شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"محدش يقولّي استرجل"... ماذا يحصل داخل غروبات الرجال المصريين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الخميس 15 يونيو 202311:03 ص

"محدش يقولّي استرجل"... ماذا يحصل داخل غروبات الرجال المصريين؟

استمع-ـي إلى المقال هنا

"والدي يعاني من الإدمان، ورغم المحاولات المستميتة لمساعدته عن الإقلاع واحتجازه في أكثر من مصحّة خاصة للتعافي إلا أنه يرفض العلاج، ويخبرني: أنا يوم ما اطلع هضرب تاني".

"مش قادر أبصّ في عين أولادي، كل لما أبص في عيونهم أحس بالعجز والضعف، مش عارف هفضل مكفيهم لحد إيمتى، وخايف يجي يوم معرفش أصرف عليهم، كتير بفكر في الانتحار، مش محتاج مساعدة من حد أنا بس بفضفض لأن الحمل زاد أوي".

"ليه البنات حالياً بقا دماغهم كدا، راسها براسك و كتف ف كتف ومناكفة على الفاضي والمليان… حتى سبحان الله بيكون منهم المنتقبة والمحجبة لكن نفس التفكير، اللي لا تصلح بأي شكل من الأشكال في فتح بيت والمسؤولية. هل الأفضل الواحد يشوف من جنسية تانية وايه الأفضل لو عربية أو غير عربية".

غروبات للرجال فقط

هذا كله عينة مما قد تجده داخل غروبات الرجال المصريين، كان للرجال دائماً أماكن تجمّعهم الخاصة، مثل "القهوة البلدي" و"الحلاق"، ورغم أن العنصر النسائي أخذ يتسلّل لمثل تلك الأماكن، ولكن يظل الكثير منها يحتفظ بقدسيته وكونه "نادي الرجال السري".

يساهم كون الغروب مقتصراً على الرجال فقط، بالإضافة إلى وجود خاصية "النشر مجهول الهوية"، في أن تسقط الأقنعة الزائفة التي يرتديها الرجال من صغر سنهم ليخبئوا خلفها مشاعرهم، هنا تجد العجز والضعف والحزن، وتجد الحب والمشاعر الطيبة، تجد أيضاً غير المألوف والمستفزّ، وبالتأكيد أينما تجد الرجال ستجد الفكاهة والهزل.

كان للرجال دائماً أماكن تجمّعهم الخاصة، مثل "القهوة البلدي" و"الحلاق"، ورغم أن العنصر النسائي أخذ يتسلّل لمثل تلك الأماكن، ولكن يظل الكثير منها يحتفظ بقدسيته وكونه "نادي الرجال السري"

رغم تنوّع المواضيع التي تُطرح وغرابة الردود، إلا أن يومياً ستجد منشورات كلها تحمل عبارات مثل "الدنيا بقت صعبة جداً"... "مش مكفي بيتي"... "أديكم شايفين حال البلد". حالة من اليأس الشديد تسيطر على فئة الآباء والأزواج من أعضاء الجروبات، فالكل يعاني من صعوبة مجاراة الغلاء في ظل عدم زيادة الأجور والمرتبات.

ليسوا متسولين أو باحثين عن فرصة عمل، هم فقط رجال مقهورون، ولم يجدوا مكاناً سوى هذه الغروبات ليخفّفوا قليلاً من حمل أثقل كواهلهم. تجد أباً منكسراً لا يقوى على النظر في أعين أبنائه وهو لا يعلم إن كان سيقدر على توفير قوتهم أم لا، تجد زوجاً عاجزاً لا يعلم كيف يحافظ على بيته وهو يراه ينهار فوق رأسه.

ولم تسلم فئة العُزّاب من تلك الأزمة، فتجد بشكل متكرّر أسئلة منهزمة: "هل مرتب 4500 أقدر أفتح بيه بيت في الظروف دي؟"، وتجد من يكتب وكأنه يتوسّل: "أنا عايز أعفّ نفسي واكمل نص ديني". الأمر أشبه بمن يطلب المستحيل من جنّي المصباح، رغم أن ما يطالبون به هو أبسط صور الحياة، إنهم فقط يطالبون بـ"حياة كريمة".

"محدش يقولي استرجل"

نصيب كبير من الشكاوي أيضاً هي شكاوى نفسية، ولكن المضحك المبكي أن الشكوى دائماً تُختتم بـ "محدش يقولي استرجل" أو: "محدش يقولي صلّي. أنا الحمد لله بصلّي وملتزم"، فقد تحولت الشكاوى النفسية إلى "ضعف رجولة" أو"ضعف إيمان".

نحن أيضاً نحزن، وننكسر من عظائم الأمور وأبسطها، فتجد من لا يقوى على تجاوز الانفصال، فلسنا بتلك البلادة، ومنا من يواجه نفسه بأنه بخيل المشاعر وأن هذا يشعره بالذنب، فتجد من يعترف أنه رغم حبه لأمه وأبيه، لا يستطيع أن يعبّر عن هذا الحزن نظراً لدوام تجاهلهما له منذ كان صغيراً، ورغم الجدل الكبير حول صحّة مقولة "فاقد الشيء لا يعطيه"، إلا أنها تظل هي الأصل، وهي التي تنطبق على الحالة التي أمامنا.

و رغم كل التحذيرات التي يسبق بها صاحب المنشور، تأتي أغلب الردود: "انشف أومال" أو  "أخّيه على الرجالة" أو "قرّب من ربنا أكتر". تشوه كبير وشروخ في أنفس الرجال ولا يعلم أحد متى تلتئم.

أما المشاكل الزوجية فلها نصيب شبه يومي، هناك دائماً حالات عرض لشروط الزيجة وقائمة المنقولات والمهر والمقدّم والمؤخّر، ويُترك التصويت لأعضاء الغروب للتحكيم بمدى صلاحية البنود، حتى إنه يوجد غروبات مخصصة لمثل تلك الأنواع من المشاكل فقط.

وإن لم يتيسّر الزواج بعد، فهذا بسبب الهوس والرغبة في العثور على الفتاة العفيفة الطاهرة المطيعة، فتاة بلا ماض، أو أحياناً تُوصف بـ "فتاة الزيرو"، أو "فتاة لا ليها فريند ولا صحاب"، وينتهي الأمر بأن يعزّيه الجميع بأن مثل هذا النوع قد انقرض وانتهى، وأن هذا كله نتيجة "أكثر من 70 سنة من الجهد المتواصل لانتزاع قوامة الرجل وتفكيك الأسرة، بداية من هدى شعراوي، واللي تم تدعيمه بالرسائل المباشرة وغير المباشرة عن طريق الأفلام والمسلسلات والإعلام والعلمانيين والأئمة المنحرفين والوزارات والهيئات وفي المدارس والجامعات، وأخيراً تم تقنينه بالقانون والدستور والمحاكم"، ولا أعلم إن كان ما ذُكر كان المقصود به النساء أم محاولات لإسقاط حكومات.

المضحك المبكي أن الشكوى دائماً تُختتم بـ "محدش يقولي استرجل" أو "محدش يقولي صلّي. أنا الحمد لله بصلّي وملتزم"، فقد تحولت الشكاوى النفسية إلى "ضعف رجولة" أو"ضعف إيمان"

وإن ذُكرت مشاكل الزواج وجب ذكر مشاكل الطلاق، و رغم أنها مشاكل تخصّ طرفين، فلا يمكن الحكم فيها من خلال الاستماع إلى وجهة نظر واحدة، إلا أنني لم أعثر يوماً على تعليق واحد يذكر مثل هذا الأمر، بل أحياناً تجد من الردود ما هو كفيل بزجّ صاحبه في السجن.

كان هناك رجل مرة يشتكي من طليقته التي طلبت الطلاق بعد أن حصلت على شقة منه -إن صدقت روايته- و أراد نصائح للانتقام منها، ولكن العجيب هو تعليق لقى استحسان البعض، حيث نصحه أحدهم بأن "يخطفها"، ورغم قواعد الغروب التي تنصّ على أهمية الالتزام بـ"الأعراف والتقاليد اللي المجتمع اللي احنا عايشين فيه بيعتنقها"، وأن كل من يخالف القواعد سيتم حذف منشوره أو تعليقه، إلا أن "الخطف" يبدو ضمن أعراف وتقاليد "المجتمع اللي احنا عايشين فيه".

ومن الأنواع المسلية والمضحكة من المنشورات، منشورات الرجل "الخارج على القانون"، إذ يعيش حالة من الهواجس أنه تحت تهديد القبض عليه، فتجد منهم من يسأل كيف يمكنني أن أستعلم إن كنت متهماً في أي قضايا أم لا، وحين يستفسر منه الناس إن كان ارتكب أي فعل مخالف للقانون مؤخراً، يجيب بالنفي ولكنه فقط يريد أن يطمئن!

"ركبت المترو واشتريت تذكرة من فئة الخمسة جنيهات واكتشفت أن ثمن الرحلة الحقيقي كان يقتضي أن اشتري تذكرة من فئة العشرة، هل أقع تحت طائلة القانون؟ هل سأمنع من السفر خارج البلاد؟".

ولا أعلم إن كان مثل تلك التصرّفات هي فقط وساوس وتوهّمات أم أنه أصبح من الصعب أن تعيش مطمئناً في بلادك، وتأمن شر القبض عليك بسبب أو بدون.

كوميديا مشتركة

"الرجال أكثر كوميديا أو فكاهة من النساء"، جملة نمطية منتشرة قد نختلف عليها أو نتفق، ولكن لا يمكن أن نختلف أن للرجال حظاً كبيراً من خفّة الظل، ربما هي "مفارقة المهرج الحزين" التي تعبر عن الارتباط المتناقض بين الكوميديا والاضطرابات العقلية، أو ربما هم خفيفو الظل لا أقل ولا أكثر.

فتجد من يسأل حول كيفية السيطرة على النفس أثناء تقديم واجب العزاء، وعدم الانفجار ضحكاً، لتجد الردود كلها تؤكد أنه أفضل وقت للضحك، وأن الضحك لا يحلى إلا في مثل تلك الأوقات، ويسترجع كثيرون مشهد يحيى الفخراني الأشهر من فيلم "الكيف"، حين انفجر ضحكاً في العزاء وصاح بجملته الشهيرة: "كلنا لها… عقبال عندكم جميعاً".

أو تجد من يحتاج مساعدة في تقديم هدية لشخص أقلع عن التدخين، فتجد النصائح كلها بتقديم مختلف الأنواع من السجائر.

نحن الرجال نبكي، ونحزن، ونتألم، و نشعر بالعجز والضعف وقلة الحيلة، نحن أيضاً نحب، ونخلص، ونتعاطف. رغم صعوبة تصديق ذلك، نحن الرجال بشر أيضاً

وكان هناك مرة من يشتكي بسبب زيادة وزنه بعد السنة الأولى من الزواج، إلا أن كل الردود والتعليقات جاءت مهنئة له ومباركة، ومؤكدة له أنه هكذا قد انضم رسمياً لنادي المتزوجين، وكلما ازدادت سنوات الزواج سيترقى في الوزن رتبة إثر رتبة.

ولا تتمحور كل المواضيع حول الكوميديا والتراجيديا، فتجد هؤلاء الرجال ذوي الشوارب المفزعة، يتحولون إلى أطفال قليلي الخبرة حين يتعلق الأمر بشراء هدايا للزوجات والأخوات والأصدقاء ورؤساء العمل، ويتحولون لأولياء أمور آبائهم في أحيان أخرى، فتجدهم أشد حرصاً وخوفاً من الوالد على ولده، كإحدى الحالات التي كان الأب فيها مدمناً، وكان ابنه يحاول بكل الطرق علاجه، أو من يسأل على الأنشطة التي يمكن أن يشترك فيها لوالدته حتى تملأ أوقات فراغها.

رغم كل القيود والأحمال التي توضع على الرجل منذ صغره، والتي تنهيه عن التعامل مع مشاعره أو حتى الاعتراف بها، وتجعله في حالة من الهروب منها دائماً، إلا أن الفطرة البشرية تنتصر في النهاية.

نحن الرجال نبكي، ونحزن، ونتألم، و نشعر بالعجز والضعف وقلة الحيلة، نحن أيضاً نحب، ونخلص، ونتعاطف. رغم صعوبة تصديق ذلك، نحن الرجال بشر أيضاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image