قلوب مصريين كثر وعقولهم كانت تراقب مسار نتائج فرز صناديق الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التركية التي أجريت يوم الأحد 14 مايو/ أيار الجاري، والتي أعلنت نتائجها في اليوم التالي من دون حسم لصالح أي من المتنافسين الأربعة، في انتظار جولة ثانية حسم التنافس بين رجب طيب أردوغان، الرئيس الحالي ومرشح حزب العدالة والتنمية عن تحالف الشعب، وكمال كلجدار أوغلو مرشح الحزب الجمهوري ضمن تحالف الأمة، إذ حصل أردوغان على 49.52% وأوغلو على 44.88% من عدد الأصوات. وعليه يخوض الرئيس التركي الحالي جولة الإعادة مضطراً لفشله في حسم الفوز عبر تأمين نصف في المئة لإضافية من الأصوات.
هذا السباق المحموم كان سبباً في متابعة العالم لهذه الانتخابات التي يصعب التكهن بمن سيفوز بها، على عكس الانتخابات الصورية في الدول المتخلفة والديكتاتورية، لكن المصريين كانوا ينظرون إلى مشهد الانتخابات الرئاسية التركية من زوايا أخرى، زوايا خاصة ترتبط بالحالة المصرية التي تتماس مع الوضع التركي في عدد من الجوانب، في وقت تنتظر مصر انتخابات عُدل في سبيلها الدستور، وينتظر أن تنعقد العام القادم.
تركيا والشرق الأوسط
صحيح أن تركيا تقع جغرافياً في القارة الأوروبية، لكنها سياسياً واقتصادياً وثقافياً ودينياً جزء من الشرق الأوسط، حيث إنها دولة إسلامية، وكانت قبل مائة عام إمبراطورية كبيرة تضم معظم الدول العربية تحت لوائها، كما أن مصالحها تتقاطع مع القوى الإقليمية في المنطقة -إيران وإسرائيل والسعودية والإمارات، ومصر بشكل ما- في أكثر من نقطة ارتكاز، فهي تتداخل في الصراعات الدائرة في سوريا وليبيا والعراق والسودان، ويجلس على مقعد الحكم فيها رجل بخلفية دينية، يناصر الجماعات الإسلامية المعارضة في الدول العربية. وبالتالي فإن ما يحدث في الداخل التركي يؤثر في دول المنطقة، وفي طليعتها مصر التي أقصيت فيها جماعة الإخوان -حليف الرئيس التركي الحالي- عن السلطة، فضلاً عن غياب التوافق خلال السنوات السابقة بين الدولتين في ملف غاز شرق المتوسط، وملفات الترتيبات السياسية في الدول المجاورة لمصر وعلى رأسها ليبيا.أهم أسباب الاختلاف بين الانتخابات الرئاسية المصرية السابقة ومثيلتها المنتظرة، هو الحالة الاقتصادية المتردية التي تواجهها مصر حالياً، والتي لا تبدو في الأفق علامات تدل على الخروج منها في المستقبل القريب، الأمر الذي يضيق مساحة التحرك أمام الرئيس السيسي
الانتخابات الرئاسية المصرية 2024
عدة أسباب تجعل الانتخابات الرئاسية المصرية 2024 مختلفة عن الانتخابات الماضية، التي أجريت عام 2018، ونافس الرئيس السيسي فيها رجلاً مجهولاً ليس له أي رصيد سياسي، أعلن ترشحه في الساعات الأخيرة قبل إغلاق باب الترشح، و(أُعِدت) له التوكيلات اللازمة لاكتمال شروط الترشح على عجل، بعد إقصاء المرشحين الأقوياء الذين أعلنوا عن نيتهم خوض الانتخابات تباعاً.أهم أسباب الاختلاف بين الانتخابات السابقة ومثيلتها المنتظرة، هو الحالة الاقتصادية المتردية التي تواجهها مصر حالياً، والتي لا تبدو في الأفق علامات تدل على الخروج منها في المستقبل القريب، الأمر الذي يضيق مساحة التحرك أمام الرئيس السيسي، الذي يحاول أن يتنصل من مسؤوليته عن الأزمة، في ظل تصاعد عدم الرضاء الشعبي ضد حكمه وما آل إليه.
التدهور الاقتصادي
فبحسب التقارير المحلية التي تصدرها وزارة التخطيط؛ فقد بلغ الدين الخارجي 162.9 مليار دولار بنهاية كانون الأول/ ديسمبر 2022 مقابل 154.9 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر، فيما تشير دراسة رسمية حديثة صادرة عن معهد التخطيط القومي، إلى أن مصر تواجه عجزاً في قدرتها على الحفاظ على استدامة الدين العام (المحلي والخارجي)، أي القدرة على الوفاء به من الدون الإضطرار إلى المطالبة بالشطب أو إعادة الجدولة.حالة العجز التي يعاني منها الاقتصاد المصري، تنعكس سلباً على مستوى معيشة المواطنين، الذين يحمّل كثير منهم الرئيس وإدارته المسؤولية عن هذه الحالة، وبالتالي لن يكون مقبولاً لديهم إقصاء المنافسين المحتملين في الانتخابات الرئاسية على غرار ما حدث في 2018
وأعلن البنك المركزي المصري في آب/ أغسطس الفائت أن الدول العربية تمتلك 25.1% من الديون الخارجية، وصندوق النقد الدولي 15%، منها 26.4 مليار دولار ديوناً قصيرة الأجل يتعين سدادها خلال عامين، و72.4 مليار دولار ديوناً متوسطة وطويلة الأجل حتى نهاية 2025، مما يشكل ضغطاً كبيراً على مصر التي تلجأ للاستدانة حتى تتمكن من الوفاء بسداد فوائد الديوان السابقة.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل البطالة بلغ 7.1 في المائة خلال الربع الأول من 2023 انخفاضاً بنسبة 0.1% عن الربع السابق عليه، وهذه أرقام حكومية غير موثوق بصدقيتها ولا دقتها. الأهم من هذه الأرقام أن المستقبل غير مبشر في ضوء هروب المستثمرين من مصر.
هذه الأرقام تشير إلى حالة العجز التي يعاني منها الاقتصاد المصري، والتي تنعكس سلباً على مستوى معيشة المواطنين، الذين يحمّلون الرئيس ونظامه المسؤولية عن هذه الحالة، وبالتالي لن يكون مقبولاً لديهم إقصاء المنافسين المحتملين في الانتخابات الرئاسية على غرار ما حدث في 2018.
تراجع التأثير الإقليمي
الأحداث السياسية المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط، وفي العالم، أظهرت غياب قدرة مصر على التأثير في الملفات التي تمس أمنها القومي مباشرة، مثال عجزها عن التوصل إلى اتفاق معقول بخصوص قضية سد النهضة الأثيوبي، وهي مسألة في غاية الحيوية في بلد يعيش على مياه النيل ويتركز السكان حول مجراه، خاصة أن محاولة إلصاق الرئيس مسؤولية هذا الفشل بـ"ثورة يناير 2011" لم تفلح.كذلك ظهرت قلة حيلة النظام المصري في التعامل مع الاقتتال السوداني-السوداني، بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، فقد أسرت قوات الدعم مجموعة من الجنود المصريين في اليوم الأول للاشتباكات، ونشرت فيديو لهم يقلل من هيبة القوات المسلحة المصرية، والغريب أنه لم يصدر أي رد فعل عن مصر، سوى اللجوء إلى دولة الإمارات كوسيط للإفراج عن الجنود، في ظل العلاقات المتميزة بين الإمارات وقوات الدعم.
والنقطة الأهم في تدهور الوضع الإقليمي المصري يظهر في علاقة مصر بدول الخليج الرئيسية: السعودية والإمارات وقطر، فمصالح هذه الدول متضاربة حيال الملفات التي أشرت إليها، وغيرها، ومصر تريد أن ترضي هذه الدول جميعاً لتضمن تدفق المعونات التي تنقذ اقتصادها المتدهور، لكن النتيجة أنها لا ترضي أحداً. فقد أعلنت الدول الثلاث أن زمن الإعانات المجانية قد ولى.
الانتخابات التركية
العامل الأبرز والمستجد الذي سيؤثر على الانتخابات الرئاسية المصرية 2024، بحيث تختلف عن المسرحية المكشوفة التي جرت في 2018، هي الانتخابات الرئاسية في تركيا.ولد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 1954، وهو نفس العام الذي ولد فيه الرئيس المصري، فكلاهما يصل عامه السبعين في العام المقبل، وعلى الرغم من أن أردوغان انتخب رئيساً للدورة الأولى عام 2018 (مدة الدورة خمس سنوات)، إلا أنه شغل منصب رئيس الوزراء، وهو المقعد الأول وقتها، منذ عام 2003، لكنه تمكن عام 2017 من تغيير الدستور لاستحداث منصب الرئيس، وتقدم للانتخابات في 2018 وربحها، وفي العام نفسه كان الرئيس السيسي يتقدم لانتخابه لولاية ثانية أمام المرشح المغمور، وفاز بنسبة كاسحة متوقعة، تغاضى المصريون عن فجاجتها، فقد كانوا لا يزالون يعيشون أجواء (الرئيس الذي خلصنا من حكم الإخوان)، وكانت الأزمة الاقتصادية بادية سنتذاك، لكنها لم تكن قد استفحلت بعد.
أمام تراجع شعبيته الملحوظ، لجأ أردوغان إلى تقديم "رشاوى سخية" للناخبين لضمان فوزه في الانتخابات، منها: زيادة 40% على مرتبات حوالى 700 ألف موظف في القطاع العام، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتثبيت 45 ألف معلم في وظائفهم
الوضع الاقتصادي التركي ليس في أفضل حالاته كذلك، فقد تدهورت قيمة العملة المحلية أمام الدولار، وزاد معدل التضخم والبطالة، وقد تفاقمت الأزمة بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم 6 فبراير/ شباط الماضي، والذي تسبب في مقتل نحو 44 ألف مواطن تركي، إلى جانب الأضرار المادية المتمثلة في هدم وتدمير المباني بشكل موسع، والإضرار بالطرق، وقد حمل المواطنون الأتراك مسؤولية هذا الدمار للسلطة الحاكمة التي فشلت في مواجهة آثار الزلزال.
أمام تراجع شعبيته الملحوظ، لجأ أردوغان الذي يتهمه خصومه بأنه ديكتاتور مستبد، كما يُتَّهم الرئيس السيسي، إلى تقديم "رشاوى سخية" للناخبين لضمان فوزه في الانتخابات، منها: زيادة 40% على مرتبات حوالى 700 ألف موظف في القطاع العام، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى حوالى 15 ألف ليرة تركية (768 دولاراً أميركياً). وتثبيت 45 ألف معلم في وظائفهم، أغلبيتهم في المناطق المتضررة من الزلزال، وإعطاء الأتراك الغاز الطبيعي المخصص للاستخدام المنزلي مجاناً لمدة شهر، مع تخفيض فواتير استهلاك الغاز لمدة عام.
هذه الرشاوى السخية لم تساعد الرئيس التركي على حسم الانتخابات من الجولة الأولى، في انتخابات توفّر لها حد معقول من النزاهة، ولا تزال أمام المرشح المعارض كمال كليجدار أوغلو فرصة لتحقيق المفاجأة، رغم أن التقارير تشير إلى أن فرص أردوغان أعلى، لكن الانتخابات عودتنا أن التقارير التي تبنى على حسابات منطقية لا تصدُقُ باستمرار.
سيناريو جديد لانتخابات مصر
هذا هو الذي يخاف منه الرئيس السيسي الذي بدأ بفتح المجال السياسي بشكل محسوب، وأطلق "الحوار الوطني" الذي يدرك المشاركون فيه أنفسهم أنه لن يؤدي إلى شيء، في ظل قناعة الرئيس أنه يقدم أفضل ما يمكن أن يقدمه أي أحد، وأنه ليس مسؤولاً عن الأزمات التي واجهتها مصر في فترة حكمه التي امتدت لعشر سنوات (2013- 2023)، فسد النهضة مسؤولية ثورة يناير 2011، والتراجع الاقتصادي وانهيار الجنيه المصري إلى ثلث قيمته نتيجة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية!هذه الأسباب التي ذكرتها، وغيرها، ستضطر النظام الحاكم في مصر إلى تغيير سيناريو المسرحية التي تمت في 2018. بالتأكيد سيحاول تنفيذ نسخة أكثر إقناعاً ويمكن تمريرها بأقل قدر من الغضب الداخلي والخارجي (حيث تتطلع قوى إقليمية إلى التغيير في مصر)، لكن الأمر لن يكون سهلاً في ظل الغضب الشعبي المتصاعد، الذي قد يفسد كل السيناريوهات، وقد يفرض شكلاً جديداً يؤدي إلى التغيير، خاصة إذا نجح المرشحون المحتملون في الوصول إلى المشاركة دون إقصاء (متوقع)، سواء الذين أعلنوا نيتهم صراحة مثل أحمد طنطاوي، أو الذين يلمحون مثل جمال مبارك الذي تمنعه تعديلات قوانين ممارسة الحقوق السياسية- ويظن البعض أنها استحدثت خصيصاً لمنعه هو وشقيقه - من أن يتمتع بحق الترشح على الرغم من شعبيته المتنامية بشكل ملحوظ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع