ما أهمية استعادة تراث الريحاني وبديع خيري الآن؟
سؤال طرق ذهني في أثناء مشاهدتي عرض مسرحية "طيب وأمير" التي تعود عروضها يوم الخميس الأول من يونيو/ حزيران على خشبة مسرح ميامي بوسط القاهرة.
بدا السؤال بلا معنى في البداية، أو أن إجابته بديهية، فالريبرتوار أي استعادة العروض وتقديمها مراراً، هو عماد من أعمدة العمل المسرحي في كل مسارح العالم، كما أنه من الطبيعي أن يستعاد تراث ما نعده كلاسيكيات من آن لآخر، خاصة إذا كانت حبكة كحبكة فيلم "سلامة في خير" التي استلهمتها المسرحية تحتوي على كل عناصر النجاح، من بينها تيمات الفقير التعيس الذي يبتسم له الحظ، وتيمة النائم اليقظان، الحكاية التي وردت في الليلة الثالثة والخمسين بعد المائة في ألف ليلة وليلة.
تحكي حكاية النائم اليقظان عن رجل يدعى أبو الحسن الذي يعاني من تقلبات الحياة والفقر، ويرى أنه لو كان الخليفة ولو ليوم واحد، فسيقوم بتحسين الأوضاع، يسمعه هارون الرشيد الخليفة الحقيقي، ويحقق له أمنيته عن طريق إعطائه مخدراً ليفيق منه، وقد وجد نفسه هو الخليفة، بعد الكثير من المفارقات لا ينجح أبو الحسن في تغيير الأوضاع كما ظن، لكنه على الأقل حقق حلمه، ولو ليوم واحد.
ألهمت تلك التيمة، كشأن أغلب قصص ألف ليلة وليلة، نصوصاً عالمية، لكن أفضل من استخدم تلك التيمة عربياً، ووسع من حدود معناها هو المسرحي السوري البارز، سعد الله ونوس، في النص المسرحي "الملك هو الملك"، ليأخذ معناها إلى ما هو أبعد، إلى أن الأزمة في كرسي الملك نفسه لا طبيعته الشخصية
ألهمت تلك التيمة، كشأن أغلب قصص ألف ليلة وليلة، نصوصاً عالمية، لكن أفضل من استخدم تلك التيمة عربياً، ووسع من حدود معناها هو المسرحي السوري البارز، سعد الله ونوس، في النص المسرحي "الملك هو الملك"، ليأخذ معناها إلى ما هو أبعد، إلى أن الأزمة في كرسي الملك نفسه لا طبيعته الشخصية.
التيمة نفسها استخدمها الريحاني وبديع خيري في الفيلم الشهير، "سلامة في خير"، الذي استند إليه عرض طيب وأمير على المسرح الكوميدي، والذي حقق نجاحاً لافتاً، حتى إن أغلب ليالي عرضه إن لم تكن كلها، والتي تقرر تمديدها بسبب النجاح، هي كاملة العدد.
استعادة نصوص الريحاني وبديع، أشبه بلحظة انضباط تحتاجها الكوميديا المصرية التي انجرفت بعيداً عن كوميديا الموقف أو الحوار الظريف الناشئ من رؤية ما، إلى كوميديا "القلش" الرخيص، أو حشو مباريات الاستظراف بين الممثلين
بعيداً عن "القلش"
استعادة نصوص الريحاني وبديع، المُمَصَّرة في كثير منها عن مسرحيات كوميدية فرنسية - أشبه بلحظة انضباط تحتاجها الكوميديا المصرية التي انجرفت بعيداً عن كوميديا الموقف أو الحوار الظريف الناشئ من رؤية ما، إلى كوميديا "القلش" الرخيص، أو حشو مباريات الاستظراف بين الممثلين التي لا علاقة لها بالمشهد المسرحي.
هي استعادة نحتاجها ربما كدليل إلى روح الكوميديا المصرية، وهو أمر لا علاقة له بالنوستالجيا، فحتى في أشد مواقف السينما المصرية بؤساً، كانت الأفلام الكوميدية تتميز بجودة تضاهي الأفلام العالمية في هذا التصنيف، وتملك مع ذلك نكهتها الخاصة القادمة من روح الشارع لا من استظراف الإنترنت.
لذا حسناً فعل ياسر الطوبجي مدير المسرح الكوميدي باقتراح إعادة محاكاة ذلك العمل المهم في الريبرتوار المسرحي، من خلال كتابة جديدة في العصر الحالي، تستلهم النص ولا تعيد تقديمه كما هو؛ مثلما فعل محمد صبحي في مسرحيات مثل لعبة الست، إلا أن النص في الأساس استفاد من تطوير تيمة فيلم "صاحب الجلالة"، أكثر مما استفاد من فيلم الريحاني، خاصة في شخصية عسقلاني، التي أداها تامر فرج بأداء يستلهم المهندس بما في الشخصية من غطرسة وتلاعب.
يستخدم عرض طيب وأمير التيمة نفسها التي استخدمها الريحاني وبديع خيري في الفيلم الشهير، "سلامة في خير"، وحقق العرض نجاحاً لافتاً، حتى إن أغلب ليالي عرضه كاملة العدد
تكرار الأخطاء
مُفرِح أن ترى مسرحية جيدة وناجحة تمثل سهرات تجمع العائلات والأصدقاء بأسعار تذاكر في متناول الجميع، لكنها رغم ذلك لم تخل من العيوب، فمزايا العرض هي نفسها عيوب مخرجه، محمد جبر، وهو مخرج موهوب له نجاح سابق ومشهود من خلال مسرحية "1980 وأنت طالع" المستندة إلى إلى إمكانيات أقل للمسرح المستقل، مقارنة بإنتاج مسرح الدولة بعد تخلي القطاع الخاص عن هذا دوره الإنتاجي، اللهم إلا ما يُنفَّذ لصالح موسم الرياض، ولا نملك تقييمه إلى الآن.
اعتمد محمد جبر مخرج مسرحية ، والمؤلف محمد جمال في "1980 وإنت طالع" على كولاج من المشاهد لعرض مشكلات أساسية يواجهها المجتمع المصري خاصة، كالبطالة، صعوبة الزواج، التضخم، انعدام تكافؤ الفرص، غياب الرعاية الصحية، وكذلك نقد المشهد السياسي القاتم والمربك وقت عرض المسرحية، لكن عاب العرض الميل إلى النوستالجيا والانجرار إلى الميلودراما المبتذلة، لكنه ظل عرضاً ممتعاً بسبب قدرة محمد جبر على استنطاق الكوميديا طيلة العرض، وهي موهبة تحسب له. وتظل فكرة روح الهواة أقوى ما في المسرحية، وفي روح العاملين بها، فقط لأنها مناسبة للعرض وموضوعه وطبيعة إنتاجه.
في "طيب وأمير"، انتقل محمد جبر خطوة أبعد بالعمل مع ممثلين محترفين، وتطورت أدواته بوضوح، لكن ما زالت بعض من بقايا روح الهواة تهيمن على طريقة الإخراج وتحريك الممثلين، ما جعل العرض قريباً لمسرحيات الجامعة التي يخرجها شباب، وكانت تلك الروح تظهر من حين لآخر في المسرحية.
للأسف لم أشاهد الممثل شريف حسني الذي لعب دوره في تلك الليلة محمد جبر، وكان أكثر من انتزع الضحكات في ذلك اليوم، لكن يبدو من شهادات من شاهدوا العرض بأداء شريف حسني الذي مثل دور الجار الفضولي، أن هناك إعادة اكتشاف لقدراته ككوميديان بعد تجارب غير موفقة مع أشرف عبد الباقي، وربما كان اختصاره في كونه زوج ويزو أمراً مجحفاً، فهو ممثل في الأساس، وإن كان ظهوره متأخراً، فقد بدأ التمثيل من مسرح الجامعة مع محمد جبر، وشاركه في فرقة البروفة من خلال مسرحية "1980 وإنت طالع"، ويبدو أن المخرج استطاع أن يخرج منه قدرات أفضل، وهي - للأمانة - معلومات مفاجئة بالنسبة لي.
ورغم أن العرض كان يجب أن يختصر إلى النصف، فلا أرجع هذا الخطأ إلى أحمد الملواني، مؤلف العرض وهو كاتب موهوب، لأن للكوميديا في حواره المكتوب بصمة واضحة، وبشهادة ياسر الطوبجي الممثل ومدير المسرح الكوميدي، فقد تعرف على موهبة الملواني الكوميدية من خلال ملاحظة مساهماته في تصليح سيناريوهات الأفلام وكتابة مشاهد كوميدية، وهو ما يطرح سؤالاً لماذا لا يشارك الكاتب الموهوب في كتابة أفلام كوميدية نفتقر إليها؟ خاصة أنه، حسب شهادة الطوبجي، كان يحول تلك المشاهد من استظراف وحشد للحشو إلى مشاهد أفضل، هذا الاستظراف الذي حول الكوميديا إلى القلش هو آفة صناعة الضحك المصرية، التي لم تخل منها حتى المسرحية نفسها، لكن بنسبة قليلة وضمن سياق أوسع من كوميديا الموقف الذي يجعلك تمرر تلك الارتجالات غير المحمودة، والتي ربما تطورت عبر البروفات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...