شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الطواقم الطبية لا تتحدث عن هذه المسألة"... علاجات السرطان والصحة الجنسية والإنجابية للبنانيات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

السبت 29 أبريل 202301:22 م


حين أخبر الطبيب آمال الجوهري (51 عاماً)، الأم اللبنانية لثلاث بنات، أنها مصابة بسرطان الثدي صُدِمت "صدمة منّا هينة" وخشيت أن تكون "النهاية". خضعت لاحقاً لعمليتي استئصال جزئي ثم كلي للثدي. أعقبهما علاج كيماوي مكثف لمدة ستة أشهر (14 جلسة) و25 جلسة علاج إشعاعي.

تمتدح آمال بشدة "الدعم" الذي قدّمه لها طبيبها في هذه الرحلة الشاقة. تقول لرصيف22: "طبيبي كتير كتير كتير منيح. عطاني معنويات، قوّاني، كان حدّي بكل شي… بشكر ربي أنه عرّفني على هيك دكتور". وتلفت إلى أنه "شرح لي كل شي، الشاردة والواردة".

ومع ذلك "ما شرح شي أبداً عن الصحة الجنسية والتناسلية". علماً أن تضررها جراء هذا المرض تحديداً وعلاجاته صعبة للغاية، حتّى أنها في بداية مرضها لم تعد لديها "رغبة"، ما فسرّته بأنه كان نتيجة أنها كانت "ملتهية بالعلاج".

وللسرطان آثار جسدية ونفسية عديدة وممتدة ليس أقلها على الصحة الجنسية والتناسلية للمريضات وحتّى المتعافيات. تزداد احتمالات تضرر الحياة الجنسية والتناسلية للمريضات والناجيات في أنواع السرطان التي تصيب الأعضاء التناسلية مثل الرحم والثدي والمبيض. كما أن علاجات السرطان نفسها تلعب دوراً في التأثير على الصحة الجنسية والتناسلية وهو تأثير متفاوت وقد يستمر فترة طويلة بعد التعافي.

يوصي الأطباء بإطلاع المريضة سلفاً على التبعات المحتملة على صحتها الجنسية والتناسلية. لكن هذا لا يحدث في غالبية الحالات. تماماً كما حدث مع آمال. في ظل غياب الأرقام الدقيقة، تُشير التقديرات إلى أن لبنان سجّل 28 ألف إصابة بالسرطان بين عامي 2016 و2020، وفق تقرير "المرصد العالمي للسرطان" المنبثق عن منظمة الصحة العالمية الصادر في آذار/ مارس 2021. كما احتلّ المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد حالات السرطان قياساً بعدد سكانه (242 حالة سرطان لكل 100 ألف لبناني)، في تقرير للصحة العالمية صد عام 2018.

وسرطان الثدي هو أكثر الأنواع شيوعاً بين النساء في لبنان، ويمثل 38.2% من إجمالي حالات السرطان في البلاد. وفي 2018، سجّل لبنان سادس أعلى معدل لسرطان الثدي بين النساء.

"استعادة العلاقة الجنسية تُعطي المريضة حياة أفضل وتعزز العلاقة مع الشريك والتي تلعب دوراً مهماً في التعافي". لكن لماذا لا يهتم غالبية الأطباء بمصارحة مريضة السرطان بتبعات المرض وعلاجاته على صحتها الجنسية والإنجابية؟

 تحذير بشأن الفئات الصغيرة

تقول لرصيف22 أخصائية أمراض النساء والتوليد في لبنان، د. ليال أبي زيد، إن العديد من أنواع السرطان التي تُصيب الفئات العمرية الصغيرة - في الطفولة والمراهقة - تكون معدلات الشفاء منها مرتفعة لا سيّما في حالة اكتشاف المرض وبداية العلاج في مرحلة مبكرة، إلا أنها تحذّر من ضرورة الانتباه لتبعات المرض والآثار الجانبية لعلاجاته على هؤلاء المرضى/ الناجين، خاصةً من الناحية الجنسية وتحديداً الخصوبة.

تضيف: "هؤلاء الأشخاص سيتعافون لاحقاً وقد نفيق على حقيقة أنه كان ينبغي عمل شيء ضروري - لم نفعله - حتى لا تتأثر قدرتهم على الإنجاب في المستقبل"، متابعةً أن بعض العلاجات الكيميائية في مراحل سنية صغيرة قد تؤثر على "الخصوبة" من خلال قتل مخزون البويضات/ الحيوانات المنوية.

من هذا المنطلق، توصي د. ليال بأن يتم "تجميد البويضات" بشكل تحسبي في بعض الحالات التي يكون العلاج الكيماوي فيها "ذا خطورة مرتفعة" للتأثير على خصوبة المريض/ة. "لا ينبغي أن نهلع بمجرد أن نعرف تشخيص إصابة الفتيات بالسرطان لأنهن غالباً سوف يتعافين ونستفيق بعد شفائهن على كارثة"، تشدد.

لماذا لا يخبر الأطباء المريضة؟

بوجه عام، توضح د. ليال: "حين يُخبر الطبيب مريض السرطان بالتشخيص، يكون الهم الأكبر له ‘إنقاذ حياته‘ في ظل الخطورة المرتفعة للوفاة بالمرض والمخاوف من عودة المرض بعد التعافي والأثر القوي للعلاجات والآثار المحتملة على تغيير شكل الجسد - خسارة الوزن والشعر وغيرها. لا تكون الحياة الجنسية أولوية لديه (أي لدى المريض)"، مستدركةً بأن هذا هو الشائع برغم أن "استعادة العلاقة الجنسية تُعطي حياة أفضل للمريضة وتعزز العلاقة مع الشريك إذ تلعب دوراً مهماً في التعافي".

تضيف: "الطواقم الطبيّة لا تتحدث عن هذه المسألة. حتّى في أفضل مراكز علاج السرطان بلبنان والعالم، لا تضمن الحياة الجنسية لمرضى السرطان في بروتوكول الآثار الجانبية للمرض والعلاج"، ملمّحةً إلى أنه حدث تغيّر وتطوّر في الآونة الأخيرة في ظل ارتفاع معدلات الشفاء وإدراك تبعات تضرر الصحة الجنسية للمتعافين من السرطان.

كما تشير إلى أن عدة دراسات وجدت أن النساء تحديداً تكون لديهن مخاوف من تأثير السرطان وعلاجاته على قدرتهن الجنسية والإنجابية، لكن "بسبب التابو والاستحياء وعدم تجاوب المحيطين أو طرح الأطباء لهذا الموضوع لا يتحدثن عنه"، مشيرةً إلى أن الأطباء ينبغي أن يطمئنوا المريضات إلى أن هذه المسألة سيتم أخذها بعين الاعتبار وعمل اللازم حتى لا يكون هناك تأثير قوي عليها.

تشرح: "واجب الطبيب/ة تنبيه المريضة سلفاً بالعوارض المحتملة على الصحة الجنسية والإنجابية وطمأنتها إلى وجود ‘حلول‘ للتغلب على هذه الآثار الجانبية، والسؤال عن الأمر خلال المتابعة الصحية، حتى إذا لم تسأل".

يتّفق معها تماماً طبيب الأمراض النسائية والأكاديمي في الجامعة الأمريكية ببيروت وعضو مجموعة الخبراء لسياسات الصحة في منظمة الصحة العالمية، د. فيصل القاق، ويتأسّف لأن "نسبة قليلة للغاية فقط من أطباء السرطان في لبنان، لا تتجاوز الـ10 أو الـ15%، يتحدثون مع المريضات عمّا يمكن أن يحصل للصحة الجنسية والتناسلية بعد العلاج. الكثير من الناجيات يكن بأعمار متوسطة وشابة (وحتى من هنّ بأعمار متقدمة)، ليس من حق أي شخص أن يقرر عنهن إذا كانت الصحة الجنسية مهمة/ مطلوبة من عدمه".

"إذا كان لا مفر من إصابة المرأة بالسرطان، فأمامنا عدة خيارات للخروج من التجربة بأفضل النتائج"... ما هي؟ وكيف تحافظ المرأة على صحتها الجنسية والإنجابية عقب الإصابة بالسرطان وبعد التعافي منه؟

ويضيف لرصيف22: "نسبة كبيرة من الناجيات يشكين أنهن لم يخبرن سلفاً بالضرر المحتمل على الصحة الجنسية والإنجابية أو إمكانية تحسينها لاحقاً… لا تُعطى النساء الخيار لاتخاذ القرار بتفضيل علاج على آخر طبقاً لتأثير كليهما على صحتهن الجنسية. تبقى هذه فجوة هائلة في بروتوكولات علاج السرطان".

ويشير د. القاق إلى الدور الذي يلعبه برنامج الصحة الجنسية المتكامل للمرأة (WISH) الذي أُطلق عام 2019 في المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت (AUBMC)، ويُديره هو منذ ذلك الحين، بالتعاون مع معهد نايف باسيل للسرطان في "AUB" في التوعية بضرورة إيلاء الصحة الجنسية والتناسلية للمريضات والناجيات من السرطان الاهتمام الكافي وطرحه كأولوية من قبل الأطباء.

"أثر ملحوظ"

بحسب د. القاق، فإن "علاجات السرطان بكافة أنواعها الهرمونية والكيميائية والإشعاعية والجراحية لها ‘أثر ملحوظ‘ على الصحة الجنسية والإنجابية. كلها تسبب ‘أذى‘ أو ‘أذى محدوداً‘ أو ‘أذى مؤقتاً‘ أو ‘أذى دائماً وغير معكوس‘ وتحديداً على الأعضاء التناسلية بما في ذلك جفافها وتغيير تشريحها (شكلها وحجمها وموقعها) ما يؤثر على إدراك المرأة لهذا الواقع الجديد وإصابتها بالإحباط وضعف استجابة هذه الأعضاء لأي عملية استثارة أو رغبة جنسية"، خاصةً بالنظر إلى لأعراض المعتادة الأخرى من وهن وهزال عام وغثيان واضطراب النوم والشهية والتوتر.

ويضيف الطبيب اللبناني البارز أن "الخضوع للعلاج الكيميائي والهرموني يزيد شدة الضرر والاضطراب بالصحة الجنسية والتناسلية. كذلك جراحات الاستئصال - للرحم أو المبيضين أو في محيط الحوض والبطن، ما يحرم الفتاة/ المرأة المريضة/ الناجية من الإمكانيات الإنجابية بشكل نهائي إلى جانب الأثر المستمر لغياب الوظيفة الإنجابية والدورة الشهرية وما يرافق ذلك من مشاعر ومضاعفات نفسية سلبية".

ويلفت د. القاق إلى أن العلاجات الهرمونية الدائمة تحد من التمتع بحياة جنسية أو إنجابية "مرضية"، وأحياناً تؤدي الأشعة إلى تقلّص حجم الأعضاء وتقلّص مساحات الأعضاء التناسلية وضمور الأنسجة وتؤثر أيضاً على عمل هذه الأعضاء، إذ ذاك تحتاج الناجية لعلاج طويل الأمد لتحسين طراوة المهبل أو نضارته أو لتوسيعه أو حتّى استعادة بعض نشاطات المبيضين، مردفاً "لذلك في كثير من الأحيان، عند وجود علاجات إشعاعية نلجأ لرفع المبيضين لمنطقة آمنة خارج المنطقة المعرضة للأشعة".

من جهتها، تحذّر د. ليال من أن الاضطرابات في الدورة الشهرية المتصلة بالعلاجات الكيميائية قد تهدد بـ"حالات حمل غير مرغوب فيه"، فيما تترك جراحات الاستئصال "ندبات، أو جراحاً، أو تشوهات غير مرغوب فيها" خاصةً في حالة استئصال الثدي كـ"عضو أنثوي يمثل الإثارة"، ما قد تشعر معه بعض النساء بأنهن "أقل إثارة وجذباً للشريك/ة" ويُسهم بدوره في قلة أو انعدام الرغبة في الحميمية.

وتعدد د. ليال بعض الآثار المحتملة الأخرى لعلاجات السرطان على الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، بما فيها: الألم الشديد أثناء العلاقة الجنسية، وجفاف المهبل، وانقطاع الطمث القسري (المعروف بانقطاع الطمث المبكر)، والهبات الساخنة، وانعدام الرغبة الجنسية، وصعوبة الوصول إلى النشوة، منوهةً بأن المريضات اللاتي عانين من مشكلات تتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية قبل السرطان، أكثر عرضة للمعاناة منها بعد الإصابة وتلقي العلاج.

وتوضح أن أعراض العلاج الهرموني تزعج النساء لدرجة أن نحو 30% منهن يتوقفن عن تناوله، ما قد يؤثر على "تعافيهن" أو عودة المرض مرة أخرى.

"حين يُخبر الطبيب مريض السرطان بالتشخيص، لا تكون الحياة الجنسية أولوية لديه". لكن هذا قد يهدد المريضات لا سيّما صغيرات السن بفقدان الخصوبة أو الرغبة في الحميمية. كيف نتفادى ذلك؟

حلول لحياة جنسية "شبه طبيعية"

برغم كل ما سبق، يطرح الخبراء عدة "حلول" لتحسين الحياة الجنسية لمريضات السرطان والناجيات منه، في مقدمتها التركيز على الحميمية - العناق والقبلات - واختيار أوضاع جنسية مريحة، والحصول على استشارة نفسية و/ أو جنسية، والقراءة والتعلم عن الأمر مع الشريك/ة والبحث عن حلول للصعوبات التي تقف أمام العلاقة الجنسية بغض النظر عن السرطان.

وتضيف د. ليال أن دعم المحيط الاجتماعي وليس الشريك وحده من العوامل المهمة جداً، بالإضافة إلى متابعة الحياة "الطبيعية" قبل المرض قدر الإمكان، بما في ذلك العمل، حتى تشعر المريضة بأنها "منتجة وإيجابية".

وتردف: "حالياً، أصبحت هناك تقنيات عديدة، بما في ذلك الليزر والـradio frequency والفيلر والـ بي آر بي، والكريمات والتحاميل التي تعالج جفاف المهبل وتخفف معاناة مريضات السرطان التي قد تدفعهن للتهرب من العلاقة الجنسية، وبالتالي مساعدتهن للعودة لحياة ‘شبه طبيعية‘".

من جهته، يوصي د. القاق باتباع نمط حياة صحي يشمل النوم المنتظم والتغذية الصحية وممارسة الرياضة الملائمة، مع الإدراك والتصوّر الإيجابي من المريضة لصحتها، مع تعاطٍ إيجابي داعم من الشريك/ة، والاقتناع بأن الفرصة كبيرة أمام الشريكة للتحسن وإشعارها بأنها ما زالت مرغوبة، ومقاربة العلاقة الجنسية بشكل مختلف، هذه كلها أمور لدفع الناجية باتجاه إعادة التقاط النفس في ما يتعلق بالحياة الجنسية.

ويختم د. القاق: "إذا كان لا مفر من إصابة المرأة بالسرطان، فأمامنا عدة خيارات للخروج من التجربة بأفضل النتائج من خلال التشخيص والعلاج المبكرين، والتركيز خلال المشورة وتقديم الرعاية على ما يمكن أن يحصل للصحة الجنسية جراء الإصابة بالسرطان وعلاجاته. مع الإشارة إلى أن هناك العديد من العلاجات المتاحة هرمونية وغير هرمونية، صيدلانية وغير صيدلانية، نفسية أو سلوكية أو دوائية، وجميعها أظهرت قدرتها على تحسين وضع الصحة الجنسية للمتعافية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image