شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
آفي شلايم وأحداث 1951 في بغداد... هل حقاً فجّر الصهاينة يهود العراق؟

آفي شلايم وأحداث 1951 في بغداد... هل حقاً فجّر الصهاينة يهود العراق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

الأربعاء 21 يونيو 202301:16 م
Read in English:

Avi Shlaim and the events of 1951, did the Zionists really blow up the Jews of Iraq?

أحداث تاريخية ضخمة، ترفض أن يركد التراب على طياتها في العراق. فالبلد لطالما كان مليئاً بمغالطات التاريخ والتأريخ ونظرياته، ويعيش في دوامة من أزمات عصره الحديث ومشكلات ماضيه الكثيرة.

ملف يهود العراق واحدٌ من أبرز هذه المشكلات، إذ لا تمرّ سنة حتى تظهر أوراق ملفات جديدة، فقد أعاد الكاتب اليهودي، آفي شلايم، فتح ملف يهود العراق، في 8 حزيران/ يونيو الجاري، بعد نَشر كتابه "ثلاثة عوالم: مذكرات عربي يهودي"، الذي استرجع من خلاله عجلة التاريخ، وعاد إلى سنوات نشأته في بغداد، محاولاً أن يتعمّق في حقبة تأسيس الكيان الصهيوني، والأحداث التي صادفتها.

وآفي شلايم، واحد من يهود العراق، وُلد في بغداد عام 1945، وغادرها بعد حوادث التفجير التي استهدفت اليهود العراقيين عام 1951. يحمل الجنسية البريطانية، وعمل أستاذاً في العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، كما يحمل الجنسية الإسرائيلية، لكنه برغم ترعرعه في الأخيرة، يصنَّف من أبرز المعادين لها وللسياسات الصهيونية، كما يُعدّ من المتعمّقين في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي.

قراءة في كتاب شلايم

يجمع الكتاب بين حياة شلايم الشخصية، وأحداث تاريخية رافقت مسيرته الحياتية، وقد أضاف بين طيات كلماته، آراءً حول الحياة في البلدان التي عاش فيها، وحول سياستها.

ولم تكن مدة إقامة شلايم طويلةً في العراق؛ ست سنوات قضاها وهو طفل، في فترة متأزمة، ولكن الأحداث التي يسردها تشير إلى تذكّره تفاصيل كثيرةً، منها حياة الرفاهية التي عاشها في ظل أموال أبيه، التاجر المعروف؛ من 12 خادماً في بيتهم الكبير، إلى علاقاتهم مع الطبقة الأرستقراطية في العراق أيام الحكم الملكي.

آفي شلايم هو واحد من يهود العراق، وُلد في بغداد عام 1945، وغادرها بعد حوادث التفجير التي استهدفت اليهود العراقيين عام 1951. يحمل الجنسية البريطانية والجنسية الإسرائيلية، لكنه برغم ترعرعه في الأخيرة، يصنَّف من أبرز المعادين لها وللسياسات الصهيونية

تفجيرات بغداد ما بين عامي 1950-1951، كانت كفيلةً بإنهاء هذه الرفاهية، فغادرت عائلته العراق نحو إسرائيل، وهناك فشل والده في تأسيس مشروع تجاري ناجح، بسبب عدم إتقانه العبرية، وحياة العوز هناك، دفعت والدته الحسناء كما يصفها، إلى العمل موظفة استقبال في إحدى الشركات التجارية.

يلقي الكاتب باللائمة على إسرائيل في هذا التحول الذي رافق حياته، ويقول إن "المشروع الصهيوني قد قتل المكانة التي يتمتع بها اليهود في العالم العربي، ودفعهم إلى العيش في ظل عنصرية الدولة الغاصبة، حيث نظرة فوقية يلقيها يهود الأشكناز الوافدين من أوروبا، تجاه السفارديم الوافدين من دول الشرق الأوسط، وسياسة عنصرية ودولة قائمة على الأبارتهايد أو نظام الفصل العنصري"، في حين يستذكر أن حياتهم في العراق كانت بعيدةً عن هذه الإشكالات، وكانت تربط عائلتهم علاقات واسعة وقوية مع أصدقائهم وجيرانهم المسلمين.

لم يكن شلايم أوّل من يتطرق إلى هذه المسألة، إذ سبقه الكاتب الفلسطيني، عباس شبلاق، الذي يقول في كتابه "هجرة أو تهجير... ظروف وملابسات هجرة يهود العراق"، الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 2015: "في الوقت الذي كان اليهود السوريون في الأربعينيات يهاجرون بالآلاف، كان اليهود العراقيون يشترون الأراضي ويشيدون المدارس ويقيمون مؤسسات تجارية جديدة في وطنهم العراق".

كان معظم اليهود العراقيين، من التجار والصاغة، وبرزت منهم شخصيات أثرت على تاريخ العراق الحديث، مثل أول وزير للمالية ومؤسس الاقتصاد العراقي ساسون حسقيل، وعضو مجلس الأعيان من عام 1925 وحتى 1940، مناحيم دانيال، ورئيس غرفة تجارة بغداد، عام 1943، مير بصري، كما اشتهر منهم العديد في الساحة الفنية، مثل المطربة سليمة مراد، والملحن صالح يعقوب، المعروف بصالح الكويتي، وأخيه داود.

ملاحظات مثيرة

واحدة من أبرز الملاحظات المثيرة للجدل، والتي أثارها شلايم في كتابه، قوله إن التفجيرات التي شهدتها بغداد بين عامي 1950 و1951 واستهدفت محال ومواقع دينية يهودية، نفذها صهاينة عراقيون، بحسب اعتقاده.

هذا الاعتقاد، ينبع من رأيه بأن الحركة الصهيونية ومن أجل دفع اليهود للهجرة من العراق إلى إسرائيل، دسوا بالمخربين للقيام بها من أجل توتير الأوضاع أكثر، ويستند في رأيه هذا إلى أحداث مصر، المعروفة باسم فضيحة لافون، نسبةً إلى وزير الدفاع ورئيس وزراء إسرائيل السابق، بنحاس لافون، والتي رافقت مفاوضات الانسحاب البريطاني من مصر عام 1954.

يلقي الكاتب باللائمة على إسرائيل في التحول الذي رافق حياته، ويقول إن "المشروع الصهيوني قد قتل المكانة التي يتمتع بها اليهود في العالم العربي، ودفعهم إلى العيش في ظل عنصرية الدولة الغاصبة، حيث نظرة فوقية يلقيها يهود الأشكناز الوافدين من أوروبا، تجاه السفارديم الوافدين من دول الشرق الأوسط، وسياسة عنصرية ودولة قائمة على الأبارتهايد أو نظام الفصل العنصري"

فازدياد التهديد المصري بالقرب من الحدود الفلسطينية المحتلة، عزز خوف إسرائيل من شن هجمات ضدها عبر الحدود المصرية بعد الانسحاب البريطاني، فأوعزت إسرائيل تالياً إلى خلايا إرهابية تابعة لها، بضرب مصالح بريطانية بغية تمديد وجودهم داخل مصر.

يقول شبلاق إن "المقاومة التي أبداها اليهود ضد الهجرة إلى إسرائيل وتمسكهم بالعراق، دفعا إسرائيل للقيام بمثل هذه العمليات، واعترف وزير الدفاع الإسرائيلي بصورة غير مباشرة، بتورط الحكومة الإسرائيلية في التفجيرات في العراق، وأنها -أي التفجيرات- حققت الغرض الذي توخاه من كان وراءها، فبعد أول اعتداء بالقنابل، أخذ الآلاف من اليهود يصطفون أمام مكاتب التسجيل للهجرة".

وشهدت بغداد في الفترة من نيسان/ أبريل عام 1950، وحتى أيار/ مايو 1951، 6 تفجيرات في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد، استُخدمت فيها القنابل اليدوية والعبوات، واستهدفت مقاهي وكنائس يهودية، وأسفرت عن مقتل وإصابة قرابة 20 يهودياً.

مغالطة التاريخ والكاتب

مع كل هذه التفاصيل المثيرة التي أثارها الكاتب اليهودي مؤخراً، فإن أصواتاً معارضةً له، بدأت تغالط مذكراته بشكل موازٍ، فالصحافي البريطاني اليهودي، جستن مورازي، يقول في مقالة له على موقع أونست ريبورتنغ، إن "شلايم كان في السادسة من عمره حين مغادرته العراق، لذلك فإن ذكرياته عن هذه الفترة غير معتمدة بشكل موثوق، بالإضافة إلى ما عاناه في طفولته من الانتقال من حياة البذخ والغنى الذي كانت تعيشه عائلته، إلى حياة الهجرة في إسرائيل الوليدة"، كما يرى أن تطرق شلايم إلى العنصرية في إسرائيل غير معتد به نسبةً إلى فترة عيشه القليلة نسبياً داخل إسرائيل قبل انتقاله إلى بريطانيا.

وسبق أن أشار الكاتب موشي جات، في مقالة مطولة له بعنوان "العلاقة بين تفجيرات بغداد وهجرة اليهود من العراق عام 1951"، إلى أن الحكومة العراقية كانت أول من ادّعت تورط الموساد الإسرائيلي في التفجيرات وقتها، ولكن أرشيف المراسلات التي أتاحتها الجهات المعنية البريطانية والإسرائيلية، فنّدت هذه الادعاءات.

وسبق أن ساد ادعاء بأن للحكومة البريطانية يداً في هذه التفجيرات، بعد فشل محاولاتها لإقناع الحكومة العراقية بتدشين مشروع تغيير ديمغرافي يقوم على هجرة الفلسطينيين إلى العراق، مقابل هجرة اليهود إلى إسرائيل، في عام 1949.

يقول الباحث في التاريخ السياسي العراقي، سلام العزاوي، إن "هذه المحاولات موثقة تاريخياً، في عهد رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، كما أن من المستحيل استبعاد نظرية ضلوع إسرائيل في هذه الأحداث، وفي الوقت ذاته فإن يد الجماعات العربية العراقية موجودة فيها، خاصةً أن التفجيرات رافقت فترة أزمة سياسية وركود اقتصادي، ما كان عاملاً في زيادة الحقد تجاه المجتمع اليهودي المتحكم في السوق".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن "التفجيرات رافقت زيادة النزعة القومية في العراق، وهناك اعتقاد شائع بتورطها في بعض هذه التفجيرات، نظراً إلى نوعية العمليات المنفذة، إذ اعتمدت الحركات القومية على أسلوب الهجوم عبر القنابل اليدوية الصغيرة، فيما فضّلت الجماعات الصهيونية تنفيذ عملياتها بشكل سرّي، مثل زرع العبوات والهجمات المنظمة".

"المقاومة التي أبداها اليهود ضد الهجرة إلى إسرائيل وتمسكهم بالعراق، دفعا إسرائيل للقيام بمثل هذه العمليات، واعترف وزير الدفاع الإسرائيلي بصورة غير مباشرة، بتورط الحكومة الإسرائيلية في التفجيرات في العراق، وأنها -أي التفجيرات- حققت الغرض الذي توخاه من كان وراءها، فبعد أول اعتداء بالقنابل، أخذ الآلاف من اليهود يصطفون أمام مكاتب التسجيل للهجرة"

مجرّد آراء

لا يستبعد أستاذ التاريخ الحديث المتقاعد، إبراهيم الربيعي، التورط الإسرائيلي في عمليات التفجير، ولكنه يستدرك أن مثل هذه الاعتقادات تبقى مجرد آراء، نتيجة افتقارها إلى أسلوب البحث التاريخي الدقيق، وعدم القدرة على توثيق هذه الأحداث.

وبحسب تصريحه لرصيف22، فإن الكاتب اعتمد بشكل مبالغ على نظرية المؤامرة، وخالف الحيادية في السرد التاريخي، في حين كان الأجدر به الاكتفاء بسرد رأيه فقط.

وعاش اليهود في العراق منذ العصر البابلي القديم، بعد عصر السبي الأشوري والبابلي قبل أكثر من 2700 عام، ولم تصادف حياتهم أي مشكلات من هذا النوع، ولكن مع بداية الحرب العالمية الثانية، ونجاح رشيد عالي الكيلاني، المقرب من الزعيم النازي أدولف هتلر، وانقلابه على حكومة الوصي عبد الإله، شاعت روح الكراهية ضد اليهود، وازدادت هذه الموجة مع إزاحة بريطانيا للكيلاني من الحكومة، بإيعاز يهودي، ما عُدّ وقتها نصراً من بريطانيا ليهود العراق، وكان ذلك كفيلاً باندلاع عمليات الفرهود الأولى ضد اليهود عام 1941.

بعد احتلال فلسطين، وفشل الجيش العربي في استعادة أراضيها، ازدادت النقمة ضد اليهود، واستمرت على هذا الحال لسنوات لاحقة، حتى تراجع عدد اليهود من 135 ألفاً عام 1948 إلى أقل من 15 ألفاً بحلول عام 1951، ثم تراجع العدد ليصبح 100 فرد فقط عام 2003.

حافظ اليهود خلال تلك السنوات على حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، ولهم مراقد معروفة مثل مرقد النبي ناحوم في ناحية القوش شمال محافظة نينوى، وقبر عزرا أو العزير في محافظة ميسان، وقبر النبي حزقيال في محافظة بابل، بالإضافة إلى مرقد الشيخ إسحق الغاووني في الرصافة في بغداد وكنيس "مئير طويق" الذي يقع في الجانب الشرقي لنهر دجلة من بغداد، وعُرف بكونه أحد مراكز تسجيل اليهود العراقيين الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل في ما بعد، ومقبرة الحبيبية في مدينة الصدر في بغداد، والتي تُعدّ أكبر مقبرة لليهود في العراق.

مع هذه الأحداث كلها، يبقى ثابتاً أن اليهود كانوا جزءاً من المجتمع العراقي، وساهموا في تأسيس الدولة الأولى، كما كان يُشاع أن معظمهم من المعادين للحركة الصهيونية، ومن الصعب النظر في هذه التفاصيل، بعد مضي كل تلك السنوات، كما يقول المؤرخون، الذين يعرضون الواقع ولا يجزمون فيه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard