حظي الإعلان عن نقل تمثال جديد للأمير عبد القادر الجزائري(1883-1808) من مدينة نيويورك إلى مدينة (Elkader) التي سُميت تيمناً بالأمير في ولاية (آيوا) الأمريكية في الثاني من حزيران/يونيو الجاري، بتفاعل كبير بين أوساط الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات إعلامية عديدة بالإشادة والاعتزاز بهذا التكريم لأحد أهم رموزهم عبر التاريخ.
يُضاف العمل الفني الأخير إلى قائمة التماثيل الموجودة للأمير في عدة عواصم عالمية في أمريكا اللاتينية تأكيداً على مكانته الدولية الكبيرة كمقاوم ضد الاحتلال الفرنسي لبلاده، ودوره كداعية سلام وتعايش. لكن ذلك لم يمنع البعض من إثارة نعرات متشنجة سواء تجاه جيرانهم المغاربة أو نحو الزواف أو الحركيين كنوع من التعالي والافتخار على حسابهم وفتح لجراح الماضي التي يبدو أنها لم تندمل.
بعد أن اعتذر أبوه عن قيادة المقاومة الشعبية تولى هو قيادتها، وبويع على الجهاد
"جورج واشنطن الجزائر"
يحظى الأمير عبد القادر لدى الأمريكيين باحترام وتقدير كبيرين إذ يلقب بـ" جورج واشنطن الجزائر" بعدما سُميت إحدى المدن الصغيرة في مقاطعة كلايتون بولاية آيوا غرب البلاد باسم الأمير (Elkader) وهي تأسست سنة 1846، لأن مؤسسيها تيموثي ديفيس وجون تومسون وسيج تشيستر أعجبوا بسيرة حياة الأمير ونضاله وثقافة التعايش وقبول الآخر التي دعا لها بعدما قرأوا عنه في الصحافة الأمريكية. وتجمع بين المدينة ومدينة (معسكر) التي أنشأ الأمير بها دولته الأولى علاقة توأمة منذ عام 1984. وكذلك يطلق اسم (معسكر) على أحد المتنزهات في المدينة الأمريكية.
كذلك ربطت الأمير علاقة بالرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لنكولن، الذي أهداه مسدسين تقديراً منه لجهوده في حماية المسيحيين في بلاد الشام أواسط القرن التاسع عشر. ولا يزالان في متحف المجاهد في العاصمة الجزائر. وكذلك كانت الحكومة الجزائرية في سنة 2008، قد تبرعت بمبلغ 150.000 دولار جراء الفيضانات الشديدة التي أصابت المدينة.
"أنا حاميكم"
في سياق متصل، كان التكريم للشخصية التاريخية الجزائرية في أطار حملة "أنا حاميكم" في الولايات المتحدة. وفقاً لما نشرته صفحة السفارة الأمريكية في الجزائر. وذلك تقديراً للشخصيات والرموز التاريخية التي تركت أثراً كبيراً في العالم. وهو ما بدا جلياً في كلام الناشط الديني الأمريكي بود هاكمان الذي رافق التمثال في رحلته التي امتدت على 1657 كلم، من الغرب الشرق الأمريكي حتى مقره الأخير في مقاطعة كلايتون بولاية أيوا.
ونشر الناشط صوراً له مع التمثال قائلاً:" أثناء سفري طلب مني بعض الأشخاص التوقف والتقاط الصور مع التمثال. وسألوني عن تفاصيل حياة الأمير". بالنسبة لبود :" إنها طريقة ممتعة للحديث عن القيم المشتركة رغم الاختلاف الديني وغيره من الاختلافات".
سارداً في تغريدته على موقع تويتر نبذة عن حياة الأمير:" كان الأمير عبد القادر قائداً عسكرياً ومسلماً محترماً إلى حدٍ كبير، قاوم الغزو الفرنسي للجزائر واشتهر بتجاوز حدود الاختلاف لحماية اليهود والمسيحيين إذ ضمهم إلى الدولة القومية التي بناها".
واحتفت مديرة مؤسسة مشروع عبد القادر للتربية (IAYP) (كايتي غرامس) بمنشور على صفحتها على موقع فيسبوك بالأمر قائلةً:" إنه الآن في قاعة البلدية". كما جاء الإعلان الرسمي عن الحدث الكبير، عبر صفحة المدينة الأمريكية على موقع فيسبوك ( City of Elkader) المنشور بتاريخ السابع عشر من الشهر الماضي، إذ قالت في منشورها أنه "بفضل التعاون بين مشروع عبد القادر للتربية (IAYP) ، والبلدية سيتم عرض العمل الفني في معرض (The Collctive) قبل نقله إلى ساحة المدينة".
علماً أن التمثال تم نحته عن طريق الفنان الأمريكي (جو ريجينيلا) الذي أطلق عليه اسم (بانكسي أوف مونيمنتس). كم سيتم عرضه لاحقاً في معرض (ِArt in the part 2023) ما بين السبت والأحد الموافق لـ التاسع عشر والعشرين من آب/أغسطس القادم، داعية الجميع لحضور الفعالية الكبيرة والاستمتاع بها.
مدعاة للاعتزاز والشقاق في آن واحد
كان التفاعل على الخبر كبيراً ضمن أوساط الجزائريين، وجاءت غالبية التعليقات مرحبةً وفخورة بهذه المكانة التي يحظى بها أحد كبار رموزهم، وأحد قادة مقاومتهم خلال الحقبة الاستعمارية التي امتدت 130 عاماً.فكتب أحدهم:" الأمير عبد القادر رجل الدولة الجزائرية الأولى الذي كتب التاريخ في المقاومة. ونصب له في أمريكا تمثال لمدى حب شخصيته".
أما البعض فقد وجه تشنجه تاريخياً نحو "الزواف" وهو فئة من أفواج المشاة الخفيفة من الجزائريين الذي انضموا للقوات الفرنسية بعد دخولها الجزائر ونالوا أوسمة عديدة من الفرنسيين جراء دعمهم. فذكرهم البعض بالقول:" جدنا في الماريكان (أي في أمريكا)، وجدهم في الزيفو".
في إشارة تهكمية لتمثال أحد جنود الحركيين الذي أنشأ سنة 1856 والموجود تحت جسر ألما في ضواحي العاصمة باريس على نهر السين، يمثل أحد الجنود بعد مشاركتهم لقوات فرنسا المنتصرة في حرب جزيرة القرم، حيث افتتحه نابليون الثاني تكريماً لدور الحركيين في هذه الحرب. وهو يستخدم اليوم لقياس منسوب المياه في النهر، وكلمة "الزيفو" تعني المياه القذرة.
ربطت الأمير علاقة بالرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن، الذي أهداه مسدسين تقديراً منه لجهوده في حماية المسيحيين
تمثال جديد في وهران يثير الجدل
بالمقابل، تزامن الإعلان عن تشييد تمثال جديد للأمير عبد القادر في مدينة وهران من خلال تصريح لوالي المدينة سعيد سعيود في السادس والعشرين من الشهر الماضي سيكون "الأعلى في العالم" في منطقة جبل (المرجاجو)، بناءً على توجيهات خاصة من الرئيس عبد المجيد تبون" بمناسبة مرور 140 عاماً على وفاة الأمير التي توافق ذات اليوم من الشهر.
التمثال الذي سوف يناطح السحاب بعلو (42 متراً) سيحمل سيفاً يضيء بالليزر ويشير إلى جهة القبلة ليدل المصلين ويقف الأمير على حصانٍ له خمس قوائم دلالةً على أركان الإسلام الخمسة، متجاوزاً بارتفاعه تمثال سانتا كروز في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل. بالإضافة إلى متحف خاص بالأمير يحيط به منتزه على شرفة بطول أكثر من عشرين متراً تطل على مدينة وهران وخليجها على المتوسط. قيمة المشروع الذي سينتهي العمل به نهاية 2024، ستكلف الخزينة الجزائرية ما يقارب (1.2 مليار دينار جزائري ما يزيد عن 8.5 مليون دولار أمريكي).
ما أثار ردود فعل متباينة بين أوساط الجزائريين بين مرحب محتفياً بالدلالات الإسلامية للمشروع كون مسجد الجزائر الأعظم يتجه بدوره نحو البحر كالتمثال المزمع تشييده. ومن اعتبره تحفة فنية نادرة وساحرة مثله مثل تمثال الحرية في مدينة نيويورك الأمريكية، وتمثال سانتا كروز بريو البرازيلية. وسيكون "رمزاً للجزائر خاصة لما يحمله من بعد تاريخي ومعانٍ ودلالات عميقة" كما يرد في منشورعلى صفحة "الباديسيون النوفمبريون الأحرار" على موقع فيسبوك. كذلك غرد الإعلامي الجزائري أحمد حفصي عبر صفحته على موقع تويتر محتفياً بالفكرة قائلاً:" قريباً سيستعيد الأمير هوية الجزائر من سانتا كروز، موتوا بغيظكم".
لا نريد صنماً جديداً
الكثيرون أيضاً من رواد مواقع التواصل كانوا على العكس تماماً، وهاجموا المشروع الذي يبتعد عن قيم وأفكار الأمير مطالبين باستثمار المبلغ المرصود لبناء مستشفيات ومدارس وتحسين البنية التحتية في المدينة، وإنشاء مشاريع استثمارية تفيد الشباب الجزائري وتؤمن له فرصاً للعمل. أو استبدال التمثال ببناء برج في وهران يحمل اسم الأمير يؤجر كمقر للشركات" يبدو بالنسبة للبعض منهم أكثر أهمية. فالاستثمار في بناء تمثال للأمير لن يعود بأي فائدة اقتصادية على الجزائر. ولن يضيف التمثال على قامة وشخصية الأمير شيئاً على مكانته لدى العالم والجزائر.
ورد أحدهم ساخراً من الفكرة:" اليوم تمثال الأمير عبد القادر وغداً تمثال مصالي الحاج ومحمد الوالي". وقال مدون جزائري آخر يُدعى شانق محمد على صفحته عبر موقع فيسبوك بلهجة أشد سخرية:" إذا بنوا تمثال الأمير نحبط سروالي في لافروند بوست". و" لما تمرض بالسرطان أو السكري أو جلطة دماغية أو شلل عصبي روح عند التمثال تاع الأمير يديرلك سكانير". وأن الأمير " لم يقل لكم ابنوا لي صنماً". معتبراً أن التماثيل لفقراء الجزائر والمناصب على حد تعبيره للزوواوي (ويقصد بهم حاشية السلطة من عملاء فرنسا أي الزواف).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...