لطالما كانت الدراما الخليجية "متحفظة" في تناول القضايا الاجتماعية "الحساسة"، على غرار الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال ومعاناة ذوي الإعاقة ووصمة المرض والعنصرية وغيرها، بشكل جريء ومعمّق تفادياً لردة فعل الجمهور في دول مجلس التعاون الخليجي.
لكن مسلسل "ملح وسمرة" تمكّن من تحقيق المعادلة الصعبة؛ تناول القضايا الاجتماعية الخطيرة والحساسة بطريقة جريئة ومكثّفة ونيل إعجاب وتقدير الجمهور الخليجي وتفادي الاتهامات المعلّبة بـ"تشويه و/أو الإساءة إلى المجتمع الخليجي" و"نشر الرذيلة".
المسلسل الذي اكتمل عرض الموسم الأول منه، 30 حلقة، هذا الأسبوع على منصة "شاهد" وقناة "إم بي سي" السعودية، تناول قصصاً واقعية، ووجّه رسائل قوية واضحة، جاءت نهايته "عادلة" ومنطقية، فلاقى استحسان الجمهور الذي اعتبره "عملاً متكاملاً".
صدمات الطفولة وإجرام الأهل
يدور العمل حول شخصية "هند" التي ترأس قسم التمريض في مركز طبي وتؤديها النجمة هدى حسين. في البداية، يظهر أن "هند" تعيش حياةً سعيدةً وهادئةً قبل أن تنقلب حياتها رأساً على عقب وتعود بذاكرتها إلى حادث تحرش جنسي تعرضت له وهي طفلة من أحد الأشخاص البالغين من دوائرها الآمنة.
"فتح أبواباً قليل مَن ملك جرأة الاقتراب منها، ولمس الجروح النازفة بداخل الخوف"... نجاح واسع لمسلسل #ملح_وسمرة الخليجي الذي تناول قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال وإجرام الأهل والعنصرية ووصمة المرض وحق المرأة في تمرير جنسيتها لزوجها الأجنبي وأولادهما
يكشف تتابع الأحداث أثر هذا الاعتداء العميق على حياة وشخصية هند حتى بعد أن باتت جدة. تسترجع هذه الذكريات حين يتكرر الموقف أمامها بتعرض حفيدها للتحرش من طفل في نفس عمره.
علاوة على القضية الرئيسية، الاعتداء الجنسي على الأطفال والطفلات، سلّط "ملح وسمرة" الضوء على تفشّي العنصرية - تحديداً ضد ذوي البشرة السوداء - في سياق كوميدي أحياناً. وتناول "التنمر" كظاهرة متنامية لها آثار خطيرة وممتدة.
ومرر العمل الفني رسائل مهمة حول الاستخدام السيئ للسوشال ميديا وأضراره، وحول الهوس بعمليات التجميل دون الانتباه أحياناً لمخاطرها الصحية، والزواج ومشكلات الخيانة وسوء معاملة الزوجة، ومعاناة بعض الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع على غرار ذوي الاحتياجات الخاصة ومرضى الصرع ومريضات السرطان اللاتي يعانين الوصمة بسبب التغيرات الجسدية المرافقة للعلاج.
نبّه المسلسل أيضاً إلى أهمية "الحب" ودوره في تخطّي مصاعب الحياة، وبخاصة حب النفس والتصالح معها ومسامحتها، وأهمية العائلة و"دعم الأهل" واحتوائهم لأبنائهم وتوفير الحماية ليهم.
وعرج العمل على قضية سياسية واجتماعية مهمة جداً هي زواج المرأة الكويتية من أجنبي وتبعات ذلك عليها وعلى أسرتها وأطفالها مستقبلاً بسبب عدم وجود نص قانوني يمنح المرأة الكويتية الحق في تمرير جنسيتها لزوجها الأجنبي وأبنائها منه.
أثنى الجمهور بشكل خاص على أداء بطلة العمل، الفنانة هدى حسين، وبراعتها في تجسيد شخصية ضحية تحرش جنسي في الطفولة. اعتُبِر مشهد مواجهته للمتحرش بعدما أصبحت جدّة من أهم مشاهد العمل.
"ملكة الدراما الخليجية"... إشادة واسعة بأداء #هدى_حسين في مسلسل #ملح_وسمرة وتجسيدها ببراعة دور ضحية اعتداء جنسي في الطفولة، وتمريرها رسائل مهمة للنساء حول حب النفس والاستقلال الاقتصادي ورفض الخيانة
وفي المشهد، تواجه "هند" المتحرش وهو في فراش الموت، وتقول له: "أبي عيني تشوفك وتصدج صورتك وأنت ضعيف وملابسك ناقصة وتخاف منّي. يا ويلك من عذاب ربي، يا ويلك من عذاب ربي..."، وحين يرجوها "ارحميني"، ترد عليه بكل قوة: "تجرمون ومقتنعين أننا ناس طيبة وضامنين إن إحنا بنغفر لكم؟ وإذا ما غفرنا لكم يصير العيب فينا إحنا. ماني غفرتلك، ماني غفرتلك. ردّلّي برائتي اللي راحت وبعدين أغفر لك".
مررت "هند" خلال الحلقات رسائل مهمة للنساء والمجتمع ككل حول أهمية الاستقلال الاقتصادي للمرأة ورفضها الخيانة ونبذ العنصرية وحب الذات والتصالح مع النفس ودعم الآخرين وغيرها.
"ملحمة فنية"
بوجه عام، قال الجمهور الخليجي، وفق ما رصده رصيف22 عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن ملح وسمرة هو "مسلسل عظيم يتناول قضايا واقعية خطيرة" واعتبروه "ملحمة فنية" تثبت أن "الفن رسالة" وبإمكانه أن يُسهم في نهضة المجتمع.
#ملح_وسمرة تمكّن من تحقيق المعادلة الصعبة؛ تناول القضايا الاجتماعية الخطيرة والحساسة بطريقة جريئة ومكثّفة ونيل إعجاب وتقدير الجمهور الخليجي وتفادي الاتهامات المعلّبة بـ"تشويه و/أو الإساءة إلى المجتمع الخليجي" و"نشر الرذيلة"
غرّد الناشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي ساري: "اللي يتابع #ملح_وسمرة صعبة يتخطّاه بسهولة. مسلسل مليان مشاعر ومليان دروس ومليان عبر. الحلقة الأخيرة كانت عبارة عن 100 محاضرة في الحياة والوصل والتجاوز والتسامح والصبر والمواجهة".
وقالت نجوى، وهي مشاهدة سعودية، إن "الخلاصة" التي خرجت بها من هذا العمل المميز هي: "واجه خوفك بيموت وأنت بتعيش! لا تتنازل لأن خصمك صاحب نفوذ، صاحب الحق يخوف! الاعتذار إذا ما كان بنفس حجم الجرح ادعس ولا تقبله! الحب يصلح كل شئ".
وأشادت الكاتبة والشاعرة الإماراتية ميثاء سيف الهاملي بأن "هذا العمل فتح أبواباً قليل مَن ملك جرأة الاقتراب منها، ولمس الجروح النازفة بداخل الخوف بمناقشة ما أُخفي وكان أعظم".
ورأت الكاتبة السعودية مها عبد الله أن المسلسل "يتحدى أفضل الأطباء النفسيين بمعالجة الواقع البذيء المسكوت عنه: التحرش وصدمات الطفولة والقانون غير العادل والإجرام الأسري".
كان لافتاً للبعض توظيف "الرقص" في سياق "المواجهة" و"التغلب على المخاوف". أولاً حين رقصت "هند" لأول مرة كاشفةً عن ساقيها دون خوف من تكرار محة التحرش بها وهي طفلة. وثانياً حين تغلّبت بالرقص على خوفها من المطر في الحلقة الأخيرة.
واعتبر الصحافي الكويتي حسين الصيدلي أن نجاح العمل وتصدره "التريند" راجع إلى "القضايا الاجتماعية المهمة التي يتناولها، والقصة والحوارات المحترمة والسيناريو المنطقي، والممثلين الذين يقدمون لنا أداءً احترافياً متميزاً، والمخرج الذي يمتلك تكنيكاً معاصراً ومتطوراً".
أما وجدان، وهي مشاهدة خليجية، فقالت إن سبب النجاح الكبير للعمل هو أنه "لم يخدش عين المتابع بالرغم من أنه يتكلم عن مواضيع حساسة جداً. لكنه ناقشها بطريقة راقية وأنيقة جداً لامست أعمق نقطة في مشاعرنا"، مستدركة بأنه "مسلسل ولكن بداخلهِ قصص تُعاش في كل بيت".
بدوره، أعرب منتج العمل، جمال سنان، عبر حسابه في انستغرام، عن اعتزازه بالمسلسل والنجاح الذي حققه، معتبراً إياه "محطة نجاح جديدة نسجلها اليوم برعاية منصة شاهد وقنوات إم بي سي شركاء التميّز، والسيدة العظيمة ملكة الدراما الخليجية #هدى_حسين والمخرج الكبير المبدع علي العلي والكاتب الكبير المبدع حمد الرومي".
وبينما صنّف سنان العمل ضمن "قائمة الشرف" لأعماله الفنية، أثنى على أبطال العمل "جمال الردهان، وسحر حسين، وفاطمة الصفي، وعبدالله الطراورة، ومشاري المجيبل والجميع بدون استثناء، فنيين وتقنيين، فريق إيغل فيلم، وكل من ساهم في كل هذا النجاح".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون