"لم تستطيعي بَعْدُ أن تَتَفهَّمي أنَّ الرّجال جميعهم أطفالُ".
هل فكّرتِ يوماً عزيزتي في عبارة نزار قباني المجازية هذه؟
تقول صديقة والدتي المقرّبة، ناصحةً لي ولبناتها في جلسة توعية حول علاقة المرأة بالرّجل: "عليكن أن تعلمن جيداً أنّ الرّجل كالطّفل، والمرأة الذّكية هي التي تجعله يشعر بأنّه طفلها المدلل. بهذه الطّريقة تستطعن أن تُسيطرن على عقله وتغيّرن من سلوكه ليُصبح خاتماً في أصابعكن". أجبتُها بعفوية: "ما حاجتي إلى أن يُصبح خاتماً في إصبعي؟". نظرت إلى أمّي وقالت: "بنتك بحاجة فَتْ خبز كتير".
أجبتُها بعفوية: "ما حاجتي إلى أن يُصبح خاتماً في إصبعي؟". نظرت إلى أمّي وقالت: "بنتك بحاجة فَتْ خبز كتير".
ذات مرةً أيضاً، جلست أنا وزميلاتي في الكافيتريا الجامعية، وكانت إحداهنَ مُصابةً بالإحباط جرّاء علاقتها العاطفية غير المستقرة، وأخذت تشكو لنا كم تستنزفها هذه العلاقة، إلى درجة أنّها فقدت رغبتها في إكمال دراستها الجامعية، فبادرت إحدى الزّميلات لتقديم النّصح لها قائلةً:
"عليكِ ان تُغيّري طريقة تعاملك معه، وعندها سيتغير كلّ شيء لصالحك. كُفّي عن معاملته كرجل. عامليه كطفل وتحمّلي عنادَه، فالرّجال جميعهم أطفال، ينفرون من العناد، وينقادون بالاهتمام والرّعاية المشبعة بالحنية، وبعدها ستندهشين بكمية الحبّ التي ستَحظين بها منه".
اعترضتُ قائلةً: "كطفل!".
فأجابتني: "نعم. اسألي مجربةً ولا تسألي حكيمةً".
فقلتُ مُنسحبةً من الجلسة: "من تلك التي ترغب في تربية طفل يفوقها طولاً وعمراً؟ عزيزتي، لا أطفال في الحبّ".
أنهيت حياتي الجامعية، وبدأت بالعمل كمحاسبة في إحدى الشّركات. وبعد مدة، سمعت زميلتي في العمل تنصح زميلتنا الأخرى لحلّ مشكلاتها الزّوجية قائلةً: "صدّقيني، الرّجال جميعهم أطفال. تعتقدين أنّ لديك طفلين، لكن تأكدي أنّ زوجك ثالثهم، بل أولهم".
عندها صرختُ في داخلي: "يكفي هذا الغباء".
وحدثَ بعد ذلك أن كنتُ جالسةً مع رجل للمرة الأولى، وبكلّ صدق كنتُ مذهولةً من شدّة ثقته بنفسه، إذ أخذَ يُحدّثني من دون أي مقدمات ومن دون حتى علم منّي بالأمر، وكأنَّ تقبّل الأمر فَرضٌ عليّ، أنّه اختارني لأكون شريكة حياته، وكلّ ما عليّ معرفته لنجاح حياتنا الزّوجية، "أن أكون في الوقت نفسه زوجةً صالحةً وأمّاً لهُ"، فالرّجال في نهاية الأمر مهما أبدوا من جديّة وثبات، هم أطفال. في هذه اللحظة جاء النّادل ليسألنا إن كان ينقصنا شيئ، فأجبته بجدية مُطلقة: "أريد ببرونة حليب لهذا الرّجل الطّفل، لو سمحت".
في مرة، سمعت زميلتي في العمل تنصح زميلتنا الأخرى لحلّ مشكلاتها الزّوجية قائلةً: "صدّقيني، الرّجال جميعهم أطفال. تعتقدين أنّ لديك طفلين، لكن تأكدي أنّ زوجك ثالثهم، بل أولهم". عندها صرختُ في داخلي: "يكفي هذا الغباء"
خيّم عليه الصّمت وسط ذهول النّادل الذي ارتبك حد الهروب بخطوات سريعة بعيداً عن طاولتنا، في حين نظرتُ بثباتٍ في عينَي الرّجل الطّفل وأنا أقف وأهمُّ بالخروج قائلةً: "يا لكَ من أحمق مغرور".
ماذا تعني عبارة الرّجل طفل؟
تعني ببساطة أنّه كائنٌ صغيرٌ، تصرفاته غير منطقية وتتسم بالفوضى، ويحتاج إلى الاهتمام الدائم إذ لا يستطيع الاعتماد على نفسه، لذلك هو في حاجة دائمة إلى من يرعاه ويحرسه، كما لا يمكن التّنبؤ بأفعاله، ولا يحمل مسؤولية تصرفاته.
أصبح الآن جليّاً أنّ هذه العبارة التي تبدو بريئةً في ظاهرها، تحمل في باطنها للمرأة التّعب والشّقاء والسّهر والصّبر والتّحمل والتّضحية والعفو والاحتواء.
ولو فكّرت أي امرأة في هذه العبارة، لوجدت فيها إهانةً لأنوثتها، وتوقّفت في الحال عن التّسويق لها، لتنتقل من جيل نسائي إلى آخر من دون الوعي بكمية الدمار النفسي الأنثوي التي خلّفته هذه العبارة وشبيهاتها، في مجتمعنا الذّكوري، بدعم نساء بشهادة فخرية في الذكورة، أولئك اللواتي يليق بهن لقب: "نساء ذكوريات".
كما أنّ هذه العبارة وأخواتها تحمل إهانةً لرجولة الذّكر، وهنا حتماً لا أقصد أعضاءه الجنسية التي في مجتمعنا غالباً هي رمز الرّجولة، بل رجولته المتعلقة بعقله وذاته ونضجه.
كما أنّ هذه العبارة وأخواتها تحمل إهانةً لرجولة الذّكر، وهنا حتماً لا أقصد أعضاءه الجنسية التي في مجتمعنا غالباً هي رمز الرّجولة، بل رجولته المتعلقة بعقله وذاته ونضجه.
ما الفائدة التي ستجنيها المرأة من دخول علاقة مع رجل طفل؟ ما الفائدة النّفسية والعقلية والحياتية التي ستحققها من هذا النّوع من العلاقة التي أقل ما يُقال عنها إنّها سامّة مُميتة؟
تستحق أي امرأة أن تكون جزءاً من علاقة ناضجة واعية، تكون فيها الحبيبة والصّديقة والشّريكة الدّاعمة، التي تحصل في المقابل على الدّعم المعنوي والتّحفيز الدّائم لتنجح في الوصول إلى أهدافها هدفاً تلو الآخر. ومن المُعيب جداً أن تقبل أنثى تعيش في الألفية الثّالثة أن تدخل في علاقة تلعب فيها دور الأمّ، فالرّجل كان في الماضي طفلاً له أمّ ترعاه وتغفر له سوء سلوكه، وتحتمل فوضاه، ثم انتهت كلّ تلك الطّفولة حين بدأَ بالتّمرد على والديه لحظة دخوله سنّ المراهقة، عندما اعتقدَ أنّه بمجرد ظهور شاربيه قد امتلك الحكمة وأصبح "سوبرمان" قادراً على تحدي الكون. إذاً، بأي حق يريد بعد ذلك أن يبحث عن أمّ جديدة متجسّدة في هيئة حبيبة أو زوجة، يرمي عليها فشله لتُقابله بالدعم، وحماقاته لتُقابله بالاحتواء، وخياناته لتُقابله بالغفران، والفوضى لتُقابله بالتّحمل والمسؤولية؟
إنّ العلاقة بين المرأة والرّجل أشبه بتقاطع محورين في نقطة ارتكاز، وتُمثّل نقطة الارتكاز هذه التّكافؤ العقلي والعاطفي والإنساني بينهما، ممّا يُلغي احتمال وجود أطفال غير مسؤولين في العلاقة، وإنّما شريكان حقيقيان قادران على تحمّل مسؤولية تصرفاتهما، وعدم إلقاء اللوم على الآخر في حال ساءت العلاقة، أو في حال واجه أحدهما فشلاً في أحد جوانب حياته الأخرى، كالعمل أو الحياة الاجتماعية.
ما الفائدة التي ستجنيها المرأة من دخول علاقة مع رجل طفل؟ ما الفائدة النّفسية والعقلية والحياتية التي ستحققها من هذا النّوع من العلاقة التي أقل ما يُقال عنها إنّها سامّة مُميتة؟
إنّ تفكير أي امرأة في الأفكار المطروحة أعلاه، يدفعها جدياً لرفض استمرار التّسويق لتلك العبارات غير الواعية كلياً، مثل "الرّجال جميعهم أطفال"، وغيرها من العبارات والسّلوكيات التي لا يعترف بها عقل، و ما أُنزِلَ بها من سلطان، لكن فقط تمّ التّسويق لها كونها جزءاً من ثقافة ذكورية مسيطرة، تسعى إلى جلد المرأة نفسياً وإنسانياً، وتحميلها كليّاً مسؤولية أي خلل في العلاقة، أو أي تعاسة في حياة الرجل، فقط لأن هناك فكرةً ظالمةً تمَّ تناقلها عبر الأجيال في مجتمعاتنا، تصبّ في مبدأ أنّه لا مكان للشّريكة الحبيبة في حياة الرّجل، وإنّما للأمّ البديلة التي تتحمل المسؤوليات بصمتٍ وتضحية وبكلِّ تقبّلٍ ورضا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...