شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
النادي الأهلي ليس فريقاً أوروبياً يلعب في أفريقيا

النادي الأهلي ليس فريقاً أوروبياً يلعب في أفريقيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الجمعة 2 يونيو 202311:21 ص

سيلعب النادي الأهلي المصريّ ونادي الوداد المغربي، في الثلث الأول من شهر حزيران/يونيو، مباراتَيّ ذهاب وإياب نهائي دوري أبطال إفريقيا، وهذا أبهج ويبهج الجمهور العربي والمتحدّث بالعربية، باعتبار أن الكأس لنا في الحالتين. وبالرغم من افتتاني بكرة القدم المغربية وما قدّمته في كأس العالم في نسخته الأخيرة – الدوحة 2023، إلا أنني أهلاوية، ويبقى في داخلي شيء يتمنى للأهلي الفوز.

عندما يفوز النادي الأهلي بالحادية عشرة الإفريقية، وأراه أمراً قريب الحدوث بإذن الله، أرجوكم، لا يخرجنَّ أحدكم، محلّل أو فني أو إداريّ أو إعلامي، ليقول لنا الجملة الرائجة: "الأهلي فريق أوروبي يلعب في القارة الإفريقية". هذه العبارة تؤذي سمعي وقلبي، عدا كونها غير صحيحة.

أفهم حسن نوايا من يقولون هذه العبارة، لكنّ حسن النوايا لا يكفي. ما يريد صاحب المقولة قوله هو إن الأهلي فريق ناجح، قوي، منظم، صاحب رؤية ومشروع ومؤسسة، وهذا رديف لأوروبا كثقافة وكمعيار، والأهلي الأوروبي، يلعب في قارة إفريقيا التي هي، ضمناً، تمثّل النقيض، أو على الأقل تمثل المرتبة الأدنى من حيث التنظيم، النجاح، والمأسسة، وبالتالي فإن هذا سرّ فرادته.

عندما يفوز النادي الأهلي بالحادية عشرة الإفريقية، وأراه أمراً قريب الحدوث بإذن الله، أرجوكم، لا يخرجنَّ أحدكم، ليقول لنا الجملة الرائجة: "الأهلي فريق أوروبي يلعب في القارة الإفريقية". هذه العبارة تؤذي سمعي وقلبي، عدا كونها غير صحيحة

إفريقيا التي تنطوي عليها هذه العبارة، هي، ضمناً، إفريقيا الفوضى وعدم الانضباط. إفريقيا التي يعيش سكانها في الأدغال، يمشون عراة حفاة، ويحتربون فيما بينهم، وسوى هذا من الصور النمطية للإنسان الإفريقي. لا يمكن فهم عبارة "الأهلي فريق أوروبي يلعب في القارة الإفريقية" من دون الإقرار ضمنياً بالسياق السالف ذكره، وإلا فإن العبارة لن يكون لها أي معنى. العبارة بشكلها هذا ليست سوى تكريس لنظرة المستعمر عنّا وعن بلادنا وعمّا يمكننا ولا يمكننا فعله.

عندما كتب إدوارد سعيد كتابه الهام والشهير "الاستشراق" كان جلّ ما يريد قوله هو إن تصوّر الغرب عن الشرق قاصر، وأن المعرفة ومنظومة إنتاج المعرفة في أوروبا قبل أمريكا، برّرت بفهمها القاصر وجود الاستعمار، عندما افترضت أن شعوباً، كشعوب الشرق الأوسط وإفريقيا، لم تكن جاهزة بعد لإدارة شؤونها، وأن هذه الشعوب لم تصل بعد لشكل التحضّر الذي تمثله، فقط، أوروبا ومن بعدها الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت ملاحم التحرّر من الاستعمار التي قدمتها -وتقدمها- شعوب المنطقة العربية بتنوع أعراقها، تقوم على دحض هذا التصوّر وانتزاع حق هذه الشعوب في أن تدير شؤونها بنفسها من غير وصاية من أحد.

الاستشراق إذن، كان في جوهر فكرة الاستعمار، وليس أسوأ من الاستشراق إلا ما يسمّى بالاستشراق الذاتي، أي أن تتطوّع بنفسك لتكرّس صورة تفوّق "الآخر" عليك. يحدث هذا بوعي أو بغير وعي، وله تمثلّات عدّة، من بينها أن نقول عن أنفسنا "أوروبيين" عندما ننجح.

القصد هو ألا نستكثر على أنفسنا النجاح، وألا تُنسب الفضيلة حصراً لا لجنس ولا لون ولا لجنسية ولا جغرافيا. وإن كان ثمة دروس مستفادة من تجربة كأس العالم في الدوحة، فسيكون من بينها أننا كعرب أو كعالم نامٍ، أو كشرق أوسط، يمكننا النجاح

نعم أوروبا تمتلك أفضل أندية العالم، لكنها أيضاً تضم قدراً لا بأس به من الأندية سيئة التنظيم والسمعة والإدارة والفنيات، وبالنظر إلى أوروبا الشرقية وبعض بلاد أوروبا الوسطى، فإن النادي الأهلي متفوّق بالفعل على عشرات، بل مئات الأندية الأوروبية والإفريقية والآسيوية والجنوب أمريكية العريقة. ما الفلسفة وأين هو الذكاء في أن ننسب لأوروبا نجاحنا؟ ثمّ بالله عليكم، أيهما أجمل: أن يفوز الأهلي ويحافظ على مركزه المتقدم عالميا بين أندية العالم، فنقول إنه نادٍ أوروبي في إفريقيا، بكل ما تحمله العبارة من تحقير للذات والمنافسين والقارة التي نقع فيها وننتمي إليها، أم نقول إن الأهلي فريق إفريقي، يلعب ويمثل قارة إفريقيا، بكل ما تحمله العبارة من اعتداد بالنفس وتأكيد على قدرتنا والقارة على المجاراة والمنافسة.

هذه ليست دعوة لإنكار حقيقة وجود أفضلية أوروبية في كرة القدم أو ربما في سواها، وليست تضليل للنفس أو تصوير لإفريقيا على أنها نموذج في التقدم والتنظيم. ليس هذا هو القصد، القصد هو ألا نستكثر على أنفسنا النجاح، وألا تُنسب الفضيلة حصراً لا لجنس ولا لون ولا لجنسية ولا جغرافيا. وإن كان ثمة دروس مستفادة من تجربة كأس العالم في الدوحة، فسيكون من بينها أننا كعرب أو كعالم نامٍ، أو كشرق أوسط، يمكننا، ومن دون أن نحتاج أن نشبه غيرنا، النجاح، وسيكون من بين الدروس أيضاً الدرس المغربي، جمعُ الشباب الحالمين من المغرب ومن المهجر الذين اختاروا افريقيا، وكان بإمكان الكثير منهم -غير مُلامٍ- أن يمثل أوروبا.

حَلِم هؤلاء الشبان وذهبوا بالحلم بعيداً كعرب وأفارقة، وقفزوا فوق غطرسة الجغرافيا والتقسيم الطبقيّ للكوكب. إن كنا تعلّمنا من هذه التجارب شيئاً، فأرجوكم، لا يعود أحدكم ليقول لنا "منشكحاً" بأن "الأهلي فريق أوروبي يلعب في القارة الإفريقية". النادي الأهلي فريق مصري عربي إفريقي، وكل ما في هذه العبارة جميل ويدعو للفخر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image