكثر من 60 ألف متر مكعب من مساحات مكب النفايات بشكل سنوي.
وتضيف صليبا، التي اختارتها شبكة بي بي سي عام 2019 ضمن قائمة أكثر 100 امرأة ملهمة ومؤثرة، في حديثها لرصيف22: "شخصياً لا أحبذ الوصول لمرحلة التخلص من النفايات سواء إعادة التدوير أو الحرق، وإنما أشدد على الإجراء الإستباقي ومعالجة المشكلة من الجذور من خلال ترشيد استهلاك المواد قبل أن تصبح نفايات من الأساس، على مبدأ الوقاية خير من قنطار علاج".
لذلك توجه نداء بالاستهلاك الواعي للمواد بهدف الحد من أن تصبح نفايات، لأنها يوم ستتحول إلى نفايات فإن معالجتها ستتطلب حتماً هدراً كبيراً للطاقة والوقت. وتؤكد على ضرورة تغيير طريقة التفكير والتعامل بحزم ومسؤولية مع بيئتنا، لا سيما مع الأمور التي تحتاج مثلاً لتغليف وتعليب كالطعام، بهدف تقليل كميات النفايات التي لا حل سوى بمعالجتها، وهو أمر قد يكون باهظ التكلفة جداً.
وتختم: "قد لا نحصد نتائج تغيير طريقة التفكير تجاه البيئة فوراً، ولكن حتماً ستثمر تلك النتائج في المستقبل، علنا نلجأ لمنتوجات لا تولد كماً كبيراً من النفايات، وتصبح تلك المنتوجات جزءاً رئيسياً من نمط حياتنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...