يقال في سوريا إن "أهل أوّل ما تركوا شي ما قالوه". هذه الجملة كثيراً ما تكون مقدمة لأحدهم للإدلاء بأحد الأمثال الشعبية، التي تصب في مصلحته أو تناسب رأيه، واعتبار أنها حكم وعبر، خصوصاً أن قلّة يجادلون بها.
فإذا كنت ممن ينطربون لسماع الأمثال الشعبية في الأحاديث اليومية والمسلسلات التلفزيونية، وتعتبر أنها حكم تصلح لحياتنا اليوم، فسنصطحبك في جولة نتأمل فيها عشرات الأمثال الشعبية الشائعة في سوريا عن المرأة وحياتها.
تصبغ الأمثال الشعبية الأنثى بصفات معينة، كأنها كثيرة الكلام فـ"لسان البنت متل شعرها كل فترة بدو قص"، و"أعطي الخرسى سر بتصير بلبل"، وخبيثة كالشيطان، فقيل "حطو المرا وإبليس بالكيس طلع إبليس من الكيس عم يستغيث"، و"كيد النسا مين قدو لو مال عالحيط بهده".
عمل الأنثى في عالم الأمثال واضح ومحدد، وهو تنظيف البيت والاعتناء بالأطفال: "فلو طلعت البنت عالمريخ آخرتا عالطبيخ"، و"المرا كل ما اشتغلت بتتجوهر"، وإذا كانت "وحدة نفسة والتانية عروس وما بنعرف مين بدو يحوس".
ومهما اختلفت المرأة عن عائلتها، تعلمت أو عملت أو اكتسبت خبرات، لا ينظر إليها إلا من منظور العائلة، لأن "طب الجرة على تمها بتطلع البنت لأمها"، ومكانتها لا ترتفع إلا إذا أنجبت صبياً فـ"أم البنت مسنودة بخيط وأم الولد مسنودة بحيط". وإذا حدث أن اكتسبت مكانة معينة، استحقت أن تسمع "صار للشوحة مرجوحة ولأبو بريص قبقاب"، و"بعد ما كانت خادمة صارت في البيت حاكمة"، وفوق كل هذا "هم البنات للممات".
حلوة وبشعة
وفقاً لخطاب الأمثال الشعبية، فالمرأة إما جميلة أو بشعة، ولا درجات بينهما، والأولى استحقت الثناء والمديح، فـ"الكويسة كويسة من فيقة منامها والبشعة بشعة من طلعة حمّامها"، "والحلوة حلوة لو صارت نانة وكنة"، و"إن قامت بتبين وإن قعدت بتزيّن". واستحقت الثانية الذم "الشرنه شرنة، لو حطت كحلة وحنة"، "وطول عمرك يا تينة مجعلكة"، و"الكوع كوع لو ضلت تتمكيج أسبوع". والمرأة التي تحاول تحسين مظهرها، قيل عنها "شكلها شكل القردة وشاكلة براسها وردة" و"قرعة ومشطها نص ذراع"، و"لبّس المكنسة بتصير ست النسي"، و"لبس العود بيجود"، و"لولا علبة مكي كانت الحالة بتبكي". وبالطبع، يحث خطاب الأمثال الشعبية على الزواج من الجميلات، ونبذ غيرهن. وحين يحدث العكس يقال "لكل قمحة مسوسة كيال أعور"، وستجد صاحبة النصيب من يذكرها على الدوام بأن "لابق للشوحة مرجوحة ولأبو بريص قبقاب".كنة وحماية
ترسخ الأمثال الشعبية السورية شكلاً واحداً للعلاقة بين الحماة والكنة، كراهية وحرب مستعرة. فيقال: "مكتوب عباب الجنة بعمرا حماية ما بتحب كنة"، و"الحماية ما بتحب الكنة ولو كانت حورية من الجنة". وقيل للكنة التي لديها أمل بأن تحظى بحماة جيدة، تتعاطف معها وتفهمها: "قالوا للحماية ما كنت كنة قالت كنت ونسيت"، و"بتقول لبنتا قربي من جوزك دفيه، ولكنتا ولك يبعتلك حمى بعدي عن ابني خنقتيه". وينصح المثل بالبعد عن الحماة أو تدليلها: "بعد عن الحماية وغنيلها" و"مين دلل حماته كسب حياته"، و"دلّل حماتك وكساب ودها أحسن ما تفتحلك طاقة ما تقدر تسدها". أما الحماية فتحذرها الأمثال من أن تأمن لكنتها، فالكنة "أول سنة عروس تاني سنة جاسوس تالت سنة حية بسبع روس"، و"متل الحرباية بالوش مراية وبالقفا صرماية"، و"كل ما اجتمعوا الكناين كان الحكي عالحموات". ويتساءل أحد الامثال: "مين بيفضح بيت الكبير غير الكنة والأجير؟". وما على الحماة إلا أن تذكر كنتها بالمثل: "يا كنه مين علاكي غير جوزك وبيت حماكي"، و "يا أم قمباز مرقّع صرلك بيت ومربع، وكنتي تمشي حفيانة صار اسمك ست فلانة". وترى الأمثال الشعبية أن الغلبة في النهاية للحماوات: "مركب الحموات سار ومركب الكناين احتار".رجل وامرأة
أي امرأة لم تسمع منذ نعومة أظافرها بـ"يا مآمنة بالرجال، يا مآمنة بالمي بالغربال"؟ يظلم هذا المثل الرجل قبل المرأة، ويرسخ في عقول النساء بأن الرجال لم يكونوا يوماً أهلاً للثقة، ويزرع فيهن شكاً دائماً بأزواجهن. وحين تنشب الخلافات بين الطرفين، تلجم الأمثال المرأة عن التمرد على واقعها أو التفكير بالانفصال فـ"الرجال بالبيت رحمة ولو كان فحمة"، "ويلي جوزها معها، بتحرك القمر بإصبعها". في المقابل تشجع الأمثال الرجل على تعنيف زوجته، وتقول له "ضروب مرتك كل يوم إذا أنت ما بتعرف ليش، أكيد هي بتعرف"، و"إذا بدك مرتك تلين عليك بحطب التين"، و"المرا متل السجادة، كل فترة بدها نفض"، و"المرا متل الزيتون ما بيحلى إلا بالرص". أيضاً تتوجه الأمثال الشعبية للعازبين لكل من الرجال والنساء بخطاب مختلف. قيل للعازب: "خذ الأصيلة ونام على الحصيرة"، وللأرمل ليستعجل الزواج عقب وفاة زوجته: "أعزب دهر ولا أرمل شهر". أما العازبة فما عليها إلا انتظار نصيبها: "خبي العسل بجرارو حتى تغلى أسعارو"، و"يلي ببيت أهلو على مهلو". بهذه الجمل الساحرة التي تنطوي على كلمات بسيطة، ودعابة كامنة، وإيقاع موسيقي محبب للأذن، تتسرب إلى عقولنا عشرات المفاهيم المغلوطة. وبالرغم من احتواء بعض الأمثال الأخرى على حكم تستحق الوقوف عندها، فإن الغالبية العظمى تقوم على مفاهيم خاطئة كتعنيف المرأة، واحتقار مكانتها، والتقليل من شأنها، وثنيها عن العمل، وتأطير سلوكياتها، والتمييز بين الجنسيين. تعد الأمثال الشعبية وليدة ثقافات قديمة كانت سائدة في منطقتنا، ونتاج شعوب عاشت بظروف وتجارب مختلفة. مع هذا نسمح لها بالتسرب إلى أيامنا، والتأثير على حياتنا وطريقة تفكيرنا. ومن دون أن نعي، نحفظها ونضحك عليها، ونعيد روايتها وتداولها، كأننا نحرس هذه المفاهيم من التغيرات، ونضمن مرورها إلى الأجيال القادمة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...