شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"كم مرة علينا أن ندفن أهلنا؟"… "فردوس" القاهرة يطرد موتاها والأحياء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الاثنين 19 يونيو 202304:11 م

قبل مولد القاهرة، كانت قرافتها تمتد في ظل "الجبل" العظيم الذي تسميه حقائق الجغرافيا "هضبة المقطم" ويربطه مسلمو مصر وقبلهم أقباطها بمعجزات عديدة حققها الله لنصرة القديسين، حتى أن أحدهم نقل الله له الجبل شاهداً على صحة إيمانه المسيحي، فلما مات دفن في الجبل، وباتت كنيسته التي بنيت لتخليد ذكرى المعجزة "دير الأنبا سمعان الخراز" تحفة معمارية حديثة لا مثيل لها بين كنائس الشرق، يحج إليها مسلمو مصر قبل مسيحييها طلباً للبركة واجتراحاً للمعجزات. 

تمددت "القِرافة" عند سفح المقطم وتعاظمت حتى بعد بناء القاهرة وانتقال العاصمة إليها من الفسطاط، وظلت أجساد المصريين والوافدين عليهم الذين عاشوا بينهم تنتقل للدفن فيها، وتتراكم فوقها قرناً تلو الآخر، لا يعكر صفو مرقدها إلا قرارات مفاجئة لقادة سجلوا أمجاداً إنشائية كانت تاتي على حساب أجساد الموتى ومُستقر الأحياء الذين اختاروا السكن في جوارهم، خاصة أن تلك القرافة العظمى، تضم رفات نفر عظيم من آل بيت النبوة، وغير قليل من الأولياء الصالحين الذين تعلقت بهم قلوب المصريين.   

قبل أن تولد القاهرة، كانت قرافتها تمتد في ظل "الجبل" العظيم الذي تسميه حقائق الجغرافيا "هضبة المقطم" ويربطه مسلمو مصر وقبلهم أقباطها بمعجزات عديدة حققها الله لنصرة القديسين

في خططه يصف المقريزي المقطم، بأنه "جبل متّصل بمصر، يوارون فيه موتاهم، ولهُ خاصية في حفظ الأموات ليست لسواه. وفي سفحه، مقابر أهل الفسطاط والقاهرة، والإجماع أنه ليس في الدنيا مقبرة أعجب منها، ولا أبهى ولا أعظم من أبنيتها وقبابها وحجرها، ولا أعجب تربة منها كأنّها الكافور والزعفران، مُقدسة في جميع الكتب، وحين تُشرف عليها تراها مدينة بيضاء، والمقطم عالٍ كأنه حائط من ورائها".

"أيا من قد وقفتَ أمام قبري 

سَلْ الغفران من ربي الكريم"

يونيو / حزيران 2023، شمس القاهرة حارقة، رُكام الهدم في كل مكان، وذكريات المقابر التاريخية لم تعُد كما كانت، صحيح أن "حوش الباشا"، حيث ترقد أسرة محمد علي ما زال موجوداً، لكن الكثير من المقابر المهمة تمّ هدمها: مثل الإمام ورش بن نافع، صاحب ثاني أشهر قراءات القرآن الكريم، مقبرة الكاتب والأديب يحيى حقي، مقبرة عبدالله زهدي، خطّاط الحرمين الشريفين، مقبرة علي بيه بهجت، أول أثاري مصري، وآخرين. وفيما حظت مقابر المشاهير والأئمة ببعض الاهتمام الشعبي، بقيت قبور الآباء والأجداد الذين لم يتركوا أثراً في كتب التاريخ؛ بلا بواكي لها. 

فيما حظت مقابر المشاهير والأئمة ببعض الاهتمام الشعبي، بقيت قبور الآباء والأجداد الذين لم يتركوا أثراً في كتب التاريخ؛ بلا بواكي لها 

صور من المقابر التي يتم هدمها في المقطم - رصيف22

مقابر العظماء والبُسطاء، تم هدمها ضمن مخطط للتطوير، بدأ قبل نحو عامين، عندما أعلنت محافظة القاهرة عن خطة لإزالة 2700 مقبرة في القاهرة القديمة، ضمن مخطط بناء محور "الفردوس"، للربط بين منطقة وسط القاهرة، والمحاور الرئيسية الطولية "صلاح سالم – الأتوستراد – امتداد محور المشير طنطاوي، والطريق الدائرى، والقاهرة الجديدة، وصولاً إلى العاصمة الإدارية الجديدة. وفقاً لـ"خريطة مشروعات مصر".

يقول المقريزي في خططه إنه عندما دُفن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بن أيوب، بجانب قبر الإمام الشافعي، وبنى قبة على قبر الشافعي، نقل الناس أمواتهم من القرافة الكبرى إلى ما حول الإمام الشافعي، وأنشأوا هناك تُرباً عُرفت باسم "القرافة الصغرى"، وحيثُ كان هناك ميدان واحد يتسابق فيه الأمراء والأجناد، فيما يجتمع الناس للفرجة على السباق، فانقسمت الطرق في القرافة وتعدّدت بها الشوارع.

صور من المقابر التي يتم هدمها في المقطم- رصيف22

يمتد مشروع "محور الفردوس" على مسافة تصل إلى 17 كيلومتراً، ولا تزال خطة الإزالات المرتبطة به غير معلنة التفاصيل، ويفاجأ عدد من المواطنين يومياً بأن المخطط يشمل مقابر عائلاتهم

رُفات تبحث عن مقبرة

تتأوه منى حسن بصوت مكتوم، منذ أن تلقت إخطاراً بهدم مدفن العائلة، الواقع عند كوبري السيدة عائشة. أخبرها حارس المقبرة بذلك قبل ثلاثة أسابيع، جاءها الخبر مُزلزلاً؛ خاصة أنه على مدار سنتين قيل لهم إن مقابر المنطقة التي تصل بين مسجد السيدة عائشة والسيدة نفيسة لن تُزال: "مؤخراً عرفنا إنها هتتزال وإنهم مش هيسيبوا حاجة". 

منذ عام 2019 تُزال المقابر في منطقة القاهرة التاريخية، في البداية كان السبب إنشاء متحف الحضارة والكوبري المسمى باسمه، بعدها ظهر مشروع "محور الفردوس" الذي يمتد من نفق أبو حشيش أسفل شارع أحمد لطفي، إلى محور المشير طنطاوي، ماراً بشارع ابن قنصوة وحي منشية ناصر، أي أنه يمتد على مسافة تصل إلى 17 كيلومتراً، ولا تزال خطة الإزالات المرتبطة به غير معلنة التفاصيل، ويفاجأ عدد من المواطنين يومياً بأن المخطط يشمل مقابر عائلاتهم. 

صور من المقابر التي يتم هدمها في المقطم- رصيف22

منهم منى، التي تشعر بظُلم بيّن ممزوج بإحساسها بالعجز، خاصة أن والدها لم يمرّ على وفاته سوى 7 سنوات، بحثت حسن عن إجابة لسؤال "متى يتحول الجثمان إلى تراب؟"، لكنها لم تصل لإجابة واضحة، ومنذ فترة تم تجديد المقبرة الخاصة بوالدها "وقتها أخويا قالي إن جثمان أبويا لسه موصلش لمرحلة العضم"، ما جعلها تتساءل في مرارة "المؤلم في الموضوع أننا مطلوب مننا ندفن الميت بتاعنا كام مرة؟".

اقرأ ايضاً: لثقافة المصريين رأي آخر... "حُرمة" الموتى ليست قاصرة على أجساد المشاهير

الأسئلة بداخل منى لم تنته عند ذلك، بل بحثت أيضاً وراء الجانب الفقهي لنقل رفات الأموات، ومدى تحريمه، ووجدت العديد من الأحاديث التي تنهي عن الاستهانة بجثث الموتى "لقيت أحاديث صحيحة بتقول إن لو كسرت للميّت عضمة؛ كأنك أذيته وهو حي"، بعد الوصول إلى تلك المرحلة في البحث توقفت منى: "أعصابي تعبت، واحنا للأسف لا نملك أي شيء حتى حق الاعتراض".

الابنة المضطرة إلى إعادة دفن جثامين ذويها، تستنكر كون الحوار العام حول مسألة إزالة المقابر تهتم بالجانب التاريخي والثقافي والجمالي فقط ولا تملك سوى اقتباس فتوى دار الإفتاء -التي أزالتها الدار مؤخراً من صفحتها الرسمية- عن حُرمة نقل جثث الموتى

لم تجد منى أمامها سوى الامتثال، ونقل رفات أفراد العائلة إلى مقابر خصصتها السلطات في مدينة 6 أكتوبر، شريطة عدم وضع شواهد أو علامات، وهو الأمر الذي يتكفّل به شقيقها، يضمّ المدفن عدد كبير من أفراد العائلة التي تصل إلى الأجداد، أي أن تاريخ المدفن يعود تقريباً إلى أوائل القرن العشرين.

التاريخ وحده لا يكفي

الابنة المضطرة إلى إعادة دفن جثامين ذويها واستبدال صورة جثثهم المتآكلة بصورهم الباقية في ذاكرتها، تستنكر كون الحوار العام حول مسألة إزالة المقابر تهتم بالجانب التاريخي والثقافي والجمالي فقط:"أيوة يا جماعة إحنا كمان لينا ميتين والله". تضحك في مرارة، ولا تملك سوى اقتباس فتوى دار الإفتاء -التي أزالتها الدار مؤخراً من صفحتها الرسمية- عن حُرمة نقل جثث الموتى، معُلّقة عليها بحسابها الشخصي على الفيسبوك "مش مسامحة في نقل جثمان والدي".

صور من المقابر التي يتم هدمها في المقطم- رصيف22

وفقاً لقانون رقم 5 سنة 1966 في شأن الجبانات، وبالرجوع إلى المادة رقم 11، ففي حالة إلغاء الجبانة لأي سبب من الأسباب، يتم نقل رفات الموتى إلى مكان يحدده المجلس المحلي المختص، وإذا نقل المجلس الرفات، يتحمل مصاريف النقل، فيما يتم تشكيل لجنة من مندوب عن وزارة الصحة والمجلس لمعاينة أرض الجبانة المُلغاة والتأكد من خلو أرضها من الرفات.

أما بخصوص نقل الرفات أو استخراج الجثث الحديثة نسبياً، تنصّ المادة 17 من القانون نفسه، يُقدم طلب للجهة المختصة مرفقاً بأوراق تضم موافقة الورثة الشرعيين على النقل وشهادة رسمية بتاريخ وسبب الوفاة، ولا يجوز إخراج أي جثة قبل مرور 6 أشهر على الوفاة، وفي حالة الوفاة بسبب أي مرض وبائي أو عدوى، لا يجوز النقل قبل سنة على الأقل.

كما لا يجوز إخراج جميع الجثث من جبانة معينة إلا بعد مرور 10 سنوات من تاريخ آخر دفن فيها، ويجوز إنقاص هذه المدة بناء على قرار من وزير الصحة.

كباقي سكان المقابر، ترى أم أكرم معدات البناء في كل مكان حولها "محدش بلغنا بحاجة، هم بيعتبرونا زينا زي الميتين مش موجودين"

سكان المقابر الأحياء يبحثون عن مستقرّ أيضاً

داخل شارع "عين الحياة"، تجلس أم أكرم مُنتظره الموت، عبارةٌ صادمة تقولها السيدة الستينيّة لكل المارة، بمنطق "يعني أموت واستريح بدل ما اتبهدل على آخر أيامي، لو سبت هنا أروح فين؟". 

تعيش أم أكرم في غُرفة بجانب المقابر، تبلغ مساحتها أمتار قليلة، ويسكن معها أيضاً نجلها وزوجته وأولاده، بدلاً من إيجار شقة مستقلة لا يقدر على سداد إيجارها.

منزل أم أكرم في منطقة المقابر في المقطم- رصيف22

 جاءت أم أكرم  إلى مقابر الإمام الشافعي، مُنذ 40 سنة تقريباً: "أنا جيت هنا وأنا عندي 14 سنة، كنت بنت صغيرة ماعرفش قالولي هنجوّزك، قلت لأمي (ماحبّش أعيش في المقابر)، لكن محدش سمعني، أول ما جيت كنت بخاف من العفاريت".

رأت أم أكرم عملية نقل رفات الموتى، إذ تقول: "ده خلّوا الميتين عريانين، الترب كانت بتتهد والكلاب بتنهش في الجثث، صحيح بلغوا ناس يستلموا لكن في ناس مجتش"

في صِباها، تزوّجت من رجل يعمل خياطاً يُحيك الملابس: "كان الحال على القد، وهو كان أبوه تُربي بيدفن الموتى، جينا عشنا هنا". وبعد وفاة زوجها منذ 4 سنوات، لم تمتلك السيدة الستينيّة سوى معاش قيمته 400 جنيه (13 دولار) والبُكاء.

كباقي سكان المقابر، ترى أم أكرم معدات البناء في كل مكان حولها "محدش بلغنا بحاجة، هم بيعتبرونا زينا زي الميتين مش موجودين"، رأت السيّدة أيضاً عملية نقل رفات الموتى، إذ تقول: "ده خلّوا الميتين عريانين، الترب كانت بتتهد والكلاب بتنهش في الجثث، صحيح بلغوا ناس يستلموا لكن في ناس مجتش، قالوا (الروح خلاص صعدت للي خلقها) و(الحي أبقى من الميت)".

وكباقي سكان المقابر لا تعلم أم أكرم مصيرها: "ما نعرفش حاجة إحنا على الله"، وليس لديها أي أمنيات سوى واحدة "بتمنى لما يجي الدور عليا وينقلوا المقبرة اللي عايشين جنبها، أكون مُت خلاص"، تُبادر لتأكيد أنها لا تطلب شيئاً من مسؤول أو حكومة، بل "من الله وحده… عُمرك يا رب ما ردتني، اسمع طلبي لمرة أخيرة".

صورة لتابوت ملقي في منطقة المقابر التي يتم هدمها في المقطم- رصيف22

حين تسير في مقابر القاهرة التاريخيّة، تشعر وكأنك في أحد الأحياء السكنية، صرخات أطفال، سيّارات، محال تُجارية بسيطة وشوارع لها أسماء مثل "الهواري"، "عين الحياة"، و"باب الوداع". 

بحسب كتاب "عمارة للموتى" للدكتورة جليلة القاضي، وهي واحدة من أهم الباحثين المصريين في التراث المعماري، ومن أنشط المنادين بوقف الإنشاءات في مدينة الموتى، كان التعداد الرسمي لسكان المقابر في عام 1986، لا يتجاوز 15 ألف نسمة، لكن مدينة الموتى حالياً يسكنها مئات الآلاف على اقل تقدير. ويتنّوع السكان بين التُرابية، وحفاري القبور، وورثة، وباعة متجولين، وعاطلين عن العمل، وقراء القرآن، وغيرهم ممن لن يجدوا مثل هذه الإيجارات الرخيصة في أي مكان، وأحياناً تمكث عائلة مجاناً بجانب المقبرة، مقابل حمايتها وصيانتها.

يجلس محمد حسنين أمام غرفة إسمنتية، كُتب عليها بخط أحمر "محمد"، الغرفة التي كانت حوش سابق، وبعد هدمه ونقل رُفات أصحابه إلى مقابر 15 مايو، اتخذ عم محمد منه مستقراً له. وحلّت "غسالة" و"تلاجة" محلّ عظام الأموات

في الجوار كان ياسين، ذو الإحدى عشر عاماً يساعد بعض الغرباء في المرور بين المقابر التي يعرفها ككف يده، يسير بينما يُلقي تحذيراته على مسمع الغرباء "متمشوش لوحدكم هنا بالليل، هنا ناس بيحششوا وفيه اللي بيغتصبوا بنات"، مُشيراً بيده إلى حقنة مُلقاة على الأرض.

لذا يرى ياسين أن تلك المشروعات ضرورية، ولا ضرر من إزالة المقابر "لازم يشيلوا عشان الدنيا تنضف، وأكيد الناس هيعوضوهم"، وجهة نظر الصبي تلك لا تنبع فقط من سوء حال المقابر ليلاً، بل لإهمال بعض الأهالي لحالة مقابر ذويهم، وخلال سيره يقول ياسين لمن معه مُشيراً بيده إلى أحد المدافن التي يملؤها نبات الخوص "شايفين الإهمال". 

صور من المقابر التي يتم هدمها في المقطم- رصيف22

محمد حسنين بائع كان يعيش في منزل متصدّع في السيدة زينب، وعندما أعلنوا في 1971 أن المنزل لم يعد صالحاً للسكن الآدمي، لم يجد أمامه مأوى سوى المقابر.

وضعه يكاد يتطابق مع وضع عم محمد، الذي وجدناه حين ذهبنا إلى المقابر، جالساً أمام غرفة إسمنتية، كُتب عليها بخط أحمر "محمد"، الغرفة التي كانت حوش سابق، وبعد هدمه ونقل رُفات أصحابه إلى مقابر 15 مايو، اتخذ عم محمد منه مستقراً له. وحلّت "غسالة" و"تلاجة" محلّ عظام الأموات.

منذ أكثر من 30 عاماً، كان عم محمد يعمل "ترزي" في عمارة ستراند. تراكمت عليه الديون بسبب الضرائب. فانتقل إلى مدينة الموتى، حيثُ حوش عائلته، المقابل لحوش الملكة ناريمان. ثم عمل ترابياً (لحَّاد) مع أحد أسطوات المنطقة، فشرَب الصنعة عن ظهر قلب.

نسأله: "مش خايف على الأوضة اللي أنت قاعد فيها؟"، ويُجيب: "هنا أنا عايش ببلاش، في الإسكان واخدين اسمي، أنا قرفان من القرافة. نفسي أدخل حمام زي الناس. لكن يوم ما يجي الطوفان هامشي هاعمل إيه".

في 30 مايو/ أيار الماضي تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعوى عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري، بمجلس الدولة، تطالب بوقف أعمال إزالة وهدم المقابر والمباني الأثرية والتراثية، وذات الطابع المعماري المميز، ولكن الدعوى تم رفضها

جثامين لن تضمها "مقبرة الخالدين"

تشكو الدكتورة مونيكا حنا، عميدة كلية الآثار والتراث الحضاري، من عدم توافر معلومات وأرقام دقيقة عن عدد المقابر التي تمت إزالتها، وتذكر لرصيف22 أنه يوجد قرار صادر عن المجلس الأعلى للآثار بتشكيل لجنة لجرد جبانات القاهرة، وما بها من معالم أثرية وتحف منقولة، وتسجيل غير المسجل منها في عداد الآثار الإسلامية، وصدر القرار الوزاري رقم 186 لسنة 2015 بتاريخ 23 إبريل/ نيسان 2015، غير أن القرار لم يُنفذّ حتى هذه اللحظة. 

صور من المقابر التي يتم هدمها في المقطم- رصيف22

الرقم المُعلن حتى الآن بشكل رسمي هو إزالة 2700 مقبرة، كما ذكرت العديد من التقارير الصحفية.

وفي 30 مايو/ أيار الماضي تقدم المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعوى عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري، بمجلس الدولة، تطالب بوقف أعمال إزالة وهدم المقابر والمباني الأثرية والتراثية، وذات الطابع المعماري المميز، واختصمت الدعوى كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزيري الآثار والإسكان، ورئيس مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار، ومحافظ القاهرة، ورئيس هيئة التنمية الحضرية، ورئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري.

وتأتي الدعوى التي تقدم بها المركز، نيابة عن بعض المتخصصين في التراث، من بينهم؛ جليلة القاضي، ومونيكا حنا، وسالي سليمان وطارق المري.

إلا أن الدعوى تم رفضها كما تؤكد حنّا. ورغم رفض الدعوى، تتمنى عميدة كلية الآثار أن التوجيه الرئاسي بتشكيل لجنة متخصصة لتقييم الموقف تكون "الرد الإيجابي لرفض الدعوى".

ورداً على شهادات الأهالي وسكان المقابر ، وآراء المتخصصين، حاولنا التواصل مع وليد يوسف، مدير إدارة الجبانات بمحافظة القاهرة، الذي قال في تصريحات صحافية سابقة "إحنا مش بنهد على دماغ الميتين"، مضيفاً أنه في حالة إزالة المقبرة، يتم إبلاغ التُربي، وبالتالي يُبلغ أصحاب المقبرة. لكن بعد تصريحاته تلك، رفض الإدلاء بأي تصريحات حول إزالة المقابر، مؤكداً أن التصريحات الإعلامية حالياً تُدلي بها عزة عتريس، مدير إدارة الإعلام بمحافظة القاهرة.

أُزيلَت مقابر شخصیات یخلدھا التاريخ المصري والعربي، من دون حتى إخطار ذويها، ومنها مقبرة شاعر النیل حافظ إبراھیم، ومدافن عائلة ذو الفقار التي تضم رفات الملكة فریدة

وبالرجوع إلى عتريس، للحصول على رد على شهادات الأهالي وسكان المقابر، أكدت أن مصدر المعلومات الوحيد الآن هو "بيان مجلس والوزراء وبيان رئاسة الجمهورية" فقط، وبالتالي لا يمكنها الإجابة عن أي أسئلة.
سبق أن عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، اجتماعاً لمتابعة مستجدات مشروع "تطوير منطقة القاهرة الإسلامية"، إذ أكدت رئاسة الجمهورية أن "الاجتماع تطرق إلى المدافن التي يتم إزالتها، حيث تم التأكيد أن هناك تكليفاً ببناء بديل لها على أعلى مستوى، والدولة ستتحمل نفقات النقل وإجراءاته بشكل كامل، وتم بالفعل تسليم عدد كبير من المدافن الجاهزة لمحافظة القاهرة، علما بأنه لن تتم إزالة أي مقبرة أثرية".
فيما أدان حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي"، في بيان، الحملة التي تشنها السلطات لإزالة عدد كبير من المقابر الخاصة بشخصيات تاريخية أثرت الحياة المصرية، داعياً الحكومة إلى إجراء حوار مجتمعي حول تلك الإزالات، يضم خبراء في الآثار والتخطيط العمراني، للاستماع إلى آرائهم بشأن الحفاظ على التاريخ والتراث.

وأضاف الحزب أنه "أُزيلَت مقابر شخصیات یخلدھا التاريخ المصري والعربي، من دون حتى إخطار ذويها، ومنها مقبرة شاعر النیل حافظ إبراھیم، ومدافن عائلة ذو الفقار التي تضم رفات الملكة فریدة (رفاتها نقلت للمقابر الملكية بمسجد الرفاعي العام الماضي)".
وتابع الحزب: "عشوائیة اتخاذ القرار، وعدم التنسیق بین أجھزة الدولة لإخطار أھالي الموتى، جزء من تدمیر ذاكرة الأمة. كذلك، تبریر الإزالة بتحدیث العمران وتسھیل المرور، أمر غیر مقبول، إذ إن الأولویة دائماً للحفاظ على الحضارة والتراث، وتبریر أن ھذه المقابر غیر مسجلة كآثار، أمر مرفوض أيضاً، لأنھا جزء من ذاكرة مدینة القاھرة، ومن تاریخ المصریین".
وأخيراً، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإنشاء «مقبرة الخالدين» في موقع مناسب، لتكون صرحاً يضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في رفعة الوطن، على أن تتضمن أيضاً متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء، بحيث يشمل المتحف السير الذاتية لعظماء الوطن ومقتنياتهم، ويكون هذا الصرح شاهداً متجدداً على تقدير مصر لأبنائها العِظام وتراثها، ولتاريخها الممتد على مر العصور والأجيال.

"مقبرة الخالدين" في رأي دكتورة مونيكا تمثل بديل جيد للمقابر التاريخية التي أزيلت، لكنها ليست بديلاً عن الحفاظ عن "المقابر الموجودة، سواء التاريخية أو العادية"، فيما تأمل حشد رأي عام قوي يصل لصانعي القرار بأهمية التراث وإمكانية الحصول عبره عن دخل قومي "زيه زي حقول البترول"، فجبانات القاهرة التاريخية هي الأصول الثقافية للدولة "ونقدر نستفيد منها بدل هدمها"، وتتمنى أيضاً وجود حوار وطني حول القضايا الخاصة بالتراث.

-------------------------------

تصوير نورهان مصطفى ورنا الجميعي

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image