شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
صُنع في الجزائر... خاتم

صُنع في الجزائر... خاتم "كلادا" الإيرلندي رمز الحب والصداقة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 25 أبريل 202302:15 م

صُنع في الجزائر... خاتم "كلادا" الإيرلندي رمز الحب والصداقة

استمع-ـي إلى المقال هنا

قصص وأساطير عديدة تربط بين الجزائر وإيرلندا التي تُعرف بـ"جزيرة الزمرد". فكلا البلدين لهما تاريخ وماضٍ مشتركان جمعهما في الحقبة العثمانية في الجزائر، وهو ما قد لا يكون معروفاً بالنسبة لكثيرين. من يتابعون صفحة الأستاذ والباحث التاريخي الإيرلندي دونال هاسيت، يطّلع على أجزاء من هذا التاريخ، من بينها "فندق الجزائر" الذي لا يزال قائماً في قرية بالتيمور، بعد غزوة قام بها قراصنة الجزائر سنة 1631. كذلك، استقرار الشاعر والناشط القومي الإيرلندي جوزيف بلونكيت، في الجزائر العاصمة سنة 1911، بغرض التعافي من إصابته بالسلّ، تاركاً في مذكراته عن تلك الإقامة الكثير عن الكسكس الشهير ونشاطه في التزلج على الماء.

على المقلب الآخر، يمثّل أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين توفيق المدني، أمثولةً وقدوةً في نضال إيرلندا ضد البريطانيين، وقد وضع في هذا الشأن كتابه المعروف بـ"نضال إيرلندا". والأهم مما سبق، كان الموقف الإيرلندي من قضية نضال الجزائريين ضد المستعمر الفرنسي خلال حرب التحرير الجزائرية (1962-1954)، حيث أيّد وقتها وزير خارجية إيرلندا، فرانك أيكن، حق الجزائريين في تقرير مصيرهم قائلاً: "إن إيرلندا لا تستطيع إلا أن تدعم تقرير الجزائر الذاتي".

لعل أبرز هذه الصلات التاريخية على الإطلاق خاتم "كلادا"، أو "كلاداغ" الإيرلندي الشهير الذي صُنع في الجزائر. فما قصة هذا الخاتم؟ وما هي دلالاته؟ وما أسباب شهرته كونه يصنَّف اليوم جزءاً من التراث الوطني الإيرلندي؟

 يمثّل أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين توفيق المدني، أمثولةً وقدوةً في نضال إيرلندا ضد البريطانيين

الصائغ الأسير

أطلق الأوروبيون على البحرية الجزائرية النشطة التي أثارت الرعب في نفوسهم، اسم "قراصنة البربر"، الذين كانوا يضربون السفن الأوروبية وطواقمها ويستولون على حمولتها كغنائم حرب ويغذّون تجارة العبيد النشطة على ساحل شمال إفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، كانوا أحياناً يغزون بعض المدن الأوروبية ومنها بالتيمور وغالواي في مقاطعة يورك الإيرلندية سنة 1675.

وقد تمكّنوا من اختطاف العديد من سكانها من بينهم شخص يدعى ريتشارد جويس، وهو أصغر أفراد أسرته، ويقال أيضاً إنه تم اختطافه وهو على متن سفينة متجهة نحو الأمريكتين بحثاً عن الثروة ليعود ويتمكن من الزواج من حبيبته التي خلّفها وراءه في قريته الصغيرة كلاداغ. جويس كان محظوظاً أكثر من غيره بسبب بيعه لصائغ في مدينة الجزائر، حيث تعلّم أصول المهنة على يديه وبلغ فيها حد الإتقان. بعد ذلك بيع جويس لتاجر تركي ثري، وتابع العمل في مهنته كصائغ، ليشرف على تاجره/ سيده في نهاية المطاف.

وعندما اعتلى ويليام أورانج (الثالث) العرش في بريطانيا، عمل على التفاوض مع السلطة العثمانية في الجزائر لاستعادة رعاياه، ومن بينهم جويس الذي تمسك به سيده الثري معجباً بطبيعته وأخلاقه، مُقدّماً الحرية له ويد ابنته بالإضافة إلى نصف ثروته. لكن الأخير رفض العرض لأجل حب قديم في غالواي، تركه وراءه. بعد أربع عشرة سنةً من وقوعه في الأسر، عاد في سنة 1689، ليجد حبيبته في انتظاره، وفيةً له، فقدّم لها خاتم "كلاداغ" الذي صنعه لأجلها كدليل على إخلاصه لها وتقدّم لخطوبتها ثم الزواج منها محققاً حلمه القديم.

حكاية أخرى وأصل الاسم

قصة أخرى مرتبطة بصناعة الخاتم الشهير، تنتمي إلى عائلة جويس، إحدى عائلات قبائل غالواي، بطلتها سيدة تُدعى مارغريت جويس التي تزوجت من تاجر إسباني ثري يُدعى دومينغو دي رونا، في القرن السادس عشر، والذي ترك نصف ثروته بعد وفاته لها.

استخدمت مارغريت هذه الأموال الطائلة في القيام بالعديد من الأعمال الخيرية لخدمة أهل بلدتها، ومنها جسرٌ أنشأته في مقاطعة كوناخت، تقول الأسطورة الإيرلندية إن نسراً وضع عليه خاتم كلاداغ تكريماً لها على أعمالها الصالحة. مهما اختلفت الروايات إلا أن الخاتم ارتبط بقرية الصيد الصغيرة القريبة من غالواي التي كانت تتمتع باستقلال خاص حيث ازدهرت تجارتها الخارجية تحديداً مع إسبانيا، واشتهرت بمهرجانها الخاص الذي بدأ سنة 1488، المعروف باسم Blessing of the Bay أي نعمة الخليج، حيث كان يستخدم الخاتم عن طريق كاهن لمباركة أسطول الصيد في آب/ أغسطس من كل عام حين بداية مرسم الرنجة. أما في عصرنا الحديث، فيشتمل الاحتفال الموروث على انضمام عدد من القوارب واليخوت إلى "بائعات الهوى" حيث يعطي الكاهن عبر قرع الجرس إشارته لأطفال المذبح المحليين للغناء ولأسطول القوارب.

"دع الحب والصداقة يسودان"

بالعودة إلى جويس، فقد نحت تحت يد معلمه بعد حيازته كميةً من الذهب تصميمه الشهير متأثراً فيه بـ"حلقات فيدي" أو "حلقات الإيمان"، ليصنع أول خاتم وينسبه إلى بلده كلاداغ (والتي تُلفظ "كلا أوخ" أي الشاطئ المسطح الصخري)، واصفاً تضاريس قريته الأصلية، فتظهر يدان تشابكان بعضهما البعض دلالةً على الصداقة، بالإضافة إلى عنصرين هما: قلب يمسك باليدين، وتاج يتصدر القلب في إشارة إلى الولاء، ثم نقش الأحرف الأولى من اسمه "R J". ترمز العناصر السابقة إلى عبارة هي: "دع الحب والصداقة يسودان".

وهناك دلالة أخرى، لها بعدها الديني المسيحي التي تتمثل في العلاقة مع الله ويسوع والروح القُدس أي ما يُعرف بالثالوث المقدس. فاليد اليُسرى تمثّل يسوع، واليُمنى الروح القُدس، وبينهما الله الذي يمثله التاج. التفسير الأقرب إلى المنطق هو إشارته إلى الحقبة الرومانية وحلقات فيدي التي كانت لا تزال شائعةً في أوروبا خلال العصور الوسطى، وتتألف من زوج من الأيدي التي ترمز إلى الثقة أو الإيمان أو الأخوة.

أطلق الأوروبيون على البحرية الجزائرية اسم "قراصنة البربر"، الذين كانوا يضربون السفن الأوروبية ويستولون على حمولتها

إرث وطني عبر المحيطات

خلال القرون الماضية نمت شعبية الخاتم، وحمله الإيرلنديون معهم كجزء أثير من تراثهم الشعبي، كخاتم للزواج والخطوبة، يتناقلونه جيلاً بعد جيل، فتعطيه الأمهات لبناتهن عندما يتزوجن بصفته موروثاً عائلياً. اليوم تطور تصميمه وتم إضفاء شيء من الحداثة عليه، ولا يزال جزءاً من تقاليد الأسر الإيرلندية داخل البلاد أو خارجها في أمريكا وأستراليا.

ولطريقة ارتدائه دلالات معروفة شعبياً، فعندما يكون الخاتم في اليد اليمنى للشخص يكون عزباً، وينقلب رأس القلب إلى الداخل في حال كان الشخص عاشقاً. أما إذا كان طرف القلب إلى الخارج فهو حر عاطفياً. ومن يرتديه في يده اليُسرى، فهو دلالة على ارتباطه ويشير اتجاه طرف القلب إلى الداخل دلالةً على الخطوبة. أما إلى الداخل فهو دلالة على الزواج.

لا يقتصر الخاتم على كونه "تقليداً خاصاً" إيرلندياً، ورمزاً وطنياً للحب لديهم. بل يتمتع بروابط ملكية إذ ارتداه الملوك عبر العالم فقد اقتنت الملكة فيكتوريا، ملكة بريطانيا، لنفسها خاتم كلادا، والملك إدوارد السابع وأميرة موناكو غريس كذلك. ومن المشاهير، الممثل الإيرلندي غابرييل بيرن، وحتى المجرمون والقتلة وعلى رأسهم، القاتلة الشهيرة من مصاصي الدماء، بافي سامرز.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image