شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"بلغ السيل الزبى"... أساتذة قانون تونسيون يطالبون بالإفراج عن المعتقلين السياسيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 20 يونيو 202302:59 م

يمتد صدى الأصوات المعارضة للاعتقالات التي تعيشها تونس في الأشهر الأخيرة. ومن ضمن الغاضبين أساتذة قانون يرون أن موجة الاعتقالات التي طالت سياسيين وناشطين وإعلاميين، في الأشهر الأخيرة، خطر على الديمقراطية في تونس.

وأصدر 52 أستاذاً/ ةً من أساتذة الحقوق والقانون، في تونس يوم  7 حزيران/ يونيو 2023، عريضةً للمطالبة بإطلاق سراح "المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي" في البلاد.

ووقّع العريضة وفق نصها، أساتذة التعليم العالي في القانون والعلوم السياسية في الكليات والمعاهد العليا والمدارس وغيرها من الأكاديميات في العلوم القانونية والسياسية والإدارية والتصرف.

وأوضحوا أنها جاءت "على إثر حملة الاعتقالات التي طالت عشرات المعارضين والناشطين من نواب ووزراء سابقين وقادة أحزاب وصحافيين ومحامين وقضاة ومدافعين عن الحقوق ومدوّنين من كلا الجنسين"، وعدّوها حملةً اتّسمت "بالمشھدیة واستعراض القوة والترويع".

يشار إلى أنه في 11 شباط/ فبراير 2023، تم توقيف عدد من السياسيين والإعلاميين والناشطين والقضاة ورجال الأعمال في ملف أول بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، واتهم رئيس الجمهورية قيس سعيّد، في تصريحاته حينها، بعض المتهمين "بالوقوف وراء أزمات اختفاء المواد الأساسية من الأسواق وارتفاع الأسعار".

وفي أيار/ مايو 2023، تم رفع قضية ثانية بتهمة التآمر على أمن الدولة لدى القطب (المجمّع) القضائي لمكافحة الإرهاب في المحكمة الابتدائية في تونس، ضد 21 شخصاً آخرين من كبار مسؤولي الدولة ورؤساء الحكومات السابقين، وفق تصريحات صحافية لعضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، سمير ديلو.

وأورد الموقّعون على العريضة جملةً من النقاط التي دفعتهم إلى إصدارها، من بينها "قبوع المتشبه بهم بهم منذ أشهر في السجون دون وجه حق ودون محاكمة عادلة بعد إثارة الدعوى على أساس القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال (قانون أساسي عدد 26 لسنة 2015)، وتوجيه إدانات مشبوهة وتهم خيالية وبالجملة، بالتآمر على أمن الدولة".

آلة قمعية في تونس

أشار أساتذة القانون إلى "تواتر الآلة القمعية في وجه أي صوت معارِض للسلطة القائمة واشتداد مطاردة المعارضين والمعارضات في سياق تعدّدت فيه تصريحات رئيس الدولة قيس سعيّد، بنعت المعتقلين بالخونة والمتآمرين".

وطالبوا "بالإفراج الفوري والشامل عن جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي الذين زُجّ بهم في السجون دون وجه حق أو محاكمة عادلة".

ندد أساتذة القانون بتواتر الآلة القمعية في وجه أي صوت معارِض للسلطة القائمة واشتداد مطاردة المعارضين والمعارضات  

وفي حديثهما إلى رصيف22، وقف المساعد في القانون العام في المعهد الأعلى للتصرف في بنزرت، وليد العربي، وأستاذ تعليم القانون العام في كلية الاقتصاد والتصرف في صفاقس، عبد الوهاب معطر، الموقّعان على العريضة، على أسباب إصدارها وعلى الدوافع الحقيقية وراء حملة الاعتقالات والجهة التي تقف خلفها وعلى مستقبل المشهد السياسي في تونس.

عن أسباب تحرّكهم في الوقت الحالي تحديداً، يوضح وليد العربي أنهم رأوا أن آجالاً طويلةً انقضت منذ رفع قضية التآمر على أمن الدولة الأولى، ومنذ بداية التوقيفات فيها "من دون حدوث أي شيء في هذه القضايا، فلا أعمال استقرائية ولا تحقيق باستثناء استنطاق واحد فقط حدث أول التوقيف وبقيت القضية تراوح مكانها والتحقيق معطلاً".

الاعتقالات في تونس... حان وقت الاعتراض

ويضيف أنه مع مرور كل هذا الوقت، رأوا أنه آن الأوان لتوجيه نداء "نتساءل فيه، إلى أين نتجه؟"، وأكد أن نداءهم يشمل المعتقلين السياسيين كافة، على اختلافهم، وأنهم يتوجهون به إلى الرأي العام، خاصةً قضاة التحقيق المكلفين بهذه القضايا: "أطلقوا سراح المعتقلين فهم من بيدهم الآن الحل والربط".

وحول وصفهم حملة الاعتقالات "بالمشھدیة واستعراض القوة والترويع"، يوضح العربي، أن حملة التوقيفات الأولى والتي شملت على سبيل الذكر لا الحصر السياسيين المعارضين خيام التركي وعبد الحميد الجلاصي وعصام الشابي وجوهر المباركي وشيماء عيسى وغيرهم، شهدت عمليات استعراضيةً.

تونس أمام مفترقين: إما الاستكانة والصمت وحينها ستحل الكارثة الجماعية، وإما تتحمل الناس مسؤوليتها وعليها النضال في نطاق السلم المدني وطبق القانون وعدم السكوت عن الظلم ومحاربته

وتمثلت هذه العمليات في "مداهمات منزلية ليلية قام بها عدد كبير من أعوان فرقة مكافحة الإرهاب التي يفترض أنها توقف إرهابيين وليس عبر تشكيلة أمنية عادية".

واستشهد باعتقال السياسي المعارض عصام الشابي، "مساءً من قبل خمسة عشر أو عشرين عنصراً أمنياً فاجأوا شخصيْن وأوقفوا السيارة وفق تصريحات مرافقيه"، وهو اعتقال "مشهدي بحد ذاته وغايتهم منه ترهيب الناس الذين يمارسون العمل السياسي من خلال هذه الفرقة التي لا دخل لها لأنها مأمورة".

"بلغ السيل الزبى"

أما الأستاذ عبد الوهاب معطر، فيوضح أنه بعد اطلاعهم على الملفات كافة ودراستها قضائياً وسياسياً وقانونياً، وصلوا إلى نتيجة مفادها أن "الوضع الحالي وما يحدث اليوم فوق الخيال وأنه بلغ السيل الزبى ولا يمكن لأي إنسان حتى وإن كانت لديه معرفة قليلة بالقانون، أن يسكت على هذا الوضع"، وفق تعبيره.

وشدد على إيمانهم بمحاسبة ومحاكمة كل من ارتكب فعلاً يوجب ذلك، "ولكن باحترام الأبجديات لأن هناك ملفات تنطق بالبراءة وبالافتعال وبالتلفيق، وبرغم ذلك ما زال المتهم فيها موقوفاً من دون سبب واضح".

ويؤكد معطر أن "المفارقة العجيبة التي يعيشونها هي التي دفعتهم إلى النطق بكلمة الحق بغض النظر عن كل شيء وعن الانتماءات والأيديولوجيات المختلفة للمعتقلين"، وأنهم "اعتمدوا الجانب الأكاديمي الصرف ونطقوا بالحقيقة كما هي، حتى أن هناك من الزملاء من يساند قيس سعيّد".

أجندة الاعتقالات خطيرةً فهي تمس بالنمط الاجتماعي السياسي التونسي الذي تعوّدنا عليه منذ بناء الدولة الوطنية وما قبلها

ويتابع: "العبث الصرف والدوس على القوانين بحوافر البعير، هما سببنا ودافعنا لإصدار هذه العريضة".

وبشأن الطرف المعني بهذه العريضة، يقول معطر إنها تشمل كل الضمائر الحية في البلاد "التي تؤمن بأن كل إنسان له كرامة وحقوق كما له واجبات"، بالإضافة إلى من كانت وراء هذه القرارات، "وهي السلطة التنفيذية خاصةً رئيس الجمهورية ووزيرة العدل الذين شكلا القضاء بطريقة تخدم رؤيتهما ولهما الحق في ذلك ولكن عليهما احترام القانون وعلى الأقل النصوص التي وضعوها هم أنفسهم".

ويضيف: "وبقطع النظر عن دستور 2014، فحتى الدستور الشخصي لقيس سعيّد، هو نفسه يخرقه كل يوم".

تجريم العمل السياسي

وفي ما يتعلق بدوافع حملات الاعتقال الحقيقية، يرى العربي أنها تتعلق بتجريم العمل السياسي والقضاء على أي عمل سياسي، خاصةً المعارض منه "لأن من تم توقيفهم هم من معارضي مسار 25 تموز/ يوليو 2021 (قرارات سعيّد الاستثنائية)، سواء من عارضوا المسار منذ بدايته وعدّوه انقلاباً، أو من التحقوا في ما بعد بالمعارضة".

وإلى جانب "تجريم كل من يمارس العمل السياسي، فإن هذه الحملات تهدف أيضاً إلى ترهيب الناشطين السياسيين الذين التحقوا بمعارضة المسار وينشطون خارج السجون"، يضيف.

بدوره، يرى أستاذ تعليم القانون العام في كلية الاقتصاد والتصرف في صفاقس، عبد الوهاب معطر، أن هذه الحملات "أشياء سريالية وهي العبث بعينه ولا يمكن القبول بها".

ويقول لرصيف22، إن رئيس الجمهورية "له أجندة خاصة لا تشاركه فيها إلا قلة قليلة، وهي نسبة 8.8% نتيجة الانتخابات، وإنه لا يهدف من ورائها إلى ضرب المعارضين فقط، وإنما إلى ضرب النخبة التونسية كلها لأنه يرى أن الكل خونة ما عداه هو والصادقين الذين معه".

"أجندة خطيرة"

ويضيف أنها حملات لا تستهدف السياسيين فحسب، بل بصورة عامة النخب "لأنها تاريخياً وعلى اختلافها وتنوعها هي التي ساهمت في تجربة الإصلاحات"، وهي أجندة يعدّها "خطيرةً تمس بالنمط الاجتماعي السياسي التونسي الذي تعوّدنا عليه منذ بناء الدولة الوطنية وما قبلها"، حسب تصريحه.

وعلى ضوء ما يحدث في المشهد السياسي اليوم في تونس، يرى العربي أن المشهد قبل 11 شباط/ فبراير 2023، يختلف عما بعده، إذ منذ 25 تموز/ يوليو 2021 وحتى هذا التاريخ (11 شباط/ فبراير) كانت هناك توقيفات واعتقالات ومحاكمات ولكنها لم تشمل ما يُسمى بالتيار الديمقراطي في تونس، أو العائلة الديمقراطية الوسطية التقدمية.

ويضيف: "كان هناك حديث عن مبادرات سياسية للحوار منها مبادرة عصام الشابي واتحاد الشغل ولكن منذ 11 شباط/ فبراير 2023، تم الإجهاز على كل شيء ولم تعد هناك مبادرات بل الهدف الأساسي اليوم هو إخراج الناس من السجون".

ويرى العربي أن حاضر المشهد السياسي ومستقبله "يشهدان فترة ركود وتحول بذلك مسار النضال من مقاومة مسار 25 تموز/ يوليو 2021، والاستبداد السياسي، إلى مسار الإطار الحقوقي وإخراج المعتقلين".

ويؤكد العربي أن هذه الفترة ستمر "بعد عام أو أكثر. وإن تم اعتقالنا وتوقيفنا، فستأتي بعدنا أجيال وقريباً سيحملون عنا المشعل".

"إما الاستكانة أو النضال"

أما معطر، فيرى بوجود خيارين اثنين حول مستقبل المشهد والعمل السياسي في البلاد: "فإما الاستكانة والصمت وحينها ستحل الكارثة الجماعية، وإما تتحمل الناس مسؤوليتها وعليها النضال في نطاق السلم المدني وطبق القانون وعدم السكوت عن الظلم ومحاربته بكل الوسائل المتاحة حتى يفهم أولئك الذين مسكوا بزمام البلاد، لا السلطة فقط، أن البلاد ليست سائبةً وليست حديقةً لقيس سعيّد أو لجماعته"، حسب تعبيره.

ويختم قائلاً: "تونس متنوعة وواسعة وعلينا أن نشهد التشارك في ما بيننا ونتعايش طبق الشروط التي نتفق عليها وليس وفق شروط يضعها شخص واحد ويريد أن يفرضها بالتعسف والقمع وبخرق القوانين".

وعن مصير العريضة وهل ستلقى آذاناً صاغيةً، يرى وليد العربي أنها لن تحدث أثراً مباشراً ولن تخرج الناس من المعتقلات، ولكنها ستحدث أزمةً سياسيةً في ضمير الأطراف التي تحكم سواء رئيس الجمهورية أو وزيرة العدل أو الحكومة وقضاة التحقيق، وستحدث لهم نوعاً من "الخلخلة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image