تشتهر سوريا أكثر من أي بلد عربي بكثرة وبلاغة الأمثال الشعبية فيها، فلكل مناسبة مثل شعبي، ولكل قصة ذاكرة محفوظة في جملة يغلب عليها طابع السجع، أو الطرافة، أو المفاجأة.
في التقرير التالي بعض من أكثر الأمثال الشعبية السورية سخرية، وطرافة، وقسوة في بعض الأحيان، والتي يتداولها الناس فيما بينهم عن القرى وطبائع أهلها، بما يثبت أن "المثل ما خلّى شي إلا وقاله".
بقيت الجدة نجوى (72 عاماً) صامتة تستمع لكلام الأحفاد المراهقين وأهلهم، حتى نطق حفيدها أحمد (16 عاماً) قائلاً إنه يحب أن يتزوج في المستقبل من شابة قوية ذات إرادة مثل والدته، لترّد عليه الجدة الصامتة بكل رزانة: "إذا بدك وحدة شمطرية دونك وبنات القطرية".
انهالت بعدها الأسئلة على الجدة حتى تخبرنا معنى عبارتها، وتوضحها بأن "شمطرية" تعني المرأة القوية والقطرية اسم إحدى قرى ريف اللاذقية، وسابقاً لم تكن المرأة القوية مرغوبة للزواج، وكان المثل بمثابة تحذير شعبي إن جاز التعبير لكل رجال سبعينيات القرن الماضي، حين كانت المرأة الجميلة عبارة عن "تم بياكل ولسان ما بيحكي".
مثل لكل قرية
المثل الشعبي السابق والفريد من نوعه، دفعنا لسؤال الجدة نجوى عن أمثلة أخرى مشابهة، تختص باللاذقية ومناطقها، لتؤكد لرصيف22 أن هناك الكثير من الأمثلة المشابهة كانوا يرددونها في السابق، مثل "إذا بدك تتعلم الحربقة امرقلك مرقة عالقنجرة".وفي رواية أخرى تستبدل كلمة "الحربقة" بـ"الخنزرة"، والقنجرة اسم قرية، بينما "الحربقة" أو "الخنزرة"، تعني الشخص الذكي اللعوب الذي لا يستعصى عليه شيء.
"الشمطرية" تعني المرأة القوية و"القطرية" اسم إحدى قرى ريف اللاذقية، ولأن المرأة القوية لم تكن مرغوبة للزواج، جاء المثل "إذا بدك وحدة شمطرية دونك وبنات القطرية" بمثابة تحذير
كانت الأمثال الشعبية جواز سفر بين المناطق، في وقت كان التواصل بين أهلها بالحد الأدنى، بسبب عدم وجود مواصلات أو وسائل اتصال، وهذا ما تسبب بتكريس التعميم السلبي الذي تنادي به تلك الأمثال الشعبية في بعض الأحيان.
كشاهدة على هذا الكلام، تقول الجدة أم عدنان (83 عاماً) لرصيف22 إنهم في سبعينيات وستينيات القرن الماضي، كانوا يتجنبون تزويج بناتهم لأهالي قرية "كرسانا"، بسبب المثل القائل "إذا بنتك كرهانا أعطيا لكرسانا".
لم يفكر كُثر بالبحث عن سبب قول هذا المثال، لكنّ هناك عدة روايات متداولة حوله، الرواية الأولى تقول إن أحدهم زوّج ابنته لأحد أهالي القرية المذكورة، وعانت كثيراً مع زوجها، لينطق والدها العبارة وتتحول إلى مثل شعبي متداول بكثرة. بينما تقول رواية أخرى إن أهالي "كرسانا" كانوا سابقاً يعملون ليل نهار بالأرض والمواسم الزراعية، ما يعني أن الزوجة ستكون جزءاً من هذا العمل الشاق، علماً أن غالبية أراضي "كرسانا" اليوم تحوّلت للاستثمار بالبناء والعقارات.
تقول الثمانينية أم عدنان إن المثل "إذا بنتك كرهانا أعطيا لكرسانا" كان السبب في تجنب كثير من الناس تزويج بناتهم من تلك القريةوتتضمن ذاكرة المعمرين من أهالي المحافظة الكثير من الأمثال الشعبية المتعلقة بمدينتهم، مثل "إذا خطرتو للاذقاني بيخطرك عطول الزماني"، في إشارة إلى أن ابن اللاذقية لا ينسى المعروف، وسيرده بشكل دائم حتى يموت.
أشهر الأمثال الشعبية السورية
يحكى أن صبية جميلة جداً ذاع صيت جمالها، كانت تعيش مع عائلتها في قريتهم بجليوس في ريف مدينة جبلة، وكان جمالها لافتاً لدرجة أن أهالي القرية وشبابها، كانوا يسهرون يومياً عند والد الصبية الجميلة، ويتكدسون بعضهم قرب بعض، علّ أحدهم يظفر بالصبية الجميلة.ومع الزمن وتكرار السهرات اليومية، ولد مثل "داقت ببجليوس"، و"داقت" تأتي من معنى "ضاقت"، إلا أن حرف الضاد يخفف في بعض قرى جبلة.
معاني الأمثال السورية
قبل أن تدخل منزلها بعد أن خرجت كعادتها للمشي، ألقينا التحية على الجدة أم محمود (89 عاماً)، علّ ذاكرتها تسعفها ببعض الأمثال الشعبية الخاصة بالمحافظة. تقول لرصيف22، إنها تذكر مثل "علقت بزاما" أو "علقت بزاما والطبق قداما"، وكانوا يستخدمونه للدلالة على الفرح الذي تتخلله الدبكة والرقص، أو المشاكل التي تتخللها الاشتباكات بالأيدي.وتضيف أن "زاما" اسم قرية في ريف جبلة، اشتهر أهلها بقوتهم خلال التصدي للاحتلال الفرنسي، كما اشتهروا بحبهم للفرح والحفلات وحلقات الدبكة، فكان المثل يعبر عنهم خلال تلك الحقبة الزمنية.
تلوح الجدة أم محمود بيدها قبل أن تدخل منزلها، لتسند رأسها على وسادة طرية، بينما تتذكر علّقات الفرح الكبيرة في عمرها القديم، تقول: "الله يرحم هديك الأيام والدبكات.. وا بنتي".
"علقت بزاما"... والمقصودة هي قرية في ريف جبلة، اشتهر رجالها بقوتهم في التصدي للاحتلال الفرنسي، وبحبهم للحفلات وحلقات الدبكةلكنّ الجد أبو هاني (77 عاماً) ضحك بشدة ولمعت عيناه حين سأله رصيف22 عما يعرفه من تلك الأمثال، وقال إنه يكتنز بعضها، كمثل "دق الطبل بشبلو رقصوا متيعين عين جندل". أي أن الطبل حين قرع في قرية شبلو رقصوا أهل قرية عين جندل.
ويضيف أن الرواية تقول بأن أحدهم مرّ بقرية عين جندل ووجدهم يرقصون دون طبل أو زمر أو أي موسيقى، فسألهم عن السبب، ليقولوا له "ما سامع صوت الطبل بشبلو"، وهي قرية تبعد 7 كم عنهم، فبات المثل يطلق على أي شخص يحتفل أو يقوم بأمر ما لا يعنيه.
وأمثال شعبية مضحكة
يرفض الباحث التراثي حيدر نعيسة، إطلاق صفة الأمثال الشعبية على تلك المقولات، فهي لا تحمل أي قيمة معرفية وليست خلاصة زمن أو خبرة، ويقول إن الأصح أن يطلق عليها اسم تعابير شعبية، تمّ استخدامها بدافع المزاح والظرافة وخفة الدم، أو أنها كانت تعبير ظرفي لزمن محدد وعلاقة محددة.ويضرب مثلاً على حديثه المثل القائل "صفصاف لا تزرع، سواحلي لا تصاحب"، والذي يقصد به أن أهالي الساحل ليسوا أصدقاء، مثل شجر الصفصاف الذي لا يثمر ولا نفع منه، وهو تعبير شعبي يتنافى مع التعبير القائل "إذا خطرتوا للاذقاني بيخطرك عطول الزماني".
ويذكر مثالاً آخر عن التعبير الشعبي القائل "عاشر الكلبة وولادها ولا تعاشر أهالي بسنادا"، وبسنادا إحدى ضواحي مدينة اللاذقية، ويقول نعيسة إن تعميم هذا المثل خاطئ وعلى الأرجح أن أحدهم قاله نتيجة عداوة أو خصومة ما، وبالتالي فإن التعميم خاطئ بالمطلق موجهاً تحيته لأهالي بسنادا.
ويروي نعيسة لرصيف22، عن عبارة يستخدمها أهالي طرابلس في لبنان، وهي "اللمع اللاذقاني صادقاني"، بمعنى أنهم حين يرون البرق من جهة اللاذقية فإنها ستمطر بالتأكيد.
"متل غزيّل طرجانو"، يحكي الباحث في التراث أن حكاية هذا المثل هي أن رجلاً كان وسيماً وجميل الشكل وكان أيضاً سريعاً في المشي والركض، لكن لم يكن يعمل أو يبالي بشيء، فبات المثل يطلق على كل عاطل عن العمل غير مبالي بالظروف من حوله.
مشقيتا كل العالم عشقيتا
تعتبر مشقيتا إحدى أكثر قرى اللاذقية شهرة، وإحدى أهم الوجهات السياحية فيها، ومن جمالها وجمال طبيعتها انتشر المثل القائل "مشقيتا ويا مشقيتا كل الناس عشقيتا".كان هناك رجل وسيم وسريع المشي، لكنه لا يعمل وغير مبالٍ، وعنه قيل المثل "مثل غزيّل طرجانو" في إشارة إلى الجمال غير المفيدمثل آخر يعبر به أهالي القرية عن حبهم لها ولطبيعتها، يقول "يا تقبشني مشقيتا لولا الديس ما قشيتا"، والديس هو نبات بري شائك، يعيق الفلاحين عن الزراعة، ويبدو أن قائل هذا المثل أحد أهالي القرية الذي قرر أن يعبر عن حبه لها لدرجة أنه لولا الديس لما غيّر في طبيعتها وأشجارها من شيء.
وتتفرد محافظة اللاذقية بتلك العبارات الشعبية التي تطلق على بعض مناطقها، بينما هناك عدد أقل من تلك العبارات في باقي المحافظات السورية الأخرى، أشهرها مثل "إذا أمحلت حوران، جاعت روما"، ويقصد به أن سهل حوران يعتبر سلة غذائية كانت تصل مزروعاتها إلى أوروبا في زمن ما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...