شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
السوريون الهاربون إلى السودان… من قال إن

السوريون الهاربون إلى السودان… من قال إن "المأساة إذا تكررت تصبح ملهاةً"؟

تلاحق لعنة الحرب السوريين أينما حلوا. فمنذ اندلاع الاقتتال في السودان، وهم إما عالقون أو قتلى في شوارع البلاد، التي يتجاوز عددهم فيها 90 ألف شخص، منهم 65 ألفاً فرّوا من الحرب السورية، بحسب ما يورد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

يروي محمد أحمد (38 عاماً)، الذي يتحدر من حماه، وهو أحد الفاعلين في الجالية السورية في السودان، إن "الناس نامت على واقع هادئ واستيقظت على حرب"، وهو طبعاً ما لم يكن يتوقعه أحد. يضيف: "السوريون اختاروا السودان بعد الحرب السورية لسهولة الدخول إليها، ولم يتوقعوا نشوب الحرب الحالية، ولذلك خرجت الناس بملابسها إلى بور سودان".

ويشير لرصيف22، إلى أن "وفيات السوريين بلغت 50 شخصاً، ينقسمون إلى قتلى النهب والقذائف الطائشة في الخرطوم، وحالة وفاة في بور سودان يومياً، منها وفاة حامل بنزيف لعدم وجود علاج، ومسنّ نتيجة جلطة".

وبدأت المعارك بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، منتصف نيسان/ أبريل الماضي، بعد رفض الأخيرة دمج قواتها في الجيش، وأكثر البؤر المشتعلة بالمعارك هي العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وشمال كردفان، ومع الوقت تحولت هذه الاشتباكات إلى حرب عصابات بين الأحياء، ويحاول كُل طرف السيطرة على بعض المناطق الحيوية في العاصمة، وسط محاولات أممية ووساطة سعودية أمريكية للتوصل إلى هدنة بين الجانبين، كان أبرزها توقيعهما على إعلان جدة، دون نتيجة حقيقية لوقف إطلاق النار.

بدأت المعارك بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، منتصف نيسان/ أبريل الماضي

قتلى الأحداث

"لا تفارقني صورة صديقي وهو مقطع الأوصال"؛ هكذا يصف أحمد مقرش (42 عاماً)، مأساته في السودان، الذي وصل إليه عام 2010، وعمل فنّي صيانة في مصانع بلاستيك، حتى الاشتباكات الأخيرة، حيث خرج من البيت بملابسه ومن دون أن يأخذ معه شيئاً، خوفاً على الأولاد.

يروي مقرش لرصيف22، جريمة قتل صديقه الحلبي عمر عراط، الذي يعمل في شركة الشفاء للمراتب، إذ نزح وأسرته معه بالسيارة نفسها، وفي أثناء فرارهم من الاشتباكات، فوجئت قافلتهم المكونة من 4 سيارات، بعصابة مسلحة تقطع عليهم الطريق في شارع الإنقاذ في بحري في العاصمة الخرطوم، والذي يُعدّ بؤرة من بؤر الاشتباكات وتسيطر عليه قوات الدعم السريع، ويربط أحياء بحري بمركز المدينة. ثم شرعوا في إطلاق النار في الهواء، ثم اقتربوا من السيارات وبدأوا بتفتيشها وتفتيش ركابها، فسرقوا المال وأخذوا جوازات السفر، ثم شرعوا بتفتيش النساء.

يقول مقرش: "اقترب مسلحون من زوجة عمر لانتزاع ما لديها. فاعترضهم قائلاً سأعطيكم كل ما تحتاجون من أموال ولكن لا تقربوا النساء. لم ينهِ جملته حتى كان أحد المسلحين قد أطلق عليه النار وأرداه قتيلاً أمام زوجته وأولاده. تركوه ينزف ومنعونا من الاقتراب منه حتى أنهوا سرقتهم، وتركونا نُكمل طريقنا".

قام مقرش برفع عراط إلى السيارة، وذهب به إلى العناية المركزة في أول مستشفى صادفها في طريقهم، ولكنه فارق الحياة، فنقل جثمانه مجدداً إلى السيارة وتابعوا المسير للخروج من منطقة الخطر. يروي: "وصلت السيارة إلى قرية في منطقة جيلي، وهي منطقة في شمال مدينة الخرطوم يسيطر الدعم السريع على مصفاة البترول فيها، وقصصنا على أهلها الحادث، فتعامل أهل القرية وكأن المتوفى أخوهم، وقاموا بإجراءات دفنه، واستضافونا حتى الصباح، وبعدها تحركنا نحو عطبرة، وما زلنا فيها من دون جوازات في انتظار قدرنا".

مصانع محروقة ومنهوبة

تعددت أشكال قتل السوريين في السودان، ووصلت إلى تدمير أماكن رزقهم من مصانع وورش وإغلاق محالهم، كما حدث مع صلاح شيخو (52 عاماً)، الذي يروي لرصيف22 مأساته في السودان، التي انتقل إليها عام 2007، وعمل في شركة حفر آبار حتى 2011، حيث نقل مصنعه للمنتجات الصحية من سوريا إلى الخرطوم، وأدخل منتجات جديدةً، ثم أصبح مصنعه 3 مصانع؛ اثنان في بحري وهي من أبرز أماكن الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع نظراً إلى أن 3 معسكرات من معسكرات الدعم السريع الرئيسية كانت توجد في المدينة مما جعلها تشهد انتشاراً كثيفاً لقواتهم ويسيطرون بها على الشوارع الرئيسية، والثالث في حي سوبا جنوب الخرطوم وهي منطقة تحت سيطرة الجيش السوداني وكان فيه مقر للدعم السريع سيطر عليه الجيش في الأيام الأولى للمعارك.

مع الاشتباكات الحالية، استيقظ شيخو على نبأ احتراق مصنع الأدوات المنزلية، حيث قرر أحد الأطراف المتقاتلة اتخاذ المصنع ثكنةً عسكريةً مما جعل القوى الأخرى تقصفه بصاروخ حراري. ولأنه مصنع للبلاستيك احترق حتى سُوّي بالأرض، وأكلت النيران محتوياته من حديد وماكينات وخام يقدَّر بمليوني دولار.

اقترب مسلحون من زوجة عمر لانتزاع ما لديها. فاعترضهم قائلاً سأعطيكم كل ما تحتاجون من أموال ولكن لا تقربوا النساء. لم ينهِ جملته حتى كان أحد المسلحين قد أطلق عليه النار وأرداه قتيلاً

كان اللصوص أشد قسوةً على المصنعَين الآخرين من رصاص الحرب، حيث اقتحمهما مئة شخص بالسواطير ونهبوا نحاساً خاماً بـ400 ألف دولار، غير المكاتب والمكيفات والمصنوعات الحديدية. حتى الأبواب لم تنجُ.

العالقون في الخرطوم

ينقسم السوريون إلى نازحين بين الولايات السودانية، ومنتظرين إجلاءً في بورتسودان، ومهاجرين إلى دول الجوار، ولكن الوضع الأصعب يبقى للذين لا يزالون في الخرطوم، حيث قدّر المرصد السوري وجود 150 عائلةً عالقةً وسط الاشتباكات.

"تعبي وشقاي سنين راحوا بلحظات"؛ هكذا يحكي معاذ أحمد (28 عاماً)، الآتي من حلب ويعمل في مجال الأعمال الحرة، قصته في السودان، الذي جاءه عام 2014، هرباً من الحرب السورية، وبدأ من الصفر وواصل العمل ليلاً ونهاراً، حتى حوّلت حرب الخرطوم كل ما جمعه إلى لا شيء. يروي أحمد لرصيف22، عن محاولته الهرب، حيث تحرّكت القافلة إلى مدينة مدني، ولكن منع رصاص المسلحين السيارة من الخروج من منطقة الخطر، ليأخذوا ما ادّخره لسنوات وأصبح لا يمتلك سوى ثيابه.

اضطر معاذ إلى العودة إلى الخرطوم ليأخذ جوازه من "هيئة شؤون الأجانب"، وفي المدينة فُوجئ وقت انقطاع الكهرباء بقنّاص مجهول الهوية يطلق الرصاص عليه وهو جالس مع أصدقائه في المنزل، ليأخذ كل منهم ساتراً ويحبس أنفاسه. توقف الرصاص بعد حين، لكن أحمد لا يزال إلى اليوم عالقاً في المدينة، ينام ويستيقظ على ضرب "الدوشكا" والطيران.

في المقابل، يبتعد حي الدمشقي أحمد كور (25 عاماً)، الذي يعمل في مهنة الحلاقة، في الخرطوم عن الاشتباكات، وبرغم ذلك يستمع إلى القصف الجوي يومياً، ويروي أن فرقاً تابعةً لأحد المتحاربين نهبوا كل ما هو ثمين في المنازل حوله، وأكملت العصابات المسلحة على ما تبقى، بينما سرق 3 من المقاتلين سيارته وهاتفه.

وأغلقت الدوائر الحكومية وتوقفت المهن الحرة منذ بدايات الاشتباكات في السودان في منتصف نيسان/ أبريل الماضي، مع انقطاع الإنترنت والكهرباء لساعات، إلى جانب غلاء الأسعار الكبير، إذ وصل سعر اللحوم إلى 8 آلاف جنيه (نحو 14 دولاراً أمريكياً)، والعيش إلى 90 جنيهاً، وبيعت المحروقات حصرياً في السوق السوداء، مما أفلس الكثير من العالقين، وتضاعفت أسعار المواصلات 10 مرات لتجعل النزوح مستحيلاً، كما يروي كور لرصيف22.

أغلقت الدوائر الحكومية وتوقفت المهن الحرة منذ بدايات الاشتباكات في السودان في منتصف نيسان/ أبريل

انعدام الخدمات

يحكي أنور مصطفى شار (42 عاماً)، مأساته مع انقطاع الخدمات، وهو كردي سوري قادم من عين العرب، وأب لـ5 أولاد، عمل في حفر الآبار في السودان منذ 2008، من خلال مشاريع زراعية في ولاية كسلا، وتنقل بين سوريا والسودان حتى حالت الحرب دون عودته مجدداً إلى بلاده بعد عام 2014.

رُزق شار بطفل قبيل الحرب بأسابيع، وبعد شهر حصل له التهاب رئوي، وحولت الحرب هذه المشكلة البسيطة إلى كارثة حقيقية، حيث صُدم الأب عندما علم أن الحل الوحيد هو نقل ابنه إلى مستشفيات الخرطوم لعدم وجود أطباء يمكنهم علاج ابنه في الولاية، ولكن الحرب أوقفت السفر إلى العاصمة.

توالت الكوارث على الرضيع، إذ نفدت جميع الأدوية التي يحتاجها والتي ظل يبحث عنها والده من صيدلية إلى أخرى لأنها كانت تأتي من الخرطوم، ليظل الطفل على التنفس الصناعي ينتظر محاولات الأب الحثيثة لإنقاذه، حتى وصلت المشكلة إلى الأوكسجين ذاته الذي يعيش عليه الطفل، لعدم توافره في المستشفى التي حجز فيها، ما اضطر والده إلى شرائه من مشافٍ أخرى، بسعر أعلى.

استمرت معاناة شار لأيام، حتى جاء ملك الموت ليأخذ منه طفله مع نهاية شهر رمضان. ولا يزال هو ومن تبقى من أسرته، عالقين في كسلا، من دون أي عمل يدرّ عليهم مدخولاً، أو منفذ ليخرجوا عبره من السودان.

من جهته، يروي عادل يوسف (32 عاماً)، وهو سوداني من سكان الخرطوم، ما حدث لجاره السوري إبراهيم عجورة، وهو عجوز يعمل في العلاج بالأعشاب، مبيّناً أن الحرب جعلت أهالي الحي لا يخرجون إلا للضرورة.

يقول لرصيف22، إنه "طرق الباب لرؤية جاره البشوش لكن دون استجابة، فقام بعض الجيران بالقفز داخل المنزل، لتزكم أنوفهم الرائحة المتعفنة، إذ وجدوه على الأرض متوفىً منذ 3 أيام، من دون أسرة ومع غياب الشرطة والسفارة لإبلاغهم، أو طريقة لإخراجه من الخرطوم، فدُفن في مقبرة المدينة واقتصر العزاء على جيرانه.

الإجلاء في بورتسودان

"ننام في الشوارع والمدارس والحدائق العامة"؛ هكذا يصف محي الدين مرعي، العالق السوري في بورتسودان وصاحب معرض تزيين السيارات سابقاً لرصيف22، أوضاع السوريين في المنطقة، مبيناً أنه اضطر إلى ترك سيارتين و3 محالّ في الخرطوم لإنقاذ صغاره من محرقة الحرب، كمعظم النازحين الذين باعوا ممتلكاتهم سعياً إلى الإجلاء إلى سوريا فور الإعلان عنه.

وأصبحت بورتسودان مقصداً لجميع السوريين في الخرطوم، وذلك بعد أن أعلنت السعودية عن إجلاء الرعايا الأجانب منها إلى بلدانهم، ثم قيام الحكومة السورية بإعلان مماثل ووصول طائرات لإجلاء العالقين، مما تسبب في بيع الكثير من العالقين لممتلكاتهم في الخرطوم على أمل العودة إلى بلدهم عبر بورتسودان، كما أنها أصبحت قبلة سفن وطائرات الإجلاء للرعايا من كل بلدان العالم وانتقلت إليها معظم سفارات الدول من الخرطوم، ومنها القائم بأعمال السفارة السورية.

وصلت تذكرة الباص إلى القاهرة إلى 400 دولار أمريكي، وإلى بورتسودان إلى 200 ألف جنيه، أي 300 دولار، ولم تكن بورتسودان أفضل حالاً من الطريق إليها، فقفزت أسعار الشقق من 5،000 جنيه إلى 30 ألفاً في اليوم الواحد.

تشاركت كل سبع أو ثماني عائلات عالقة في إيجار شقة هي عبارة عن غرفة وصالون للنساء والأطفال، والرجال يفترشون الشوارع ويلتحفون الأشجار، ويأكلون ما يجود به سكان المدينة من وجبات ساخنة لسد جوعهم.

استمرت معاناة شار لأيام، حتى جاء ملك الموت ليأخذ منه طفله المصاب بالتهاب رئوي، مع نهاية شهر رمضان. ولا يزال هو ومن تبقى من أسرته، عالقين في كسلا

كانت الصدمة الأكبر هي "كذبة" الإجلاء، إذ لم تحمل السفن السعودية سوى 200 سوري، ثم أعلنت استبعاد السوريين واليمنيين، وأرسلت دمشق طائرتين حملتا أصحاب الواسطة ومالكي المصانع الكبار مجاناً، ثم طُرحت تذاكر طيران بسعر 500 إلى 700 دولار للكرسي الواحد والكبير كالصغير، ثم اشترتها وكالات السفر لتزيد إلى 600 و700 دولار ووصل بعضها إلى 1،300 دولار، فباعت عائلات في سوريا سياراتها ومنازلها لتعيد ذويها، وأصبح الباقون رهائن لأرصفة بورتسودان ومحاصرين بين الحرب في الخرطوم والتذكرة الباهظة.

على معابر مصر

لم تتوقف المعاناة عند بورتسودان، ولكن امتدت إلى المعابر الحدودية الأخرى، إذ تصف صباح الحماد، معاناة ابنها عبد الله الحسني، الذي درس الضيافة في كلية هاي ليفل للطيران ومنذ نهاية دراسته استقر في الخرطوم، وكان على تواصل دائم معها، حتى انقطع الاتصال فجأةً معه في بداية الاشتباكات، فكانت على موعد مع القلق اليومي، بعدما علمت أن المطار من البؤر الساخنة للمعارك ويسكن ابنها بجواره.

تقول لرصيف22، إن "عبد الله ارتحل إلى حي أركويت ثم لكافوري، حيث وصلت أولى رسائله التي اقتصرت على المحادثات المكتوبة، ثم انتقل إلى عطبرة حيث الأجواء أكثر أمناً، ثم إلى حلفا محاولاً دخول الحدود المصرية ليجد أن إقامته منتهية وأنه بلا أموال للنفقة، ومع توقف الخدمات البنكية لم تستطِع تحويل ما يساعده على تدبير أموره.

حاولت الأم مساعدة ابنها على دخول مصر، ولكنها صُدمت بأن مكتب السفر في القاهرة يطلب 2،000 دولار، ما سيضطرها إلى بيع منزلها، ويشترط المكتب المبلغ كاملاً قبل دخوله ومن دون ضمانات لقيامهم بذلك.

في المقابل، استطاع آخرون اجتياز الحدود، ويروي محمد صادق اللاجئ السوري لرصيف22، أنه دخل إلى مصر وإقامته منتهية منذ شهرين، حيث سدد رسوم المعبر السوداني وقيمتها 5،200 جنيه سوداني، بينما يطلب المعبر المصري 140 جنيهاً بالإضافة إلى الموافقة الأمنية.

أصبحت المعابر مع مصر، خاصةً معبر أرقين، عبارةً عن تجمع للفارين من ويلات الحرب في السودان خاصةً مع وجود جالية سودانية تُقدَّر بالملايين، وترتبط مع مصر بشبكة من الباصات من داخل الخرطوم حيث يوجد ما يقارب 45 رحلةً يومياً متجهة إلى القاهرة، وتحوّل المعبر المصري إلى منطقة تكدّس كبيرة سواء من السودانيين أو من الجنسيات الأخرى التي في الخرطوم مثل السوريين، بسبب التدقيق في الأوراق والموافقات الأمنية التي تطلبها الحكومة المصرية قبل الدخول إلى أراضيها، بحسب ما ذكر إبراهيم الزين رئيس الجالية السودانية في القاهرة لرصيف22.

أصبحت المعابر مع مصر، خاصةً معبر أرقين، عبارةً عن تجمع للفارين من ويلات الحرب في السودان

الهجرة إلى إثيوبيا

خاض الدمشقي فايد عبده (25 عاماً)، تجربةً أخرى مثيرةً للجدل، حيث وصل إلى السودان عام 2016 وكان لديه مطعمه الخاص، وظل يعمل حتى الحرب الأخيرة، فأحد أكثر الأماكن الملتهبة في الخرطوم هو حي جبرة، الموجود فيه بيت محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، ومساكن أهله.

حاول عبده الخروج من جبرة إلى شارع الستين، واستمرت رحلته نحو 3 ساعات وهي المسافة التي لا تستغرق في الأيام الطبيعية أكثر من نصف ساعة، حيث عبر وسط الاشتباكات الدامية بين الطرفين وجثث المواطنين في الشارع، هو وأمثاله محاولين الهرب والبحث عن الأمان، بحسب روايته لرصيف22.

لم يكن شارع الستين أفضل حالاً من جبرة، حيث اشتعلت الاشتباكات داخله، بجانب استغلال السيارات للخروج إلى الكاراج العمومي في الخرطوم، وهناك بدأت رحلته إلى بورتسودان أملاً في الإجلاء، وبعد تبخر أحلام الإجلاء إلى سوريا بدأ رحلةً جديدةً إلى إثيوبيا، مبيّناً أن سبب الفكرة حصوله على موافقة أمنية لدخول البلاد من وزارة الخارجية، بسبب زيارة سابقة لمطار إديس أبابا، بالإضافة إلى عمله الإعلامي.

اكتشف عبده عند وصوله من المعبر، أن في إمكان السوريين دخول إثيوبيا بفيزا لا تتجاوز 80 دولاراً، تُستخرج في منطقة القلابات على الحدود، شريطة وجود جواز ساري المفعول لأكثر من 6 أشهر، وتم بثّ فيديو يحفز السوريين على الدخول إلى إثيوبيا.

وأكد القيادي في الجالية، أنه يوجد 7 آلاف سوري في بورتسودان، بينهم ذوو احتياجات خاصة أحدهم مبتور القدمين، وحوامل في الشهرين الثامن والتاسع، مع انقطاع المياه والكهرباء وارتفاع درجات الحرارة التي يفر منها أهالي بورتسودان إلى الولايات، من دون متابعة من سفير أو قنصل، وإنما من قائم بالأعمال فقط، موضحاً أنهم عرضوا على السعودية حلولاً منها نقلهم إلى جدة ومنها بباصات إلى الأردن ومنه إلى الحدود السورية، أو عبر باخرة من بورتسودان إلى طرطوس مباشرةً، ولكن العرض قوبل بالرفض.

ودخل مصر ما يزيد عن ألف سوري، منهم من استخرج الموافقة الأمنية، ومنها السريعة وتستغرق 3 أيام بـ1،350 دولاراً، والبطيئة ومدتها 10 أيام بـ1،200 دولار، غير تذاكر الباصات، ولذلك تعذر على أصحاب العائلات دفع المبلغ وأكثرهم خرج تهريباً حيث لا يكلف الفرد أكثر من 600 دولار، ويوصله المهربون حتى أسوان، وفي إحدى المرات قُتل 6 سوريين في أثناء تهريبهم بعد انقلاب السيارة، بحسب محمد أحمد القياي في الجالية السورية.

النازحون في الولايات

اختار البعض النزوح داخلياً كجيرانهم السودانيين. يروي شيخو أنه بعد 6 أيام تحت القصف والاشتباكات، خرج بأسرته في السيارات إلى منطقة شندي، عابرين الكثير من حواجز التفتيش.

ويتجمع السوريون في غرف داخل المزارع، حيث تجد 100 شخص مع عائلاتهم في مكان واحد يتكوّن من غرف عدة، وتوجد عائلات تقضي لياليها داخل السيارات أو تحت الأشجار، ويعاني النازحون من الحصول على طعام وشراب كافيين بسبب ظروف الحرب.

كانت الصدمة الأكبر هي "كذبة" الإجلاء، أرسلت دمشق طائرتين حملتا أصحاب الواسطة ومالكي المصانع الكبار مجاناً، ثم طُرحت تذاكر طيران بسعر 500 إلى 700 دولار للكرسي الواحد

ويكشف مسؤول المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، لرصيف22، أن النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية ساهما في إجلاء العالقين في السودان، وتاجر النظام بمعاناة السوريين وحوّل تذاكر الطيران إلى تجارة، ومعظم من أجلتهم الإدارة الذاتية من الأكراد، بينما لم يشارك الائتلاف في أي عملية إجلاء، مع وصول القليل منهم إلى مصر بسبب مخاوف القاهرة الأمنية، والبعض نزحوا إلى إثيوبيا.

من جهتها، تكشف مسؤولة مجلس سوريا الديموقراطية في القاهرة ليلى موسى، لرصيف22، أن الإدارة الذاتية أجلت 3 دفعات من العالقين في السودان، كانت أعدادهم 161 شخصاً، و18، و201 على التوالي من سكان مناطق الإدارة الذاتية وضمت الدفعة الأخيرة 3 جثامين لسوريين توفوا في حادث سير، ووصلت الدفعة الأولى من بورتسودان إلى قامشلو، والثانية إلى مطار دمشق الدولي، ولكن الحكومة السورية وضعت عراقيل في وجه الإدارة الذاتية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard