برغم توجه 2.8 ملايين ليبي للتسجيل في الانتخابات، وإصرارهم على صناديق الاقتراع، إلا أن الأمر يبدو مطلباً صعب المنال، في دولة يغيب عنها القانون ويعطل الساسة الانتخابات فيها كل يوم، بسبب عدم التوافق حول قوانين الترشح وشروطه. بالإضافة إلى ذلك، قوانين القمع وتكميم الأفواه فيها جاهزة ومعلبة بتاريخ صلاحية مرن حسب الطلب وتنزل بفتاوى مباركة من الحكومة والأجهزة الأمنية.
التهديد دائماً موجود
في حديث إلى رصيف22، يقول المدير التنفيذي للمركز الليبي لحرية الصحافة محمد الناجم، عن الوضع في البلاد: "نشتغل حالياً على تحضير إصدار أول تقرير حول التعددية السياسية في وسائل الإعلام الليبية، ومدى حضور الشخصيات السياسية على شاشات القنوات الفضائية، وهل هناك أصلاً تعددية في وسائل الإعلام الليبية؟".
"برغم أنه لم تصلنا كمركز ليبي لحرية الصحافة شكاوى جديدة من تضييقات جديدة في القطاع، لكن طالما نحن نتحدث عن فراغ في الإطار التشريعي، فنحن نتحدث عن تهديدات للعمل الصحافي والعمل الميداني"، يضيف.
فتوى بإعدام الصوت الآخر
ما زالت الفتوى القانونية للمجلس الأعلى للقضاء، في عدم شرعية الجمعيات الأهلية التي تم إنشاؤها بعد العام 2011، تشغل المنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان. وبعد مضي قرابة شهرين على الفتوى، نجد اليوم أكثر من 5 آلاف منظمة تنتظر مصيرها الحتمي، بعد أن أصبحت في مرمى الجهات العليا للدولة التي تلقت تعليمات باتخاذ الإجراءات اللازمة لحلها. وفي هذه الأثناء، وبعد بث الرعب في الجمعيات الحقوقية وبين المدافعين عن الحريات والأقليات، تأمر حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة بإيقاف بث "راديو مونت كارلو الدولي" في ليبيا، بدعوى أن محتوى برامجه لا يتناسب مع قيم المجتمع الليبي وعاداته.
واجه "راديو مونت كارلو الدولي" مصيره، ومرّ على الصراط الذي ستمشي فوقه كل المنصات الإعلامية والحقوقية المشابهة له
"راديو مونت كارلو" أول ضحايا القمع
واجه "راديو مونت كارلو الدولي" مصيره، ومرّ على الصراط الذي ستمشي فوقه كل المنصات الإعلامية والحقوقية والمنظمات والجمعيات المشابهة له، والتي لن تجد أي صوت يدافع عنها أو عن أي مواطن كما قالت رئيسة مجلس إدارة مفوضية المجتمع المدني في بنغازي مبروكة بالتمر، لرصيف22.
وأضافت: "لا وجود للحقوق ولا وجود للحريات للأسف. هذا كله ذهب إلى العدم، وحتى الحراك المدني أصبح مهدداً بشكل خطير جداً، وخير دليل على ذلك ما تم اتخاذه من قرارات تجاه 'راديو مونت كارلو' الدولي، وتبرير أن محتوى البرنامج الآن غدا يتعارض مع قيم المجتمع، ومن جهة أخرى نرى أن القنوات الرسمية التابعة للدولة المتمثلة في حكومة الدبيبة، تعرض محتوى يتعارض مع الآداب العامة والأخلاق، حتى وإن تقدمت هذه القنوات باعتذار، فهذا لا ينفى وجود أفعال منافية للآداب والدين تقوم القنوات الرسمية بنشرها حسب أهواء المسؤولين ورغبتهم".
وتابعت: "وبخصوص فتوى عدم شرعية منظمات المجتمع المدني، أكدت أن المفوضية في بنغازي تعمل باللوائح المستندة إلى القانون رقم 19، واللائحة رقم 1، وكذلك رقم 2 لسنة 2016، إلا أن الإدارة غفلت عن ذلك. زد على ذلك محاولات حكومة الوحدة الوطنية السيطرة على عمل المفوضية في طرابلس، وقد نجحت في ذلك من خلال اللجنة المشكلة من قبلها، وكذلك إدارة منظمات المجتمع المدني في الخارجية، والتي حاولت مؤخراً بمخالفة القانون تمرير اتفاقية مع منظمة إيطالية لتوطين المهاجرين غير القانونيين... وهذا مخلّ بالأمن القومي بالإضافة إلى أنه باب من أبواب الفساد وغسيل الأموال.
إلا أنني أؤكد أن حكومة الوحدة الوطنية بهذه القرارات التعسفية ستظل عاجزةً أمامنا في بنغازي بإذن الله".
مسؤول في "راديو مونت كارلو الدولي"، فضّل عدم ذكر اسمه، أكد لنا ما يتناقله الحقوقيون في ليبيا وسرد لرصيف22، تفاصيل وقف البث الذي قالت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة إن سببه محتوى برنامج "الآن غداً"، الذي لا يتناسب مع قيم المجتمع الليبي وعاداته، في إشارة إلى حلقة تم بثها في كانون الثاني/ يناير العام الماضي، حول مجتمع الميم عين.
الوضع في ليبيا حساس للغاية، ولذلك ترفض غالبية الشخصيات الإعلامية والحقوقية الكشف عن أسمائهم خوفاً من المضايقات وسياسة الانتقام. وعند سؤال صحافي في "راديو مونت كارلو"، عن الواقعة، طلب التحفظ عن ذكر اسمه، لكنه قال لرصيف22: "وصلت إلى مونت كارلو الدولية أخبار حول قرار السلطات الليبية في طرابلس إيقاف موجة الـFM الخاصة بالراديو، اعتراضاً على محتوى برنامج 'الآن غداً'، وبررت السلطات قرارها بأن محتوى البرنامج يتعارض مع القيم المجتمعية الليبية. لكن السبب الفعلي وراء ذلك هو تناول البرنامج موضوع الشباب ومنظمات المجتمع المدني في ليبيا في الأسابيع الماضية".
خبر إيقاف بث مونت كارلو لم يصدر فيه أي بيان رسمي، إلا أن القرار نُفّذ بالفعل وحاول رصيف22 الاتصال برئاسة الحكومة ووزارة الداخلية في طرابلس، وجاءت الردود مبهمةً وغير واضحة، لكننا علمنا من مصادرنا أن من قام بإيقاف بث راديو مونت كارلو، هو جهاز الأمن الداخلي، وهو ما أكده لنا مسؤول كبير في الدولة، وأيضاً محامية وواحدة من أنشط الحقوقيات في طرابلس، فضلت عدم ذكر اسمها أيضاً، لكنها قالت: "إن حكومة الوحدة الوطنية لا دخل لها في هذا الإيقاف إنما الأجهزة الأمنية التي تتصرف أحياناً بشكل فردي".
أما بشأن فتوى عدم شرعية الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني كافة، فقالت لرصيف22، إنها فتوى قانونية ولا غبار عليها.
وأضافت: "يجب تنظيم عمل الجمعيات في البلاد، خاصةً أن المئات منها تم إنشاؤها بعد الثورة وهناك من أصبح يستغل واجهة الجمعيات لأغراض ربحية لذلك رأى المجلس الأعلى للقضاء إيقافها".
وتابعت الناشطة المدنية: "حالما سمعت بهذه الفتوى عدّلت قانون جمعيتي الحقوقية حسب القانون رقم 19، لذلك لا مشكلات لديها الآن".
ليبيا تعود إلى دائرة الصوت الواحد
مؤسس المرصد الليبي لحقوق الإنسان ناصر الهواري، كان صارماً في موقفه تجاه أي إجراء يعود بالبلاد إلى الدكتاتورية والقمع، وقال لرصيف22: "نحن في منظمة ضحايا لحقوق الإنسان، ضد كل الإجراءات التعسفية المتخذة من الحكومة ومفوضية المجتمع المدني ضد منظمات المجتمع المدني، ونرى فيها إجراءات تعسفيةً تخالف الحق الدستوري في التجمع، وتضع قيوداً على حرية الرأي والتعبير، وما تقوم به الحكومة والمفوضية هو بمثابة الوصاية وانتقاص من الحقوق والمكتسبات التي تحققت بفعل ثورة 17 شباط/ فبراير، وتؤكد منظمة ضحايا رفضها للفتوى القانونية المذكورة وكل ما نتج عنها من إجراءات لاحقة".
خوفاً من الانتخابات... الاعتقالات تشمل الأحزاب
الحقوقي منصور عاطي، الذي عانى من الاختطاف والتعذيب واشتهرت قصة نضاله في ليبيا، قال لرصيف22، إن استهداف الحريات في البلاد لم يقتصر على الإذاعات ومنظمات المجتمع المدني بل طال الأحزاب والحركات السياسية وكل كيان من شأنه التأثير في الانتخابات: "رصدت شبكة رصد الجرائم الليبية، في الثامن عشر من شهر نيسان/ أبريل الماضي، اعتقال خمسة أعضاء من حزب 'معاً من أجل الوطن'، من بينهم رئيس الحزب صالح الزروق، وأربعة أعضاء من الهيئة القيادية للحزب من قبل عناصر مسلحة تابعة للإدارة العامة للبحث في مدينة سرت".
"تأتي هذه الاعتقالات ضمن حملة لم تتوقف تستهدف العمل المدني السلمي في مختلف مدن ليبيا للتضييق على المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية الرامية إلى إقامة أسس للدولة المدنية، مما يزيد الوضع هشاشةً في ظل السعي الحثيث إلى خلق تقارب وتوافق وطني يقود الى الانتخابات التي على ما يبدو لا تريدها السلطات المسيطرة الآن، أو تريد السيطرة عليها بما يخدم مصالحها للبقاء أطول مدة في السلطة".
شرطة الأخلاق
الحقوقي صلاح أنقاب، علّق على ما يحدث في ليبيا بأنه إعادة خلق دولة ماكارثية (دولة المتهمين)، لحماية دولة أخرى كليبتوقراطية (دولة حكم اللصوص)، فمسألة الخوف على القيم المجتمعيّة مسألة حمّالة أوجه، وهي صيغة غير قانونيّة أصلاً يمكن لأي سلطة قاهرة استخدامها بمنطق شرطة الأخلاق (بلغة جورج أورويل)، حيث لا تزال ليبيا غارقةً في العقلية البوليسية التي تحل مشكلاتها بالمنع والاعتقال والفرار نحو تهم التآمر والعمالة.
وليس هنالك عدو أكثر ملائمةً لهذه الدولة من مؤسسات المجتمع المدني التي تحاول أن تكون صوت الناس وأداة القوة الضاغطة على الدولة وأجهزتها التي من المفترض أن لا تكون بوليسيةً، وذلك عبر استقراء الأخطاء التي تمارسها الحكومة.
وأضاف أنقاب: "توعية المجتمع الأهلي وتسليط الضوء على مشكلات الناس الحقيقية، وصولاً إلى فتح قنوات التواصل والمجتمع الدولي، أمور لا يريدها ساسة ليبيا التي تحتل في مؤشرات الفساد العالمية المركز 171 عالمياً من ضمن 180 دولةً".
وبسؤال رئيس اللجنة القانونية لمنظمة ضحايا لحقوق الإنسان أحميد مرابط الزيداني، بخصوص الفتوى الصّادرة من إدارة القانون بتاريخ 8 آذار/ مارس 2023، وتداعياتها اليوم، قال أحميد: "من وجهة نظري فإنّ الإشكال ليس في الكتاب الذي ردّت به إدارة القانون على مفوّضية المجتمع المدني، لكنّ الإشكال يكمن في هشاشة الوضع القانوني في أغلب المُؤسّسات القائمة في الدولة وليس فقط في المجتمع المدني، فلو أخذنا مثلاً وضع مجلس النواب والحكم الصادر من المحكمة العليا في حقّه، فنحن نعلم جيّداً مدى حجّية وإلزام أحكام المحكمة العليا ناهيك عن انتهاء ولايته القانونية المنصوص عليها وقت انتخابه، وما مصير ما يصدره المجلس من تشريعات وقرارات، وقِس على ذلك مجلس الدولة (المؤتمر الوطني سابقاً) ومدى مشروعيته وإلزامية قرارته، مضافاً إلى ما سبق الحكومات وما تمارسه من مهام وما يصدر عنها من إجراءات وهلمّ جرّاً.
ما يحدث في ليبيا لا يعدو كونه إعادة خلق لدولة المتهمين، لحماية حكم اللصوص
"إذاً فالإشكال لدينا ليس في مدى مشروعية الانضمام إلى مؤسّسات المجتمع المدني أو تكوينها أو الانتساب إليها، فالمادة 15 من الإعلان الدستوري كفلت ذلك وأقرّته صراحةً، ولكن الإشكال في القانون الذي من المفترض أنّ يُسنّ لتنظيم عمل تلك المؤسّسات، بل أظنّ أنّ المشكلة أعمق من ذلك، فمن يمتلك سلطة التشريع حاليّاً هو مجلس النواب، ولكن إن نظرنا بعين القانون، فهل تُعدّ قوانينه وقراراته صحيحةً أم يشوبها القصور للأسباب سالفة الذكر؟"، أضاف الزيداني.
وختم قائلاً: "عوداً على بدء، الفتوى الصادرة عن إدارة القانون غير ملزمة وليست حكماً قضائياً، وقد أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنشور رقم (7) لسنة 2023، والذي أقرّ فيه استمرار عمل منظمات المجتمع المدني على أن تُصحّح أوضاعها لدى 'لجنة دراسة شهر الجمعيات الأهلية'، وهو دليل آخر على التخبّط الذي تمرّ به مؤسّسات الدولة في هذا السياق".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع