شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
قصة حب تشعل الجزائر بعد 136 عاماً من موت بطلَيها!

قصة حب تشعل الجزائر بعد 136 عاماً من موت بطلَيها!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 24 مايو 202301:21 م

أخذت قصة حيزية حيزاً واسعاً من الجدل والنقاش في الآونة الأخيرة، بين أخذ وردّ، ما أعادها إلى الواجهة، وإن كانت "حيزية" في واقع الحال تمثل ملحمة حب عذري شاعت قبل قرابة قرنين في الجزائر.

وعادت حيزية لتتصدر المشهد الثقافي الجزائري من جديد، وتثير جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل التفاعل معها إلى أبواب القضاء مما جعلها "تراند" تناقلته وسائل الإعلام المحلية وحتى العالمية، فما القصة يا ترى؟

تواترت حكاية حيزية وتعددت رواياتها إلى حد تحولها لدى البعض إلى أسطورة، وهي في جوهرها تُعدّ من أشهر قصص الحب العذري في الجزائر، وبطلتها الفتاة "حيزية" (1855-1878)، وهي بدوية شابة من منطقة الذواودة في سيدي خالد في ولاية بسكرة في صحراء الجزائر جنوباً، وقعت في حب "سعيّد" ابن عمها اليتيم الذي كفله والدها.

والد حيزية قرر تزويج ابنته إلى أحد فرسان قبيلته، بعد أن ذاع خبر عشق ابنته وابن أخيه، لكن حيزية رفضت وحاربت من أجل حبيبها سعيّد الذي تزوجها، غير أنّ الموت أدركها بعد أن مرضت في عزّ شبابها، ولم يتقبل سعيّد موتها ومات هائماً في الصحراء.

هذه القصة الحزينة التي لا تختلف عن نهايات قصص الحب الشهيرة، مثل "روميو وجولييت" و"قيس وليلى"، خلدّها شاعر الملحون محمد بن قيطون (1843-1907)، ابن مدينة سيدي خالد في بسكرة، نقلاً عن سعيّد، في قصيدة اسمها "حيزية"، فتغنّى بها فنانون كثر وتُرجمت في أعمال فنية عديدة في الجزائر ما بين فيلم ومسلسل ومسرحية وأوبريت.

وتقول الأبيات الشرعية الأولى من القصيدة:

"عزوني يا ملاح في رايس البنات

سكنت تحت اللحود ناري مكديا

يــاخي أنـــا ضرير بيــــا ما بيــا

قلبي سافر مع الضامر حيزيــا".

ماتت مسمومةً؟

عادت قصة "حيزية" إلى الواجهة من جديد من خلال نقاش حاد على صفحات التواصل الاجتماعي، فجّره الروائي واسيني الأعرج، بحديثه عن أبحاث قادته إلى وقائع جديدة حول حيزية.

في مدينة قسنطينة في شرق البلاد، كشف الروائي الجزائري الشهير خلال جلسة أدبية، حول عرض روايته الجديدة المرتقبة والمعنونة بـ"حيزية"، أن وفاتها لم تكن طبيعيةً مثلما تفيد القصة الشعبية المتوارثة، بل كانت بفعل تجرّعها سمّاً قُدّم لها.

ورأى واسيني أن "سعيّد" بطل القصة الثاني، ما هو إلا شخصية خيالية، مؤكداً أن كاتب القصيدة محمد بن قيطون هو نفسه العاشق في قصة حيزية.

وأضاف واسيني: "استمعت إلى القصيدة أكثر من خمسين مرةً، ومن خلال إنصاتي الجيد لا أجد سعيّد، كما أن مقبرة سيدي خالد، فيها قبر الأم والأب وكل قبيلة حيزية لكن لا وجود لقبر سعيّد كما أن خمسة أبيات شعرية من قصيدة حيزية لا تزال غائبةً".

ولم يكشف واسيني عن محتوى هذه الأبيات، وترك ذلك ليميط اللثام عنه للجمهور بعد صدور الرواية.

 ما قاله الأعرج عن حيزية ليس مجرد فكرة سيكتبها في رواية، بل هي حقائق في نظره مبنية على أبحاث وشهادات، وهذا يشكل طعناً في شرفها لن توقفه إلا المحاكم".

"حيزية" العفيفة

"حيزية" الميتة منذ أكثر من قرن وثلاثة عقود، قد تتسبب في دخول الروائي واسيني الأعرج إلى أروقة القضاء، فالوجه الآخر للقصة لم يستسِغه الوسط الثقافي ولم يتقبله، كونه مساساً بالموروث الأدبي الراسخ في الذاكرة الجمعية، والذي يُعدّ فخراً لأبناء المنطقة التي دارت فيها أحداث القصة منتصف القرن التاسع عشر.

وقد وصل الأمر إلى إعلان الفنان لزهر الجلالي، وهو مغنٍّ وشاعر يتحدر من المدينة نفسها التي وُلدت فيها حيزية، عن جمع عريضة فيها توقيعات من سكان سيدي خالد "للدفاع عن شرف حيزية"، لرفع دعوى قضائية ضد الروائي واسيني الأعرج.

وقال الفنان لزهر الجلالي، في حديثه إلى رصيف22: "تصريحات الروائي واسيني الأعرج تضمنت الكثير من القذف والطعن في شرف حيزية، فالتسليم بمقتلها ينطوي على ما معناه أن علاقةً غير شرعية قد جمعتها بعشيقها، فتم تسميمها من أجل غسل العار من منظور أنها ابنة سيّد القبيلة".

وأضاف الجلالي مستطرداً: "الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالروائي شوّه القصة باعتقاده أن العاشق ليس ابن عم حيزية، وإنما هو بن قيطون نفسه، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً، لأن الشاعر من قبيلة أخرى، وهو معلّم قرآن ورجل له مكانته".

وذهب محدّثنا بعيداً في رد فعله حول تصريحات واسيني الأعرج، وقال في حديثه إلى رصيف22: "أقوم بجمع توقيعات بعض شخصيات المنطقة وكل الجزائر ستساندني، وهناك محامون وأفراد من أهلها أيضاً، لرفع دعوى قضائية على واسيني الأعرج، وسأبعث برسالة إلى رئيس الجمهورية عن طريق الوسيط ليتدخل، فهي لم تعد مجرد نقاش حول قصة ورواية، وإنما تعدٍّ على أعراض ضحايا فارقوا الحياة ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم".

وفي ختام تصريحاته لرصيف22، أشار لزهر الجلالي، إلى أن ما قاله الأعرج عن حيزية ليس مجرد فكرة سيكتبها في رواية، بل هي حقائق في نظره مبنية على أبحاث وشهادات، وهذا يشكل طعناً في شرفها لن توقفه إلا المحاكم".

تصريحات واسيني تخترق الصفوف

سمريات الأديب المعروف واسيني الأعرج، أحدثت فوضى في صفوف المثقفين والنقاد. ولم تجد الكثير من الموافقين، بخلاف رأي الشاعر عز الدين ميهوبي من خلال تدوينة على حسابه في فيسبوك بعنوان "حيزية وواسيني... والتاريخ"، دافع فيها عن الروائي واسيني الأعرج.

وطالب وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي، بفك شيفرة موت حيزية من خلال العلم قائلاً: "لو أُجري تشريح لجثّتها، وهو ما كان مستحيلاً آنذاك، لأمكن معرفة السّبب، وهو ما صار مُمكناً اليوم بعد أن اجتاز العلم عقدة الحمض النووي والهندسة الوراثية".

ما ذهب إليه ميهوبي يرعب أهل منطقة سيدي خالد، مثل الشاعر محمد جربوعة، الذي أبدى تخوفه من تعقد الأمور والوصول إلى استخراج جثة حيزية وتشريحها، فهذا أمر مرفوض ومهين جداً لهم.

واتهم جربوعة الأعرج بـ"المساس بشرف حيزية" مؤكداً: "المذهب الذي يعمل الأعرج لتثبيته، هو مذهب هش ضعيف، وهو دليل على أن صاحبه لا يملك أبجديات قراءة النص وقراءة الواقع...".

ولم يتوقف الأمر عند ميهوبي أو جربوعة، إذ دخل على خط النقاش الساخن شعراء وأدباء جزائريون آخرون.

ولهذا أردنا الغوص أكثر في القضية المثيرة للجدل في الجزائر، وحاولنا التقرب من الروائي الجزائري واسيني الأعرج، الذي رفض التعليق لرصيف22، عن الحادثة، وفضّل الرد على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، حول ما أعلنه الفنان لزهر الجلالي عن جمعه عريضة توقيعات موجهة إلى العدالة، وكتب واسيني في تدوينة على فيسبوك بعنوان "للإنكشاريين الجدد..."، قائلاً: "حاكِموا ابن قيطون، إذا شئتم، حضّروا له المشانق الأخلاقية، فقد تجرّأ شاعر الحب الأعظم، ووصف جسد حبيبته حيزية، أو حبيبة صديقه، سعيّد، لا يهم".

وختم واسيني بالقول: "ستظل، بكم وبدونكم، قصيدة حيزية مرجعاً جميلاً وإنسانياً للحب في قيمته المتعالية. وستظل حيزية أيقونة الحب العظيم".

وفي وقت تتجه فيه قصة حب حيزية وسعيّد، إلى أروقة المحاكم، يؤكد مراقبون ونقاد في مجال الثقافة، أن التراث أو الموروث الشعبي ليس بالقداسة التي تمنع مساءلته

الرواية بين الحقيقة والتاريخ

بينما تشتعل الساحة الثقافية بنقاش حاد بين مؤيد ومعارض لطرح واسيني الأعرج، بقي البعض على مسافة واحدة بين المعسكرين، مثل الناقد الثقافي عبد الحميد بورايو، الذي يرى أن هناك مبالغةً في ادّعاء تملّك التراث، فتراث منطقة معيّنة هو تراث وطني، وملحمة حيزية تراث رمزي وما هو متداول بين الناس يقبل التأويل.

ويقول عبد الحميد بورايو، في تصريحات لرصيف22: "جمع التراث وتسجيله لا بد أن يخضعا لمجموعة من الشروط والقرائن الصحيحة، التي يعرفها المتخصصون، أما استغلال هذا التراث والادّعاء بأنك تقدّم الرواية الحقيقية، فهنا تكمن المشكلة، لأن أي كاتب روائي إذا ما أراد الخوض في التراث من جانب أدبي، عليه مراعاة ما هو متداول بين الناس، مع استعراض وجهات النظر المختلفة للرواية، وهذا هو العتب على واسيني الأعرج".

ويواصل الأستاذ بورايو، تصريحاته لرصيف22: "كان يمكن لواسيني أن يقدّم روايته من رؤية أدبية، وفق الرواية التي يراها في سياق نصّه، ولكن ليس على أنها هي الرواية السليمة، لأنها مسألة نسبية، خاصةً الروايات المتعلقة بالأساطير والملاحم والقصص، فهي لا تقبل الحكم المطلق، لهذا أختلف مع واسيني على تقديم روايته على أنها الحقيقية، وأختلف مع الفنان لزهر الجلالي، في نظره إلى الموضوع كقضية تمس شرف فتاة من منطقته، فحيزية تراث وطني، وأتمنى ألا تصل هذه القضية إلى المحاكم وتبقى مجرد اختلاف في الرأي بكل حرية".

وفي وقت تتجه فيه قصة حب حيزية وسعيّد، إلى أروقة المحاكم، يؤكد مراقبون ونقاد في مجال الثقافة، أن التراث أو الموروث الشعبي ليس بالقداسة التي تمنع مساءلته، لنستفيد من تفسير ماضينا وحاضرنا، بتوظيف العلم والمعرفة، عوض السعي وراء مصالحنا الأيديولوجية والعرقية أحياناً.

فهيلين التي اشتعلت من أجلها حرب لعشر سنوات في ملحمة سقوط طروادة، كما جاء في إلياذة هوميروس الإغريقية، صوّرها كبار الأدباء عبر التاريخ مرّةً على أنها إلهة، ومرّةً على أنها عاشقة، ومرات على أنها عاهرة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard