شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
من عطر كليوباترا إلى عطر الملك فاروق... هل تستعيد القاهرة روائحها الجميلة؟

من عطر كليوباترا إلى عطر الملك فاروق... هل تستعيد القاهرة روائحها الجميلة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 26 يونيو 202311:23 ص

تندرج هذه المادة ضمن ملف "أسرار الروائح الشرقية"

 في مدينة الألف مئذنة، في قاهرة المعز لا يُسمى بائع العطر "عطاراً"، اللهجة تختلف عن سائر البلدان العربية، فلقب عطار صار يطلق على بائع التوابل والبهارات والزيوت، أما مُصنّع العطر فيُطلق عليه اليوم في اللغة الدارجة "برفيومر".

يختلف وصف العطر عند المصريين حسب اختلاف الأجيال والثقافات. في الثمانينيات كانوا يسمونها "كلونيا" أو "ريحة"، ثم سموها في التسعينيات "برفان".
الآن أصبحت كلمة "برفان" موضة قديمة بين أبناء الجيل الحالي، خاصة الطبقة فوق المتوسطة التي تستخدم الإنجليزية في حديثها اليومي فيقولون "Perfume".

عطور شارع المعز 

بالبحث عن أشهر وأقدم "برفيومر" في القاهرة، توجه رصيف22 إلى شارع المعز لدين الله الفاطمي، بين جدران مساجد ومدارس ومقاهٍ عمرها يقارب الألف عام تشعر وكأنك عدت بالزمن إلى الوراء، تسير بين بائعي الأنتيكات والعملات والجرائد النادرة، مروراً ببائعي الزخف والفوانيس والأزياء الشعبية، وصولاً إلى "الصاغة" وهي مجموعة محلات لبيع وشراء الذهب، وبجوارها أشهر بائعي العطور.
تجذب رائحة العطور الطيبة والبخور الأنف وكأنها تسير بالشخص مُكبلاً بها، ولها القدرة على خطف الأنظار عن بريق الذهب، إنه اختلاط غريب بين الروائح الشرقية والغربية وأعواد البخور لا تجده إلا هناك. 
تختلف تسمية العطر عند المصريين لحسب اختلاف الأجيال والثقافات، فمرة يسمونه "كلونيا" ومرة يسمونه "ريحة"، وفي بعض الأحيان هو "برفان" 

عائلة الحناوي 

عائلات بأكملها من جد الجد إلى الحفيد عملوا في مهنة صناعة وبيع العطور في مصر، منها عائلة "الحناوي" التي تمتلك 3 متاجر متجاورة في نفس الحي، كلهم من أحفاد الجد الكبير مصطفى يوسف الحناوي وأخوته، الذي افتتح المحل الأول سنة 1942.
استضافت محلات الحناوي رصيف22، حيث سألنا الأستاذ حسام الحناوي أحد أفراد العائلة عن أسرار صناعة الروائح الزكية في مصر وتاريخها، قال: "نحن نصدر لفرنسا. في مصر تصنع عجينة الياسمين، والتي يتم استخلاصها من زهرة الياسمين الموجودة في أكثر من محافظة من مصر، خاصة الفيوم، وتصدر بأكملها إلى الخارج، لصناعة العطور ومواد التجميل".  
تُصدّر مصر عجينة الياسمين لفرنسا، حيث تنتج في عدة محافظات أبرزها الفيوم، حيث تساهم 3 غرامات منها في صناعة 100 كغم من العطر  
ويضيف: "ثلاثة غرامات فقط من العجينة تساهم في تصنيغ 100 كيلوغرام من العطور، العجينة ثمينة جداً، وتُصدر إلى فرنسا وبقية دول العالم، وأغلب الدول التي اشتهرت بصناعة العطور ليس لديها اكتفاء ذاتي من المواد الخام، وتستورد مكوناتها من الخارج".
وبالإجابة عن سؤال لماذا لا يتم تصنيع العطور محلياً في مصر، قال العاملون في محلات الحناوي: "ليست لدينا الإمكانيات الكيميائية لصناعة العطور، في مصر نُصدر المادة الخام لعجينة الياسمين إلى فرنسا، وهناك يصنعونها ويدخلونها مع مركبات أخرى، المادة الخام المستخلصة من العجينة قد تدخل في أكثر من 100 نوع مختلف من العطر، نحن نستورد هذه المواد الخام، ونبيعها جملة إلى مصنعي العطور وبائعي التجزئة".
لافتاً إلى أن إنشاء مصنع عطور هو أمر صعب ومعقد، فهناك مواد قابلة للاشتعال، وهناك محاذير حكومية في بعض المواد المستخدمة بالإضافة إلى مراقبة التصنيع، كما أن إمكانيات الكيميائيين أنفسهم مقارنة بالخارج لا تصب في صالح التصنيع المحلي المصري.
"يعني المادة بتطلع من عندنا إحنا.. وتلف وتتصنع برة وإحنا نستوردها مرة تانية؟"
"صحيح".

عطور المصريين 

أما العطور المفضلة لدى المصريين بحسب عائلة الحناوي فتختلف بين الفئات العمرية، فالشباب مثلاً يميلون إلى العطور الغربية، أمّا كبار السن فيحبون روائح الورود مثل الفل والورد والياسمين والمسك، أما العطر الذي يتميز بالبصمة المصرية الواضحة فهو عطر كليوباترا، وله قصة أخرى.
تختلف أذواق العطور لدى المصريين باختلافهم، لكن في العموم تفضل الأغلبية الروائح القوية للسهرات، والروائح الهادئة لأماكن العمل، لكن الأغلبية تطلب دائماً الروائح ذات الثبات القوي بحسب الحناوي.

عطر الملك فاروق 

تفتخر عائلة الحناوي بأنها هي التي قامت بتركيب العطر الملكي "رائحة دلال الحب"، ويقول حسام يقول إنه صنع من تركيبة خاصة من الروائح أهديت للبلاط خلال عهد الملكية في مصر، وقد نالت استحسان الملك فاروق.
وحتى اليوم لا يزال أحفاد الحناوي يحتفظون بصورة من إحدى الجرائد المصرية القديمة، للإعلان عن هذا العطر وطرحه للجمهور في الأربعينيات من القرن الماضي. 
تفتخر عائلة الحناوي بأنها قامت بتركيب العطر الملكي "رائحة دلال الحب"، الذي أهدي للبلاط خلال عهد الملك فاروق ونال استحسانه

عطر كليوباترا 

اكتشفت بعثة علمية في منطقة الدلتا شمال مصر بقايا بعض الأواني الخزفية التي كانت تستخدم لتخزين العطور، والتي تعود للعصر الفرعوني، يُتوقع أن العطور وقتها لم تكن سائلة، بل كانت على شكل جيلاتيني كالمراهم هذه الأيام، وبعد البحث عن المواد المستخلصة من هذه الأواني وربطها بالعطور المفضلة للفراعنة بحسب بعض النصوص اليونانية القديمة، عمل كيميائيون على إعادة تركيب عطر مستخلص من مواد خام كصمغ شجرة المر الشائكة.
ورغم شهرة العطر، لا يوجد إثبات تاريخي علمي أو بحثي يثبت ارتباط هذا العطر بالملكة كليوباترا. 

مستقبل العطر المصري 

يؤكد حسام أن مصر قادرة على إنتاج أجمل أنوع العطور الشرقية لا سيما في ظل وجود العديد من المواد الخام الأساسية وعدم الحاجة إلى استيرادها، لكن لكي تقوم هكذا صناعة لا بد من وجود دعم ليس من الصعب إيجاده، يقول: "نحتاج إلى إمكانيات من معامل وكيميائيين، حتى الزجاج الفارغ المصنع بالرمل الموجود في كل مصانع مصر نستورده، لدينا هنا مواد العطر الخام ولكننا نستوردها من مصانع موازية في فرنسا وإسبانيا".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image