شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"إجازة الأمومة"... الجانب المظلم للأمهات العاملات في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 26 مارس 202201:14 م

"تجربتي مع الأمومة كانت مختلفةً بشكل كبير عن بقية التجارب، لأنها تزامنت مع جائحة كورونا وتعاملي معها كطبيبة في هذا الاختصاص"، تروي "نور" طبيبة مختصة في الأمراض المعدية في محافظة تلمسان (مدينة تقع شمال غرب الجزائر)، بمرارة،عن أشد اللحظات ألماً يوم فراقها رضيعها الذي لم يكن يتجاوز شهراًواحداً من عمره.

تقول نور: "ولادتي كانت قبل أوانها، ربما بسبب التعب في العمل ومشقة التنقل اليومي إلى المشفى، لكن الحمد لله مرت الولادة المتعسرة وكنت سعيدةً بقدوم أول مولود لي بعد ثلاث سنوات من الزواج، غير أن فرحتي للأسف لم تدُم طويلاً لأنني اصطدمتُ بقرار رئيسة المصلحة التي كنت أشتغل فيها ورفضها منحي حقي في عطلة الأمومة المقدرة بثلاثة أشهر، وأصرّت على منحي شهراً واحداً فقط".

"تعاستي في تلك اللحظة لا توصف. بقيت أفكر فقط في هذه المدة غيرالكافية،وكيف سأقضيها مع ابني وكيف سأشبع من أمومتي معه".

تُضيف نور: "بالرغم من هذه الظروف،إلا أنني قاومت وأصرّيت وكافحت من أجل إتمام الرضاعة الطبيعية، فكنت أستعمل مضخة حليب الثدي أو الشافطة لترك الحليب لرضيعي في غيابي، وخلال فترة الدوام الليلي كان زوجي يحضر لي صغيري إلى العمل لأرضعه ثم يعيده إلى والدتي بالرغم من بعد المسافة".

إجازة منقوصة

"أنجبتُ ابني في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، شهرين فقط قبل الإعلان عن ظهور فيروس كورونا، وبعد عودتي إلى العمل ببضعة شُهور فقط بدأت المعركة ضد الفيروس وبالتحديد في آذار/ مارس 2020، وخلال هذه الفترة تركت رضيعي لأيام مع والدي وأختي وهو لم يبلغ الستةأشهر بعد، وأقل ما يمكن أن يقال عن روحي إنها تشتتت".

"عطلة الأمومة المعمول بها حالياً في الجزائر منقوصة وغير كافية إطلاقاً، لأن مسألة الرضاعة أمر مهم جداً بالنسبة إلى الأم والطفل معاً من الناحية الصحية والعاطفية، فهي تزيد من توثيق الصلة بين الطرفين والشعور بالإيمان لكليهما إن صح التعبير"

وتنتقد نور بشدة عطلة الأمومة المعمول بها حالياً في الجزائر، وترى أنها "منقوصة وغير كافية إطلاقاً، لأن مسألة الرضاعة أمر مهم جداً بالنسبة إلى الأم والطفل معاً من الناحية الصحية والعاطفية، فهي تزيد من توثيق الصلة بين الطرفين والشعور بالإيمان لكليهما إن صح التعبير".

"فالرضاعة الطبيعية المتواصلة وغير المختلطة (allaitement exclusive)، شيء أساسي خصوصاًفي الأشهر الستة الأولى، ومن تم نبدأ بإدخال الأكل للرضيع الذي يكون بين أربعة أشهر وستة أشهر حسب بعض الدراسات الأمريكية".

وتضيف قائلةً: "هُنا تكمن كل مشكلات المرأة العاملة يومياً وما أدراك ما المرأة العاملة بنظام الدوام الليلي وما ينجم عنه من إرهاق جسدي ونفسي بعد الولادة، وكذلك إحساس بالتقصير تجاه الصغير وتبدأ رحلة الاشمئزاز من النفس وتأنيب الضمير وربما الندم لأنها قسمت حياتها إلى نصفين وهنا قد تدخل الأم في دوامة كآبة إذ لا هي أعطت كل حنانها وعطفها لابنها ولا هي قدمت كل جهدها في العمل، فمردودها كفرد وأم تراجع بشكل كبير".

وتقول إن بعض الحالات وبالأخص العاملات، يصبن بما يسمّى بـ"baby blues"، وهو اضطراب نفسي يحصل بعد الولادة وقد يكون عابراً وقد يتفاقم ويصبح مشكلةً نفسيةً حادةًإن لم نستطع التعامل معه جيداً.

"نحن نعلم أن المشكلات النفسية قد تكون مدمرةً وقد تؤثّر حتى على الجسد وهنا لدينا روحان قد تتلفان؛ الأم وصغيرها، من دون أن ننسى بقية أفراد العائلة وأطفالاً آخرين والزوج والآباء إذا كانت تهتم بهم".

وتقدَّر عطلة الأمومة وفق القانون الجزائري بـ98 يوماً، أي 14 أسبوعاً، فالشهادة الطبية للحمل في الأشهر الثلاثة تؤكد حقها في الحصول على تعويض مالي مع ضرورة عملها لمدة 15 يوماً، وذلك من دون انقطاع، وبعد انقضاء ثلاثة أشهر تكون هناك متابعة طبية.

وتختتم نور حديثها المطول بالقول إن إجازة الأمومة هي مدة غير كافية تماماً،بل بالعكس فيها ظلم لـ"أمومة المرأة"، وإن صح التعبير فهي تُعدّ"جحوداً" في حق المردودية لأن الجانب النفسي للأم سيؤثر كثيراً على عملها، وفي كثير من الدول المتقدمة تقدَّر عطلة الأمومة بأربعة أشهر وفق أقل تقدير، وبعضها تمنح عطلة الأبوة، ففرنسا مثلا أقرت سنة 2020 مُضاعفة إجازة الأبوة لتصبح 28 يومًا بعد أن كانت تقدر بـ 11 يومًا".

قصة أخرى ترويها لنا "أسماء"،وهي طبيبة مقيمة متخصصة في طب النساء والتوليد، تقول إنها مرت بفترة صعبة للغاية بعد فترة الولادة، لأنها حصلت على إجازة تقدَّر بشهر و20 يوماً فقط بالرغم من أن رضيعها وُلد بوزن منخفض للغاية وكانتتعاني من مشكلة في التنفس لأنها تعرضت لولادة مبكرة.

"وبعد انقضاء المدة التي مُنحت لي، كنت أمام خيارين أحلاهما مر: إما البقاء مع ابني الذي لم يكن يعرف كيف يصل إلى حلمة ثديي، أو الحفاظ على وظيفتي".

وتؤكد أسماء أن حالتها الصحية تدهورت كثيراً خلال تلك الفترة بعد أن فقدت ساعات كاملةً من معدلات نومها اليومي، إذ كانت تعمل نهاراً في المستشفى وليلاً تسهر على إرضاع ابنها حتى تلتزم بأسس الرضاعة الطبيعية.

تحكي "أحلام"، وهي شابة في العقد الثالث من عمرها تعمل صحافية في إحدى الصحف المحلية، قصتها مع إجازة الأمومة، وتقول لرصيف22، إن العودة إلى العمل بعد انقضاء فترة الإجازة كانت من أصعب الظروف التي واجهتها، لأن الفترة قصيرة جداً ورضيعتي لم تكمل بعد رضاعتها الطبيعية.

"كان عليّ شفط الحليب ووضعه في الثلاجة قبل فترة من بدء العمل، حتى أنني كنت أستعين بجهاز الشفط خلال فترة العمل وبالأخص في أوقات الراحة، لأن الحليب المحتبس في الثدي كان يسبب لي الكثير من الآلام، ناهيك عن التوتر الزائد الذي كنت أصاب به عند إصابتي بنزيف مفاجئ وتسرّب للحليب الطبيعي فوق قميصي".

وأودعت مؤخراً النائبة في البرلمان الجزائري، فريدة غمرة، مشروع قانون يتعلق بالتأمينات الاجتماعية وبالأخص المادة المتعلقة بتمديد عطلة الأمومة إلى ستة أشهر بدل الأشهر الثلاثة المعمول بها حالياً.

واللافت للانتباه أن القانون المعمول به حالياً، ساري المفعول منذ ثمانينيات القرن الماضي، إذ لم يدرَج عليه أي تغيير ما عدا بعض الجزئيات البسيطة والصغيرة بالرغم من تغيّر الظروف العملية والاجتماعية والأصوات المطالبة بإعادة النظر فيه، غير أن السلطة في الجزائر ظلت تغض بصرها عن هذا المقترح بمبرر الحفاظ على الاستقرار المالي لصندوق الضمان الاجتماعي والتقاعد وإنقاذهما من الإفلاس أمام تقلص الموارد المالية.

"كان عليّ شفط الحليب ووضعه في الثلاجة قبل فترة من بدء العمل، حتى أنني كنت أستعين بجهاز الشفط خلال فترة العمل وبالأخص في أوقات الراحة، لأن الحليب المحتبس في الثدي كان يسبب لي الكثير من الآلام"

مشروع القانون الذي يحوز رصيف22، نسخةً منه، يتضمن مواد عدة تظهرُ بوضوح أهمية تمديد فترة عطلة الأمومة وفرصة الرضاعة الطبيعية لنمو الطفل وكذا صحة الأم واستقرار الأسرة ككل.

تراجع مخيف في الرضاعة الطبيعية

ومن أهم دوافع هذا التعديل، "احتياجات اجتماعية واقتصادية" أبرزها تسجيل تراجع مخيف في الرضاعة الطبيعية، إذ تم تسجيل 13 في المئة فقط من الأمهات في الجزائر اللواتي يُرضعن أطفالهن لأن عطلة الأمومة المحددة بـ98 يوماً في التشريع المعمول به حالياً، غير كافية.

وفي عرضهالأسباب، استند مندوب أصحاب الاقتراحإلى البحوث العلمية التي أكدت فعالية الرضاعة الطبيعية، وأن المدة المثلى للإرضاع هي سنتان كاملتان.

وعلى الرغم من فعالية الرضاعة الطبيعية كحتمية صحية وفريضة شرعية، إلا أنه يتعذر على الكثير من النساء العاملات بعد عودتهن إلى العمل وانتهاء عطلة الأمومة، تأمين الإرضاع الطبيعي بسبب قصر مدة عطلة الأمومة المحددة في التشريع الجزائري بـ14 أسبوعاً فقط، لا سيما المادة 12 من الأمر رقم 96_17 المؤرخ في 2 تموز/ يوليو لسنة 1983، والمتعلق بالتأمينات الاجتماعية.

"ساعات الرضاعة التي تُعطى للأمهات العاملات لا تكفي أبداً ذلك الإنسان الصغير الذي انتُزع من حضن أمه فجأةً، كما أن الأم لا تكون في صحة جيدة في الأشهر الثلاثة الأولى، فمعظمهن يعانين من فقر الدم والإجهاد"

واستند المشروع الذي أعدته النائبةفي البرلمان الجزائري على دراسات تُؤكد أن أكثر من 90 في المئة من الأمهات العاملات يلجأن إلى العطل المرضية بعد عطلة الأمومة مباشرةً، والأعباء يتحملها صندوق الضمان الاجتماعي (هيئة حكومية)، ونسبة غير مستهان بها منهن يلجأن إلى الإحالة على الاستيداع لأن المدة الممنوحة قانوناً غير كافية من الناحية الواقعية، وهذا التعديل جاء ليؤكد واقعاًيكاد يصبح قانوناً.

مشروع القانون الموجود حالياً على طاولة وزير العمل الجزائري، يفيدبأن بقاء الأم مع رضيعها لمدة ستة أشهر يوفر على الدولة ويجنّب الخزينة العمومية قطاعاً لا يستهان به من الأعباء من خلال تقليل فاتورة استيراد حليب الرضع، وبما أن الرضاعة الطبيعية تقوّي مناعة الطفل وتحميه من الأمراض، فإنها تجنّب الدولة أيضاًكلفة الدواء والعلاج، بالإضافة إلى هذا أثبتت الدراسات أن رجوع المرأة إلى عملها بعد عطلة الأمومة المقدرة بـ98 يوماً فقط، تجعل عملها غير مركز وقليل المردودية بسبب الضغط النفسي وتعلقها بطفلها وهذه خسارة اقتصادية تتكبدها الجهة المستخدمة خلافاً للأمر حينتبقى الأم مع طفلها ستة أشهر،إذ سوف تعود إلى عملها بنفس جديد وإرادة قوية.

ويؤكد مندوب أصحاب الاقتراح أن الكثير من الدول أعادت النظر في تشريعاتها المتعلقة بتمديد عطلة الأمومة وتشجيع الرضاعة الطبيعية بقصد تحسين وضع الأمومة وحماية الطفل الرضيع بإعطائه حقه الكامل في أن يحظى برعاية طبيعية.

وتؤيد الأخصائية بأمراض النساء والتوليد في الجزائر، كتيبة شبيرة، هذا المقترح، وتقول لرصيف22، إن فترة الستة الأشهر كافية لجعل الرضيع يشعر بالأمان، فكما نعلم، الرضيع في الأشهر الستة الأولى لا يحس بالأمان إلا في حضن أمه وهو ما يساهم بشكل كبير في توازن نفسيته ونموه العاطفي فضلاً عن نموه العضوي والجسدي.

وتضيف قائلةً إن ساعات الرضاعة التي تُعطى للأمهات العاملات لا تكفي أبداً ذلك الإنسان الصغير الذي انتُزع من حضن أمه فجأةً، كما أن الأم لا تكون في صحة جيدة في الأشهر الثلاثة الأولى، فمعظمهن يعانين من فقر الدم والإجهاد.

أخيراً، ليس في وسع الأمهات الجزائريات إلا انتظار موقف الحكومة من مشروع القانون: هل ستبقي على القانون المعمول به حالياً، أوستتبنّى المقترح الجديد، أوسترفضه ويبقى الوضع على ما هو عليه وتستمر المعاناة؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard