التزمت السلطات المصرية الصمت حيال مشهد صادم تمثل في عبور آلاف المهاجرين المصريين غير الشرعيين الأراضي الليبية عائدين إلى مصر سيراً على الأقدام، على وقع حملة تطهير شاملة تفرضها السلطات الليبية في المنطقة الشرقية ضد ما تصفه بأوكار الجريمة والممنوعات.
وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، بدأت الأجهزة الأمنية والعسكرية في المنطقة الشرقية الليبية الخاضعة لسيطرة القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، وبشكل مفاجئ، حملة مكثفةً لتطهير مدن المنطقة من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وما تصفه بأوكار الفساد والمخدرات.
طرد المصريين سيراً على الأقدام
من دون أن يبدو أن الأمر تم بالتنسيق بين حفتر والجانب المصري، عبر ما لا يقل عن 4 آلاف مواطن مصري الحدود البرية المشتركة مع ليبيا، سيراً على الأقدام عائدين إلى مصر.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر أمني مصري، قوله إن نحو 2،200 مهاجر فقط من أصل أربعة آلاف عثرت عليهم قوات الأمن الليبية، كانوا موجودين في ليبيا بشكل غير قانوني، وهم من جرى ترحيلهم، لافتاً إلى أنهم نُقلوا عقب ترحيلهم إلى موقع قريب من الحدود، ثم ساروا لمسافة كيلومترين في اتجاه مصر.
تعيّن على هؤلاء قطع تلك المسافة في ظل ارتفاع درجة الحرارة، وبمرافقة القوات الأمنية والعسكرية التابعة لحفتر.
وجادل مصدر في الجيش الوطني في حديثه إلى رصيف22، بشأن اضطرار المرحَّلين إلى السير لمسافة كيلومترين في اتجاه مصر، وقال إن أمتاراً قليلةً تفصل بين البوابتين المصرية والليبية على الحدود.
لماذا طرد حفتر حليف السيسي 4 آلاف عامل مصري من ليبيا؟
وفقاً لرواية رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبي اللواء إبراهيم الشهيبي، فقد تم اعتقال نحو 4 آلاف مصري في ليبيا، كانوا موجودين داخل مخازن، تمهيداً لتهريبهم إلى إيطاليا. لكنه قال إن نصف هذا العدد أعيد مجدداً إلى ليبيا عبر طريق منفذ أمساعد البري، باعتبار أنهم عمالة مصرية موجودة في الأراضي الليبية.
وأوضح أن هؤلاء دخلوا إلى ليبيا بشكل رسمي، عبر شركات الاستثمار العسكري الليبي، التابعة لقوات حفتر في المنطقة الشرقية.
وقالت مؤسسة بلادي الليبية لحقوق الإنسان، إنه كان يتعين الفصل بين عمليات القبض ومداهمة أوكار تجار المخدرات والسلع وتجار البشر، وبين حملة التفتيش عن المهاجرين المخالفين للإجراءات القانونية.
ورأت أن المصريين الذين كانوا في مخازن وبيوت تجار بشر، هم ضحايا إتجار، والضحية لا تُرحّل سيراً على الأقدام. وحثت حكومة شرق ليبيا على رمي الكرة في ملعب السلطات المصرية في ما يخص القُصّر والأطفال الذين يشتغلون في نقل البضائع عبر الحدود، فهم ليسوا مهاجرين ولا طالبي لجوء.
وتحفل وسائل الإعلام المصرية باستمرار بعشرات القصص لنماذج من آلاف المهاجرين الفقراء من دولهم إلى ليبيا، تنتهي بهم الرحلة في معظم الأحيان إلى نهايات مأساوية.
ومع ذلك، ما زالت هجرة المصريين عبر الحدود مع ليبيا، بما في ذلك اتخاذ سواحلها محطة ترانزيت تمهيداً للهجرة عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، في تزايد.
الخارجية المصرية تلتزم الصمت حيال طرد المصريين
وبينما لم تعلّق وزارة الخارجية المصرية، التي اعتادت في السابق تحذير مواطنيها من السفر إلى ليبيا، على الفيديو المتداول لعبور المصريين البوابات الحدودية الفاصلة بين ليبيا ومصر عبر منفذ أمساعد البري، رأى الإعلامي المصري البارز عمرو أديب أن "دي نهاية الهجرة غير الشرعية"، بحسب تعبيره، لافتاً إلى أن من يريد أن يقلب عيشه في مصر، سيفعل.
ومن دون تفويت الإشارة إلى صعوبة توفير فرص عمل حالياً في مصر لمئات الآلاف من الحالمين، رأى أديب أن حلم السفر الى أوروبا عبر ليبيا يطارد الجميع.
ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي
مع انتشار الفيديوهات التي تسجل مشهد ترحيل آلاف المصريين سيراً على الأقدام، تباينت ردود أفعال المغردين على صفحات التواصل الاجتماعي.
ففي حين رأى البعض أن ما فعله الجيش الليبي حق أصيل له، وأن هؤلاء المهاجرين موجودون في ليبيا بصفة غير شرعية،
كثيرون رأوا ما حدث أمراً مهيناً وأنه من غير اللائق معاملة العاملين كما يعامَل أسرى الحرب.
في حين وجدها البعض فرصةً لتوجيه سهام انتقاده إلى نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه بأنه "أفقر" الناس.
ولم يفُت بعضهم ربط ما حدث للمصريين في ليبيا بالاحتفاء بالجندي المصري #محمد_صلاح الذي قتل 3 جنود إسرائيليين مؤخراً.
لماذا يسافر المصريون إلى ليبيا؟
تخلص دراسة مسحية إلى أن المهاجرين إلى ليبيا هم الأكثر شباباً والأقل تعليماً ويمتهنون الأعمال الزراعية بشكل أساسي، مقارنةً بنظرائهم المهاجرين إلى دول الخليج، الأكبر سنّاً والمتميزين حرفياً.
ولا يبالي المصريون الراغبون في السفر إلى ليبيا، كثيراً بالتحذيرات المعتادة والكلاسيكية التي تصدرها وزارة الخارجية المصرية، بسبب الأوضاع غير المستقرة في ليبيا، مفضّلين المغامرة بحثاً عن فرصة عمل خارج البلاد، على حساب سلامتهم الشخصية.
وأعيد أكثر من 20 ألف مهاجر إلى ليبيا منذ بداية العام الجاري، فيما ظل 714 فرداً في عداد المفقودين، وقضى أكثر من 400 مهاجر غرقاً، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
مصر تفرض على الليبيين التسجيل عند دخولهم أراضيها. أليس من حق ليبيا حماية تركيبتها الديموغرافية؟
ومعظم المهاجرين عبر الحدود الليبية الصحراوية الشاسعة، من مصر والسودان وتشاد والنيجر، بينما تقول الأمم المتحدة إن اعتقال المهاجرين يتم بطريقة "تعسفية"، وهم يتعرضون غالباً لعمليات "قتل واختفاء قسري وتعذيب"، أو "عبودية وعنف جنسي واغتصاب" وغيرها من الأعمال اللا إنسانية.
وتقدّر وكالات الهجرة وجود نحو نصف مليون مهاجر في ليبيا، يأمل كثيرون منهم العبور إلى أوروبا في القوارب بينما يستقر آخرون فيها بحثاً عن عمل في البلد الغني بالنفط.
حاول رصيف22، التواصل مع السلطات المصرية لأخذ تعليق على ما حدث للمصريين في ليبيا، لكننا لم نتمكن من الحصول على إجابة حتى كتابة هذا التقرير.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...