"أتمنى لو تمكنت من تعلم اللغة العربية منذ طفولتي". تقول رانية، 20 سنة، فرنسية من أصول جزائرية، إنها قررت تعلم اللغة العربية بشكل ذاتي.
ولدت رانية لأبوين جزائريين، ورغم أن والدها من مواليد فرنسا أيضاً كان حريصاً على استعمال اللهجة الجزائرية كلغة تواصل أساسية في البيت، "دائماً ما كان والداي يتحدثان معي ومع إخوتي باللهجة الجزائرية رغم إتقانهما الفرنسية، أستطيع فهم كل ما يقال، إلا أنني قليلاً ما أتحدث بهذه اللهجة، أجبر نفسي أحياناً على الحديث أكثر كي أطورها، إلا أنه سرعان ما أنسى وأستعمل الفرنسية". تحكي رانية لرصيف22.
دوافع دينية
لا تستمر رانية باستعمال اللهجة الجزائرية فقط، بل بدأت منذ عامين دراسة اللغة العربية في جامعتها، ضمن دروس تقول إنها لم تمكنها من تعلم الكثير، إذ تقتصر على قراءة النصوص وتعلم القواعد اللغوية، في حين يغيب عنها الجانب التواصلي، "خلال سنتين لم أتعلم الكثير، كان من الممكن أن أتعلم أكثر وبشكل أفضل، كما أن هذه الدروس لا تتيح لي فرصة ممارسة المحادثة بشكل جيد". تقول رانية.
"العربية مهمة جداً، خاصة إذا كنت مسلماً، فعدم إتقانها يعني أن تحضر خطبة الجمعة وتقرأ القرآن دون أن تفهم شيئاً". رانية، 20 سنة، فرنسية من أصول جزائرية
خيبة الأمل التي واجهت رانية بعد سنتين من التعلم، لم تثنها عن الاستمرار في رحلتها نحو إتقان لغة الضاد، إذ بدأت منذ بضعة أشهر التعلم من جديد ومحاولة الحديث مع مجموعة من صديقاتها، كما أنها بدأت تعتمد على مصادر وآليات مختلفة على الإنترنت، من فيديوهات تعليمية على اليوتيوب، وتطبيقات تمكنها من التدرب على الحديث باللغة العربية، من خلال التواصل مع الناطقين بها في إطار التبادل اللغوي. إصرار رانية على تعلم اللغة العربية، والانفتاح على آليات جديدة للتعلم، ينبعان من وعيها بأهمية اللغة العربية بالنسبة لها، خاصة لكونها مسلمة، تقول: "العربية لغة مهمة جداً، خاصة إذا كنت مسلماً، فعدم إتقانها يعني أن تحضر خطبة الجمعة وتقرأ القرآن دون أن تفهم شيئاً".
الجانب الديني أيضاً هو ما يدفع آدم، 20 سنة، لتعلم اللغة العربية. ولد آدم في إنجلترا لأب مصري وأم إيطالية إيرلندية، يقول إن والده الذي ولد في مصر، كان يستعمل بعض الكلمات العربية في البيت، إلا أن العربية واللهجة المصرية لم تكونا حاضرتين في حياته اليومية بشكل كبير، "في طفولتي علمني والدي كيف أصلي وأقرأ بعض السور من القرآن، كما أننا كنا دائماً ما نستمع إلى القرآن في المنزل، والآن أنا أريد أن أتعلم اللغة العربية بشكل جيد بسبب ديني"، يقول آدم لرصيف 22.
جسر تواصل مع الجذور
إضافة إلى الجانب الديني، تعد محاولة الحفاظ على صلة بالجذور العربية من أهم محفزات آدم لتعلم كل من اللهجة المصرية واللغة العربية الفصحى، يقول: "أتعلم العربية لأنني لا أريد أن أفقد ثقافة والدي، ولأنني أرغب في الحديث مع أفراد عائلتي بلغتهم الأصلية، كما أن العربية لغة جميلة، ولا أستطيع تحمل فكرة عدم محاولة تعلمها".
الحافز ذاته جعل باولو ريكاردو فرح، 56 سنة، يحاول لخمس مرات في حياته تعلم اللغة العربية، يقول لرصيف 22: "إنها محاولتي الخامسة لتعلم اللغة العربية، ما دفعني لأول مرة لمحاولة التعلم هو جذوري العربية، كنت أدرس التاريخ في الجامعة، وكان أساتذتي العرب من دول ومن ديانات مختلفة، كنت منبهراً بتنوع الثقافة العربية، وأدركت أن اللغة العربية الفصحى التي بدت لي كلغة يمكن أن تجرح الحلق هي في الحقيقة لغة سلسة وموسيقية".
يضيف باولو الذي ينتمي للجيل الثاني من المهاجرين اللبنانيين في البرازيل أن الجذور العربية ليست السبب الوحيد وراء تشبثه بتعلم اللغة العربية، بل اهتمامه بالتنوع الثقافي للبلدان العربية، ورغبته في الانفتاح على هذا التنوع واكتشاف المزيد عنه، حيث يقول: "الإنجليزية هي اللغة الأكثر انتشاراً، ليس فقط لأسباب اقتصادية وسياسية، بل لأنها بسيطة وسهلة التعلم، في حين أن اللغة العربية شأنها شأن اللهجات الصينية واللغة الروسية أيضاً، مليئة بعوالم ونغمات مختلفة يمكن تعلمها، إنها دليل كامل على ثراء الشعوب والثقافات، وإذا كنت تريد أن تفهم المزيد عن تلك الثقافة، فعليك أن تعرف اللغة".
أهمية التعلم منذ الطفولة
يقول آدم إن والده حاول أن يرسله خلال طفولته إلى مدارس لتعلم اللغة العربية، إلا أنه بالكاد كان ينهي درسين ثم ينقطع، ويضيف: "لو تعلمت العربية في سن صغيرة، كان سيكون من السهل علي تعلمها واستعمالها خلال نشأتي، عوضاً عن محاولتي في هذه السن، فتعلم اللغة في سن صغيرة يمكن من إتقانها بشكل أفضل".
هذا ما تعمل مدرسة "سما أونلاين" على تحقيقه، يتعلق الأمر بمشروع لتدريس اللغة العربية لأبناء المهاجرين العرب الناطقين وغير الناطقين بها، الذين تراوح أعمارهم بين خمس سنوات وست عشرة سنة، تم إطلاق هذا المشروع سنة 2020 من هولندا، ويعتمد على تقنيات التعلم عن بعد ضمن صفوف افتراضية، ويهدف إلى نشر تعلم اللغة العربية في بلدان المهجر.
"لو تعلمت العربية في سن صغيرة، كان سيكون من السهل علي استعمالها خلال نشأتي، عوضاً عن محاولتي تعلمها في هذه السن". آدم، 20 سنة، مصري في إنجلترا
يقول عبيدة شريح مدير مدرسة سما أونلاين وصاحب فكرة هذا المشروع: "الفكرة جاءت من واقع الحال الذي نعيشه كقادمين جدد وكمهاجرين، فأحد أهم وأبرز المشاكل التي نعيشها هو تعليم اللغة العربية للأطفال"، ويضيف أن أبناء المهاجرين وخاصة القادمين الجدد يجدون أنفسهم مطالبين أولاً بتعلم اللغة الجديدة للبلد الجديد، لكونها آلية أساسية من آليات الاندماج في المجتمع، وثانياً بالحفاظ على اللغة الأم، لتعزيز الهوية الثقافية والشعور بالانتماء للبلد الأصلي، فتعلم اللغة الأم يساعد الأطفال على الاحتفاظ على اتصال أقوى بأصولهم وثقافتهم.
ويرى عبيدة أن قطع جسور التواصل الثقافي أمر في غاية الصعوبة، يقول لرصيف 22: "هذا ما لمسناه من خلال حالات كثيرة تعيش بيننا من جنسيات مختلفة، إذ نجد الأب والأم متمسكين بلغتهما وأصولهما، في حين ينتمي الأطفال لثقافة أخرى ولمجتمع آخر، وهو ما يشكل حالة من الانفصام الأسري والاجتماعي تعيشه العائلة، فتعلم اللغة ليس مجرد تعلم أحرف ومفردات ومهارات لغوية لممارسة اللغة والتواصل، بل هو أعمق بكثير، إذ يساهم في تعزيز الانتماء الهوياتي"، ويضيف أن هذا الأمر هو ما يجعل مشروع مدرسة سما أونلاين يحرص على تدريس محتوى مليء بالقيم والثقافة والموروث العربي.
ويفسر عبيدة شريح اختيار التدريس عن بعد لسهولة الاستخدام التي يتيحها، يقول:" تتبع مؤسسات تعليم اللغة العربية للمساجد، وهذه الأخيرة توجد فقط في المدن الكبرى، لذلك فالأسر التي تسكن في مدن صغيرة أو في قرى لا تتوفر فيها مساجد، لا تستطيع أن تؤمن تعليم اللغة العربية لأبنائها، كما أن المواصلات هنا مكلفة، بالإضافة إلى العوامل الجوية، فالجو في أوروبا بارد وممطر، ذلك أن الطالب لا يستطيع الذهاب وحده إلى المدرسة التابعة للمسجد، فلا بد من مرافقة أحد الأبوين له"، ويضيف بأن خاصية التعليم عن بعد، تمكن من تدريس الأطفال من مختلف الدول الأوروبية، وليس في هولندا فقط.
يبدو أن الاقتراب من اللغة الأم يساعد في تعزيز مشاعر الارتباط بين أفراد الاسرة أنفسهم، ويشعرهم بأن غربتهم أخف وطأة عندما يتقنون لغات بلدانهم الأساسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون