شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
لماذا يخشى بعض الرجال المرأة المتحررة جنسياً؟

لماذا يخشى بعض الرجال المرأة المتحررة جنسياً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الخميس 2 مارس 202302:49 م

للتحرر الجنسي مفهوم خطأ في مجتمعاتنا العربية، ففي العادة، يتم ربط التحرر الجنسي للمرأة بالتفلّت الأخلاقي أو تعدد العلاقات، في حين أن المقصود بهذه العبارة هو التصالح مع الجسد والتعرّف عليه وفهم رغباتنا الجنسيّة.

بدأت عبارة التحرر الجنسي، أو ما عُرف بـ"الثورة الجنسيّة"، بالظهور في بداية العام 1950، أولاً في السويد ثم في كل دول الغرب، بعد أن شاع هذا المصطلح في كتابات فيلهلم رايش، وهو طبيب نمساوي ومحلل نفسي، من الجيل الثاني من المحللين النفسيين بعد سيغموند فرويد.

وقد تأثّر رايش بالقراءات المشتركة لكلّ من ماركس وفرويد وهيغل وهوسرل ولوكاس، ليمهّد بدوره لثورة فكريّة حول حريّة جسد الإنسان، انتقلت من كتبه إلى المجتمعات التي كانت تقيّد السلوك الجنسي بقواعد اجتماعيّة، فتبنّت حركات عالميّة عدّة فكره وطوّرته، بدءاً من "الهيبيز" في الستينيات وصولاً إلى الحركات النسويّة حول العالم اليوم.

صراع ينتهي في الفراش ويبدأ بالأدوار الجندرية

لا تزال هذه "الثورة الجنسيّة" تشقّ طريقها بصعوبة في معظم مجتمعاتنا العربيّة، ولذلك أسباب عديدة.

رأت ريما (اسم مستعار)، في حديثها إلى رصيف22، أن "الثورة الجنسية" قائمة بسبب صراع كبير ينتهي في الفراش، لكنّه يبدأ من الأدوار الجندريّة التي تُفرض على المرأة والرجل من قبل المجتمع، بحيث أنّ هذا الأخير قام بحجب المرأة عن سوق العمل ومراكز القرار والعمل السياسي والاقتصادي، وحَصَر دورها في الأعمال المنزليّة وتربية الأولاد، فارضاً عليها لائحةً من القوانين الصارمة والمحرّمات، مقابل حريته المطلقة بالتصرّف بجسده وبحياته: "المجتمع قَيَّدَ جسد المرأة بمفاهيم دينيّة وأفكار موروثة وربط تصرّفاتها بشرف العائلة وسمعتها وربط صورتها وجسدها بأهلها وزوجها وأخيها... وبكلّ شيء ما عدا نفسها".

"ليست كلّ امرأة تمارس الجنس، متحررةً جنسياً، فهناك سيدات يمارسن الجنس في السرّ بحثاً عن اللذة وخوفاً من المجتمع وأحكامه، وهنّ غير متصالحات مع حاجاتهنّ الجنسيّة"

وأشارت ريما (31 عاماً)، إلى أنّ "المرأة المتحرّرة، هي من تخطّت قيوداً دينيّةً أو ثقافيّةً وضعها في وجهها مجتمع ما ورفضت تكبيل جسدها أو تقييد نشاطها الجسدي فقط لإرضاء المجتمع".

وأضافت ريما: "ليست كلّ امرأة تمارس الجنس متحررةً جنسيةً، فهناك سيدات يمارسن الجنس في السرّ بحثاً عن اللذة وخوفاً من المجتمع وأحكامه، وهنّ غير متصالحات مع حاجاتهنّ الجنسيّة، وقد يسعين إلى إرضاء الرجل في العلاقة على حساب مشاعرهنّ، والأمر نفسه ينطبق على الرجال، فليس كلّ رجل يتفاخر بتعدديّة علاقاته الجنسيّة، متحرّراً جنسيّاً".

وعن سبب خوف بعض الرجال من المرأة المتحررة جنسياً، قالت ريما: "إن بعض الرجال في مجتمعنا يعوّلون على المرأة المطيعة، الراضخة، التي لا يجب أن تعرف سوى جسد زوجها، لأنّ التعامل معها في نظرهم سيكون أسهل، لا بل ذلك يسمح لهم بالسيطرة عليها، في حين أن المرأة المتحررة جنسياً، تكون قد تمرّدت وخرجت عن الدور النمطي الذي وضعه لها المجتمع. وعليه، قد يجهل الرجل كيفيّة التعامل مع امرأة من هذا النوع، ما يسبب له إرباكاً لمعرفته مسبقاً بأنه سيعجز عن السيطرة عليها، أو قد يفشل في أن يكون على قدر رغباتها وتطلعاتها".

وقد عانت ريما، وهي موظفة مبيعات في إحدى شركات الألبسة، مما وصفته بـ"خوف بعض الرجال من أن تتساوى المرأة معهم في حقها الجنسي"، لأنّ الجزء الأكبر من الرجال وفق رأيها "يجد أنّ الرضا الجنسي يعود للرجل، حيث أنّ العمليّة الجنسيّة تنتهي عندما يصل هو إلى النشوة، ونادراً ما يكمل الرجال أي أداء جنسي بعد القذف".

وشكت ريما من نظرة بعض الرجال إليها عندما يعلمون بأنها فاقدة لعذريتها أو متحررة جنسياً: "يرون أنني أصبحت متاحةً لهم، حتى أنّ أحدهم قال لي ‘وفّرتي عليي مراحل’".

عقدة الأوّل في كلّ شيء

لنسرين أيضاً (اسم مستعار)، قصتها مع الرجال الذين يخشون من تحررها الجنسي، إذ إن معظم الرجال الذين كانت على علاقة بهم، بعد أن عرفوا أنها ليست عذراء وأنها ناشطة جنسياً، أصبحوا يطالبونها بممارسة الجنس معهم.

وأضافت نسرين (26 عاماً)، لرصيف22: "جعلوني أشعر بأن تحرري الجنسي يعني أنني امرأة سهلة، ومن واجبي إقامة علاقة معهم، وهذا الأمر يجعلني أنظر إلى نفسي بطريقة سيئة، وكأنني سلعة متاحة لكلّ من يريد تذوّقها".

ولعلّ أكثر ما يزعج نسرين التي تعمل في مجال التسويق الرقمي، أنه في كلّ مرّة تدخل فيها بعلاقة جديدة مع شاب ينهال عليها بكمّ من الأسئلة الخاصة، والتي يقارن من خلالها أداءه بأداء الشركاء الذين سبقوه: "معظم الرجال في حياتي، يضعون أنفسهم في منافسة مع رجال آخرين، حتى إن كانوا لا يعرفونهم، وكأنهم في سباق حول من سيكون الأوّل في حياتي. إذ يُشعرني كلّ رجل جديد بأنه يجب أن يتفوّق على من سبقه بشيء، ليشعر برجولته".

الرجل يكره أن يشاركه أحد ما "يملك"

في المقابل، شرح، سمير (اسم مستعار)، في حديثه إلى رصيف22، أنّ هناك أسباباً عدة تجعل الرجل يخشى المرأة المتحرّرة جنسياً، منها التفكير في عدد الشباب الذين مارسوا الجنس معها وما الحديث الذي قالوه عنها: "الرجل يكره أن يشاركه رجل آخر ما ‘يملك’. نحن نعيش في مجتمع شرقي والمجتمع لا يرحم و’الناس بتحكي’".

"جعلوني أشعر بأن تحرري الجنسي يعني أنني امرأة سهلة، ومن واجبي إقامة علاقة معهم، خصوصاً أن لا مانع في رأيهم لديّ، فأنا لست عذراء"

وشرح بالقول: "ماذا سيكون رأي أهله أو أقاربه إذا عرفوا بماضيها؟ كيف سينظر إليه أصدقاؤه، خصوصاً أن البعض يرى أن المرأة المتحررة جنسياً غير شريفة وكما مارست الجنس معي ستمارسه مع غيري؟".

وأضاف سمير: "يخشى الرجل ألا يتمكّن من إشباع رغبات شريكته، خصوصاً إذا كانت متحررةً جداً ولديها الكثير من التجارب الجنسيّة، لذا يسألها عن عدد الرجال الذين مارست الجنس معهم قبله، لأن العدد يهمّه، فهذا أمر نفسي، قد يكون لمعرفة ما إذا كانت متفوّقةً عليه بتجاربها أو ليفهم ما التجارب التي عاشتها: الأحجام؟ الأداء؟ أيّ جنس مارست: الفموي؟ الشرجي؟ وطبعاً يخاف من يكون آداؤه سيئاً أو أنّ أداء من كان قبله كان أفضل، فكل شخص يحب أن يكون الأفضل في كل شيء في الحياة، فكيف إذاً في الأداء الجنسي؟".

ولفت إلى أنّ بعض الرجال يتقبّلون المرأة المتحررة جنسياً، بشرط ألا تكون قد مارست الجنس مقابل المال لأنّ ذلك سيجعلها مبتذلةً ورخيصةً، حسب رأيهم.

وختم بالقول: "قد يبحث القسم الآخر من الرجال عن امرأة تشبه أخته أو والدته، تشاركه المفاهيم التربوية التي ترعرع عليها، بينما يرى البعض أنه يجب أن يحصلوا على امرأة خام، وذلك بسبب الموروثات الثقافية، أمّا هم فيُباح لهم إشباع غريزتهم واكتشاف جسدهم".

ازدواجيّة المعايير لدى بعض الرجال

من جهتها، أوضحت الطبيبة المتخصصة في علم النفس، إستر بو أنطون، في حديثها إلى رصيف22، أنّه "وعلى الرغم من أنّ الرجل يرى في المرأة المتحررة جنسياً فرصةً في تحقيق رغباته، إلا أنّ هناك أسباباً نفسيّةً عديدةً تجعله يخشى منها. أوّلاً للمرأة المتحرّرة جنسيّاً قدرة على التحكّم بالرجل، فحين ترضيه جنسياً، تصبح لديها القدرة على السيطرة عليه وهو ما ينتزع منه دور السلطة أو السيطرة، فيشعر بأن رجولته في خطر، خصوصاً إذا استغلت المرأة المتحرّرة هذا الموضوع وتحكّمت فيه".

وتابعت بو أنطون: "هناك عامل الغيرة لدى الرجل أيضاً، بحيث أنّ المرأة المتحررة جنسياً قد تكون قادرةً على اختيار أكثر من شريك لها، وإقامة علاقات جنسيّة متعددة، ما يجعل الرجل يخشاها بقدر ما يرغب فيها".

"للمرأة المتحرّرة جنسيّاً قدرة على التحكّم بالرجل، فحين ترضيه جنسياً، تصبح لديها القدرة على السيطرة عليه وهو ما ينتزع منه دور السلطة أو السيطرة، فيشعر بأن رجولته في خطر"

وأضافت: "قد يخشى الرجل أيضاً أن تتمثّل النساء القريبات منه، كأمه، أو أخته، أو ابنته، بشريكته المتحررة جنسيّاً، ففي حال تشبّهن بها سيفقدن برأيه قدسيتهنّ المتعارفة في التقاليد الاجتماعيّة المتبّعة. فالرجل الشرقي عموماً يستفيد من التحرر الجنسي للمرأة، على ألا يمسّ هذا التحرّر نساء بيته. فالمجتمع الذكوري ومنذ قرون طويلة، عمل جاهداً على وضع قيود على حريّة المرأة الجنسيّة، وعلى قدرتها على التعبير الجنسيّ، بجسدها وكلامها، أو لباسها أو طريقة تصرفاتها، وكلامها... كلّ ذلك لكيلا تثير شهوات الرجال أو إعجابهم".

ما ينقلنا إلى السبب الرابع، بحسب أنطون، هو أنّ "المرأة المتحرّرة جنسيّاً، في مجتمعاتنا الشرقيّة، عادةً ما تكون مرغوبةً في إطار علاقة معيّنة ومحدودة، ويخشاها الرجل في العلاقات الجدّية التي تتطلب الالتزام، خوفاً من ألا تكون مخلصةً له".

وختمت إستر بو أنطون حديثها بالقول: "أمام التحرّر الجنسي لبعض النساء، يخاف بعض الرجال من ألا يكونوا قادرين على إرضائهنّ جنسياً، بحيث يكلّفهم ذلك مجهوداً فكرياً وجسدياً ونفسياً كبيراً ويخشى البعض أن تنتقم منهم النساء لعدم إرضائهنّ جنسياً أو خيانتهم أو هجرهم، مما يسبب جرحاً في ‘الأنا’ لدى الرجل ويمسّ بنرجسيته ويفقده الثقة بنفسه". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard