شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في مواجهة فيضان الضحالة... استعادة ضرورية لـ

في مواجهة فيضان الضحالة... استعادة ضرورية لـ"نور الشريف"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 3 مايو 202303:30 م

في 28 إبريل/نيسان المنقضي، مرت الذكرى 77 لميلاد الفنان الراحل نور الشريف، المولود عام 1946. والذي رحل في العام 2015 الذي شهدت بعده الساحة الفنية في مصر تحولات لا تزال تحكم المشهد الإبداعي المتراجع إلى الآن.

وفاة نور الشريف لم تضع حداً لجماهيريته، إذ ظلت صفحات التواصل الاجتماعي تنشر مقتطفات من حوارات أجراها في لقاءات تلفزيونية في مراحل مختلفة من تاريخه الفني، وتكشَّفت من خلالها طريقة تفكيره في الفن والسياسة والحياة ومسألة الحريات، من موقعه كفنان، وبوعيه العميق لدوره. وهي صورة تستدعي في المقابل تصريحات فنانين من أجيال حالية، خاصة من نجوم الصف الأول، تعكس خواءً كبيراً، وتضاؤلاً معرفياً، وتزمتاً يرغم الفن على كره نفسه وقبول الوصاية عليه.

إذا ما كتبت مثلاً في خانة البحث على غوغل: "فنان أنا رجل شرقي"، فستظهر لك قائمة من تصريحات الفنانين التي تبدأ بعبارة "أنا رجل شرقي تقليدي لا أقبل..."، وعادة يكون ما لا يقبله المتحدث هو فكرة ما تتعلق برفض انخراط زوجته أو بناته في عالم الفن، أو رفض الزواج من الوسط الفني، معتبراً الفن عاراً بشكل واضح. وهي قائمة تشمل فنانين مصريين وعرباً من ياسر جلال إلى عمرو يوسف وأحمد فهمي وماجد المصري وملحم زين حتى سعد المجرد الذي صدرت ضده أحكاماً نهائية في وقائع اغتصاب بفرنسا، وغيرهم، والملحن عمرو مصطفى الذي يقول إنه كرجل شرقي ليس ضد عمل المرأة في الفن، بل ضد عملها من الأساس، فمكانها هو البيت.

وفاة نور الشريف لم تضع حداً لجماهيريته، إذ ظلت صفحات التواصل الاجتماعي تنشر مقتطفات من حوارات أجراها في لقاءات تلفزيونية في مراحل مختلفة من تاريخه الفني، وتكشَّفت من خلالها طريقة تفكيره ووعيه العميق لدوره.

قبل مصطفى، فعلها عادل إمام، الذي هو من مجايلي نور الشريف، عندما صرح بأنه لا يوافق على أن يقبِّل أحدهم ابنته على شاشة السينما، مما أثار حفيظة فنانات عمل معهن. مفهوم بالطبع أن تلك التصريحات قد تكون علامة دالة على إزدواجية "الرجل الشرقي" المعروفة والمعتادة، أو قد تكون لغرض  مغازلة "الجمهور الشرقي" الذي يحب أن يرى نجمه المفضل رجلاً غيوراً. إلا أنها تصريحات لا تنتبه إلى تعزيز صورة احتقار الفن بوصفه مرتعاً للفساد و"المسلَّواتية التافهين" من قبل ذلك الجمهور. أظن أن تصريح عادل إمام ينتمي إلى فئة مغازلة الجمهور، وتعزيز صورته كبطل شعبي ينتمي للجماهير بمعاييرها المتناقضة.

الفارق بين تصريح عادل إمام وتصريحات الأجيال الأحدث من الفنانين أنه تصريح يمكن نقده وفهم أبعاد كامنة وراءه، لكنه لن يصوِّر إمام كفنان لا يملك وعياً تجاه قضايا مجتمعه أو قضايا مهنته، وهو ما تدلل عليه تصريحات وحوارات ومواقف واختيارات فنية عدة تنتمي لجيل آخر من زمن آخر، كان يحرص على الثقافة أو أن يحيط نفسه بالمثقفين، ولديه استعداد ولو عبر فنه لتثمين قضايا مثل الحرية والعدل ومواجهة السلطة المستبدة.

إذا ما كتبت مثلاً في خانة البحث على غوغل: "فنان أنا رجل شرقي"، فستظهر لك قائمة من تصريحات الفنانين التي تبدأ بعبارة "أنا رجل شرقي تقليدي لا أقبل...."

فمن التصريحات التي لا تُنسى لعادل إمام هو موقفه في العام 2018 من لجنة الدراما، التي انبثقت عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة المخرج محمد فاضل لتضيف طبقة أخرى من الرقابة على الإبداع الفني، إذ قررت وضع قائمة بالموضوعات التي لها أولوية من وجهة نظرها‏، والتي ينبغي لصناع الدراما تناولها‏، فصرح إمام لوائل الإبراشي في برنامج "العاشرة مساء": "بلاش كلام فارغ إحنا مش ناقصين وصاية إحنا هنهزر ولا إيه... هو إحنا ناقصين لجان، لجان إيه؟! إحنا مش ناقصين لجان فاشية"، ليؤجل مسلسله بعد ذلك عامين.

عقل أنور وروح أكثر نوراً

ينتمي عادل إمام إلى زمن نور الشريف، وإن كان نور أكثر ثقافة وفهماً منه، فتصريحات نور التي تسلط صفحات التواصل الاجتماعي الضوء عليها، لا يتحدث فيها عن نفسه في الأغلب؛ بل تتركز في معظمها على تحليل الفن ومواهب زملائه من الممثلين والمخرجين، والصراعات التي خاضها عند اشتباك مسألة الفن مع الحريات، وعند اشتباك الفنان بداخله مع الفنان المتنوع الذي عليه أن يحترم السوق ومتطلباته، ليبقى، ويتمكن كلما استطاع من إشباع ذلك الفنان بداخله.

في تحليله لموهبة سعاد حسني على سبيل المثال، يرى نور أنها أهم ممثلة على الإطلاق في تاريخ فن التمثيل العربي، إذ يغلب على معظم الممثلات لعب أدوراهن من داخل إطار النجمات، فسواء كن يلعبن دور فلاحة أو صعيدية أو هانم، ستجد نفس الممثلة رغم تغير الشكل الخارجي. أما سعاد حسني التي تضيف وفق تعبيره الكثير للممثل الذي يعمل أمامها، فموهبتها مثل موهبة زكي رستم، صحيحة وفطرية، كأنهما هما النظرية ثم تطبق دراسة فن التمثيل بناء على طريقة أدائهما، و"على سبيل المثال، أدت سعاد حسني لحظات حزن في أفلام مختلفة، كالكرنك، خلي بالك من زوزو، غروب وشروق، أهل القمة بتنوع بفريد لأحاسيس الشخصيات يتناسب مع بيئة الشخصية وثقافتها ووضعها الاقتصادي".

وعن تحليله للفقراء في أفلام دواد عبد السيد يقول: "دواد يحب الفقراء، يشعر بهم ولا يسخر منهم، يعري أخطاءهم لكن بحب، وهي نقطة مهمة جداً في الإبداع الفني... إني أجيب الفقرا وأتاجر بفقرهم بشكل ميلودرامي فج مبالغ فيه، وإنهم ضحية على طول الخط ؛ أو إن أنا أجيبهم منحلين علي طول الخط، داوود عنده هذا السحر لأن جواه روح شاعر".

تصريحات نور التي تسلط صفحات التواصل الاجتماعي الضوء عليها، لا يتحدث فيها عن نفسه في الأغلب؛ بل تتركز في معظمها على تحليل الفن ومواهب زملائه من الممثلين والمخرجين، والصراعات التي خاضها عند اشتباك مسألة الفن مع الحريات

وهي نقطة على بساطتها تفسر مثلاً فجاجة أفلام خالد يوسف في عرض الفقراء، وتكشف عن زيفها الفني، إذ إن الفقراء بالنسبة لمخرج مثله مجرد موضوع مثير لا أكثر. فالفقر ليس إلا كالجنس، مجرد فانتازيا في مخيلته، ومحض مثيرات وألاعيب، وفرصة لتقديم نفسه كصاحب قضية كبرى، ووسيلة “سكسي”، لإعلان شيء مهم، شيء ضخم، لكن عن نفسه. عندما يتحدث نور الشريف عن تجربته الفنية في التمثيل بفيلم حدوتة مصرية، نراه يحدثنا عن نشوة الفنان بعمله: "في شغلانتنا، خصوصاً لما يبقي عندك خبرة طويلة... قليل لما تحسي بالنشوة وإنتي بتمثلي، أوقات كتير بيبقي شغلي محترف يعني... أنا كممثل محترف الموضوع عاجبني آه والمخرج جيد والممثلين جيدين والإنتاج جيد بس مفيهوش لحظة الإبداع الكاملة، في «حدوتة مصرية» كان فيه إشباع ضخم بالنسبة لي، في آخر يوم كنا بنصور باك بروجكشن للجمهور عرض خلفي... وخلصت خدت العربية وجريت عند آخر الشارع بتاع إستوديو مصر ركنت ونزلت قعدت أعيط إن الرحلة خلصت. الرحلة الجميلة اللي أنا عايش فيها بقالي تلات أشهر انتهت. هذا الإحساس الساحر بالنشوة... إنك وإنتي بتشتغلي حاسة بسعادة داخلية فظيعة... حاسة إنك بتعملي شيء جميل إنتي حاباه، لا فبالي أنا قابض كام في الفيلم ولا فبالي هأرشح لجايزة في مهرجان عالمي ولا في بالي أي شيء. أنا بالي إن أنا سعيد... بلعب... تخيلي بقي، بلعب لعبة أنا حاببها... وفجأة اللعبة خلصت. ده اللي خلاني أبكي يومها".

بخلاف تصريحاته التي تكشف عن ثقافته التي لا يمكن أن تُجمع كلها في مقال واحد، كان نور الشريف داعماً للتجارب الأولى للمخرجين كمحمد خان وداود عبد السيد وعاطف الطيب وغيرهم.

وكان قد تعرض لحملة تشهير قاسية بسبب فيلمه ناجي العلي، اتهمته بالتخوين وقادتها أقلام صحافية بالاشتراك مع زملائه أنفسهم.

ويحكي الشريف في لقاء تلفزيوني مع المؤلف مدحت العدل أن سيناريو الفيلم تمت الإشادة به من الرقابة، وفوجئ بأن بعضاً من الزملاء شاركوا في الهجوم عليه واتهامه بتقاضي ثلاثة ملايين دولار من منظمة التحرير الفلسطينية لتنفيذ الفيلم، ويرد الشريف أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات نفسه تدخل لدى مبارك لمنع عرض الفيلم.

وقدم نور الشريف 18 عملاً مسرحياً، من بينها مسرحيات لصلاح عبد الصبور، والكاتب الفلسطيني معين بسيسو، وألفريد فرج، وعلي سالم، ونص كاليجولا لألبير كامو، رغم أن عدداً كبيراً من تلك العروض كانت تنتمي للمسرح القومي لا  للمسرح التجاري. ورغم قلة عائدها المادي، مقارنة بوضعه كنجم سينمائي وتلفزيوني، وتبناها بغية الإشباع الفني.

كان دائم التجريب في أدواره، وقدم أدواراً جريئة ناقشت الدين بجرأة، وفي محاضراته عن فن التمثيل السينمائي تتبدى فيه قدرة المدرس والفنان معاً، إذ يشرح أكثر التعبيرات الفنية المقدمة بسلاسة كبيرة.

ويظل استدعاء حواراته وتصريحاته على صفحات التواصل الاجتماعي استدعاءً لنقيض الصورة الحالية لنجوم الصف الأول، الخاوية والمنبطحة أمام السلطة سواء سلطة السوق أو سلطة الاستبداد، دون رؤية حقيقية أو هدف من الفن سوى النجومية.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image