في المجتمع الذّكوري، وُلِد الرّجل في بيئة منحَتهُ مقدّماً امتيازات تفوق بمواصفاتها معايير الجودة-الأيزو، فهو "أبو العرّيف"، أي يعرف كلّ شيء، ويفهم في كلّ شيء، ويعلم ظواهر الأمور وبواطنها، على عكس المرأة التي وُلِدت مسلوبة، ليس فقط الامتيازات، وإنّما الحقوق.
فالمرأة ناقصة العقل والدّين وضعيفة البنية الجسدية، لذلك فهي عاجزة عن حماية أو رعاية نفسها، ومن هنا جاء الكائن الأسطورة المُسمّى بالرّجل، ليحميها ويرعاها، فهو الفاهم والعارف والعالم بكلّ شؤون الحياة، بما فيها شؤون المرأة نفسها.
يفهم الرّجل كيف تُفكر المرأة أكثر من المرأة نفسها، وكيف يتوجّب عليها أن تُفكّر، وماذا يتوجّب عليها أن تقول وأن تكتب وأن تشعر وأن تُحب، لأنّه يفهم في علم النّفس وعلم الاجتماع وفي الدّين والسّياسة والاقتصاد والرّياضة والنّساء والنّسوية، بل إن لزم الأمر فهو نسوي أكثر منها.
ويعرف الرّجل ما تُريد المرأة أكثر منها، وماذا يجب أن ترتدي، وأي جزء من جسدها عورة، وكيف يجب أن تكون أخلاقياتها، لأنّه حامل القيم العُليا والأخلاق الفاضلة ومفاتيح الجنة، فقلّة الأخلاق لا يمكن أن تمسَّه، لأنّه كامل الشّرف، ودائم الطُّهر، وأزلي النّقاء، وسرمدي الرّجولة، حتى ولو تعرّى وتحرّش واغتصبَ وسبى.
ويعلم رغباتها أكثر منها، فالمرأة كائن بارد جنسياً وعديم الشّهوة، لكن مجرد أن تُصبح زوجته عليها أن تتحول في ليلة وضُحاها لكائن مُثير وجنسي، ليس لأنّها تمتلك رغبات وحاجات مثله، بل فقط لتُلبّي شهواته، فالرّغبة وُجدت لجلالته، والجنس وُجدَ كُرمى لسمو عضوه.
يفهم الرّجل كيف تُفكر المرأة أكثر من المرأة نفسها، وكيف يتوجّب عليها أن تُفكّر، وماذا يتوجّب عليها أن تقول وأن تكتب وأن تشعر وأن تُحب، لأنّه يفهم في علم النّفس وعلم الاجتماع وفي الدّين والسّياسة والاقتصاد والرّياضة والنّساء والنّسوية
أسطورة الرّجل الحامي
تحكي الأسطورة أنّ الرّجل مخلوق خارق وبطل، فهو الفارس الشّجاع القادر على حماية الشّرف، وحماية سمعة العائلة، المرتبطان بجسد المرأة، وعلى اعتبار أنّه المالك للقوة العضلية والامتيازات التّشريعية والمجتمعية، فهو القادر على حماية جسد المرأة الضّعيفة والعاجزة عن حماية جسدها وشرفها وسمعتها، وبالتّالي حياتها.
يتبنّى المجتمع هذه الأسطورة وينسفُها في نفس اللحظة، حسب أهواء واضعي هذه الأساطير الغبية، فأين الرّجل الحامي من الأخوة الذين يسرقون حق أخواتِهم في الميراث؟ وأين الرّجل الحامي عندما تُضرَب ابنته أو أخته وتُهان وتُهدّد بالطّلاق؟ بل أين الرّجل الحامي عندما تُطلَق ابنته أو أخته وتؤكَل حقوقها وتُحرَم من أطفالها ولا تجد قانوناً أو تشريعاً يحميها، ويكون جواب الرّجل الحامي: "هؤلاء أولاده، وهو المسؤول عن تربيتهم"؟ وفي أحسن الأحوال، إن حصلت الأم المُطلّقة على حق حضانتهم، يُقال لها: "لا تتعلقي فيهم، مرجوعهم بس يكبروا لعند أبوهم ". وأين الرّجل الحامي من أنثى تتعرّض للاغتصاب، وبدل معاقبة الجَاني وإعدامه، يتم قتل الأنثى المُغتصَبة، لأنّها بذلك "نكست العكال" وأهانت شرف العائلة إلى يوم الدّين، وفي أحسن الحالات يتم تزويج الضّحية للمُعتدي ليتم بذلك قتلها وهي على قيد الحياة، فتُكمل حياتها كشبح ممسوسٍ اسمِّهِ بالعار؟
والأقسى من كلّ ما تمّ ذكره هو: أين الرّجل الحامي من آباء يغتصبون بناتهم أو يتحرشون بهم؟ وستجد أغلب من يقرأون هذه الجملة الأخيرة، يشهقون ويشتمون النّسويات ويدّعون أنّنا كاذبات ونهوّل الأمور، لكن الواقع يحكي عن قصص كثيرة سمعناها وسنسمعها لاحقاً عن أناث -ويا للأسف- تعرضن فعلياً للتحرّش من آبائهن، وفي حالات أخرى للاغتصاب مع التّهديد بالقتل لو فتحن أفواههن بحرف، مع العلم أنّهن أضعف من أن يحكين ضمن بيئة لم توفر لهن أدنى حماية.
لذلك وفي حالات عديدة تنتحر الأنثى المُغتَصبة، لأنّها نشأت في بيئة زرعت فيها الضّعف وقلة الحيلة، وأوهمتها أنّ الرّجل هو القوّام عليها والحامي لحياتها، ثمّ ما تلبث أن تكتشف أنّه الذّئب الذي سيلتهمها وسط غابة من الظّلم والاستحقار لكيانها وكينونتها.
أسطورة الرّجل الرّاعي
يُشاع في المجتمع الأبوي عبارة يوصف بها الرّجل، وهي "ربُّ البيت" أو "ربُّ الأسرة". نعم فهو بمثابة الإله العظيم الذي يُقدّم الرّعاية للمنزل والعائلة، ويتوجّب على المرأة أن تنحني له إجلالاً واحتراماً، وأن تُقبّل يديه المباركتين صباحاً ومساءً على هذه الرّعاية العظيمة التي يُقدّمها، فهو الذي يعمل ويجلب الطّعام واللباس ويدفع المصاريف، مع العلم أنَّ البديهيات العقلية تقول إنّ "من يُقدِم على شيء، يجب أن يكون مسؤولاً عنه"، فكيف لو أقدم رجل على تأسيس عائلة؟ أليس من الطّبيعي أن يُقدّم الرّعاية لهذه العائلة؟
إن طُلّقت، فالذّنب ذنبك، لأنك لم تكوني الزّوجة الصّالحة. وإن تحرّش بك، فهذا أيضاً ذنبك، وعليكِ أن تتفهمي رغباته الجنسية وتخلّفه العقلي اللذين دفعاه لهذا التّحرش، وحتى لو اغتصبك، فالذّنب ذنبك، لأنّكِ في أساطيره مجرد نكرة
نعم يُقدّم الرّعاية، لكنّها رعاية بشروط مسبقة إن تمّ الإخلال بها سيكون مصير المرأة التّعنيف اللفظي أو الجسدي أو الطّلاق، فكم من امرأة حُرمت من حقها في التّعليم، أو من حقها في إكمال دراساتها العليا، أو من حقها في العمل، أو في السّفر، أو في الخروج، وكلّ ذلك بسبب أسطورة الرّجل الرّاعي المشروطة، هذه الأسطورة التي يَقرّ بها ويدحضها في نفس الوقت، إذ يحرم المرأة من حقوقها بحجة أنّه من يقوم بالرّعاية، وبالتّالي يجب أن تكون السّلطة بيده فهو السّيد master)) وعليها أن تكون التّابع (slave)، ثمّ يترك لها أمر رعاية المنزل والأطفال وحتى رعايته هو نفسه.
المجتمع المتعاطف
يتعاطف المجتمع الأبوي المَبني على أساس أساطير عددها أضعاف مُضاعفة لِما ذُكِرَ في هذا المقال، فالرّجل دائماً على حق، وأنتِ –يا عزيزتي- دائماً المُذنبة. فإن لم تتزوجي، فهذا ذنبك لأن حسب هذا المجتمع الأبله لا يوجد دخان من غير نار. وإن تزوجت، وقام بتعنيفك لفظياً أو جسدياً، فهذا ذنبك، لأنّك لم تكوني عبدة صالحة. وإن تزوّج مرّةً ثانية، فالذّنب ذنبك، فأنتِ غير كافية لإشباع رغباته الجنسية، أو غير كافية لإنجاب قبيلة من الأولاد الذين سيحملون اسمه، وليس اسمك، أصلاً من قال إنّ اسمك مهم؟ وإن طُلّقت، فالذّنب ذنبك، لأنك لم تكوني الزّوجة الصّالحة. وإن تحرّش بك، فهذا أيضاً ذنبك، وعليكِ أن تتفهمي رغباته الجنسية وتخلّفه العقلي اللذين دفعاه لهذا التّحرش، وحتى لو اغتصبك، فالذّنب ذنبك، لأنّكِ في أساطيره مجرد نكرة وأداة لتفريغ غريزته الوحشية.
وبعد كلّ هذا يقول لكِ المجتمع بكلّ ثقة: الرّجل هو الحامي والرّاعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...