شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أن تقرأ كأن لا هدف لك سوى المتعة

أن تقرأ كأن لا هدف لك سوى المتعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الثلاثاء 30 مايو 202311:18 ص

لم يبدأ الأمر عند تطبيق "أبجد"، بل هو قبل ذلك بكثير. بدأ من الزرع في عقول الناس أن الثقافة تُقاس بعدد ما تقرأ من الكتب، أن تكون "دودة كتب" يعني أنك مثقف للغاية، لا يهم نوعية الكتب التي تقرأها ولا كيفية قراءتك لها.

مواقع التواصل الاجتماعي

ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي، ومن قبلها المنتديات، في نشر القراءة بكل تأكيد، فقد بدأ محبو القراءة، ممن بدأوا حياتهم مع مغامري محمود سالم الخمسة، وأعمال نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، في ملاقاة بعضهم إلكترونياً، وتجمّعهم في "جروب" يتحدثون فيه عن الكتب التي يقرأونها، يفندونها ويحللونها مثلما كان يحدث في الصالونات الأدبية قديماً، ثم أصبحوا يختارون كتاباً بعينهـ يقرؤونه، يتناقشون فيه ويحلّل كل واحد منهم ما قرأ، بل ويفند آراء الآخرين، في ظاهرة ساهمت بشكل كبير في تطور فكرة القراءة والاستيعاب واتساع الأفق، بدلاً من أن تقرأ وتنكفئ داخل نفسك على ما تقرأه دون أن تشاركه أحداً، تُخرجه وتراه بشكلٍ مختلفٍ وأنت تسمع صوتك يردّد الكلمات، وترى آراء الآخرين وتقيس مدى وجاهتها من عدمه.

ساهم هذا أيضاً في اتساع دائرة القراءة وازدياد أعداد القرّاء، خاصة من بعد ثورة يناير 2011 وازدياد دور النشر الذي تبعه ازدياد عدد الكتّاب والكتب، في ظاهرة بدت وقتها إيجابية جداً، وإن شابها الكثير من السلبيات التي راهنّا أن ستتلاشى مع مرور الوقت. إلا أن هذا استتبعه ظهور موجة "الكمّ وليس الكيف" مرة أخرى، وهي فكرة تغازل طبيعة الإنسان عموماً، ذلك الذي يسعى دوماً إلى القياس والأرقام حتى يشعر بإنجازه أو يقارنه بما أنجز الآخرون. فبدأ تسليط الأضواء على ديدان الكتب، وأصبحنا نشاهد ما يشبه المزادات على مواقع السوشيال ميديا، فهذا يتفاخر بأنه قرأ مائتي كتاب، فيحقر آخر إنجازه ويقول إنه قرأ ثلاثمائة، وهكذا، وراقبنا نحن القراء العاديين هذا الأمر بشعورٍ عارمٍ بالإحباط وقد شعرنا بأننا لا نقرأ أصلاً.

المتع الصغيرة المستمرة طوال عام والتي تنتج عن قراءة ما تحب، بتمهّل وتلذّذ واستفادة، أهم وأكبر كثيراً مما ينتج عن لحظة انفجار بعد تعرّض للضغط المستمر طوال عام

جودريدز

امتزجت فكرة مواقع تواصل الاجتماعي والكتب ونتج عنها منصة تقوم على التواصل الاجتماعي بين القراء، فكان هذا فتحاً عظيماً لدوائر القرّاء الذين أصبحوا يقدرون على تقييم الكتب وكتابة آرائهم فيها في موقع متخصّص، ويحصون ما يقرأون وما يقرأه غيرهم، يعرفون بسهولة عن الكتاب قبل أن يقتنوه ويبدأوا في قراءته، فيساعدهم هذا في اتخاذ قرار الشراء من عدمه. ومن الأشياء التي تضمّنها جودريدز هي أن تُحدّد لنفسك هدفاً في بداية السنة بأن تقرأ عدداً معيناً من الكتب، ومع نهاية السنة ترى كم أنجزت من التحدي.

ولي تجربة شخصية مع هذا التحدي في بدايته، عندما كنت نهماً كثيف القراءة، تحديت نفسي بأن أقرأ 120 كتاب في عام، ومع مرور الأشهر وجدت أنني بذلك المعدل الذي أسير به لن أتمكن من تحقيق الهدف، فسرّعت من معدل قراءتي "السريع أصلاً" ما أثر على المتعة والاستيعاب، وشرعت في قراءة الكثير من الكتب الخفيفة الصغيرة كي أراكم عدداً يمكّنني من الوصول إلى "التارجت"، وبعد ما تجاوزته وانتشيت بانتصاري، نظرت وراء ظهري فوجدتني لم أقرأ الكثير من تلك الكتب التي قرأتها بالفعل، لم أستمتع، لم أتأمل، لم أستفد شيئاً، فأعدت قراءة أكثر من نصف ما قرأت في ذلك العام، عازماً على عدم تكرار هذا التحدي مرة أخرى.

الثقافة لا تُقاس بعدد ما قرأت، ولا حتى القراءة تُقاس بعدد ما قرأت

القراءة للمتعة

أن تحب القيام بفعل ما يعني بالضرورة أنك تستمتع بالقيام به، بغض النظر عن الفوائد الأخرى التي قد تعود عليك منه، وبالتالي، فأن تحب القراءة يعني أنك تستمتع بالقراءة، تستمتع بذلك الانسياب الذي تعيشه بين الأسطر وخلال الصفحات، انتقالك الخفيف من فصلٍ إلى آخر، وعودتك إلى أحد الفصول لأنك لم تكتفي من المتعة منه بعد، أو لأنك لم تهضمه تماماً. تشعر بأنك في لقاء حميمي، لقاء أنت فيه بمحض إرادتك ورغبتك، تتهيأ قبله نفسياً كي تنهل من المتعة كل ما يمكنك، تختار الوقت المناسب وتحاول الجلوس في أكثر مكانٍ ووضعية مريحة لك، تسعى إلى الهدوء، وربما تشغّل بعض الموسيقى الهادئة، أو تقدر على الانفصال عمّا حولك بالقراءة، فتقدر عندها على القراءة في المواصلات العامة مثلاً استغلالاً لوقتٍ كثيرٍ مهدور في مدننا المزدحمة دائماً.

الخلاصة أن الأمر دافعه الأول وهدفه الأهم هو المتعة، ولا يستقيم هذا مع فكرة التحدي المبني على الأعداد أو "التارجت"، كأنك رجل مبيعات همام لا يقوم بشيء سوى محاولة عقد صفقات كي يصل إلى الهدف الذي وضعه له مديره في بداية العام.

بالطبع للقراءة فوائد أخرى، ولسنا في حاجة لأن نعدّدها، لكن كل تلك الفوائد تأتي مصاحبة للمتعة التي إن لم توجد فقد ما تُحب معناه.

أن تحب القيام بفعل ما يعني بالضرورة أنك تستمتع بالقيام به، بغض النظر عن الفوائد الأخرى التي قد تعود عليك منه، وبالتالي، فأن تحب القراءة يعني أنك تستمتع بالقراءة

الأثر السلبي للتحديات

الثقافة لا تُقاس بعدد ما قرأت، ولا حتى القراءة تُقاس بعدد ما قرأت، الأمر أكبر وأعقد من هذا، ما يحدث هو أنك تقرأ وتستفيد، تشاهد عوالم أخرى وتعيش فيها، تعود إلى الماضي وتزور المستقبل المفترض، وتعيش في حاضر آخر غير الذي تعيش فيه، تُقابل أناساً مختلفين، وتزور الكثير من البلدان والأحياء، ثم يأتي الجزء الآخر بأن يتغلغل كل هذا فيك، تتسرسب داخلك التجربة بتفاصيلها فتغير داخلك ماهو مستعد للتغير، تتأمل وتفكر وتعيد تفكير في ظنونك وأفكارك السابقة، وتقارنها بما توصلت إليه حالياً.

تنزل إلى الشارع وتنظر إلى كل ما حولك بعين جديدة، تقرأه أيضاً، فالحياة كتاب كبير لن تنتهي من قراءته أبداً، لكنك تقرأه بعين جديدة غير التي قرأت من صفحاته أمس، تزيد من الخبرات التي اكتسبت بداياتها من القراءة، وتسعى إلى اكتمالها بالتعامل والتعايش مع الحياة والتغيير الإيجابي فيها. الثقافة هي أن يتسع أفقك وتستوعب المختلف عنك وتقبله دون أي شيء آخر.

وتحديات القراءة الكمية تُعيق كل هذا، فأنت تقرأ رغبة في الانتهاء حتى تقترب خطوة من الهدف المزعوم، لا يهمك جودة ما تقرأ ولا مدى إعجابك به، ربما تبحث عن الكتب الخفيفة الصغيرة كما فعلت أنا – آسفاً- عندما كنت في تحدي القراءة، وربما تضطر إلى الانتهاء من كتاب لم تعد ترغب في قراءته كي تزيد من الخطوات المقطوعة.

وهنا لا نلوم من يقوم بوضع التحدي، لا نلوم جودريدز أو تطبيق أبجد مثلاً، فما يقومون به هو تسويق مهم وضروري لأي "بيزنس"، ولكن الأمر على عاتق من يقرأ في الأساس، فأنت يا عزيزي مسؤول عن نفسك. 

للتحديات متعة أيضاً، ربما هي متعة مستترة بعض الشيء، تختبئ تحت أطنان من الضغط والقلق من عدم التحقيق، وتنفجر كلها في لحظة تحقيق الهدف والفوز بالتحدي، لذلك تبدو كانها متعة طاغية لا تضاهيها متعة، إلا أن هذا غير حقيقي، فالأمر وما فيه هو أنها لحظية، طاغية نعم لكنها طاغية لكثرة الضغط والقلق والتوتر الذي عشت فيه حتى تصل لتلك النقطة، وهذا يليق بعملٍ تقوم به وليس بشيء ترغب في الاستمتاع به في الأساس.

المتع الصغيرة المستمرة طوال عام والتي تنتج عن قراءة ما تحب، بتمهّل وتلذّذ واستفادة، أهم وأكبر كثيراً مما ينتج عن لحظة انفجار بعد تعرّض للضغط المستمر طوال عام.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard