لم تكن الممثلة هالة صدقي – للأسف الشديد – هي الفنانة العربية الوحيدة التي دافعت عن المغني المغربي سعد المجرد، الذي لاحقته دعاوى الاعتداء الجنسي، وآخرها خروجه بإطلاق سراح مشروط، في انتظار إعادة المحاكمة بتهمة اغتصاب الشابة الفرنسية "لورا. ب" في غرفة بأحد الفنادق في باريس، بعد أن حُكم في المرة الأولى بالسجن ست سنوات.
يكفي أن تكتب على شريط البحث في محرك جوجل عبارة "تدافع عن سعد المجرد" حتى تحصل على أكثر مما تبتغي، من "تضامن" فنانين عرب يساندون الفنان فيما وصفوه بـ "محنته" ، وهي "محنة" مستمرّة منذ سنوات، إذ إن دعاوى الضرب والاعتداء الجنسي قد أقيمت ضد الفنان بامتداد العالم، وعلى جانبي المحيط الأطلسي، من سان تروبيه في جنوب فرنسا إلى نيويورك في أميركا، مروراً بموطنه بالدار البيضاء.
اختار نجوم عديدون "محنة" سعد المجرد ليظهروا تعاطفهم، ولم يكتفوا بالإعراب عن قناعتهم بأن المجرد "خلوق ومؤدب"، على حد تعبير الفنانة شذى حسون، بل امتد الأمر إلى التعاون الفني بواسطة نجوم من المستوى الأول
وفي ظروف يعاني فيها العديد من الفنانين في العالم العربي من المحن في معانيها الكلاسيكية، كمحنة المرض أو البطالة أو حتى السجن السياسي، اختار نجوم عديدون "محنة" المجرد ليظهروا تعاطفهم، ولم يكتفوا بالإعراب عن قناعتهم بأن المجرد "خلوق ومؤدب"، على حد تعبير الفنانة شذى حسون، بل امتد الأمر إلى التعاون الفني بواسطة نجوم من المستوى الأول، من المصري محمد رمضان (أغنية إنساي – 2019) وصولا إلى اللبنانية أليسا (من أول دقيقة – 2022).
لكن تصريحات هالة صدقي هذا الأسبوع لموقع "كايرو 24" المصري كانت من نوع مختلف، فهي لم تدافع عن "أخلاقه" المفترضة، وإنما ذهبت إلى ما هو أبعد، فبعد أن أكّدت "أنا لسة كنت باكلمه من شوية" (لا يجمع هالة وهي مواليد 1961 أي عمل فني مع المجرد الذي ولد عام 1985، هل هي محض صداقة عابرة للأجيال وللنوع الفني؟ أم هو مجرد تعاطف مع "محنته"؟) فقد أضافت – رداً على سؤال في المقابلة نفسها – أنها ستبقى تدافع عن سعد "وتقف جنبه" حتى لو صدر ضده حكم نهائي.
ولأنهما – فيما هو معروف على الأقل – ليسا صديقين، فإن هالة سرعان ما تشرح موقفها، معبرة عن حالة ذهنية شبه كابوسية، كثيراً ما واجهتها كل فتاة تعرّضت لتحرش أو اعتداء جنسي، الحالة التي اشتهرت شعبياً بعبارة "إيه اللي وداها هناك؟"، حيث تمتد تلك الـ "هناك" لتصف مكان أو حتى زمان الاعتداء الجنسي، إنها حالة تلوم الفتاة على "المكان" الذي ذهبت إليه لو كان موقعاً خاصاً؛ بيتاً أو غرفة فندق، ولو لم يكن الموقع خاصاً فإنها قد تلام على "الزمان"، كأن تكون خرجت في وقت متأخر أو صباح باكر، وقد تكون الـ "هناك" وصفاً لفعل ما، كأن تضحك الفتاة لشاب أو تحادثه أو تذهب في رحلة ما معه إلى أي مكان.
بهذا المعنى، فإن الفتاة التي أصدرت المحكمة الفرنسية حكمها بصدد واقعة اغتصابها، تنطبق عليها كل حالات الـ "هناك" التي سرعان ما سردتها هالة وهي تقول: "إنتي رايحة مع شاب في أوتيل تعملي إيه؟ تكتبي كتاب ثقافي ولا تعملي ندوة؟ اتحملي أخطاءك بقى، وبعدين ده شاب صغير (كان سعد المجرد وقت الواقعة في الحادية والثلاثين من العمر، وكانت لورا في العشرين). تتواصل كلمات هالة كالطلقات مصوبة إلى الهدف نفسه: "لو سعد ارتكب غلطة فهي (الفتاة) عملت خمسمئة غلطة. إنتي قاعدة في بار وبتشربي، ورحتي معاه الأوضة. طب ما هو شاب يا اخوانا. إنتي اديتي له الإذن خلاص. ما نجيش نقول معلهش يا حبيبتي. ومامتك مش عارفة بنتها بايتة فين؟".
تمتعت هالة صدقي بالحضور والكاريزما، ومنحت انطباعاً دائماً بقوة الشخصية، لكن؛ أتكون تلك القوة راجعة بالأساس إلى التمثل بالمجتمع، إلى تبني ذهنيته والتماهي فيه، وهو ما قد يمنح في النهاية قوة في الخطاب وتعاسة في الحياة
ليس غريباً أن كلمات هالة لاقت "موافقة" كبيرة من الجمهور على مواقع التواصل، حتى التفاعل في الصفحات النسوية لم يخل من تعليقات مؤيدة لخطاب صدقي، التي تحدثت بلسان مجتمع لا يحترم – لسخرية القدر – الأوساط الفنية. فاختارت هالة هنا أن تقف وراء المدفع لا أمامه، نطقت بالكلمات التي كان لينطقها أي فرد ينتمي إلى الغالبية الساحقة للمجتمع المحافظ، فالمسألة فيها "شرب" وملهى ليلي، وفتاة مع شاب في غرفة أوتيل. من بإمكانه أن يدافع عن هذا السلوك؟ عن "الخمسمئة غلطة" على حد قول "الفنانة"، ولكن هل كان المجتمع المحافظ أيضاً هو من يلزم هالة بأن "تكلم سعد من شوية" وبأن "تقف جنبه" حتى لو أدين نهائياً؟ هل ألزمها المجتمع بأن تجمع ما بين لوم الضحية والدفاع عن المعتدي والحديث عن الأم وإدانة نمط الحياة، معاً في آن واحد، حتى وُصف حديثها الصحفي بأنه "استطاع أن يجمع كل ما يضرّ بالنساء في فقرة واحدة".
في شخصيتها الفنية، تمتعت هالة بالحضور والكاريزما، ومنحت انطباعاً دائماً بقوة الشخصية، لكن؛ أتكون تلك القوة راجعة إلى بالأساس إلى التمثل بالمجتمع، إلى تبني ذهنيته والتماهي فيه، وهو ما قد يمنح في النهاية – كما يتضح أغلب الأحيان - قوة في الخطاب، وتعاسة في الحياة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...