حافظ فيلمان قصيران لصناع السينما الشباب على الوجود المصري في واحدة من أكبر التظاهرات السينمائية خلال هذا العام، ففي الدورة الـ76 لمهرجان كان السينمائي الدولي نافس المخرج الشاب جاد شاهين بفيلمه القصير الأول"الترعة" في المسابقات الرسمية للمهرجان ضمن مسابقة الأفلام القصيرة، بينما وقع الاختيار على فيلم "عيسى I promise you paradiseللمخرج مراد مصطفى، للمشاركة في مسابقة الأفلام القصيرة بالدورة الـ62 لأسبوع النقاد، أحد البرامج الموازية في مهرجان كان.
تمكن "عيسى" من حصد جائزتين مستقلتين على هامش المسابقة، جائزة القضبان الذهبية للفيلم القصير "Rail D’Or" التي تمنحها جمعية محبي السينما منذ العام 1995، والجائزة الثانية هي جائزة جمهور صالة فالبون الفرنسية Prix du public Valbonne التي استقبلت عرض الفيلم ضمن برنامج أسبوع النقاد.
رحلة وصول "عيسى" إلى مهرجان كان بدأت منذ أكثر من 3 سنوات، يقول المخرج مراد مصطفى لرصيف22 إن فيلميه السابقين "حنة ورد" إنتاج 2020، و"ما نعرفه عن مريم" إنتاج 2021، كانا ضمن القائمة القصيرة لبرنامجي أسبوع النقاد ونصف شهر المخرجين على التوالي، بالإضافة إلى مشاركته العام الماضي بمشروع فيلمه الطويل "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن" في برنامج مصنع السينما الذي ينظمه المعهد الثقافي الفرنسي على هامش مهرجان كان، لتطوير مشاريع صناع الأفلام من دول الجنوب، ومنحهم الفرصة لتقديمها للمنتجين والموزعين من أنحاء العالم.
أبطال أفلام مراد شخصيات مهمشة، ويعتبر هذا الفيلم الثاني بعد "حنة ورد" الذي يروى قصة عن مهاجر أفريقي يعيش في المجتمع المصري
ساهم التاريخ السابق لمراد مع المهرجان في تقريب المسافات، فأصبح المبرمجون على علم بأعماله ويتابعون خطواته، إلى أن وقع الاختيار على "عيسى" للمشاركة في أسبوع النقاد. ويقول مراد إنه يعتبر وضع قصة الفيلم "عملية تعتمد بشكل أساسي على المشاعر ويمكن أن تحدث في أى مكان بالعالم"، مضيفاً أنه يعتبر فيلمه "حالة إنسانية وسينمائية يريد من المشاهد التواصل معها".
أبطال أفلام مراد شخصيات مهمشة، ويعتبر هذا الفيلم الثاني بعد "حنة ورد"الذي يروى قصة عن مهاجر أفريقي يعيش في المجتمع المصري. ويقول عن هذا "أريد أن أرى المجتمع بعين مختلفة، فليس بالضرورة أن يكون تناولنا للمجتمع من خلال المصريين فقط، ولم يسبق أن ظهر أبطال للأفلام السينمائية في مصر من جنسية غير مصرية، خاصة الأفارقة. فغالباً ما كانت هذه الشخصيات تظهر بأدوار صغيرة أو كومبارس ضمن الأحداث، على الرغم من أن هذا يحدث في كل بلاد العالم، فليس شرطاً أن يكون الفيلم الفرنسي بطله فرنسياً، أو الإيطالي بطله إيطالياً. هذه الحلقة مفقودة في السينما المصرية".
تبدأ أحداث الفيلم عقب حدث راح ضحيته 3 لاجئين، لكننا لا نعرف شيئاً عن الأسباب التي أدت إليه ولا نعرف حتى ما وقع فيه، وإنما نتتبع فقط خطوات البطل ورحلته مع حبيبته، وهو ما يفتح الباب أمام العديد من التأويلات حول طائفية دينية ورفض مجتمعي لقصة حب بين أفريقي مسيحي ومصرية مسلمة
بين اللاجئين
قضى مراد طفولته في حي عين شمس، وهو واحد من الأحياء المصرية الشهيرة بتجمعات المهاجرين واللاجئين من جنسيات أفريقية مختلفة، مشيراً إلى أن "حنة ورد" كان عن مهاجرة أفريقية، بينما فيلماه السابقان "خديجة" و"ما نعرفه عن مريم" كانا عن شخصيات مصرية لكنها من الطبقة نفسها وتعيش المعاناة نفسها في مواجهة حياة صعبة.
تبدأ أحداث الفيلم عقب حدث عنيف أصاب الجميع بالخوف وراح ضحيته 3 شباب لاجئين من رفقاء عيسى، لكننا لا نعرف شيئاً عن الأسباب التي أدت لهذا الحدث ولا نعرف حتى ما الذي وقع فيه، وإنما نتتبع فقط خطوات البطل ورحلته هو وابنته، وحبيبته المصرية للخروج من المأزق التالي للحدث. وهو ما يفتح الباب أمام العديد من التأويلات حول طائفية دينية ورفض مجتمعي لقصة حب بين أفريقي مسيحي ومصرية مسلمة.
يقول مراد: "الفيلم لا يدخل في تفاصيل الأمور بدرجة كبيرة لأني لا أؤمن بهذه الفكرة، المشاعر عالمية جداً، والتجريد في الفيلم مقصود من اللحظة الأولى لا نعرف أسماء الشخصيات ولا جنسياتهم ولا حتى المكان أو تفاصيل هذا الحدث العنيف، حتى لا يكون هناك شيء يجذب عين المشاهد ومشاعره وقلبه، بخلاف علاقة هذا الولد مع البنت، فالرحلة الرئيسية والحالة الأساسية في الفيلم، هما مأزق الشخصيتين ومحاولاتهما للخروج، بعيداً عن التفاصيل الأخرى أو الأسباب أو خلفياتهما الشخصية، الأعظم هو أن نشعر بمشاعر الشخصيات في هذه اللحظة".
ويعتبر مراد أن الغموض ومساحة التأويلات في الفيلم فرصة جيدة للتفكير وجذب انتباه المشاهدين واكتشاف أشياء جديدة مع كل مشاهدة، "بينما الفيلم الذي يقدم كل الإجابات للمشاهد ولا يترك مساحة للتفكير وطرح الأسئلة، يُنسى بمجرد الخروج من صالة السينما".
لأنه يتبع "سينما المشاعر" لا يرى مراد ضرورة في "القيام ببحث شامل عن المجتمع الذي تدور فيه الأحداث وشخصياته"، بل يفضل تتبع لمحات بسيطة وتكوين مشاعر من خلالها، "دون الخوض في الكثير من التفاصيل، وتحويل العمل السينمائي الى وثائقي عن قضايا هذا المجتمع، لأن كثرة التفاصيل تفرغ العمل من المشاعر وتنزع منه الصفة السينمائية"، مؤكداً أن فيلمه لا يتناول مجتمع المهاجرين؛ وإنما يروى قصة حب بين شخصين وحيدين يبحثان عن مَخرَج، لذا يعتبرها "حدوتة عالمية".
لا يخشى المخرج مراد مصطفى التعرض لهجوم بسبب الفيلم كما حدث من قبل مع عدد من المخرجين الذين شاركوا بأفلامهم في مهرجانات عالمية، نتيجة لحالة التحفز الدائمة تجاه هذه النوعية من الأفلام المستقلة
إخلاص للحكي السينمائي
يرى المخرج الشاب أن "اللحظة السينمائية تختلف عن الأخبار والقضايا التي تطالعنا في الصحف وعلى شاشة التليفزيون"، لذا يسعى دائماً في تناوله للموضوعات إلى التخلص من كل "الكليشيهات" المرتبطة بمجتمعات الشخصيات، والتركيز على الإنسان أياً كان شكله أو لونه أو جنسه أو خلفيته الاجتماعية والدينية. مشدداً على أنه لا يخشى التعرض لهجوم بسبب الفيلم كما حدث من قبل مع عدد من المخرجين الذين شاركوا بأفلامهم في مهرجانات عالمية، نتيجة لحالة التحفز الدائمة تجاه هذه النوعية من الأفلام المستقلة، "محدش مجبر يحب الفيلم أو يكرهه" كما أنه ليس مجبراً كمخرج على الدفاع عن نفسه أو إقناع أحد بشيء.
يقف بطل الفيلم كيني مارسيلنو أمام الكاميرا لأول مرة، واكتشفه المخرج مراد مصطفى في مدرسة مسيحية للطلبة الأفارقة، وهو يعيش في منطقة حدائق المعادي التي تعد أيضاً واحداً من الأحياء المصرية الشهيرة بتجمعات المهاجرين من البلدان الإفريقية، إضافة إلى حى عين شمس وبعض المناطق بالجيزة وضواحيها، بينما تم تصوير الفيلم بين محافظات الإسكندرية والدقهلية والقاهرة، وتعتبر كنيسة القديس سمعان الخراز بتصميمها وموقعها المميز في منطقة منشية ناصر بأعلى جبل المقطم موقعاً رئيسياً لعدد من المشاهد المهمة في الفيلم، وأضفى حضورها عليه صبغة جمالية.
دير القديس سمعان الخراز - المقطم، القاهرة- ويكي كومونز
يعمل مراد مصطفى حالياً على مشروع فيلمه الروائي الطويل الأول "عائشة لا تستطيع الطيران بعد الآن"، ووقع الاختيار على المشروع من بين 6 مشاريع حازت منحة إقامة برنامج سينما الغد الذي ينظمه قسم "سينفيونداسيون" الرسمي في مهرجان كان السينمائي الدولي. مدة المنحة 4 أشهر، يعمل فيها المشاركون في مقر الإقامة بباريس مع متخصصين على تطوير مشاريع أفلامهم الأولى أو الثانية.
يذكر أن هذه المنحة حصل عليها حتى الآن 3 مخرجين فقط من مصر، هم سامح علاء مخرج فيلم "ستاشر"، أول فيلم مصري يحصل على السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير في مهرجان كان 2020، وعمر الزهيري مخرج فيلم"ريش" أول فيلم مصري يحصل على الجائزة الكبرى في أسبوع النقاد بمهرجان كان 2021.
وأشار مراد إلى أن الفيلم ينتمي لنوعية الواقعية السحرية وتدور أحداثه حول فتاة صومالية أفريقية تعمل بالرعاية الصحية وتسكن بمنطقة عين شمس الشعبية وتمر بظروف تدفعها للجوء إلى عالم غرائبي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...